X
X


موقع اقرا » الآداب » مفاهيم ومصطلحات أدبية » الأدب في العصر الإسلامي

الأدب في العصر الإسلامي

الأدب في العصر الإسلامي


مفهوم الأدب الإسلامي

هل كان للإسلام دور في ظهور نوع أدبيّ جديد؟

ظهر في العصر الإسلاميّ المُمتدّ من بعثة النبي محمّد _صلّى الله عليه وسلم_ وحتّى أواخر عصر الخلفاء الراشدين الذي انتهى بمقتل علي بن أبي طالب، مفهوم جديد للأدب يُعرف بالأدب الإسلاميّ، وقد شكّل هذا المفهوم نقلة نوعيّة على مستوى الألفاظ والمضامين والأساليب الفنية في النّظم والكتابة، فالأدب الإسلامي أدب وُضعَ لبيان اعتقاد الإسلام وتعاليمه السّمحة بالمعنى الشامل، وهو ينبع من روح الإسلام ومبادئه، ينطلق فيه الأديب من التصوّر الإسلاميّ السليم للكون والحياة والإنسان.[١]

الأدب الإسلامي هو أدب تمثّل بروح الإسلام في لفظِهِ ومضمونِهِ، فكما دار في مضمونه حولَ فكرة الصّراع العقيدي الذي دار بين المسلمين والكفّار في عهد الرسول -صلّى الله عليه وسلم- ، والزّهد في الحياة الدنيا والرّغبة في نيل الآخرة والنّجاة يوم القيامة، فإنّ الألفاظ في الأدب الإسلامي قد تحلّت بروح الإسلام حيث هذّبت الآداب من فاحش القول وقبيح الكلم الذي كان شائعًا في الجاهليّة؛ لا سيّما في شعر الهجاء، كما انكبّ الشُّعراء على الاقتباس من القرآن الكريم ما يدعم منطقهم وفصاحة أشعارهم، لا سيّما وأنّ القرآن قد تميّز بالبلاغة التي عجز أهلها عن الإتيان بمثلها.[٢]

نشأة الأدب الإسلامي

هل نبذ الإسلام الشعر وحرّمه على المسلمين؟

عَرف العرب الأدب قبل الإسلام في العصر الجاهليّ، وكانت له مضامينه الفنيّة المعروفة، إلّا أنّ البعثة الإسلاميّة ونزول القرآن كان لهما الأثر الواضح في توجيه المسيرة الأدبية آنذاك، فقد كان للقرآن موقف صارِم من الشُّعراء، حيث قال تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ”[٣]،فالدين الإسلاميّ ينبُذ الكذب والمبالغات التي كانت شائعة ومألوفة لدى الشعراء، ويأخذ على الشعراء انسياقهم وراء رغباتهم، إذ تراهم يعلون من شأن المُنحطّ قدرًا ويحطّون من شأن من علا قدرًا ومكانة، لمجرّد رغبتهم بذلك.[٤]

هذا لا يعني أنّ الإسلام قد حرّم الشّعر وقوله، فقد ميّز الله تعالى في كتابه الكريم بين نوعين من الشّعراء؛ أوّلهم هؤلاء الغاوون الذين يُفسدون في الأرض بألسنتهم، وثانيهم المُؤمنون الذين ينظمون شعرًا نافعًا يحثّون فيه على القيم والخلق الحميد ولا يتفوّهون بالترّهات[٤]، حيث يقول تعالى:إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”[٥].

قد تجلّى أثر الإسلام واضحًا في أشعار المُؤمنين ونثرهم، وذلك من خلال المضامين التي توجّه الأدباء للنّظم فيها، والتي تقوم على دعْم الدّين الإسلاميّ ومبادئه والحثّ على الخلق الحميد ونبذ خلق الجاهلية، ومُؤازرة المُسلمين في قتالهم ومدح النبيّ _صلّى الله عليه وسلّم_، والردّ على المُشركين والتصدّي لهم ومُحاربتهم بسلاح القول حتى بدت هذه المضامين أهدافًا من أهداف الأدب الإسلاميّ، كما ساهم شعراء المسلمين في إذاعة الإسلام وشيوعه؛ ذلك لأنّ الشعر كان يُعدّ أكبر وسيلة إعلاميّة في ذلك الوقت.[٦]

الشعر في العصر الإسلامي

كيف أثّر الإسلام في صقْل الشعر العربيّ؟

لم يكن الشعر الإسلاميّ شعر مَوقف فحسب، فقد أصبح يُمثّل عصرًا بأكمله ترسّخت فيه تقاليد الشعر التي أسّسها شعراء الإسلام الأوائل كحسان بن ثابت وكعب بن زهير، وامتدّت آثارها في عصور الأدب التّالية كالعصر الأموي، وكذلك العصر العباسي، ونظَم شُعراء هذا العصر في موضوعات الأدب الإسلاميّ التي تتضمّن جوانب الحياة المُختلفة، فبدا الشّعر في العصر الإسلاميّ شعرًا واقعيًّا يجمع إلى جانب الفكرة السامية القِيم الجماليّة التي كفلت للشّعر فنيّته وغنائيّته.[٧]

لعلّ تشجيع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- للشُّعراء على قَوْل الشعر يُعدّ من أبرز أسباب ازدهار الشّعر في العصر الإسلاميّ، فقد اتّخذ إلى جانبه عددًا مِن شعراء المسلمين مثل حسان بن ثابت -رضي الله عنه- ودفعهم للتصدي للمشركين بسلاح القول[٦]، حيث قال ردًّا على عمر بن الخطاب حين شهده يُوبّخ عبد الله بن رواحة على قوله الشعر ردًّا على الكفار في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-: “خل يا عمر فهو أسرع فيهم من نضج النبل”[٨]

وبعد وفاته تابع الخلفاء الراشدون اهتمامهم بالشّعر والشُّعراء الذين سجلوا بأشعارهم أعظم الأحداث؛ كحروب الردة التي جرت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وموقعة الجمل التي قُتل فيها علي بن أبي طالب وحادثة مقتل عثمان، وغيرها الكثير ممّا يشهد بتأييد الإسلام للشعر وحثّه عليه.[٩]

خصائص الشعر الإسلامي

  • الواقعية والجدية والصدق العاطفي: بدا الشعر في العصر الإسلامي بعيدًا عن العاطفية و الخيال؛ وذلك لأنّه بدا شعر قضيّة تحتاجُ لمُؤازرةِ الشّاعر قلبًا وعقلًا لإنجاح ما يدعو إليه والحث عليه، لذلك فإنّ الميل العاطفي في هذا اللون من الشعر قليلٌ، بينما تَسوده الجديّة والواقعيّة والمصداقيّة.[١٠]
  • الاستناد إلى المنطق والبرهان: فقد ارتكز شعراء العصر الإسلامي على المنطق واستخدام أسلوب الحجاج وذلك لدعم المبادئ الإسلاميّة التي يتغنّى بها الشّعر في شعره، والردّ على جدل الخصوم من شعراء الكفار والمُشركين، والتصدّي لهم بما يلتمسه من البراهين التي يجدها كفيلة بإسكاتهم.[١٠]
  • اتباع الأساليب الجاهلية في شعر الهجاء تحديدًا: فقد استثمر شعراء العصر الإسلامي المبادئ والسمات التي يعتز بها الجاهليون وأخذوا بثلبها والانتقاص منها وذلك لأنّها كانت أشدّ وقعًا وإيلامًا لنفوس الكُفّار والمُشركين، بينما لن يؤثر فيهم الانتقاص منهم في صلْب عقيدتهم الوثنيّة، ولا عقليّتهم المُقلّدة لمناهج الآباء والأجداد.[١١]
  • الوضوح: وهي من أبرز خصائص أدب الدّعوة الإسلاميّة، حيث البُعد عن التعقيدات والرموز والأوهام التي نلتمسها في الأدب العربي الحديث وكذلك في الآداب الغربيّة، ولعلّ تركيز الشّعراء الإسلاميّين على الفكرة و الاهتمام بطُرق إيصالها للسامع، وتجنب الوحشيّ والغريب من الألفاظ كان سببًا رئيسًا في وضوح أشعارهم.[١٢]
  • مواكبة الشعر للأحداث: فشعراء العصر الإسلاميّ كانوا في حالة تأهُّب دائم لِمُؤازرة الإسلام والمُسلمين، فهم يُرافقون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ويقومون بالتصدّي والردّ على المشركين، ولعلّ هذه الخاص يّة قد برزت بوضوح بعد مقتل عثمان بن عفان-رضي الله عنه- وظهور الفتن، حيث تحوّل الشعر الإسلاميّ آنذاك إلى شعر سياسي.[١٣]
  • شيوع شعر المقطوعات: فبعد المطوّلات الجاهليّة وشعر المعلقات مال الشُّعراء في عصر صدر الإسلام لنظْم المقطوعات القصيرة -لا سيّما فيشعر الفتوح-، الذي كثُر فيه القصائد، بينما قصرت مُحاولة تسليط الضّوء على حدث أو ظاهرة ما في تلك الفتوحات، ولعل الظروف الواقعية التي تسبّبت بانشغال الشعراء في المعارك والفتوح والعمل هي التي فرضت على شعراء الإسلام نظم المقطوعات دون المطولات.[١٤]
  • جزالة الألفاظ: تعدّ هذه السمة من أبرز سمات الشعر الإسلاميّ،حيث أخذت تختفي تلك الألفاظ الوحشيّة الغريبة التي كانت تَشيع في شعر الجاهليّة، ومال الشعراءُ الإسلاميّون لانتقاء الألفاظ الشائعة الدّارجة لتكون واضحة للأذهان، كما أنّهم حافظوا على شروط الفصاحة والبلاغة في نظْمهم لتلك الألفاظ فبَدَت قويّة واضحة.[١٤]

أغراض الشعر في العصر الإسلامي

  • المدح: لقد تابع شعراء العصر الإسلاميّ شعراء الجاهليّة في النّظْم في غرض المدح، إلّا أنّهم لم يتوجهوا به لمدح الملوك والأفراد للتكسب وغيره، بل استثمروه للإشادة بالإسلام ورسول الله -صلّى الله عليه وسلم- والإشادة بقادة الجيوش الفاتحين، وبدا مدحهم صادقًا بعيدًا عن المُغالاة والنّفاق والتكسُّب.[١٥]
  • الهجاء: هو من الأغراض الشعرية التي عرفها شعراء الجاهلية ونظموا فيها، وظلت في العصر الإسلامي إذ يُعدّ شعر الهجاء سلاحًا فتّاكًا استخدمه شعراء المسلمين لتحقيق أبرز أهداف الأدب الإسلاميّ؛ كالمُنافحة عن الدين الإسلاميّ والتصدّي للمُشركين وإحباط هجومهم، إلا أنّه اختلف عن الهجاء في العصر الجاهليّ، حيث تخلّص من بذيء اللّفظ وفحْش الكلام.[١٥]
  • الحماسة: يُعدّ شعر الحماسة من أبرز موضوعات الأدب الإسلاميّ، التي كانت موجودة في الجاهلية، إلا أنّه لم يفرد له قصائد مُستقلّة إلّا في العصر الإسلامي، حيث وظّفه الشعراء لتشجيع المُقاتلين المسلمين، فهو يعتزّ بانتصاراتهم على الأعداء، ويلهب روح الثّورة في قلوب المُقاتلين.[١٥]
  • الرثاء: يُعدّ الرّثاء من الأغراض الشعريّة التي نظم فيها شعراء الجاهلية وظلت لينظم فيها أدباء العصر الإسلامي، حيث أبقت عليها الظُّروف والأحداث المستعرة التي كان يصحبها الكثير من الشّهداء الذين بذلوا أنفسهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى، وقد تناول فيها الشعراء محاسن موتاهم ونيلهم الشهادة في سبيل الله والجزاء الجميل الذي ينتظرهم عند الله يوم القيامة.[١٥]
  • شعر الدعوة والفتوح: يُعدّ هذا الغرض من أبرز أغراض الشعر التي حفظتها مصادر الأدب الإسلامي كَغَرض أدبيّ مستحدث في العصر الإسلامي، وظّفه الشّعراء في خدمة نشر الإسلام والدّعوة إليه، كما قام الشُّعراء بتأريخ فتوحات المُسلمين وانتصاراتهم وتخليد أمجادهم وأسماء الشهداء والقادة.[١٥]

شعراء الأدب الإسلامي

  • حسان بن ثابت: وهو شاعر من قبيلة الخزرج الأزديّة، أجْمعَ المُؤرّخون على أنّه عاش مئة وعشرين سنة، قضى ستّين منها في الجاهلية، وستّين أخرى في الإسلام، كان شاعرًا عظيمًا يَفِد على ملوك آل غسان في الشام، و كان شاعرًا شديد العصبيّة لقومه في الجاهليّة، وحينما أسلم تحوّلت عصبيّته لإسلامه ودينه.[١٦]
  • كعب بن زهير: وهو شاعر مخضرم من قبيلة مزن إحدى القبائل المضريّة، وُلِدَ في الجاهليّة، تتلمذَ في الشّعر على يدي والده زهير بن أبي سلمى، وهو ينتمي لأسرة مُحنّكة في الشعر، فالخنساء عمّته وبشامة بن الغدير خال أبيه.[١٧]
  • عبد الله بن رواحة: هو شاعر أنصاريّ خزرجيّ من الشُّعراء المُخضرمين، عاش في الجاهليّة وشارك قومه في أيّامهم وحروبهم ومعاركهم، وكان سيّدًا من ساداتهم وفارسًا من فرسانهم، ولمّا جاء الإسلام كان من السبّاقين الأوائل إليه، وسرعان ما جنّد طاقته في خدمة الإسلام، وكان مُجاهدًا بالسيف والقلم.[١٨]
  • الخنساء: هي تماضر بنت عمرو بن الحارث السلمية، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته، وهي شاعرة مُخضرمة عاصرت الجاهلية والإسلام، فقدت في جاهليتها أخاها صخرًا فبكته وندبته طويلًا، بينما فقدت بعد إسلامها أولادها الأربعة في واقعة واحدة فصبرت واحتسبتهم عند الله تعالى.[١٩]
  • الحطيئة: هو جرول بن أوس بن مالك، أمّا الحُطيئة فهو لقب لُقِّبَ به لِقصر قامته وقُربه من الأرض، شكّك في نسبه لأبيه، أخفت عنه والدته حقيقة نسبه وهي أمة لأوس بن مالك، فكرهها وهجاها في شعر له، وهو شاعر مُخضرم عاصر الجاهلية والإسلام، حُبس في عهد عمر بن الخطاب لأنّه كان قد هجا الزبرقان فاشتكاه له.[٢٠]
  • كعب بن مالك: هو كعب بن قين بن سواد الأنصاريّ السلميّ فهو من بني سلمة من قبيلة الخزرج، شارك في الحروب التي دارت بين الأوس والخزرج، وكان واحدًا من الثلاثة الذين تِيبَ عليهم بعد تخلفهم في غزوة تبوك، وهو شاعر مُخضرم شهد الجاهلية والإسلام، وقد كان من أوائل المسلمين من الأنصار.[٢١]
  • أبو ذؤيب الهذلي: هو خويلد بن خالد بن بن محرث بن زبيد بن مخزوم، شاعر مخضرم شهد الجاهليّة والإسلام وكان راوية لساعدة بن جؤية الهذلي، أسلم على عهد الرسول ولم يره، ومات بأرض الروم ودفنه ابنه أبو عبيد هناك على عهد عثمان بن عفان .[٢٢]

لقراءة المزيد عن فنّ الخطابة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: أبرز شعراء العصر الإسلامي.

نماذج من الشعر الإسلامي

تَسائِلُ عَن قَومٍ هِجانٍ سَمَيدَعٍ

لَدى الباسِ مِغرارِ الصَباحِ جَسورِ

أَخي ثِقَةٍ يَهتَزُّ لِلعُرفِ وَالنَدى

بَعيدِ المَدى في النائِباتِ صَبورِ

فَقُلتُ لَها إِنَّ الشَهادَةَ راحَةٌ

وَرِضوانُ رَبٍّ يا أُمامَ غَفورِ
  • قال كعب بن زهير يمدح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:[٢٤]

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ

مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُجزَ مَكبولُ

وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا

إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ

هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً

لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
  • قال عبد الله بن رواحة في معركة مؤتة حين أصيب في إصبعه وهو يحمل الراية:[٢٥]

هَل أَنتِ إِلّا إِصبَعٌ دَميتِ

وَفي سَبيلِ اللَهِ ما لَقيتِ

يا نَفسُ إِلّا تُقتَلي تَموتي

هَذا حِمامُ المَوتِ قَد صَليتِ

إِن تَسلَمي اليَومَ فَلَن تَفوتي

أَو تُبتَلي فَطالَما عوفيتِ
  • قالت الخنساء ترثي أخويها:[٢٦]

قَذىً بِعَينِكِ أَم بِالعَينِ عُوّارُ

أَم ذَرَفَت إِذ خَلَت مِن أَهلِها الدارُ

كَأَنَّ عَيني لِذِكراهُ إِذا خَطَرَت

فَيضٌ يَسيلُ عَلى الخَدَّينِ مِدرارُ

تَبكي لِصَخرٍ هِيَ العَبرى وَقَد وَلَهَت

وَدونَهُ مِن جَديدِ التُربِ أَستارُ

ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ لا أَبا لَكُمُ

في بائِسٍ جاءَ يَحدو آخِرَ الناسِ

جارٌ لِقَومٍ أَطالوا هونَ مَنزِلِهِ

وَغادَروهُ مُقيمًا بَينَ أَرماسِ

مَلّوا قِراهُ وَهَرَّتهُ كِلابُهُمُ

وَجَرَّحوهُ بِأَنيابٍ وَأَضراسِ

يا عَيْني فَابكِ بدَمْعٍ ذَرَى

لِخَيْرِ البَريَّةِ والمُصْطَفَى

وبَكِّي الرَّسُولَ وحُقَّ البكاءُ

عَلَيْهِ لَدَى الحَرْبِ عِنْدَ اللِّقا

على خَيْرِ مَنْ حَمَلَتْ نَاقَةٌ

وأَتْقَى البَرِيَّةِ عِنْدَ التُّقَى

أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ

وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ

قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِبًا

مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ

أَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاً

إِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُ

النثر في العصر الإسلامي

ما العوامل التي أدّت إلى تطور النثر في العصر الإسلامي؟

لقد بدا النثر الأدبيّ أكثر ازدهارًا وبُروزًا ممّا كان عليه في العصر الجاهليّ، إذ تأثّرَ بتعاليمه وحملت مَضامينه مبادئ الإسلام، وكلّف أدباؤه نتاجهم النثريّ في خدمته والدعوة إليه، ولعلّ بعض شعائر الدين الإسلامي التي ترتكز على الأنواع النثريّة الأدبية كانت السبب الأول في ذُيوع فنّ النثر ومُجاراته للشعر شهرة في العصر الإسلامي، فصلاة الجمعة وشعائر الحج والعيد كلّها كانت تتطلّب فن الخطبة، هذا بالإضافة إلى فنّ الرسائل الأدبيّة التي ارتكز عليها الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته في نشر الإسلام والدّعوة إليه في مختلف الأمصار والأقطار.[٣٠]

لعلّ ازدهار فنّ النثر في عصر صدر الإسلام كان على ارتباطٍ وثيقٍ بازدهار الكتابة في ذلك العصر، فبينما كان النّاس في الجاهليّة يرتكزون بشكلٍ أساسي على الشعر في حياتهم اليومية، بدأت الكتابة بالشُّيوع والانتشار في عهد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؛ حيثُ اتّخذ عددًا من الكتّاب ليقوموا بتدوين القرآن الكريم وحفظه، كما اتّخذ عددًا من الكتّاب والرّسل ليقوموا بتدوين رسائله وإرسالها إلى الملوك لدعوتهم إلى الإسلام، وكذلك الحال في عهد الخلفاء الراشدين الذين حثّوا على تدوين حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لحمايته من الضياع، وجمع القرآن الكريم الذي كان في عهد عثمان بن عفان.[٣١]

لقد كان لتدوين القرآن الكريم والحديث النبوي أثر بارز في تدوين الأدب العربيّ في العصر الإسلاميّ، لا سيّما وقد ظهرت مدرستان نحويّتان هما: مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة اللّتان اهتمّتا بتقعيد اللّغة العربية وجمْع شواهدها ممّا روي على ألسنة العرب، كما ساعدت حركة التدوين على ظهور عدد من الكُتّاب الذين يعنونَ بتجميل الخطّ إضافةً إلى إلمامهم بالشّعر والأدب.[٣٢]

خصائص النثر في العصر الإسلامي

  • الوحدة الموضوعية: فالفنون النثرية كلّها التي شاعت في عصر صدر الإسلام كانت تقوم على الوحدة الموضوعيّة تجنُّبًا لِتشتيت انتباه المُتلقّي، وبالتّالي ضياع الهدف الأساسيّ من الموضوع الذي يحرص الكاتب كلّ الحرص على التركيز عليه وإظهاره بصيغة سَلِسة تُمكِّنه من إبلاغ مُراده للمُتلقّي.[٣٣]
  • التناص والاقتباس من القرآن الكريم: فقد تأثّر الأدباء في العصر الإسلامي بالقرآن الكريم أسلوبه ومفرداته ومضامينه، فأخذوا يقتبسونَ منه ما يحتجون به في خطبهم ورسائلهم، ويرسون مضامين آدابهم على مبادئه وأحكامه، ممّا أضفى على أشعارهم وقصائدهم الفصاحة والبلاغة لا سيما أنّ القرآن الكريم قد عُرف ببلاغته التي لا يُجاريها مجارٍ.[٣٠]
  • الغائية النبيلة: فالنثر وسائر الفنون الأدبيّة في العصر الإسلامي كانت تتّسم بالبُعد عن الخيال والمُبالغة المنبوذة، فهو يرتكز على حقائق موثّقة في كتاب الله أو سنة نبيه، وكلّها تهدف لهداية الناس وإصلاح المجتمعات، وحثّها للسير على خطى النبيّ والصالحين.[٣٤]
  • الروح الجماعية: فالنثر في العصر الإسلاميّ يتوجّه به الأدباء لعامّة النّاس يسعون من خلاله لِمُخاطبة عقولهم واستمالةِ قلوبهم، وبالتّالي فإنّ الفنون النثريّة الإسلاميّة على اختلاف أجناسها تتّسم بالبُعد عن الذاتيّة المحضة التي باتت تشيع في النثر الحديث.[٣٥]
  • العفوية والبُعد عن التكلف: لقد كانت هذه السمة نتيجة تلقائيّة في صياغة بعض الأنواع النثريّة؛ كالخطب والرسائل لا سيّما الرسائل الإخوانية منها، كما أنّ الأدباء في العصر الإسلامي وإن كانوا يلجؤونَ لاستخدام المحسنات البديعية وأساليبالبلاغة المختلفة، إلّا أنّهم لم يكونوا ليتكلّفوا في استخدامها.[٣٦]

أشهر أدباء العصر الإسلامي

  • عبد الحميد الكاتب : نشأ بين العرب بينما لم يكن منهم، تولّى في أوّل أمره تعليم الصبية، كان كاتب دواوين وينظم الشعر أيضًا، برع في إنشاء الرسائل أكثر من نظم الشعر فعُرِف بها، وقال عنه ابن خلكان إنّ مجموع رسائله ألف ورقة، إلّا أنّ ما وصلنا منها هو بضع رسائل قصيرة.[٣٧]
  • سحبان وائل: وهو من أبرز خطباء العصر الإسلامي، كانت العرب تضرب المثل بفصاحته، امتاز بالإطناب في خطبه فقد قيل إنّه كان يُطيل حتى يسيل العرق من جبهته، ولا يتوقّف ولا يقعد حتى يفرغ من غرضه، ولم يبلغنا من آثاره إلّا قليلها.[٣٨]
  • زياد بن أبيه: سُمّيَ بهذا الاسم لأنّه لم يكُن له أب شرعيّ يُنسب له، وُلدَ في الطائف في السنة الثامنة للهجرة، وأمّه سمية مولاة للطبيب الحارث بن كلدة الثقفي، عُرف بالفصاحة والدّهاء والنجابة والحزم والشدّة منذ صغره، استكتبه أبو موسى الأشعريّ وهو على البصرة فأعجب الناس به، وخطب لأوّل مرّة في حضرة عمر بالمُهاجرين والأنصار فأخذوا بفصاحته.[٣٩]
  • الحجاج بن يوسف الثقفي: وُلد في أيّام مُعاوية بن أبي سفيان سنة 41 للهجرة، نشأ في الطائف وعلّم فيها الغُلمان، عُرف بالجرأة والحزم، وقد ولّاه عبد الملك بن مروان أمرًا عسكريًّا، إذ كان يشدّد على العسكر ويكرههم على الطاعة، وعيّنه عبد الملك بن مروان فيما بعد أميرًا على الحجاز.والعراق.[٤٠]

نماذج من النثر الإسلامي

  • يقول عبد الحميد الكاتب في رسالة له عن صناعة الكتابة وشرفها:[٤١]

“أمّا بعد، حفظكم الله يا أهل هذه الصناعة، وحاطكم ووفّقكم وأرشدكم، فإنّ الله عزّ وجل جعل الناس بعد الأنبياء والمرسلين وصلوات الله عليهم أجمعين وبعد الملوك المكرمين سوقًا، وصرفهم في صنوف الصناعات التي سبّب منها معاشهم، فجعلكم معشر الكتاب في أشرفها، صناعة، أهل الأدب والمروءة، والحلم والروية وذوي الأخطار والهمم وسعة الذرع في الأفاضل والصلة، بكم ينتظم الملك، وتستقيم للملوك أمورهم، وبتدبيركم وسياستكم، يصلح الله سلطانهم”.

  • يقول علي بن أبي طالب في خطبته المعروفة بالدرة اليتيمة:[٤٢]

“الحمد لله حمد معترف بحمده، معترف من بحار مجده، بلسان الثناء شاكرًا، ولحسن آلائه ناشرًا، الذي خلق الموت والحياة والخير والشر، والنفع والضر والسكون والحركة، والأرواح والأجسان، والذكر والنسيان، وألزم ذلك كلّه حال الحدث، إذ القدم له لأنّ الذي بالحياة قوامه، فالموت يعدمه، والذي بالجسم ظهوره، فالعرض يلزمه، والذي بالأداة اجتماعه فقوامها بمساكه، والذي يجمعه وقت يفرقه وقت، والذي سبق العدم وجوده فالخالق اسمه جلّ جلاله، والذي يقيمه غيره فالضرورة تمسه”.

  • يقول زياد بن أبيه في خطبته البتراء:[٤٣]

“أمّا بعد، فإنّ الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والغي الموفّى بأهله على النار، ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم، من الأمور العظام ينبت فيها الصغير، ولا يتحاش عنها الكبير، كأنكم لم تقرأوا كتاب الله، ولم تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لأهل طاعته، والعذاب الأليم لأهل معصيته، قربتم القرابة، وباعدتم الذين تعتذرون بغير العذر وتغضون على المختلس، أليس كل امرئ منكم يذب عن سفيهة صنع من لا يخاف عاقبة ولا يرجو معادا، ما أنتم بالحلماء وقد اتبعتم السفهاء”.

لقراءة المزيد عن فنّ الخطابة، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال:الخطابة في العصر الإسلامي.

أهمية الأدب الإسلامي

كيف تحقّقت النهضة الأدبيّة في العصر الإسلامي؟

لقد تطوّرت بعض الفنون الأدبيّة وازدهرت في العصر الإسلاميّ، بينما أخذت أُخرى غيرها بالاضمحلال والتّلاشي كما حدث في سجع الكهّان، ولعلّ ذلك يؤول إلى الحاجات الاجتماعية الواقعيّة التي كانت تلك الأنواع الأدبية تُلبّيها، إذ إنّ الأدب يُعدّ بِحقّ انعكاسًا لرغبات الأفراد في كافّة مُستويات الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة وغيرها، فالشّعر منظومه ومرجوزه كان يُمثّل الوسيلة الإعلاميّة الأولى التي اتّخذها شعراء العصر الإسلاميّ لإذاعة أخبارهم، كما أسهمت في الدعوة الإسلاميّة من خلال تضمُّنها للكثير من مبادئ الإسلام وأحكامه، كما شكّلت سجلًا تاريخيًّا إيقاعيًّا، فالقصائد الإسلاميّة تحفل بالكثير من الأحداث والوقائع والأيام التي مرّ بها المُسلمون بِحُلوها ومُرّها.[٦]

لا تقلّ الأنواع الأدبيّة النثريّة أهميّة عن نظيرتها الشعريّة في هذا العصر، فهي التي ازدهرت تلبيةً لحاجات المُسلمين وقتئذ، فالخطابة أصبحت شريعة تُفرض على المُسلمين كلّ أسبوع، هذا عدا عن خطب الفتوح التي كثرت في العصر الإسلاميّ، وخطب الأعياد وغيرها، بالإضافة إلى الرسائل التي خطّها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى المُلوك والسلاطين بغية دعوتهم للإسلام، لقد أبدى الإسلام في ذلك العصر هيمنة سياسيّة تجلّت بالفتوح، وهيمنة ثقافية تجلّت بما خلّفه الإسلام من أثر على مستوى اللّفظ والمضمون.[١١]

المراجع[+]

  1. صابر عبد الدايم، الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، صفحة 241. بتصرّف.
  2. شوقي ضيف، العصر الاسلامي، صفحة 47. بتصرّف.
  3. سورة الشعراء، آية:224
  4. ^ أ ب ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، صفحة 655. بتصرّف.
  5. سورة الشعراء، آية:227
  6. ^ أ ب ت شوقي ضيف، العصر الإسلامي، صفحة 44. بتصرّف.
  7. شوقي ضيف، العصر الإسلامي، صفحة 43. بتصرّف.
  8. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سير أعلام النبلاء، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:235، إسناده قوي.
  9. شوقي ضيف ، العصر الاسلامي، صفحة 55. بتصرّف.
  10. ^ أ ب محمد الرابع الحسني الندوي، الأدب الإسلامي وصلته بالحياة مع نماذج من صدر الإسلام، صفحة 77.
  11. ^ أ ب شوقي ضيف، العصر الإسلامي (الطبعة 7)، مصر:دار المعارف، صفحة 50. بتصرّف.
  12. أنور الجندي ، خصائص الأدب العربي، صفحة 31. بتصرّف.
  13. عبد الله بن علي بن محمد القدادي الزهراني، دعوى ضعف الشعر في عصر صدر الإسلام عند القدامى والمحدثين، صفحة 92. بتصرّف.
  14. ^ أ ب عبد الله بن علي بن محمد القدادي الزهراني، دعوى ضعف الشعر في عصر صدر الإسلام عند القدامى والمحدثين، صفحة 95. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت ث ج جامعة الإمام محمد بن سعود، الأدب العربي وتاريخه، صفحة 81. بتصرّف.
  16. حسان بن ثابت، ديوان حسان بن ثابت، صفحة 11. بتصرّف.
  17. كعب بن زهير ، ديوان كعب بن زهير، صفحة 5. بتصرّف.
  18. عبد الله بن رواحة، ديوان عبد الله بن رواحة، صفحة 8. بتصرّف.
  19. الخنساء، ديوان الخنساء، صفحة 11. بتصرّف.
  20. الحطيئة، ديوان الحطيئة، صفحة 11. بتصرّف.
  21. كعب بن مالك الأنصاري ، ديوان كعب بن مالك الأنصاري، صفحة 56. بتصرّف.
  22. شعراء بني هذيل، ديوان الهذليين، صفحة 1. بتصرّف.
  23. حسان بن ثابت، ديوان حسان بن ثابت، صفحة 112.
  24. كعب بن مالك، ديوان كعب بن مالك، صفحة 60.
  25. عبد الله بن رواحة، ديوان عبد الله بن رواحة، صفحة 39.
  26. الخنساء، ديوان الخنساء، صفحة 45.
  27. الحطيئة ، ديوان الحطيئة، صفحة 11.
  28. كعب بن مالك الأنصاري ، ديوان كعب بن مالك الأنصاري، صفحة 114.
  29. شعراء بني هذيل، ديوان الهذليين، صفحة 1.
  30. ^ أ ب بن حيزية هاجر، قسمية كريمة ، البنية الفنية في نثر صدر الإسلام نماذج من خطب الرسول صلى الله عليه، صفحة 28. بتصرّف.
  31. شوقي ضيف، العصر الإسلامي، صفحة 26. بتصرّف.
  32. إبراهيم كربوش، رواية الشعر بين الشفوية والتدوين في القرنين الاول والثاني الهجريين، صفحة 201. بتصرّف.
  33. محمد بن سعد الدبل، من بدائع الأدب الإسلامي، صفحة 7. بتصرّف.
  34. محمد بن سعد الدبل ، من بدائع الأدب الإسلامي، صفحة 22. بتصرّف.
  35. محمد بن سعد الدبل ، من بدائع الأدب الإسلامي، صفحة 8. بتصرّف.
  36. محمد بن سعد الدبل، من بدائع الأدب، صفحة 22. بتصرّف.
  37. بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 369. بتصرّف.
  38. بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 358. بتصرّف.
  39. بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 359. بتصرّف.
  40. بطرس البستاني، أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، صفحة 364. بتصرّف.
  41. عبد الحميد الكاتب ، رسالة عبد الحميد الكاتب، صفحة 1.
  42. عبد الرسول زين الدين، الخطب النادرة لأمير المؤمنين عليه السلام، صفحة 22.
  43. فطيمة بلخيري، البيان في خطب الحجاج بن يوسف الثقفي، صفحة 40.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب