مدرسة أبولو في الذاكرة الأدبية

نشأة مدرسة أبولو

كيف تأسست جماعة أبولو؟

بعد عصر التقهقر الذي عاش به العالم العربي كان لا بدّ من نهضات تُعيد للأدب رونقه الذي فقده، فشهد الثلث الأول من القرن العشرين مجموعة من الحركات الأدبية التي عملت على ظهور مدارس وجماعات تُعيد للأدب أمجاده، فكانت جماعة أبولو التي أسّسها أحمد أبو شادي في وكان ذلك في شهر أيلول عام 1932 ميلادي، بينما أعلن هذا الشاعر عن ميلاد حركة جديدة في الأدب أطلق عليها اسم أبولو، وسبب تسمية مدرسة أبولو بهذا الاسم هو فقد أوضح مؤسسها أبو شادي أنَّه استمدّ الاسم من الحضارة الإغريقية ومعنى أبولو عندهم هو رب الشعر والموسيقى.[١]

كانت القاهرة هي المأوى الأول لاحتضان فكرة مدرسة أبولو، وقد تجّمع حول هذه المدرسة مجموعة كبيرة من الشعراء والنقاد وكذلك الأدباء، ومن بينهم: علي محمود طه وأحمد الشايب وحسن كامل الصيرفي، وقد تولّى أبو شادي أمانة سر هذه المدرسة بصفة دائمة، ومن ثم اختير أمير الشعراء أحمد شوقي ليكون رئيسًا لهذه المدرسة.[١]

أسباب ظهور مدرسة أبولو

لماذا ظهرت أبولو مع وجود مدرسة الديوان؟

لكلّ شيء سبب وكان لظهور مدرسة أبولو مجموعة من الأسباب، ومن بينها:[٢]

• التضارب بين مدرستي التقليد والديوان، وقد كان أحمد شوقي وحافظ إبراهيم على رأس المدرسة التقليدية والتي كانت تعتمد الألفاظ الجزلة والأسلوب الجاف.
• تراجع أداء مدرسة الديوان لمَّا عزف المازني عن قول الشعر بسبب الذي قيل في شعره، وابتعاد عبد الرحمن شكري عن الحياة الأدبية وانصراف العقاد إلى عبقرياته وعدم إعجاب الناس بشعره.

• محاولة ربط ما بين حركة التجديد في الشعر العربي والشعر العربي القديم بحيث يُصان القديم ويُجدّد فيه.
• محاولة النهوض بالشاعر إلى الآداب العالمية وتنمية ثقافته، بحيث يخرج من الإطار القديم المرسوم والذي يدور فيه.
• تراجع التعليم بشكل كبير، وعدم نجاح الصحافة العربية، فكان لا بدّ من تيار جديد يجذب أنظار النَّاس إليه.

مبادئ مدرسة أبولو 

ما أهم الأسس التي قامت عليها جماعة أبولو؟

لقد حملت مدرسة أبولو مجموعة من المبادئ التي لا بدَّ من الإشارة إليها، ومن ذلك:

محاربة شعر المناسبات

لقد حارب روّاد مدرسة أبولو شعر المناسبات الذي يكون بحبر الشاعر لا بمشاعره وقلبه، فكأنّه يخرج من طرف لسانه خاليًا من المشاعر والأحاسيس، وعدّوا الشعر نوعًا من أنواع التعبير عمّا في النّفس الدّاخليّة من مشاعر وأحاسيس، ولا بدَّ للألفاظ أن تكون على قدر التجربة الدّاخليّة التي يطمح الشاعر بتسطيرها في أدبه، وذلك هو صلب الاتجاه الرومانسي في الشعر.[٣]

الوحدة العضوية

ليس المقصود بالوحدة العضوية أن تكون القصيدة من بدايتها إلى نهايتها منسوجة على نفس الصورة أو المنوال، وذلك ما حاول العقاد أن يعيبه على أحمد شوقي واتّهم قصيدته بالتخلخل في الصور، وإنّما المقصود فعلًا هو ما نسجه شوقي في قصائد بحيث تكون القصيدة مجموعة من الصور فتكون كل صورة على حدة بمثابة العضو الحي.[٣]

التعبير بالصورة

التعبير بالصورة هو من صلب مبادئ مدرسة أبولو بحيث ترفّعوا عن التعبير باللفظة الواحدة أو اللفظتين، بل تكون الصورة الشعرية هي صلب الجمال الفني الذي ينسج الشاعر عليه قصيدته، فلمّا يُمسك القارئ قطعة من قصيدة أحد الشعراء تكون الصورة حاضرة أمامه وكأنها مرسومة على لوحة فنية يُطالعها في كل حين.[٣]

التجديد في حيثيات القصيدة

لقد نادى شعراء مدرسة أبولو بالتجديد في حيثيات القصيدة كافة، فأعلنوا الشعر الحر واحتفظوا كذلك بالشعر المرسل، ونادوا بتحرير القصيدة العربية من قيود الشكل والمضمون الذي ملّه النّاس، ونوّعوا في أوزان قصائدهم وفي قوافيها، وأيّدوا مذهب الفن للفن وكذلك الفن للحياة، فكانت القصيدة عندهم لإمتاع النفس، ليس المطلوب منها أكثر من ذلك.[٣]

قضايا الشعر عند جماعة أبولو 

ما هي الأغراض التي شاعت في قصائد أبولو؟

برزت مجموعة من القضايا التي عالجها رواد مدرسة أبولو في أشعارهم، ومن بين ذلك:

الحب

لقد تناول شعراء مدرسة أبولو الحب في قصائدهم كما تناولها معظم الشعراء العرب، فلم يكن أعلام مدرسة أبولو نشازًا عن تلك السمفونيّة التي اختطها العرب منذ الأزل، وقد كانت مقطوعاتهم شبيهة بالمقطوعات العباسية في ذلك المجال، فبكوا واستبكوا واشتكوا الفراق ولوعة الحزن والألم، واستخدموا في ذلك الألفاظ الجريئة.[٤]

الطبيعة

إنّ مسألة الطبيعة ليست جديدة في الشعر العربي، لكنّ طريقة تناولها من روّاد مدرسة أبولو هو ما جعلها مختلفة غاية الاختلاف، فلم تعد الطبيعة تُشكل عنصرًا من عناصر التغني كما كان قديمًا، بل اندمج الشعراء مع عناصر الطبيعة فصارت للتعبير عن حالاتهم النفسية التي يشعروا بها، وبذلك حذا رواد أبولو إلى الرمزية في بعض الأحيان.[٤]

الفلسفة

لقد ظهرت الفلسفة في الشعر العربي ظهورًا عاليًا، وذلك من خلال طرح الشاعر للعديد من التساؤلات الفلسفية في ثنايا قصيدته، فكان الشّاعر يعمد إلى حسّه الفلسفي النقدي فيعمله ولا يقترب من الصور الفسلفية الجاهزة؛ لأنّ صُلب ما تدعو إليه أبولو هو الابتعاد عن كل القوالب الجاهزة التي لا تُعبّر عمّا في خلجات النفس والروح.[٤]

الوجدان

لقد برزت قضية الوجدان بشكل كبير في شعر رواد مدرسة أبولو، فكان الشعر عندهم هو وليد مرارة التجربة والحسرة والألم، وليس بالضرورة أن يُعبّر الشاعر عن مرارة تجربته فقط، بل يُمكنه أن يُعبر عن تجربة الآخرين ويلوّن ذلك بأفكاره وخواطره ولمساته الإبداعية، وبذلك يكون الشعر تعبيرًا عن خلجات النّفس سواء كانت فرحًا أو حزنًا.[٤]

شعراء مدرسة أبولو

من هم روّاد مدرسة أبولو؟

برز العديد من الشعراء الذين اتخذوا من مدرسة أبولو منهجًا لهم في أشعارهم وقصائدهم، ومن بينهم:

• أحمد زكي أبو شادي: وقد عاش ما بين عامي (1892م – 1955م)، وهو شاعر بالفطرة وطبيبٌ كما قضت الحياة، استطاع أن يترك أثرًا عاليًا في الأدب العربي، وآمن أنّ الشعر لا يكون إلا من خلال التجربة والمعاناة والتعبير عن الذات.[٥]

• إبراهيم ناجي: وقد عاش ما بين عامي (1898م – 1953م)، وهو واحدٌ من الشعراء المصريين الذين وُلدوا في القاهرة وقد تخرج من كلية الطب، ولكنّ ذلك لم يخنق ميوله الشعرية فاستطاع أن يكون أحد أهم المؤثرين في المذهب الرومانسي.[٥]
• أبو القاسم الشابي: وقد عاش ما بين عامي (1909م – 1934م)، وهو شاعر تونسي من الطراز الرفيع، وأمَّا عمله فقد كان قاضيًا ولكنّ ذلك لم يكن ليمنعه من تذوّق الأدب والإبداع فيه.[٦]

أثر جماعة أبولو في الشعر الحديث

ما الأثر الذي تركه جماعة أبولو في العصر الحديث للأدب؟

لقد كان لجماعة أبولو أثرًا واضحًا في مسيرة الشعر الحديث على الرغم من الفترة القصيرة لحياة هذه المدرسة، فقد تناولت المدرسة العديد من الدراسات الأدبية لأعمال العديد من الشعراء وكان لهم آراء نقدية جيدة في هذا المجال، ثم تولّت جمعية أبولو إصدار دواوين أعضائها وقد كان لذلك فائدة عظيمة ما زال طلاب العلم يلمسونها حتى الآن، ومن تلك الدواوين ديوان الينبوع وأطياف الربيع، ولا بدَّ لكل باحثٍ في جماعة أبولو أن يلمس احتضانها لشعراء التجديد وكذلك الشعراء القدماء في بوتقة واحدة، وقد كان لذلك أثر في تنمية الشعر وأخذ القديم من الحديث والعكس.[٧]

قصائد من مدرسة أبولو

ما المقطوعات التي عزفها رواد أبولو بين السطور؟

ومن بين اللوحات الفنية التي نسجها روّاد مدرسة أبولو:

يا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى

كَانَ صَرْحًا مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى

اِسْقِني واشْرَبْ عَلَى أَطْلاَلِهِ

وارْوِ عَنِّي طَالَمَا الدَّمْعُ رَوَى

كَيْفَ ذَاكَ الحُبُّ أَمْسَى خَبَرًا

وَحَدِيْثًا مِنْ أَحَادِيْثِ الجَوَى

وَبِسَاطًا مِنْ نَدَامَى حُلُمٍ

هم تَوَارَوا أَبَدًا وَهُوَ انْطَوَى

يَا رِيَاحًا لَيْسَ يَهْدا عَصْفُهَا

نَضَبَ الزَّيْتُ وَمِصْبَاحِي انْطَفَا

وَأَنَا أَقْتَاتُ مِنْ وَهْمٍ عَفَا

وَأَفي العُمْرَ لِنِاسٍ مَا وَفَى

كَمْ تَقَلَّبْتُ عَلَى خَنْجَرِهِ

لاَ الهَوَى مَالَ وَلاَ الجَفْنُ غَفَا

وَإذا القَلْبُ عَلَى غُفْرانِهِ

كُلَّمَا غَارَ بَهِ النَّصْلُ عَفَا

يَاغَرَامًا كَانَ مِنّي في دمي

قَدَرًا كَالمَوْتِ أَوْفَى طَعْمُهُ

مَا قَضَيْنَا سَاعَةً في عُرْسِهِ

وقَضَيْنَا العُمْرَ في مَأْتَمِهِ

مَا انْتِزَاعي دَمْعَةً مِنْ عَيْنَيْهِ

وَاغْتِصَابي بَسْمَةً مِنْ فَمِهِ

لَيْتَ شِعْري أَيْنَ مِنْهُ مَهْرَبي

أَيْنَ يَمْضي هَارِبٌ مِنْ دَمِهِ

لَسْتُ أَنْسَاكِ وَقَدْ اَغْرَيْتِني

بِفَمٍ عَذْبِ المُنَادَاةِ رَقِيْقْ

• قال سميح قاسم في وصف علاقته مع المرأة التي يحبها:[٩]

ألا تشعرين؟

بأنّا فقدنا الكثير

وصَارَ كلامًا هوَانا الكبير

فلا لهفةٌ لا حنين

ولا فرحةٌ في القلوبِ إذا ما التقينا

ولا دهشةٌ في العيونِ

ألا تشعُرين؟

بأنّ لقَاءاتنا جامدة

وأنّا فقدنا حماس اللقاء

وصرنا نجاملُ في كل شيءٍ وننسى

وقد يرتمي موعدٌ جثّة هامدة

فنكذبُ في عُذرنا ثم ننسى

ألا تشعرين؟

بأنّ رسائلنا الخاطفة

غدت مبهماتٍ قصيرة

فلا حسّ لا روح فيها ولا عاطفة

ولا غمغماتٌ خياليةٌ

ولا أمنياتٌ ولا همساتٌ مثيرة

وأنّ جواباتنا أصبحت لفتاتٍ بعيدة

كعبءٍ ثقيلٍ نخلّصُ منه كواهلنا المتعبة

ألا تشعرين؟

المراجع[+]

1. ^ أ ب فهيمة بوحلاسي، نورة بن سي زارة، الأسس والمنطلقات النقدية بين جماعتي أبولو والمهجر، صفحة 15. بتصرّف.
2. ↑ فهيمة بوحلاسي، نورة بن سي زارة، الأُسس والمنطلقات النقدية بين جماعتي المهجر وأبولو، صفحة 22. بتصرّف.
3. ^ أ ب ت ث نسيب نشاوي، مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر المعاصر، صفحة 228. بتصرّف.
4. ^ أ ب ت ث حسن علي حسن سليمان، مظاهر التجديد في الشعر الحديث، صفحة 150. بتصرّف.
5. ^ أ ب نسيب نيشاوي، مدخل إلى دراسة المدارس الأدبية في الشعر المعاصر، صفحة 230. بتصرّف.
6. ↑ أبو القاسم الشابي، ديوان أبو القاسم الشابي، صفحة 5. بتصرّف.
7. ↑ حسن سليمان، مظاهر التجديد في الشعر الحديث، صفحة 230. بتصرّف.
8. ↑ “يا فؤادي رحم الله الهوى”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/3/2021.
9. ↑ ” ألا تشعرين؟”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 28/3/2021.