X
X


موقع اقرا » تعليم » تاريخ » الحضارات القديمة في الوطن العربي

الحضارات القديمة في الوطن العربي

الحضارات القديمة في الوطن العربي


الحضارات القديمة في الوطن العربي

متى بدأت الحضارة البشرية؟

بدأت الحضارة بالمعنى المعرفي لها منذ بداية العصر الحجري الحديث خلال الألف الحادية عشر قبل الميلاد في مناطق شمال سورية، وجنوب ووسط تركيا الحالية، وقد بدأت الحضارة البشرية عندما تطورت المجتمعات البشرية وأصبحت أكثر تعيقدًا اجتماعيًا، أي أنها استقرت في قرى ومدن صغيرة وحصلت تغيرات اجتماعية قسمت المجتمع الواحد إلى فئات مختلفة لكل فئة حقوق وواجبات، وأصبح العمل والانتاج الاقتصادي صفة أساسية لهذه المجتمعات الصغيرة في بدايتها، فمن أهم صفات الحضارة هي التمدن أي الاستقرار ووجود سلطة منظمة تنظم المجتمع وحدوث التطور تقني في عمليات الانتاج الاقتصادي.[١]

يمتد الوطن العربي من مناطق شبه الجزيرة العربية ومناطق بلاد الشام والعراق في القارة الآسيوية إلى وادي النيل والمناطق المحيطة به وصولًا إلى شمال أفريقيا، وقد وجد العنصر العربي في هذه المناطق منذ العصر الحجري الحديث، ومصطلح عربي أو حضارة عربية ينحصر غالبًا بالمعنى الثقافي للكلمة لا العرقي بكل تأكيد، وحول موضوع الحضارة في الوطن العربي تتشعب التصنيفات والتسميات بحيث تكون متعددة ومختلفة في كثير من الأحيان خصوصًا أن طول المدة الزمنية للحضارة في الوطن العربي ترك الكثيرمن المنجزات الحضارية.[٢]

بدأت الحضارة البشرية في مناطق جنوب الجزيرة العربية أي الخليج العربي وشط العرب، وامتدت لتتركز في مناطق الجزيرة الفراتية وبلاد ما بينه النهرين، فأصبح مصطلح بلاد ما بين النهرين مرادفًا لمصطلح الحضارة البشرية ومنطلقًا للمنجزات البشرية الأولى في الحضارة والإنتاج والتقدم وإيجاد أنظمة الحكم، وقد انطلقت أسس الحضارة من المجتمعات الزراعية الصغيرة على ضفاف نهري دجلة والفرات ونهر النيل لكي تنير طريق البشرية الحضاري.[٣]

الحضارة المصرية القديمة

متى بدأت الحضارة المصرية القديمة؟

تعود أصول الحضارة المصرية القديمة إلى الألف السادس قبل الميلاد، فقد سبب جفاف البحيرات في مناطق شمال أفريقيا إلى نزوح الكثير من الجماعات البشرية إلى مناطق دلتا النيل بسبب: وفرة المياه وخصوبة الأراضي الزراعية، إضافة إلى وجود هجرات من مناطق آسيا من جهة بلاد الشام والجزيرة العربية خلال الألف الرابع قبل الميلاد، سببت هذه الهجرات السكانية المخلتفة والتعددة وجود العامل البشري الذي يشكل الأسس الأولى لتشكيل وبناء أي حضارة وتقاطع مع وجود بيئة صالحة للزراعة قرب دلتا النيل لكي تنتج أولى الحضارات البشرية.[٤]

بدأت الحضارة في مصر مع حضارة نقادة التي تصنف بأنها حضارة بدائية تعود للعصور الحجرية الحديثة رغم إنتاجها للفخار في مناطق مختلفة أهمها كان منطقة أبيدوس، كما ظهرت التقينات العالية للإنتاج الزراعي وذلك بالتماشي مع ظهور حضارة البداري في مناطق مصر العليا، حضارة نقادة امتدت على طول نهر النيل وتطورت بشكل سريع من خلال التبادل التجاري مع مناطق أثيوبيا وكنعان، بحيث أصبح الإنتاج الزراعي ركيزة هذه الحضارة التي حولت تراكم المحاصيل والانتاج إلى أساس قوي لبناء الدولة المصرية القديمة في دلتا النيل.[٤]

سميت هذه الفترة عصر ما قبل الأسرات الحاكمة في مصر، هذه الحضارة “نقادة” كانت الأساس في ظهور الكتابة الهيروغليفية من خلال استخدامهم للصور وبعض الرموز في معاملاتهم اليومية، هذه الفترة أسهمت في ظهور السلطة المركزية في مصر وذلك في سبيل السيطرة على: الإنتاج الزراعي، وتنظيم توزيع الحصص بين الفلاحين، كما نظمت العلاقة في المجتمع من خلال تراتبية اجتماعية معقدة.[٥]

ظهرت الحضارة المصرية كحضارة كبرى خلال عصر الأسرات، وقد سمي بهذا الاسم بسبب وجود تصنيف مصري قديم يعود للقرن الثالث قبل الميلاد وضعه الملك مينا كمؤسس للدولة المصرية القديمة، إضافة إلى وجود دلائل على أن هذا الملك هو أول ملك مصري وأول من وحد شمال وجنوب مصر القديمة أي مصر السفلى ومصر العليا في إطار دولة واحدة، وقد حدث ذلك خلال نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، يختلف علماء الآثار حول ماهية الملك مينا، فالاعتقاد الأكبر هو أنه نفسه الملك نارمر الذي وحد مصر القديمة، وقد دلّت مبادرات الوحدة على أن توحيد الدولة كان من قِبل للملك نارمر.[٥]

توحيد الدولة المصرية القديمة حصل بالتدريج بشكل واضح بحسب الوثائق المصرية القديمة، وكان إنشاء مدينة ممفيس كعاصمة للدولة أول دليل مادي على توحيد الدولة، والجدير بالذكر أنه تم إنشاء ممفيس في مناطق مصر السفلى، وقد ساهم ذلك في السيطرة على طرق التجارة مع مناطق بلاد الشام التي أثبتها علم الآثار من خلال اللقى الأثرية في مقابر باب الذراع في الأردن، ومناطق الجزيرة الفراتية الواقعة بين سورية والعراق، وكما ذُكر سابقًا فقد ساهم وجود العامل البشري أي الأيدي العاملة ووفرة المياه بتحفيز الإنتاج الزراعي وتراكم الثروة مما أدى إلى تقسيم العمل والإنتاج، وبالتالي نشوء الطبقات في المجمتع المصري القديم.[٥]

تقسم الحضارة المصرية القديمة إلى فترات رئيسة وفرعية، أهمُّها:[٦]

  • عصر الدولة القديمة أو المملكة القديمة.
  • الدولة الوسطى.
  • الهكسوس
  • الدولة الحديثة.

خلال فترة المملكة القديمة ازدهرت الحياة الاقتصادية وظهر الفكر المصري الديني بشكل قوي، وشُيدت الأهرامات، وبنيت المعابد والمقابر الملكية، وتُعد هذه الفترة من عمر الحضارة المصرية القديمة فترة التأسيس والتجذير للدولة المصرية، واشتهرت هذه الفترة بالاستقرار والعمران الكبير للمقابر والمعابد في مصر السفلى والعليا، وتطورت الكتابة الهيروغليفية بشكل كبير خلال هذه الفترة وظهرت طبقات النبلاء والكهنة وأصبح العبيد ركيزة أساسية للثورة العمرانية في مصر القديمة.[٧]

أظهرت النقوش الأثرية وجود تبادل تجاري بين مصر ومناطق أثيوبيا وليبيا والسودان، إضافة إلى حركة التجارة الكبيرة بين مصر ومناطق بلاد الشام وبلاد الرافدين، وهذا ما أدى إلى انتعاش التبادل الثقافي بين هذه الحضارات واشتراكها ثقافيًا بشكل كبير وتشابه الأسسس الحضارية بينها، كما ظهرت فنون الطب المصرية القديمة وفنون التحنيط والتلوين وغيرها من تقنيات عالية في مصر انتقلت إلى معظم حضارات العالم القديم.[٧]

بدأ تفكك الدولة لأسباب اجتماعية واقتصادية وطبيعية تتعلق بالجفاف والفيضان، ففي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد بدأ تفكك الدولة المصرية إلى دويلات محلية حاكمة توزعت بين العوائل المصرية، وأُعلنت طيبة عاصمة لمصر العليا وممفيس عاصمة لمصر السفلى، وانتشرت الحروب الأهلية بسبب الجفاف والاقتتال الداخلي إلى أن جاء الملك أمنتحوتب الثاني من طيبة وأعاد توحيد الدولة من جديد خلال القرن الأخير من الألفية الثالثة قبل الميلاد.[٧]

افتتحت العائلة الحادية عشر عصر الدولة الوسطى بالعمران والازدهار الاقتصادي وقوة سلطة الدولة في مصر، ومع بداية الألفية الثانية قبل الميلاد نقل الملك المصري أمنحوتب العاصمة إلى منطقة الفيوم وأعلن “مدينة لتجتاوي” والتي تقع في منطقة الفيوم المصرية قديمًا عاصمة لمصر القديمة، وسيطرت العائلة الثانية عشر على مناطق النوبة مما أسهم في انتاج الذهب والحجارة وبنوا الأسوار الدفاعية في هذه المناطق لحمايتها من الهجمات الخارجية.[٧]

كما شهدت هذه الفترة العصر الذهبي للدولة المصرية القديمة من خلال ازدهارالأدب والفنون، وكان من أهمها: فنون النحت، والتصوير، والعمارة، وقد شهدت مصر في هذه الفترة هجرات كثيرة من مناطق آسيا العربية وغيرها وذلك لحاجتهم للأيدي العاملة في الزراعة، ويعتقد بأن الهجرات التي انطلقت من غرب آسيا استطاعت أن تسيطر على مناطق الدلتا ومن ثم السيطرة على جزء كبير من الدولة المصرية القديمة وعرفوا باسم الهكسوس.[٧]

تعدّ فترة الهكسوس فترة ثقافة العصر البرونزي في مصر كما يعتقد بأن الهكسوس أو الملوك الرعاة كانوا مهرة في ركوب الخيل والقتال، وبأنهم سيطروا على السلطة السياسية والجيش في مصر القديمة وقد استمرت سيطرة الهكسوس على ممفيس حوال مئة عام، وقد تميزت هذه الفترة بالفوضى وقلة الانتاج بسبب الصراع بين الهكسوس والفراعنة الذين تمركزوا في طيبة، حيث استطاع الملك المصري أحمس الأول من هزيمة الهكسوس وذلك بعد أن قام الملوك المصريين بهزيمة مملكة الكوش الواقعة جنوب مصر.

بعد طرد الهكسوس من مصر حوالي عام 1555 قبل الميلاد، أصبحت السيطرة المصرية تمتد على كامل الأراضي المصرية وصولًا إلى سيناء وجنوب بلاد الشام، وهذا ما ميز عصر الدولة الحديثة في مصر، وقد وصلت السيطرة المصرية في عهد الملوك تحتمس الأول وتحتمس الثالث إلى نهر الفرات في سورية، وقد تميزت هذه الفترة بالازدهار التجاري والسيطرة على شواطئ سورية ولبنان ومناطق جنوب بلاد الشام والتبادل التجاري مع جزر بحر إيجه واليونان، كما ظهرت الملكة المصرية كعنصر قوي في الحكم مثل الملكة حتشبسوت.[٣]

مرت مصر خلال عصر الدولة الحديثة في فترات متباينة من حيث القوة، فالبداية كانت مزدهرة قوية، وخلال عصر الملك أخناتون أوأمنحوتب الرابع كان سبب التحول الديني والعقائدي من عبادة الإله أمون إلى آتون من أسباب الاقتتال الداخلي ومن ثم نقل العاصمة إلى مدينة تل العمارنة، وعدم الاكتراث في الأحداث خارج الحدود المصرية مما سبب دمار مدن جنوب سورية في فلسطين والأردن وإنتشار القبائل البدوية وضعف الجيش المصري في تلك الفترة.[٨]

استمرت هذه الفترة إلى حين وصول الملك رمسيس الثاني للعرش والذي اهتم في السيطرة على بلاد الشام ووقف قوة الحثيين في شمال سورية وقد قاد القتال معهم لمدة خمسة عشر عامًا، وكانت معركة قادش أشهر معاركه ضد الحثيين، ومن أهم إنجازاته: بناء المعابد، والتماثيل كبيرة الحجم مما دل على إزدهار الدولة المصرية في تلك الفترة.[٣]

وبقيت الحضارة الفرعونية قوية حتى بعد هجمات ما يسمى بشعوب البحر خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد ودمار حضارات وممالك العصر البرونزي المتأخر في بلاد الشام وتركيا، ومن ثم استمرت مصر تحت حكم المصريين مع وجود استثناءات خلال الألف الأول قبل الميلاد أهمها: سيطرت الآشوريين واحتلالهم مصر، وسيطرت الفرس ومن ثم البطالمة والرومان قبيل نهاية القرون الأخيرة قبل الميلاد.[٨]

حضارة بلاد الرافدين

أين تقع بلاد سومر؟

تعدّ منطقة وادي الرافدين مهد الحضارة البشرية وذلك بسبب أسبقيتها في المنجزات الحضارية الرئيسة كالكتابة وتأسيس المدن والاقطاعيات الزراعية الضخمة، والعربات التي تجرها الحيوانات، وتطوير شتى أنواع الفنون والأداب والملاحم والأساطير، وقد أنتجت بلاد الرافدين عقيدة الخصب أحد أعقد وأهم العقائد الدينية في العالم والتي أثرت في أغلب العقائد الدينية في العالم من اليونان والرومان إلى مناطق السند والهند.[٩]

ساهمت أودية الأنهار في العالم بنشوء أولى الحضارات ليس فقط في وداي النيل والرافدين بل في مناطق السند وأمريكا الجنوبية وإيران، فقد كانت الدلتا والفيضانات وتوافر الطمي والغرين من العوامل المهمة في تحفيز الإنتاج الزراعي واستقراره على المدى الطويل، لذلك كانت الجغرافيا عاملًا رئيسًا في نشأة الحضارة في وادي الرافدين، وقد بدأت الحضارة في بلاد سومر منذ الألف الخامس قبل الميلاد وقبل ذلك، وقد كانت حضارة العبيد التي انتشرت في معظم مناطق الشرق الأدنى وحضارة الوركاء جنوب العراق البذار الأولى للحضارة الرافيدية، فقد شيدت في هذه الفترة المستوطنات الزراعية التي تحولت فيما بعد إلى أولى المدن البشرية ومهد الحضارة والتمدن.[٣]

بدأت حضارة بلاد الرافدين في مناطق جنوب العراق أو ما يسمى سومر بحسب علماء الآثار بالرغم من عدم ذكر هذا المسمى في النقوش المسمارية ولو مرة واحدة إلا أنه أطلق لتمييز هذه الحضارة عن حضارات بلاد الشام ومصر، فمن جنوب العراق بدأت مدينة الوركاء أو أوروك بالسيطرة التجارية من جنوب الخليج العربي إلى شمال سورية وجبال تركيا، وكانت أول قوة تجارية في العالم عابرة للجغرافيا.[٩]

تعدّ الحضارة الرافيدية من أعقد الحضارات في العالم وذلك بسبب كثرة المدونات والمنجزات الحضارية فيها، فقد شهدت بلاد الرافدين آلالاف الهجرات السكانية منذ الألف الثامن قبل الميلاد من مناطق الخليج الذي غمر بالماء بسبب ذوبان الجليد خلال العصر الجليدي الأخير، وشهدت هجرات شعوب جبال زاغروس والأناضول، كما كانت هجرات سكان الجزيرة العربية وبلاد الشام أشهر هذه الهجرات بسبب تشيدها للحضارات والدولة المختلفة فيها منذ الألف الثالث قبل الميلاد.[١٠]

تقسم الحضارات القديمة في العراق إلى تقسيمات مختلفة ومتعددة بل ومتناقضة من قبل المؤرخين وعلماء الأركيولوجيا، ولكن وبشكل عام فإن جنوب العراق سمي ببلاد سومر ووسط وشمال العراق سمي ببلاد آكد أو آكاد وذلك نسبًة للهجات المحلية هناك والأصول المزعومة لهم، أما الحضارات أو الدول الرئيسة التي ظهرت في بلاد الرافدين فهي:[١١]

  • السومريون.
  • الأكديون.
  • البابليون.
  • الآشوريين.
  • العيلاميون (مناطق جنوب الخليج العربي).
  • الكلدانيون (البابليون الجدد).
  • الكاشيون.
  • الجوتيون.
  • المديون (الحوريون).

تميزت معظم هذه الحضارات أو الدول بالتشابه الثقافي والفكري والمادي بحيث يصعب في كثير من الأحيان التمييز بينهم، وتميزت أغلب هذه الفترات بوجود نظام دويلات المدن فيها أي أن كل مدينة عبارة عن دولة بحد ذاتها، وذلك خلال فترات مختلفة أهمها الألف الرابع والثالث قبل الميلاد. وقد كان السومريين هم أول من أحدث هذا النظام السياسي للإدارة في بلاد الرافدين وكانت مدن أور وأورك وكيش وأوما ولجش ولارسا أشهر هذه المدن التي كانت في صراع دائم فيما بينها.[١١]

اعتمدت بلاد الرافدين على الزراعة كأساس اقتصادي لها بالإضافة إلى التجارة وتبادل السلع، وقد كان الملك الأكدي سرجون أول ملك رافدي يوحد بلاد الرافدين وبخرج من حدوده للسيطرة العسكرية على المناطق الأخرى من شمال سورية إلى البحرين والخليج العربي وجنوبه في مناطق عيلام، وقد وحد سرجون الأكدي بلاد الرافدين لأول مرة في تاريخها خلال القرن الثالث من الألفية الثالثة قبل الميلاد.[١١]

تعاقب الملوك من بعده على حكم بلاد الرافدين ومدنها وتفككت الدولة أكثر وعادت للتوحد في عصور مختلف في عهد حُكّام عدة منهم: حمورابي، سرجون الثاني، آشور بانيبال، ونبوخذ نصر وغيرهم. وقد أسهموا في كتابة التاريخ البشري بشكل كبير من خلال منجزاتهم الحضارية والمعمارية والثقافية، وقد شكلت معابد الزقورات الهرمية والمكتبات البابلية والآشورية أحد أشهر هذه المنجزاب بالإضافة إلى الكتابة المسمارية والنوتات الموسيقية والفكر الديني والمدني من خلال شرائع القوانيين المدنية وفصل الدين عن الدولة في فترات مختلفة.[١١]

أثرت حضارة وادي الرافدين بشكل كبير في حضارات مصر وفارس وبلاد الشام بشكل رئيسي حيث إنهم نقلوا كتابتهم لهم وفنونهم والأهم عقائدهم الدينية والمدنية وطرق التجارة التي أسهموا في رسمها عبر التاريخ وصولًا لمناطق آسيا الوسطى، فالحضارة في بلاد وادي الرافدين هي نتاج محلي أساسًا أثرت وتأثرت ولكنها كانت الأساس الحضاري لأغلب حضارات العالم وتعد أقدمها.[١١]

وتعد الفترات السومرية والأكادية فترات الحكم المحلي المغلق لبلاد وادي الرافدين من ناحية التوسع العسكري، إلا أن ظهور البابليين الذي جاؤا من مناطق سورية “العموريين” كان بداية للتوسع العسكري الكبير في مناطق آسيا تحديدًا، وقد سجل الآشوريين بتوسعاتهم العسكرية وفرضهم اللغة الآرامية كلغة الدولة الرسمية أول الدول التوسعية في التاريخ، كما اشتهر الآشوريين بقوة جيشهم وتنظيمهم العسكري للحياة المدنية وصراعهم الكبير مع المصريين والبابليين الكلدان، وقد كان العام 539 قبل الميلاد عام نهاية هذه الحضارة على يد الفرس بعد سقوط بابل أو مدينة باب إيل التاريخية.[١٢]

حضارة بلاد الشام

أين بدأت هذه الحضارة؟

بدأت الحضارة بالشكل الأوسع والأعقد في بلاد الشام خلال الألف الرابع قبل الميلاد في الجزيرة الفراتية في مناطق مدن تل براك وتل أبيض والتي تعدّ المدن الأولى في التاريخ، وهنا نقصد بالمدن المحصنة والتي تملك سلطة عسكرية وسياسية، وقد بدأت الحضارة في بلاد الشام في مناطق غوطة دمشق وريفها خلال الألف العاشر قبل الميلاد في منطقة تل أسود التي أظهرت وجود مستوطنة زراعية مبنية من الحجر الطيني، ووجود المقابر المبنية، ووجود فكر ديني ناظم للحياة فيها، كما أظهرت مناطق أريحا (أقدم مدينة في العالم) وعين غزال في الأردن وغيرها في جنوب سورية، ظهور التمدن بالشكل الأولي وتطورالإدارة في المجتمعات المعتمدة على الزراعة والرعي بشكل رئيسي.[١٣]

كانت بلاد الشام المعبر الرئيس بين بلاد الرافدين ومصر منذ أقدم العصور، وقد كانت حية بالبشر والسكان منذ العصور الحجرية القديمة، وتحتوي أقدم المستوطنات البشرية في العالم من أريحا إلى البيضاء في الأردن وتل أسود وغيرها، قدم سكان هذه المنطقة الأبجدية الأولى للبشر كما أنها ساهمت في تطور عقيدة الخصب وكانت المصدر الرئيس لها للعالم الغربي والشرقي، وهي من أنتجت أولى القوى البحرية في العالم على المستوى التجاري والعسكري، كما أنها قدمت للبشرية الثورة الزراعية الأولى وأول المعابد في مناطق عين غزال وتليلات الغسول وأريحا وغيرها.[١٣]

تقسم حضارة بلاد الشام إلى أقسام رئيسة تتمثل بالشمال السوري والذي يقسم إلى الجزيرة الفراتية والغرب السوري، ومن ثم مناطق الساحل اللبناني والذي يقسم إلى عدة أقسام أهمها البقاع والساحل، وأخيرًا جنوب سورية الذي يمثل فلسطين والأردن وسيناء في بعض الأحيان.[١٣]، أما عن أشهر المدن والممالك والحضارات في بلاد الشام هي:[١٣]

  • أيبلا.
  • ماري.
  • يمحاض.
  • قطنا.
  • صور.
  • أوغاريت.
  • كركميش.

وقد سمي سكان سورية كما غيرهم في بلاد الرافدين بأسماء مختلفة أهمها كان: العموريين والآراميين والكنعانيين والفينيقيين والآشوريين والبلست والحوريين وغيرها من أسماء مختلفة تشترك جميعها بالتشابه الثقافي واللغوي والفكري إلى أبعد الحدود، من حيث العمارة وطرق الحياة، والممارسات الحياتية اليومية، وأنماط الكتابة وطرق اللباس.[١٤]

شيد السوريين مستوطناتهم من خلال مدن الساحل اللبناني الحالي أو الساحل الكنعاني الفنيقي القديم على سواحل غرب المتوسط في إسبانيا حتى وصلوا إلى مناجم الفضة في جزيرة بريطانيا، وقد أسسوا الحضارة القرطاجية في تونس ومن ثم توسعوا وصولًا إلى روما خلال القرن الثاني قبل الميلاد على يد القائد الفينيقي حنبعل بن برقة، وقد كانت التجارة أهم مميزات الحضارة في بلاد الشام إضافة إلى الأساس الزراعي والحرفي فيها، وقد اشتهروا بتصديرهم ثقافتهم وفكرهم الديني إلى الكثير من الحضارات القديمة.[١٤]

تعدّ بعض هذه الحضارات مثل ماري وأيبلا ويمحاض حضارات تابعة لمناطق وادي الرافدين حيث إن التشابه الثقافي قريب بل واحد ولا يوجد أي اختلاف سوى التمايز الثقافي كالفروق بين الرعاة والبدو أو بين أهل المدن والأرياف وهكذا، وقد كان الصراع بين المدن السورية خلال الألفيات الثلاث الأولى مستمرًا بشكل شبه دائم، وقد كانت التحالفات بين المدن السورية والرافدين أو الدولة المصرية والحثية يعطي الأولوية والقوة لهذه المدينة أو الأخرى. وقد كانت التجارة والسيطرة على طرقها أحد أهم عوامل القتال والخلاف بين ممالك سورية كيمحاض وأيبلا وأوغاريت وكركميش وقطنا.[١٥]

شكلت فلسطين وما حولها محور اهتمام تاريخي للكثير من الملوك والأباطرة بسبب موقعها الاستراتيجي بين بلاد الشام ومصر، وبذلك كانت هي معبر الجيوش والغزاة وتعرضت للكثير من التخريب بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها التاريخية لدى الكثير من الحضارات في بلاد الشام. بالإضافة إلى أهميتها كمنطقة مشرفة على شريط ساحلي طويل ملاصق للمدن التجارية الرئيسية في لبنان وسورية ومصر.[١٥]

خلال نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد أي خلال العصور البرونزية نشأت ممالك أرامية في كل مناطق سورية شمالًا وجنوبًا ودخلت في تحالفات وصراعات ضد الدولة المصرية وضد الآشوريين وبقي هذا الوضع إلى حين سيطر الفرس على كامل المنطقة خلال القرن السادي قبل الميلاد، مع الإبقاء على الحكم الذاتي لأغلب هذه المدن السورية.[١٥]

أصبحت سورية في عصر السيطرة الهيلينية مهد الحضارة والثقافة من جديد، بفضل تحضر أبناءها وتطور بنيتها التحتية ووجود العامل التاريخي الذي ساهم في إعادة بناء المدن فيها بعد فترة من الركود بعد السيطرة الفارسية عليها خلال القرن السادس قبل الميلاد، ولذلك نرى الكثير من أباطرة روما سوريّ الأصل وأغلبهم كانوا من مدينة حمص الصورية.[١٣]

حضارة شبه الجزيرة العربية

متى كانت شبه الجزيرة العربية خضراء وخصبة؟

شكلت البيئة العامل الأساسي في ظهور الحضارة في شبه الجزيرة العربية منذ العصور الحجرية القديمة والحديثة حيث أكد علماء المناخ أن مناخ شبه الجزيرة العربية كان دافئًا ورطبًا وكانت شبه الجزيرة العربية موطنًا للكثير من المستوطنات الزراعية والرعوية القديمة في مناطق جبال السراة وعسير والعلا وغيرها، وقد شكل التغير المناخي خلال الألف الثامن قبل الميلاد سببًا في هجرات جزء كبير من السكان إلى مناطق الخليج العربي وبلاد الرافدين وجزيرة البحرين.[١٦]

تعود الحضارة في شبه الجزيرة إلى العصور الحجرية القديمة ولكن وبسبب الجفاف والتصحر أصبحت شبه الجزيرة العربية موطنًا لعدد قليل من السكان بسبب الهجرات الضخمة على مدى قرون، وخلال الألفية الأولى قبل الميلاد ظهرت المدن الكبيرة في شبه الجزيرة العربية في منطقة تيماء وفي منطاق العلا وعسير، وقد كانت تيماء مدينة الملك البابلي الأخير لبابل نبونئيد الذي عبد الإله سين إله القمر.[١١]

يعدّ الكثير من المؤرخين وعلماء الآثار أن شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وشط العرب مهد الهجرات السكانية الأولى التي أسست الحضارة في بلاد الرافدين وقد بقيت شبه الجزيرة العربية معبرًا وطريقًا للتجار بين اليمن وعُمان من جهة وبين بلاد الشام وبلاد الرافدين من جهة أخرى، وقد ذكرت الجزيرة العربية في الوثائق الآشورية بأنها كانت مقرًا لتحالف قبلي عربي ضد الآشوريين خلال القرن الثامن قبل الميلاد.[١٧]

وتعدّشبه الجزيرة العربية وجنوبها مهدًا للعنصر العربي بحسب المؤرخين وبعض علماء الآثار بسبب موقعها على الخليج العربي اعتُبِرَ أساسًا للحضار الرافيدية فيما بعد.[١٧]

حضارة بلاد اليمن

هل اليمن أصل العرب؟

يختلف الباحثون في أصول سكان اليمن فمنهم من يعتقد بأنهم أصل سكان مناطق الوطن العربي في المشرق ومنهم من يعتقد العكس تمامًا كالمدرسة الألمانية أي أن اليمنيين جاؤو من بلاد الشام خلال الألف الثاني قبل الميلاد. وعمومًا بدأت الحضارة في اليمن خلال العصور الحجرية القديمة ولكنها لم تكن بكثافة الوجود الحضاري في بلاد الشام أو بلاد الرافدين أو ربما وبسبب محدودية البحث والعمل الأثري في اليمن لم نستطع التعرف على المزيد.[١٨]

كان العصر البرونزي المتوسط أي مع بداية الألفية الثانية قبل الميلاد بدايًة للمدن والدول القوية في اليمن وأشهر هذه الدول هي مملكة سبأ حولي 1300 قبل الميلاد وقتبان ومعين وحضرموت وحمير خلال القرون الثلاث الأخيرة قبل الميلاد وحتى القرن الأول والثاني قبل الميلاد وحمير بقيت إلى حين وصول الإسلام تقريبًا، اشتهرت هذه المدن بالتجارة بشكل كبير وسيطرتها على مناطق شبه الجزيرة العربية وأجزاء من جنوب سوريا بشكل تجاري.[١٨]

واشتهرت اليمن بخط المسند الذي أرخ كل تاريخ اليمن المعروف حاليًا، فتعد اليمن كنزًا للنقوش المسندية وتحتوي على ملايين النقوش الموضوعة في المتاحف اليمنية والعالمية بالرغم من أن أغلب النقوش لا تزال موجودة تحت الركام والمدن الأثرية هناك في اليمن، اليمن السعيد يعدّ مهد العرب وأصلهم عند أغلب المؤرخين لأسباب كثيرة ومتعددة وقد كان دور اليمن الحضاري في تطوير والحفاظ على اللغة العربية رئيسًا كما أنها تعد من أغنى الدول العربية تراثيًا وهي كنز العرب التراثي إلى يومنا هذا.[١٨]

حضارة دلمون

أين تقع حضارة دلمون؟

حضارة دلمون أو تايلوس عند الفنيقيين تقع في مناطق البحرين والكويت وجزء من سواحل الإمارات العربية المتحدة، وتعد من أقدم الحضارات العالمية، وتعود الحضارة في دلمون إلى الألف الرابع قبل الميلاد، وهي من دويلات المدن من حيث نظام الحكم ونظم إدارة الدولة ويعدّها الكثير تابعة لحضارة وادي الرافدين السومرية.[١٩]

أطلق عليها الأكاديون اسم نيدوك كي أما العرب فقد سموها أورال، وتعود أصولها للعصور البرونزية المتأخرة، وبحسب الميثولوجيا الرافيدانية فهي مقر بيوت الآلهة الرافيدية ومنبع الألهة والأساطير ومقر الإله إنكي والأرض المقدسة لكل سكان بلاد الرافدين، تعدّ دلمون من أغنى الحضارات القديمة في المنطقة العربية، ففيها بقايا معبد على شكل الزقورة، كما تحتوي أضخم مقبرة بشرية على مر التاريخ هي مقبرة عالي في البحرين، وفيها تم العثور على أربعة مدن مبنية فوق بعضها البعض على فترات تاريخية مختلفة.[٢٠]

كانت دلمون على علاقة وثيقة مع مدن بلاد الرافدين بشكل رئيس، وقد تطورت التجارة البحرية فيها لعلاقتها القوية مع الفنيقيين خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، وقد كانت التجارة في دلمون تعتمد بشكل رئيسي على الصيد وبيع منتجاته وعلى زراعة التمور وتصديرها إلى المدن المجاورة، وقد أثرت دلمون في الكثير من الأساطير القديمة بحيث أنها تعدّ جنة عدن والأرض المقدسة قديمًا، وتشكل حلقة الوصل بين الخليج العربي وبلاد الرافدين وهي الحضارة الرئيسة الأقدم في الخليج العربي والتي لا تزال ظاهرة على السطح.[٢٠]

وتنصف دلمون وتحديدًا جزيرة البحرين كأساس للأساطير والميثولوجيا الرافيدية ومن المدن الدينية إلى جانب مدينة أور جنوب العراق، وقد تميزت هذه الحضارة بالاستقرار بسبب موقعها الجغرافي ومكانتها الدينية، وكانت علاقتها مع مدن بلاد الرافدين مستقرة مع وجود استثناءات خلال فترات سيطرة سرجون الأكدي الذي دخلها ودمرها بشكل جزئي خلال نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد.[٢١]

المراجع[+]

  1. غوستاف لوبون (2018)، حضارة العرب (الطبعة 1)، الأردن:وزارة الثقافة الأردنية، صفحة 20-150، جزء 1. بتصرّف.
  2. غوستاف لوبون (2018)، حضارة العرب (الطبعة 1)، الأردن:وزارة الثقافة الأردنية، صفحة 20-150، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث دياكوف كوفاليف، الحضارات القديمة الجزء الأول، صفحة 70-200. بتصرّف.
  4. ^ أ ب جورج هارت، الحضارة المصرية القديمة، صفحة 50-90. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت زكية يوسف، تاريخ مصر القديم من أفول الدولة الوسطى إلى نهاية الأسرات، صفحة 90-163. بتصرّف.
  6. سليم حسن، مصر القديمة الجزء الأول في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي، صفحة 10-30. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت ث ج سمير أديب، تاريخ وحضارة مصر القديمة، صفحة 10-145. بتصرّف.
  8. ^ أ ب فرانسيس فيفر، الفرعون الأخير أو زوال الحضارة، صفحة 10-90. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ل ديلابورت، بلاد ما بين النهرين، صفحة 10-60. بتصرّف.
  10. نخبة من الباحثين العراقيين (2007)، حضارة العراق الجزء الأول (الطبعة 1)، بيروت:دار الجيل، صفحة 60-150، جزء 1. بتصرّف.
  11. ^ أ ب ت ث ج ح ك ماتفيف وأ سازونوف، حضارة ما بين النهرين العريقة، صفحة 16-203. بتصرّف.
  12. ديلاورت، بلاد ما بين النهرين الحضارتان البابلية والآشورية، صفحة 105-219. بتصرّف.
  13. ^ أ ب ت ث ج مفيد عرنوق، صرح ومهد الحضارة السورية، صفحة 5-96. بتصرّف.
  14. ^ أ ب جان مازيل، تاريخ الحضارة الفنيقية الكنعانية، صفحة 40-260. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت أحمد الداود، كتاب تاريخ سوريا الحضاري القديم، صفحة 20-260. بتصرّف.
  16. عبد العزيز صالح، تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، صفحة 23-50. بتصرّف.
  17. ^ أ ب زيدان كفافي، تاريخ شبه الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام، صفحة 10-260. بتصرّف.
  18. ^ أ ب ت عماد الدين الحمزي، تاريخ اليمن، صفحة 50-136. بتصرّف.
  19. طه باقر، مقدمة فى تاريخ الحضارات القديمة الجزء الأول، صفحة 50-120. بتصرّف.
  20. ^ أ ب أدونيس، ديوان الأساطير سومر وآكاد وآشور الأجزاء كاملة، صفحة 60-160. بتصرّف.
  21. علي الصديقي، تاريخ النظام السياسي والقانوني في حضارة دلمون، صفحة 10-62. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب