X
X



تعريف الصدقة

تعريف الصدقة


الصدقة

إنّ الله -عزّ وجلّ- حين برأ الخلق كتب لكلّ واحدٍ منهم حياته من قبل ولادته، فإمّا أن يكون سعيدًا وإمّا أن يكون شقيًّا، وكذا أن يكون فقيرًا أو غنيًّا، ووضع للمجتمع المسلم ضوابط ليقوم بها ويحيا أفراده حياةً كريمةً، فكان من بين الحلول التي أوجدها الإسلام على الصعيد المادي هي الصدقة والزكاة، وفرض الزّكاة وجعل الصدقة نافلةً للتقرب إليه -عزّ وجلّ- وجعل ثوابها غير محددٍ؛ ليجتهد المسلم في تحرّيها عند من تجوز عليهم، فيكون أجره أعظم عند الله تعالى، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في صحيح البخاري: “كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ”،[١] وهذا حديثٌ عظيمٌ شرح فيه النبي الأعظم معنى الصدقة وكيفية تأديتها بكلّ الطرائق الممكنة ماديةً كانت أم معنويةً؛ كحمل الناس وإعانتهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإماطة الأذى عن الطريق، وهذا من التيسير ليصل العبد إلى رضوان الله تعالى، وفي هذا الطريق تسابق المتسابقون ولسان حالهم يقول: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}،[٢] وسيقف هذا المقال مع تعريف الصدقة والوقوف على ماهيّتها.[٣]

تعريف الصدقة

في تعريف الصدقة ينبغي الوقوف على تعريف الصدقة لغةً وتعريف الصدقة اصطلاحًا، فالصَّدقة لغةً: هي ما يُعطى للفقير من مالٍ أو طعامٍ أو لباسٍ، واصطلاحًا: هي العطيّة التي يُبتغى بها الثواب من الله تعالى، فهي إذًا إخراج المال تقرُّبًا إلى الله تعالى، أو كما يقول ابن الجوزي:”ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويُقدّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل”، وإنّ من أقرب القربات لله تعالى الصدقة، فالصدقة تطفئ غضب الله كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي أيضًا برهان على الإيمان، وبرهانٌ على أنّ النفس المؤمنة استطاعت أن تتخلص من حبّ المال الذي هو ملتصقٌ بالروح وغاية النفوس، حيث يقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في صحيح الإمام مسلم: “والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ”،[٤] فينبغي للمسلم الاقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ فإنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان أجود من الريح المرسلة، والذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله -عزّ وجلّ- قال عنهم في سورة البقرة: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}،[٥] وبذلك يكون قد توضّح تعريف الصدقة لغةً واصطلاحًا.[٦]

فضل الصدقة

بعد تعريف الصدقة ينبغي الوقوف مع فضل الصدقة، فإنّ باب الصدقة من أعظم الأبواب التي يُنفق العبد ماله فيها، وقد حثّ الإسلام على التصدّق ورغّب فيه، وبين الأجر والثواب العظيم لمن تصدّق بماله، والصدقة عبادةٌ عظيمةٌ لها أثرٌ بالغٌ في نفس المتصدِّق، حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}،[٧] ومن تلك الفضائل:[٨]

  • إنّ الصدقة تطفئ غضب الله -عزّ وجلّ- ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه اللهُ يومَ القيامةِ، ليس بينه وبينه تَرجمانُ، فينظرُ أيْمنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يدَيه فلا يرى إلا النَّارَ تِلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ”،[٩] وفي الحديث إشارةٌ إلى أنّ العبد ينبغي له اتّقاء غضب الله تعالى، ولو بعملٍ يسيرٍ؛ كأن يتصدق ولو بنصف تمرة.
  • إنّ الصدقة دواءٌ للأمراض البدنية، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: “داووا مرضاكم بالصدقة”.[١٠]
  • إنّ أجر المتصدق يُضاعَف تحقيقًا لوعد الله -تعالى- في قوله: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.[١١]
  • إنّ العبد إنّما يصل حقيقة البر بالصدقة، كما جاء في قوله -تعالى- في سورة آل عمران: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}.[١٢]
  • إنّ في الصدقة راحةٌ للقلب وطمأنينته، فالمتصدق كلّما تصدّق بصدقةٍ؛ انشرح لها قلبه، وانفسح بها صدره، فكلمّا تصدَّق اتسع وانفسح وانشرح وقوي فرحه وعظم سروره، ولو لم يكن في الصَّدقة إلاّ تلك الفائدة وحدها؛ لكان العبدُ حقيقيًا بالاستكثار منها والمبادرة إليها، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}.[١٣]

أفضل الصدقات

بعد تعريف الصدقة، وبيان بعض فضائلها، فقد بيّنت نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية للعبد المسلم ما عليه أن يتصدّق به من الأعمال الصالحة التي لها شأنٌ عظيمٌ في الدين الإسلامي، حيث إنّ الصدقة من أبواب الخير التي يتقرب بها العبد إلى خالقه، وترتفع وتسمو بها درجاته، وفيما يأتي بيان أفضل الصدقات:[٨]

  • الصدقة الخفية: وهي التي لا يظهرها المتصدق ولا يخبر عنها أحدًا، حيث قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.[١٤]
  • الصدقة حال الصحة: وهي التي تكون من المتصدق حال صحته، لا حال مرضه وهو بحاجة إلى مزيد من رضى الله -تعالى- وعافيته، وفي الحديث أنّه أَتَى رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ؟ فَقالَ: “أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلَا تُمْهِلَ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كانَ لِفُلَانٍ”.[١٥]
  • الصدقة مع قلة ذات اليد: حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “سبقَ دِرهمٌ مئةَ ألفِ درهمٍ، قالوا: وَكَيفَ؟ قالَ: كانَ لرجلٍ درهمانِ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرضِ مالِهِ فأخذَ منهُ مئةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها.[١٦]
  • الإنفاق على الأولاد: حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أربعةُ دنانيرٍ: دينارٌ أعطيتَه مسكينًا، ودينارٌ أعطيتَه في رقبةٍ، ودينارٌ أنفقتَه في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَه على أهلِك، أفضلُها الذي أنفقتَه على أهلِك”.[١٧] وفي الحديث بيانٌ لعظمة النفقة على الزوجة وأولاد، وهي من أعظم أنواع الصدقات.

شروط قبول الصدقة

جاء في تعريف الصدقة أنّها العطيّة للمحتاج والسائل، التي يُبتغى بها الثواب من الله تعالى، ويُستفاد من تعريف الصدقة أنّها عمل خيرٍ خفيٍ بين الإنسان وخالقه، حيث إنّها تقوّي صلة العبد بربّه، ولأنّ الصدقة من العبادات فلا بد من شروط لقَبولها، وفيما يأتي بيانها:[١٨]

  • الإخلاص لله تعالى: فمن تصدّق رجاء أن يرضى اللهُ عنه، وهو متحقِّق أن الله سيجزيه على ذلك، كمثل حديقة مُتعرِّضة للسُّقيا في الصيف والشتاء، ولذلك فهي تُؤتي ثمارًا مضاعفةً، كذلك صدقة المسلم إذا كان مخلصًا، قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[١٩]فلا تُقبل الصدقة ولا غيرُها من الأعمال إلا إذا كانت خالصةً لوجه الله تعالى.
  • ألّا يتبعها منٌّ أو أذى: فيؤذي المتصدِّق من تصدّقَ عليه، ولا سيما إذا حصل بينهما خلاف فيذكر للناس ما أعطاه وقدمه له، فيُبطل أجر صَدقته ويحبط عمله، حيث قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.[٢٠]
  • أن تكون من الكسب الحلال: فإن كان حرامًا لا يقبل منه؛ لحرمانية تصرف الإنسان فيما لا يملكه، حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَنْ تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -ولَا يَقْبَلُ اللهُ إلَّا الطيِّبَ- فإِنَّ اللهَ يقْبَلُها بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِيها لِصاحبِهِ كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوَّلَ مَا يُوْلَدُ حتَّى تَكونَ مثلَ الجبَلِ”،[٢١] والفلو هو صغير الحصان، ويقال له مهر، وبذلك يكون قد تمّ مقال تعريف الصدقة، وقد توضّح فيه تعريف الصدقة وفضائلها، وبعض الجوانب المتعلقة بها.

المراجع[+]

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2989، حديث صحيح.
  2. سورة طه، آية: 84.
  3. ” الصدقة في الإسلام”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019.بتصرف
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم: 223، حديث صحيح .
  5. سورة البقرة، آية: 261.
  6. “تذكير أهل الإيمان بأن الصدقة برهان”، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  7. سورة البقرة، آية: 267.
  8. ^ أ ب “الصدقة.. فضائلها وأنواعها”، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  9. رواه الألباني، في صحيح الجامع ، عن عدي بن حاتم الطائي، الصفحة أو الرقم: 5798، حديث صحيح .
  10. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن الحسن البصري، الصفحة أو الرقم: 744، حديث حسن لغيره.
  11. سورة الحديد، آية: 18.
  12. سورة آل عمران، آية: 92.
  13. سورة الحشر، آية: 9.
  14. سورة البقرة، آية: 271.
  15. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1032، حديث صحيح .
  16. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2526، حديث حسن.
  17. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 878، حديث صحيح .
  18. “أثر الصدقات في تقوية الإيمان”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-12-2019. بتصرّف.
  19. سورة البقرة، آية: 265.
  20. سورة البقرة، آية: 264.
  21. رواه الألباني، في مشكلة الفقر، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 116، حديث صحيح .






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب