موقع اقرا » الآداب » مفاهيم ومصطلحات أدبية » مفهوم المحسنات اللفظية

مفهوم المحسنات اللفظية

مفهوم المحسنات اللفظية


ما هي المحسنات اللفظية؟

تعدّ المحسنات اللفظية قسمًا من البلاغة العربية، وعُرِّفت المحسنات اللفظية بأنّها الكلام الذي يعود فيه التجميل والتحسين إلى اللفظ أصلًا، وإن تبع هذا التحسين والتجميل تحسين في المعنى فهو غير مقصود، لأن التعبير عن المعنى بلفظ جميل حسن يعطي زيادة في تحسين المعاني، وقد صنف علماء البلاغة هذه المحسنات اللفظية، وسيأتي التعريف ببعضها في هذا المقال.[١]

أنواع المحسنات اللفظية

ما عدد المحسنات اللفظية؟

قد تعددت المحسنات اللفظية في كلام العرب حتى جاوزت الخمسة عشر نوعًا، يُذكر منها أولًا:

الجناس

يطلق عليه العديد من المسميات منها: التجانس والتجنيس والمجانسة، وهو زينة المحسنات اللفظية وأشهرها، ويُعرَّف الجناس في اللغة بأنه المشاكلة واتحاد الجنس، يقال جانسه: إذا شاكله وطابقه واشترك معه في الجنس، والجنس: هو الضرب من كل شيء، وجنس الشيء: هو الأصل الذي تفرع عنه واشتق منه، أمَّا تعريفه في الاصطلاح: هو أن يختلف اللفظان في المعنى ويتشابها في النطق، ويعود سبب تسميته بهذا الاسم إلى أن حروف ألفاظه وتركيبها يكون من جنس واحد.[٢]

للجناس أنواع يندرج تحتها وهي نوعان: الجناس التام وغير التام.[٢]

  • الجناس التام: وهو اتفاق اللفظ في أمور أربعة وهي: هيئة الحروف ونوعها وترتيبها وعددها، ويتفرع هذا النوع من أنواع الجناس إلى ثلاثة فروع أيضًا: أوَّلها:[٣]
  • الجناس المتماثل أو المماثل: وهو أن يتفق اللفظ بحيث يكون اللفظان اسمين أو فعلين أو حرفين، ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}[٤]، وهذا النوع واقع في الاسم.
  • الجناس المستوفى: وهو أن يكون للفظ نوعان مختلفان، مثل أن يكون أحد اللفظين اسمًا واللفظ الآخر فعلًا، ومثله قول الشاعر:

إن للوجد في فؤادي تراكم

ليت عيني قبل الممات تراكم

أو أن يكون أحد اللفظين فعلًا ويكون ا[٣]لآخر حرفًا، ومثاله قول الشاعر:

علا نجمه في عالم الشعر فجأة

على أنه مازال في الشعر شاديا [٣]
  • جناس التركيب: وهو أن يتركَّب أحد اللفظين المتجانسين أو كلاهما، ومنه قول الشاعر:

فلم تضع الأعادي قدر شاني

ولا قالوا: فلان قد رشاني [٣]
  • الجناس غير التام: وهو أن يختلف اللفظان المتجانسان في أمر من الأمور الأربعة التي ذُكرت قبل، وهي عدد الحروف ونوعها وترتيبها وهيئتها، وله عدة أنواع:[٥]
  • الجناس غير التام الواقع في نوع الحروف: ومثاله قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الخيل معقود بنواصيها الخير”.[٦]

ومنه قول الشاعر:

فيا لك من حزم وعزم طواهما

جديد الردى بين الصفا والصفائح [٥]
  • الجناس اللاحق: وهو أن يتباعد الحرفان اللذان وقع فيهما الاختلاف في المخرج، ومثاله قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}[٧]، وقد وقع الاختلاف هنا في حرفي الهمزة واللام، فهما متباعدان في المخرج الصوتي واقعان في أول اللفظ.
  • الجناس غير التام الواقع في عدد الحروف: ومثاله ما يقال: “لم يخلق الله داء إلا وخلق له دواء”.

ومنه قول الشاعر:

إن البكاء هو الشفا

ءُ من الجوى بين الجوانح [٥]
  • الجناس غير التام الواقع في هيئة الحروف: ومنه الجناس المحرف: ويكون باختلاف الضبط؛ أي: باختلاف السكنات والحركات، أو باختلاف النقط، ومنه قول الشاعر:

من بحر جودك أغترف

وبفضل علمك أعترف [٥]
  • الجناس غير التام الواقع في ترتيب الحروف: ويأتي على أربعة أنواع وهي: قلب الكل، قلب البعض، مجنح، مستوٍ، ومن أمثلة القلب الكلي قول الشاعر:

حسامك فيه للأحباب فتح

ورمحك فيه للأعداء حتف[٨]

السجع

وهو في اللغة مِن سجع يسجع سجعًا فهو ساجع وسجيع، ومنه يقال سجع الكاتب: إذا أتى بكلام مقفى منثور، فيه فواصل، ومنه سجعت الحمامة إذا رددت صوتها على نغمة واحدة، وفي الاصطلاح: وهو أن تتوافق الفواصل في الشعر والنثر في حرف واحد، وتكون في النثر في الحرف الأخير، ويكون السجع في النثر كالقافية في الشعر.

ويقع السجع في ثلاثة أنواع:[٩]

  • السجع المتوازي: وهو أن تتفق الفقرتان في التقفية والوزن ومنها قوله تعالى: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ}.[١٠]
  • السجع المطرف: وهو أن تتفق الفاصلتان في التقفية وتختلفان في الوزن، ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}.[١١]
  • السجع المرصع: وهو أن تتفق في الوزن والتقفية إحدى الفقرتين أو أكثرهما، ومنه قول بعضهم: “إن بعد الكدر صفوًا وبعد المطر صحوًا”.

ولعل النثر أبرز المواضع التي يكثر فيها السجع إلا أنه قد ورد في الشعر على قلة، ومثاله قول الشاعر:

فنحن في جزل والروم في وجل

والبر في شغل والبحر في خجل[١٢]

وأحسن ما يكون فيه السجع أن يأتي على عفو الخاطر غير متكلَّف ولا متصنع.

حسن التقسيم

وهو في اللغة من قسمت الشيء إذا جزَّأته، أما في الاصطلاح فيعرَّف التقسيم في علم البديع بأنّه قسمة متساوية في الكلام تأتي على جميع أنواعه، ولا يخرج من أجناس الكلام جنس، ومن ذلك التقسيم قول أعرابي: “النعم تقع في ثلاث، نعمة في حال كونها ونعمة ترجى مستقبلة، ونعمة تأتي غير محتسبة، فأبى الله عليك ما أنت فيه، وحقق ظنك فيما ترتجيه وفضل عليك فيما لم تحتسبه”، ولا نجد في فيما عدا هذه الأقسام من أقسام النعم قسم رابع يقع فيه الانتفاع.[١٣]

التصحيف

وهو في اللغة مِن صحف يصحِّف تصحيفًا فهو مصحف ومنه صحف الكلمة: إذا قرأها أو كتبها على غير صحتها لاشتباه في الحروف، وفي الاصطلاح يُعرّف التصحيف بأنّه: تماثل اللفظين في الخط واختلافهما في النطق والنقط[١٤]، ومثاله قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب: “قصِّر ثوبك، فإنه أتقى وأنقى وأبقى”[١٥]

الازدواج

وهو أن يأتي الشاعر بجمل من أول البيت إلى آخره يكون في كل جملة كلمتان مزدوجتان، وتكون كل كلمة إما جملة وإما مفردة، يقع هذا النوع أكثر ما يقع في لأسماء المضافة المثناة، ومنه قول الشاعر أبي تمام:

وكانا جميعًا شريكي عنان

رضيعي لبان، خليلي صفاء [١٦]

أيضًا من الازدواج ما يكون في كلمتين يكون مفهومها وصورتهما واحدًا، ويظهر ذلك في قول ابن الرومي:

أبدانهن وما لبس

مـن من الحرير معًا حرير

أردانهن وما مسس

ـن من العبير معًا عبير [١٦]

الموازنة

وهي في اللغة من وزن يزن وزنًا وزنة، يقال: وزن الشعر: إذا جعله موافقًا لبحر من بحور الشعر العربي، ويقال وزن فلان كلامه: “إذا انتبه وتروى في القول وتكلم بفطنة وزنة”، ويعرف في الاصطلاح بأنه تساوٍ في الوزن في الفاصلتين ويكون في الفقرتين المقترنتين ويكون بينهما اختلاف في آخر حرف، وتكون الموازنة في الشعر والنثر، ويقع تشابه كبير بينها وبين السجع، لولا أنّ السجع من شروطه أن يوجد اتفاق في الحرف الأخير، على عكس الموازنة فإن الاختلاف يقع فيها في الحرف الأخير.[١٧]

ومن أمثلة الموازنة: قوله تعالى: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}[١٨]، وقد اتفقت الكلمتان الأخيرتان في الآيات في الوزن واختلفتا في التقفية، فكانت الأولى بحرف الفاء، وجاءت الثانية بحرف الثاء [١٧]

الترصيع

وهو في اللغة من رصَّع يرصع ترصيعًا، يقال: رصع الخاتم: إذا حلاه بالجواهر، ورصع الجملة: جعلها متقفية الأعجاز مستوية الأوزان، وهو مأخوذ من ترصيع العقد، وهو أن يكون من اللآلئ في أحد طرفي العقد مثل ما يكون في الجانب الآخر، أما في الاصطلاح فيُعرَّف الترصيع بأنّه: تساوٍ بين لفظة من ألفاظ الجزء الأول مع لفظة من ألفاظ الجزء الثاني في القافية والوزن[١٩].

وهو غير موجود في القرآن الكريم لما فيه من التكلف الزائد، أما في الشعر فإنه قليل لما فيه من التعسف والكلفة والصنعة، وإن وُجِدَ في الشعر لم يكن فيه من الحلاوة والطلاوة التي تكون في فنون الكلام المنثور المرصع[١٩]، ومثاله في الشعر:

فمكارم أوليتها متبرعًا

وجرائم ألغيتها متورعًا [١٩]

ومما ورد أيضًا في كلام العرب من الترصيع: “من أطاع غضبه أضاع أدبه”.[١٩]

التشريع

يُطلق عليه أيضًا التوأم والتوشيح، وهو أن يبنى البيت على قافيتين يكون المعنى صحيحًا عند الوقوف على كل واحدة منهما، وهو أن ينظم الشاعر قصيدته على وزنين من الأوزان الشعرية وقافيتين، فإذا وُقِف في البيت الأول على القافية الأولى كان في الشعر استقامة جميلة حسنة، وإذا أضاف الشاعر إلى ذلك ما بنى عليه شعره من القافية الثانية كان الشعر أيضًا مستقيمًا من وزن آخر في العروض[٢٠]، ومثاله قول الشاعر:

أسلم ودمت على الحوادث مارسًا

ركنا ثبير أو هضاب حراء

ونل المراد ممكنًا منه على

رغم الدهور وفز بطول البقاء [٢٠]

فإذا ما أُسقطت من كل بيت من هذه الأبيات تفعيلتان، تبقى الأبيات مستقيمة مقفَّاة، وهي بعد حذف التفعيلات:

أسلم ودمت على الحوا

دث مارسًا ركنا ثبير

ونل المراد ممكنًا

منه على رغم الدهور [٢٠]

لزوم ما لا يلزم

ويُسمى أيضًا التضييق والالتزام والتشديد والإعنات، وهو عند البلاغيين أن يأتي بما ليس بلازم في التقفية ويكون في الشعر قبل الروي، وفي النثر قبل الفاصلة، والفرق بين هذا المحسن اللفظي وبين السجع أن السجع يكون على حرف واحد في الفاصلتين، أمّا لزوم ما لا يلزم فهو أن يأتي قبل حرف الروي حرف بعينه أو أكثر أو حركة مخصوصة، ومن أمثلته قول أبي العلاء المعري:

لا تطلبن بآلة لك حاجة

قلم البليغ بغير جد مغزل [٢١]

يُعدُّ هذا الأسلوب من الأساليب الصعبة حيث يقول ابن الأثير في المثل السائر فيه: “وهو من أشق هذه الصناعة مذهبًا، وأبعدها مسلكًا، وذلك لأن مؤلفه يلتزم فيه ما لا يلزمه”. [٢٢]

رد العجز على الصدر

يُطلق عليه اسم التصدير، ويأتي في موضعين إحداهما في النظم والآخر في النثر، ومثاله من النثر: “سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل”، فهنا سائل الأول من السؤال، وسائل الثانية من السيلان[٢٣]، ومثاله من الشعر قول الشاعر:

بليغ متى يشكو إلى غيرها الهوى

وإن هو لاقاها فغير بليغ [٢٣]

ما لا يستحيل بالانعكاس

وهو أن يقرأ اللفظ عكسًا وطردًا، ومثاله من كلام العرب: كن كما أمكنك، فإذا قرأتها عكسًا كانت هي نفسها[٢٤]، ومن أمثلته قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}.[٢٥]

المواربة

وهي في اللغةالمخادعة والمخاتلة، وهي مأخوذة من الأرب، وهو الدهاء، أما في الاصطلاح فهي أن يجعل المتكلم كلامه وقوله على نحو بحيث يمكنه تغيير معناه عن طريق تحريف أو تصحيف أو غير ذلك، حتى لا يلومه لائم، ومن أمثلته قول أبي نواس:

لقد ضاع شعري على بابكم

كما ضاع عقد على خالصة [٢٦]

حيث عدّله بعد ذلك وقال:

لقد ضاء شعري على بابكم

كما ضاء عقد على خالصة [٢٦]

ائتلاف اللفظ مع اللفظ

وهو أن تكون ألفاظ العبارة في التأمل والغرابة من وادٍ واحدٍ: ومثاله قوله تعالى: {قالوا تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يوسُفَ}[٢٧]، فقد أتى بحرف التاء للقسم وهو من أغرب الحروف في أسلوب القسم، ثم أتى بعد ذلك بالفعل تفتأ وهو من أغرب الأفعال في الاستمرار[٢٨]

التسميط

وهو في اللغة مأخوذ من السمط، وهو الخيط ما دام فيه خرز، ويُعرَّف في الاصطلاح بجعل الشاعر بيت الشعر في أربعة أقسام، واحد مغاير لقافية البيت وثلاثة أبيات سجعة واحدةٍ، ومنه قول الخنساء:

حامي الحقيقة، محمود الخليقة مه

دي الطريقة، نفَّاع وضرار[٢٩]

وُجِدَ في هذا البيت أربع فواصل، واحدة مختلفة وثلاث منها على سجعةٍ واحدةٍ “الحقيقة، الخليقة، الطريقة” بخلاف قافية البيت وهي “ضرار”[٢٩]

الانسجام

يُعرَّف بأنه سهولة في المعاني وسلامة في الألفاظ مع تناسبهما وجزالتهما، ومنه قول الشاعر:

ما وهب الله لامرئ هبة

أفضل من عقله ومن أدبه

هما كمال الفتى فإن فقدا

ففقده للحياة أليق به[٣٠]

الاكتفاء

وهو أن يستغني الشاعر في البيت عن شيءٍ ويحذفه بدلالةٍ للعقل عليه، ومنه قول الشاعر:

فإن المنية من يخشها

فسوف تصادمه أينما [٣١]

ويقصد بقوله: أينما؛ أي: أينما توجه.

التطريز

وهو أن يشتمل صدر النثر أو الشعر على ثلاثة أسماء مختلفة من المعاني، ويكون العجز صفة متكررة بلفظ واحد، ومنه قول القائل:

وتسقيني وتشرب من رحيق

خليق أن يلقب بالخلوق

كأن الكأس في يدها وفيها

عقيق في عقيق في عقيق [٣٢]

أمثلة على المحسنات اللفظية

ما أبرز الشواهد في المحسنات اللفظية؟

تعددت الشواهد وكثرت الأمثلة على هذه الأنواع من المحسنات اللفظية التي تقدم ذكرها، يُذكَر منها:

  • الجناس التام: ومنه قول البحتري:

إذا العين راحت وهي عين على الهوى

فليس بسرٍّ ما تُسرُّ الأضالع[٣٣]

والشاهد هنا في كلمة “العين وعين” ف “العين” الأولى بمعنى الناظرة، و”عين” الثانية بمعنى “جاسوس”، ووجه الشبه أنّهما تماثلتا واتفقتا في الاسمية، فجاء الجناس تامًا أضفى على البيت الشعري موسيقى داخلية نظّمت وزنه وأغنت سماعه.

  • الجناس غير التام: كقول الحريري في مقاماته: بيني وبين بنيِّ ليل دامس وطريق طامس[٣٤]، والشاهد هنا في كلمتي طامس ودامس، حيث اختلف الحرفان الأوَّلان منهما وهما الدال والطاء لكنهما تقاربا في المخرج، وقد وقعا في أول الكلمة، فجاء الجناس غير تام، لاختلاف في حرف واحد وتشابه في اللفظ فالتحسين الفظي وافق المعنى وزاده موسيقى داخلية.
  • السجع: ومن أمثلته في السجع المتوازي قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[٣٥]، والشاهد في كلمتي هوى وغوى، وقد وقع السجع فيهما لأنهما اتفقتا في القافية والوزن، فخرجت إلى وحدة النغم التحسيني والبديعي في الآية الكريمة فشدت انتباه السامع لحسن توازيها وتقاربها من المخرج واستساغتها على المسمع.
  • حسن التقسيم: ومنه قول الشاعر:

يا اسم صبرًا على ما كان من حدث

إن الحوادث ملقى ومنتظر [٣٦]

والشاهد هنا في كلمتي “ملقى ومنتظر”؛ أي: ليس في الحوادث إلا ما لقي أو انتظر لقيه، وقد وقع حسن التقسيم فيهما، فقد خرجتا إلى غرض التحسين اللفظي في نهاية البيت الشعري بشكل تألفه الأذن وموافقة للمعنى دون إسراف في التزيين.

  • التصحيف: ومن أمثلته: قوله تعالى: {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ** وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[٣٧]، فالشاهد في كلمتي “يسقين ويشفين” فقد وقعتا متماثلتين في الخط مختلفتين في النقط، بحيث لو أزلتَ النقط عنهما وقع بينهما تماثل تام، وقد خرج هذا التصحيف لتنميق لفظي جمالي مناسب للمعنى ومؤدي للغرض التحسيني.
  • الازدواج: ومنه قول بعض العرب:

ومطعم النصر يوم النصر مطعمه

أنى توجه والمحروم محروم [٣٨]

والشاهد هنا في قوله: “ومطعم النصر مطعمه” و”المحروم محروم” وقد وقع بينهما ازدواج، وقد يظن البعض بأنهما من قبيل الجناس المتماثل، غير أن بينهما فرق واضح، ففي الجناس اختلاف معاني الكلمات، أمّا في الازدواج فالألفاظ تتفق.

  • الموازنة: ومنه قول أبي تمام:

فأحجم لما لم يجد فيك مطمعًا

وأقدم لما لم يجد عنك مهربا[٣٩]

وقد اتفقت الفقرتان في الوزن، واختلفتا في الحرف الأخير في الكلمتين الأخيرتين “مطمعًا ومهربًا”، فقد جاءت الأولى على حرف العين، وجاءت الثانية على حرف الباء، فجاء كلامه في شطري بيته موازنًا في الإيقاع مختلفًا بخاتمته بحرف واحد.

  • الترصيع: ومنه قول للحريري: فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه[٤٠]، فقد جعل القائل هنا الألفاظ في الجملة الأولى مساوية للألفاظ في الجملة الثانية في القافية والوزن، فقد جاء بكلمة “يطبع” مقابل كلمة “يقرع”، و”الأسجاع” مقابل “الأسماع”، و”جواهر” مقابل “زواجر”، و”لفظه” مقابل “لفظه”.
  • التشريع: ومنه قول الشاعر:

وإذا الرياح مع العشي تناوحت

هوج الرمال بكثبهن شمالا

ألفيتنا نقري العبيط لضيفنا

قبل القتال ونقتل الأبطالا [٤١]

وقد جاء هذان البيتان على البحر الكامل وكانت القافية فيهما على حرف اللام، وإذا ما أُسقطت تفعيلتان فإنّ وزن البيتين يصبح من مجزوء الكامل وينتقل إلى قافية أخرى هي من اللام أيضًا:

وإذا الرياح مع العشي

تناوحت هوج الرمال

ألفيتنا نقري العبيـ

ـط لضيفنا قبل القتال [٤٢]

لزوم ما لا يلزم: ومن أمثلة هذا النوع قول الشاعر:

يا محرقًا بالنار وجه محبه

مهلًا فإنّ مدامعي تطفيه

احرق بها جسدي وكل جوارحي

واحرص على قلبي فإنك فيه [٤٣]

والشاهد هنا في “تطفيه وفيه” فقد التزم ما لا يلزم، وذلك مناسبة في غير موضعها أراد بها الشاعر توافق نهايات الشطرالأول مع الشطر الثاني للتزيين اللفظي للبيت الشعري، فجاءت خاتمة الشطر الأول “فيه” وخاتمة الشطرالثاني “فيه”.[٤٣]

  • رد العجز على الصدر: ومنه قوله تعالى: {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ}[٤٤]، والشاهد يكمن بجمع بين لفظتي “تخشى وتخشاه” اشتقاق وشببه، فوقع فيه رد للعجز على الصدر، ففي عجز الآية الكريمة “تخشاه” تكرار لفظي مجموع مع صدر الآية التابعة لها من حيث المعنى والمشاكلة لها والمشتقة منها من حيث اللفظ.
  • ما لا يستحيل بالانعكاس: ومنه قول الشاعر:

مودته تدوم لكل هول

وهل كل مودته تدوم [٤٥]

الشاهد هنا في الألفاظ جميعًا، فإنك لو قرأتها عكسًا لم تجد اختلافًا في أيّ منها وسيبقى البيت الشعري على حاله كما قُرِأ أولاً، ففي الشطر الأول يقول إنّ المودة تدوم وتبقى لكل هول، ثم يعكس الألفاظ بأسلوب الاستفهام ليقول ذات المعنى.

  • المواربة: ومن أمثلة هذا النوع قول الشاعر صفي الدين الحلي:

لأنت عندي أخصُّ الناس منزلة

إذ كنت أقدرهم عندي على السلم[٤٦]

فقد أراد في كلمة “أخص” كلمة “أخس”، وأراد في كلمة “أقدرهم” كلمة “أقذرهم” وفي هذا التبديل بالمعنى يكون الشاعر قد لعب على اللفظ ليجعله مغايرًا لما أراد، فأطلق عليه محسنًا لفظيًا لتجانس اللفظين وفيهما تقع المواربة.

  • ائتلاف اللفظ مع اللفظ: ومن أمثلته قوله تعالى: {وَلا تَركَنوا إِلَى الَّذينَ ظَلَموا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ}.[٤٧]

وقد وجد في هذا النص تلاؤم بديع بين الألفاظ والمعنى المراد منها، ولعل في الركون إلى الذين ظلموا نوع من الاعتماد عليهم والميل إليهم دون الانغماس في الظلم معهم، فجاء هذا المعنى ملائمًا مع ما أتى به لبيان العقاب في قوله: “فتمسكم النار”؛ لأن في لفظ المس معنى لملاصقة النار دون الانغماس فيها.

الخلاصة

لعبت المحسنات اللفظية دورًا كبيرًا في البلاغة العربية وكان لها حضور كبير في لغة العرب المحكية واللغة المكتوبة سواء في دواوين العرب ووثائقهم وسجلات، أم في آدابهم.

وهذه المحسنات هي: الجناس، السجع، حسن التقسيم، التصحيف، الازدواج، الموازنة، الترصيع، التشريع، لزوم ما لا يلزم، رد العجز على الصدر، ما لا يستحيل بالانعكاس، المواربة، ائتلاف اللفظ مع اللفظ، التسميط، الانسجام، الاكتفاء، التطريز. 

المراجع[+]

  1. عبد العزيز عتيق، في البلاغة العربية علم البديع، صفحة 76. بتصرّف.
  2. ^ أ ب هيثم غرة ومنيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 227. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث هيثم غرة ومنيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 227-229. بتصرّف.
  4. سورة الروم، آية:55
  5. ^ أ ب ت ث هيثم غرة ومنيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 230-233. بتصرّف.
  6. رواه جابر بن عبد الله، في الترغيب والترهيب، عن المنذري، الصفحة أو الرقم:235.
  7. سورة الهمزة، آية:1
  8. هيثم غرة و منيرة فاعور، البلاغة العربية: البيان والبديع، صفحة 234.
  9. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 409-410. بتصرّف.
  10. سورة الفاشية ، آية:13
  11. سورة النبأ، آية:6-7
  12. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، صفحة 410.
  13. أبو هلال العسكري، الصناعتين، صفحة 341، جزء 1. بتصرّف.
  14. مناهج جامعة المدينة العالمية، البلاغة البيان والبديع، صفحة 452، جزء 1. بتصرّف.
  15. رواه عبيد بن خالد المحاربي، في السلسلة الضعيفة، عن الألباني، الصفحة أو الرقم:1857.
  16. ^ أ ب ابن أبي الأصبع العدواني، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر وبيان إعجاز القرآن، صفحة 452، جزء 1. بتصرّف.
  17. ^ أ ب عبد الرحمن حبنكة الدمشقي، البلاغة العربية، صفحة 512، جزء 2. بتصرّف.
  18. سورة الغاشية، آية:15-16
  19. ^ أ ب ت ث ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، صفحة 279، جزء 1. بتصرّف.
  20. ^ أ ب ت عبد العزيز عتيق، في البلاغة العربية علم البديع، صفحة 241-242. بتصرّف.
  21. محمد هيثم غرة ومنيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 275-276. بتصرّف.
  22. ضياء الدين ابن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، صفحة 281، جزء 1. بتصرّف.
  23. ^ أ ب محمد هيثم غرة و منيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 247-248. بتصرّف.
  24. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 413. بتصرّف.
  25. سورة المدثر، آية:3
  26. ^ أ ب محمد هيثم غرة و منيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 279. بتصرّف.
  27. سورة يوسف، آية:85
  28. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 414. بتصرّف.
  29. ^ أ ب محمد هيثم غرة و منيرة فاعور، البلاغة العربية البيان والبديع، صفحة 273. بتصرّف.
  30. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 414. بتصرّف.
  31. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 415. بتصرّف.
  32. أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع، صفحة 415. بتصرّف.
  33. “ألمت وهل إلمامها “، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2021.
  34. الحريري، مقامات الحريري، صفحة 81.
  35. سورة النجم، آية:1-2
  36. “ترى الكثير قليلا”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2021.
  37. سورة الشعراء، آية:79-80
  38. محمد قاسم، البلاغة العربية، صفحة 78.
  39. محمد قاسم، البلاغة العربية، صفحة 81.
  40. الحريري، مقامات الحريري، صفحة 66.
  41. “أبت الروادف”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2021.
  42. محمد قاسم، البلاغة العربية، صفحة 86. بتصرّف.
  43. ^ أ ب عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، صفحة 42. بتصرّف.
  44. سورة الأحزاب، آية:37
  45. محمد قاسم، البلاغة العربية، صفحة 92.
  46. “إن جئت سلعا فسل”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/2/2021.
  47. سورة هود، آية:113






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب