X
X



معلومات عن الجاحظ

معلومات عن الجاحظ


الجاحظ

هو أبو عثمان عمرو بن بحر، مولى كنانة، ويلقَّب بالجاحظ لجحوظٍ في عينيه، هو كاتبٌ كبيرٌ ومتكلِّمٌ مفوَّهٌ، وواحد من أبرز شيوخ المعتزلة في البصرة، ولد الجاحظ في البصرة سنة 159 هـ وعُمِّرَ طويلًا حتى سنة 255هـ، معاصرًا تسعةَ خلفاء عباسيين، شاهدًا على العصر الذي بلغت فيه الحضارة العربية ذروة ازدهارها في جميع الجوانب العلمية والفكرية.[١]، تأثَّر في كتاباته برجال العلم والأدب فيها ممن عرفوا بالمسجديِّين، وبدأت شهرة الجاحظ تتَّسع بعد اتِّصاله بذي الوزارتين “ابن الزَّيَّات” الَّذي رعى الجاحظ وكفاه من كلِّ شيء، كما استطاع أن يحوز رضا أحمد بن أبي داود قاضي القضاة، وحظي بمقامٍ كبيرٍ إلى أن أخذت قوة المعتزلة بالتَّضاؤل.[٢]

نشأ الجاحظ فقيرًا يتيمًا في أحياء البصرة، وبدأ بالاختلاف إلى مجالس العلماء في سنّ صغيرة رغم عمله الشاق في بيع الخبز والسمك، وهناك قرأ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ اللغة على يد ثُلّة من خيرة علماء عصره، كالأخفش والأصمعي وأبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة، وصار يعمل في النهار ويكتري دكاكين الوراقين في الليل؛ ليقرأ الكتب متبحّرًا في ضروب العلم، واطلع خلال رحلته مع القراءة على الكثير من الكتب المترجمة عن لغات وثقافات متنوعة كالفارسية واليونانية والهندية|، ثم لمع نجمه، وطار اسمه بين أهل العلم مع كثرة مؤلفاته، وتنوع موضوعاته، وروعة أسلوبه، فانتقل إلى بغداد، وتصدر للتدريس، وقصده طلّاب العلم من كلّ مكان.[٣]

ولمّا امتد عمر الجاحظ ووهن وضعف؛ أصابه فالج نصفي، فعاد إلى البصرة، وهرعت له أفواج طلاب العلم بعد أن لزم بيته أسير المرض، وتذكر الأخبار أن علماء المشرق والمغرب قصدوا منزله من بغداد والشام والأندلس، كما كان يجمع أعدادًا من الطلاب يلقي عليهم من معارفه وحكمه إلى أن توفّي عن عمر ناهز 96 عامًا تحتَ رفوف من الكتب انهالت عليه، وكان حينها مقعدًا لا يستطيع إنقاذ نفسه. توفّيَ الجاحظ تاركًا إرثًا كبيرًا من مؤلَّفاته الأدبيَّة الرَّفيعة الَّتي شكَّلت منعطفًا أثَّر فيمن أتوا بعده.[٤]

صفات الجاحظ

ما هي أبرز معالم شخصيَّة الجاحظ؟

تميَّز الجاحظ بثقافةٍ خاص َّةٍ وسعة اطِّلاع وكفاءةٍ فريدة، لكنَّ كلَّ ذلك لم يعطه الحظوة في تبوُّء المناصب العالية كغيره من الأدباء ممّن نالوا شهرةً ومجدًا أدبيًّا، وقد عزا أحد القدماء ذلك إلى تقصيره في الكتابة، وإلى سقوط همَّته، كما أُرجِع ذلك إلى شكل الجاحظ وما فيه من دمامةٍ وإفراطٍ في جحوظ عينيه ممّا حال دون غاياته المنشودة، وهذه تهمٌ يردُّها القزويني في كتابه “الإيضاح في علوم البلاغة” نافيًا عنه سقوط الهمَّة والتَّقصير، دون أن ينفي ما للمظهر الشَّكليّ من تأثيرٍ في نفوس أصحاب الرَّأي والخلفاء الَّذين كانوا ينفرون من كلِّ قبيح، حتَّى إنَّ المتوكِّل عرف عنه النُّفور من قبح المظهر ودمامة الخلقة، حيث كان يصرف كلَّ قبيحٍ عنه.[٥]

فقد عرف الجاحظ بجحوظ عينيه، وبوجود نتوءٍ واضحةٍ في حدقتيه، لذلك لقِّب أيضًا بالحدقيّ ولكن لم يشع هذا اللَّقب كثيرًا بين النَّاس كما شاع لقبه المعروف “الجاحظ”، وقد اشتهر شكل الجاحظ بقبحه حتى إنه كان يتحدث عن ذلك في رواياته وأخباره، فقد كان قصير القامة، وأمَّا لونه فشديد السُّمرة أسود اللون كجده فزارة، وقد روي أن امرأة أرادت أن ترسم شيطانا على خاتمها فأشارت إلى الجاحظ لبيان مبتغاها.[٦]

وكان الجاحظ متطبِّعًا بالطَّبائع العربيَّة في روحه وحياته، وثقافته أيضًا مع أنَّ الثَّقافة الفارسيَّة كانت مسيطرةً في ذلك الحين على كلِّ شيء، وقد تمتَّع الجاحظ بمواهب عاليةٍ عقليَّةٍ وعلميَّةٍ رفعته إلى مكانٍ لم يكن ليبلغه بالسِّياسة، وقد أخلص للفكر والثَّقافة إلى أقصى الدَّرجات وبذل حياته لذلك ممّا شغله عن الخوض في ميدان السِّياسة، فكان ساحرًا في كلامه ومفوَّهًا في خطبه وبليغًا في كتابته، وبلغ من النُّضج والمعرفة ما هيَّأه ليكون محور الثَّقافة الإسلاميَّة في عصره بلا منازعٍ ولا شريك، فثقافته الواسعة احتوت شتَّى أنواع المعارف الَّتي أفاد بها من شغفه بالقراءة وممَّا أخذه من أستاذه النَّظَّام ومن علوم المنطق والفلسفة وغيرها من أنواع المعارف الَّتي شاعت في عصره.[٧]

تظهر شخصيَّة الجاحظ وصفاته الرُّوحيَّة في مؤلَّفاته وآثاره، بما فيها من ثقة كبيرةٍ واعتدادٍ ظاهرٍ في النَّفس، وهو حين يخاطب السَّادة وأصحاب الحظوة في المجتمع لا يخاطبهم على اعتباراتهم الاجتماعيَّة ولا يهاب سلطتهم، وإنَّما يخاطبهم بلهجة الأخوَّة مذيبًا الحواجز الَّتي تفصله عنهم، كما لا يتوانى عن معاتبتهم وذكر عيوبهم وأخطائهم، فهو رجلٌ خاص في كلِّ شيءٍ وهو إنسانٌ متحرِّرٌ فكرًا وأسلوبًا وثقافةً وتعبيرًا لا تحدُّه القوالب الفكريَّة الَّتي يحتكم إليها سواه.[٧]

أسلوب الجاحظ

عرف الجاحظ بموسوعيته وشموله واتساع أفقه الفكري، كما عرف بطرافته وخفة ظله، ومزجه بين الجد والهزل بلغة مليئة بالفكاهة والتهكّم في بلاغة منقطعة النظير وتنوعٍ لطيف مع استطراد غير ممل، وكان سريع التنقّل بين الحكمة البليغة والنادرة المضحكة ليصل بالقارئ إلى العبرة والمقصد دون تكلف، ويحسن فوق ذلك الفرار من الأسلوب العلمي إلى ناحية الأدب بمختلف ضروبه، مع وجود أثر كبير لمنهج المحاججة والجدل في أسلوبه لكونه من كبار المعتزلة وأشهرهم في ذلك القرن.[٤]

وكان الجاحظ حريصًا في نفس الوقت على الإقناع والإمتاع، مؤكدًا على أهمية إفهام المخاطب وضرورة الوصول إلى عقله وقلبه؛ لترسيخ المعلومة من خلال منهجية التجربة والمعاينة المترافقة مع النقد والشك، مقدماً أدق التفاصيل واصفًا المشهد من جميع جوانبه؛ ليعطي حججه وبرهانه في سبيل تحقيق المنفعة المرجوّة، مع مراعاة مستوى الناس والفروق الاجتماعية والثقافية فيما بينهم، وكل ذلك في قالبٍ لغوي واضحٍ وسهلٍ ومشوّقٍ يصلح أن يكون تعليميًا منهجيًا للطالب، ويصلح أن يكون أدبيًا إبداعيًا للقارئ.[٨]

منهج الجاحظ في التأليف

ما السِّمات التي تميَّز بها أدب الجاحظ؟

شكَّل منهج الجاحظ مدرسةً مستقلَّةً بذاتها وازت في قيمتها وأهميَّتها مؤلَّفات ابن المقفَّع وأسلوبه، بل إنَّ منهج الجاحظ تفوَّق عليه وعلى غيره من كتَّاب عصره ومن سبقوه، فكان إذا قصد إلى معنًى أصابه وأجاد فيه، فلجأ إلى أسلوبٍ يوازي المتلقِّي، فإنَّه يرتفع بالقول ما ارتفع ويتواضع به ما اتضع، فلم يخاطب النَّاس بلسانٍ واحدٍ ولم يتَّبع أسلوبًا واحدًا بل إنَّه كان يناسب المعنى مع اللَّفظ، ويبتعد عن وعورة اللَّفظ، ولا يعمد إلى السَّجع إلَّا قليلًا، إلَّا أنَّه يلجأ إلى المزاوجة بين الجمل بحيث تحقِّق توازنًا معيَّنًا دون قوافٍ، وقد امتاز أسلوبه بالسُّهولة والسَّلاسة فكان أدبه من النَّمط السَّهل الممتنع الَّذي لا يقدر عليه إلَّا كاتبٌ عظيم الفكر بعيد النَّظر.[٩]

كان للجاحظ أسلوبٌ خاص في التَّفكير لا يشبه غيره، فقد كان من أبرز رجال المعتزلة، وقد تأثَّر بأفكارها وتشرَّبها وكوَّن فكرًا خاص ًّا شكَّل مدرسة عرفت باسم “المدرسة الجاحظيَّة”، وهو على سعة علمه واتزانه فقد تمتَّع أيضًا بحسِّ النُّكتة وخفَّة الظِّل في حياته وفي منهجه وكتاباته أيضًا، فهو لماح الذهن وسريع البديهة، وقد حوت نوادر الجاحظ طرفًا كثيرة، فكان رصينًا في الجد خفيفًا في الهزل مقذعًا في الهجاء إذا هجا ومادحًا مجيدًا إذا امتدح.[١٠]

كتب الجاحظ قرابة ثلاثمئةٍ وستِّين كتابًا، ولم تقتصر كتبه على التَّصنيف والجمع، فأبدع في التَّأليف وحقَّق فيه فضلًا على من أتوا بعده من الأدباء والنُّقاد، ولعل أبرز مؤلَّفاته وأكثرها شهرةً كتابه “البيان والتَّبيين” وكتابه “البخلاء” وكتاب “الحيوان”. وقد تطرَّق في كتبه إلى موضوعاتٍ مختلفةٍ ومتشعِّبة، وهو بشهادة معاصريه مقتدرٌ على ذلك ومجيدٌ به، ولا تندرج مؤلَّفات الجاحظ جميعًا تحت مسمَّى الكتب، فإنَّ منها ما هو أقرب إلى الرَّسائل، وإنَّ منها ما يبلغ حجمه مجلَّداتٍ عديدة ككتابي: الحيوان والبيان والتَّبيين، وإنَّ من يطالع ما وصل إلينا من مؤلَّفات الجاحظ رغم ضياع الكثير منها سيعرف ما لهذا الرَّجل من ثقافةٍ وعلمٍ واسعين لم يكونا في رجلٍ سواه.[١١]

لو نظرنا في كتاب “البيان والتَّبيين” نجد فيه موضوعات عديدة مزج فيها بين الجدِّ وبين الهزل، فمن موضوعات الجد الَّتي طرحها “الخطابة، والبلاغة والبيان، والشِّعر، والرَّسائل والوصايا والمحاورات، والنُّسَّاك والقصَّاص”. بينما يختصُّ الجانب الهزليّ بالحكمة الَّتي تصدر ممّن لا ترتجى منهم الحكم، وقد كان الجاحظ ممّن يلبس المعنى ثوبًا يناسبه، وانتقى لكلِّ فكرةٍ مخرجًا يلائمها، ليضمن بذلك وصولها بيسرٍ إلى ذهن القارئ، وهذا ما لا يقتدر عليه إلَّا كاتبٌ متوقِّد الذّهن كبير الخبرة بمتطلَّبات الذَّوق العقلي.[١٢]

أمَّا كتاب الحيوان الَّذي أهداه الجاحظ إلى وزير المتوكَّل محمَّد بن عبد الملك الزَّيَّات، ولا يختصُّ هذا الكتاب بالحيوان بل إنَّه كتابٌ في الأدب تشكِّل أصناف الحيوان عناصر لأفكاره، حاك الجاحظ حولها القصص، وروى فيها الحكم والأشعار، وقد اعتمد في تأليف كتابه هذا على القرآن الكريم والحديث الشَّريف كمصدرين رئيسين له، كما عمد إلى الأمثال الشَّائعة والشِّعر العربيّ، والكتاب مشبعٌ بأساليب الجدل الَّتي عرفت عند المعتزلة وهو جدلٌ مريحٌ للقارئ غير مرهق، وهو أكبر كتب الجاحظ حجمًا، وفيه فصولٌ في المعرفة ليس لها بالحيوان صلة، وفصول أخرى عن البلدان وعن الأجناس البشريَّة، وفصولٌ في الفقه والدِّين.[١٣]

منهج الجاحظ في النقد

ما الأسس الَّتي بنى عليها الجاحظ آراءه النَّقديَّة؟

يتميَّز الجاحظ عن سواه من رواةٍ ونقَّادٍ في القرن الثَّالث بطبيعته الخاص َّة وسعة اطلاعه، ولم يفرد الجاحظ لنقده كتابًا خاص ًّا ولم يورده في رسائل، بل أورد نظراته النَّقديَّة ضمن كتبه دون أن يخصِّصها للنَّقد ككتابي “الحيوان” و”البيان والتَّبيين”، وكان لما تمتَّع به من ذكاءٍ وبصيرةٍ نافذةٍ من أفضل مؤسِّسي النَّقد الَّذي بناه على أصولٍ نظريَّةٍ وتطبيقيَّةٍ، إلَّا أنَّه انشغل عن النَّقد بسواه، فلم يصلنا من نقده سوى وقفاتٍ قصيرةٍ وقليلةٍ حلَّلها المعاصرون وأفادوا منها، الأمر الَّذي يؤكِّد ما للجاحظ من إسهاماتٍ في النَّقد وما له من صلةٍ بتيَّاراته المعاصرة.[١٤]

فيما يخصُّ الصِّراع بين القديم والحديث، فلا نجد الجاحظ يفضِّل قديمًا على حديثٍ ولا يتعَّصب إلى شعرٍ سابقٍ دون لاحق، ومن ذلك تفضيله لقصيدةٍ لأبي النُّواس على قصيدةٍ لمهلهل مع أنَّ الأوَّل لاحقٌ للثَّاني، وقد وضع أصولاًً في النَّقد ونظريَّاتٍ لم يولها تفصيلًا كبيرًا، منها نظريَّته في الشِّعر وربطه بالغريزة والبيئة والعرق، والَّتي تعدّ ردًّا على رؤية ابن سلَّام للظُّروف المولِّدة للشِّعر، حيث رأى أنَّ الشِّعر يتولَّد من كثرة الحروب، وهو ما أنكره الجاحظ وردَّه بالحجَّة والدَّليل نافيًا أن يرتبط قول الشِّعر وقوَّته بالمعارك والحروب.[١٥]

ربط الجاحظ في نقده بين الشعر والرسم، ويتضح ذلك من خلال قوله: “فإنما الشعر صناعة، وضرب من الصبغ، وجنس من التصوير“، وقد أراد بهذا القول التأكيد على أن الأصل في الشعر للشكل الذي يتجسد في اختيار اللفظ وسبك الجمل، فقد أكّد الجاحظ على أن التمايز بين الأدباء والشعراء لا يكون في المعاني، فهي متوفرة للناس ومتاحة للجميع ولا يتمايز واحد فيها عمن سواه، واتجاه الجاحظ هذا يرجع إلى سعة علمه وخصوبة قريحته، فلم يثقل عليه محتوىً ولم يعيه موضوعٌ أيًّا كان، مما دفعه للإحساس بتوافر المعاني ووجودها لتكون الألفاظ هي الفصل في التَّفاضل بين الكتَّاب.[١٦]

قد أكَّد الجاحظ نظرته هذه إلى الشَّكل وتحيُّزه له على حساب المعنى في مواضع أخرى، إلَّا أنَّه طرح فكرةً مناقضةً لهذا المبدأ حين أشار إلى استعصاء بعض المعاني على السَّرقة، فقد ذكر أنَّ في الشِّعر معانٍ لا يمكن سرقتها وأشار إلى شعرٍ لعنترة يصف فيه الذُّباب، وامتدح تناوله للمعنى الَّذي لم يقدر سواه على الإتيان بمثله، وفي هذا تناقضٌ مع قوله الأوَّل عن توافر المعاني للجميع، وقد اتَّبع الجاحظ منهج ابن سلَّام في الحكم على الشِّعر من حيث الصِّحة أو الانتحال، من خلال اعتماده شهادة الرُّواة في ذلك، بالإضافة إلى اعتماده الاستدلال المنطقيّ في معرفة نسبة الأبيات وصحَّتها.[١٧]

تكشف تعليقات الجاحظ على الأشعار عن حدَّةٍ في النَّقد، وكثيرًا ما تأتي هذه الحدَّة بلهجةٍ ساخرةٍ فيها حسُّ النُّكتة، ويقابل هذه الحدَّة في النَّقد أحكامٌ إيجابيَّةٌ كبيرة تظهر فيها حماسته في النقد، فيذهب في مديح شعر أحدهم إلى أقصى حدٍّ فيرفعه على من سواه، ومن ذلك تفضيله الفرزدق والإشادة بقصائده القصار حيث يقول: “فإنَّك لم تر شاعرًا قط يجمع التَّجويد في القصار والطِّوال غيره“.[١٨]

مؤلفات الجاحظ

ألّف الجاحظ أكثر من 350 كتابًا، وهو يعدّ من أغزر الكتّاب على مستوى العالم، وتتراوح كتبه بين مجلدات ورسائل ضمّت مختلف العلوم والمعارف في عصره الذي ازدهر بالعلم وبالتنوع الثقافي، وقد وضع العديد من المؤلفات في مذهب الإعتزال والدفاع عنه، وهي كتب لم يصلنا منها سوى بعض النصوص والشذرات المتفرقة نتيجة الانتقادات الكبيرة التي وجّهت لمذهب المعتزلة، بينما لاقت كتبه الأدبية اهتمامًا أكبر، ووصل أغلبها ككتاب الآمل والمأمول وكتاب التبصر في التجارة وكتاب القول في البغال ومن أهم مؤلفات الجاحظ:[١]

كتاب الحيوان

اهتمّ الجاحظ في كتاب الحيوان إلى جانب الشعر والأدب بالحديث عن طبائع الحيوانات وغرائزها وصفاتها؛ إضافة إلى حديثه عن العرب والأعراب وأحوالهم وحياتهم، وعن بعض المسائل الدينية، ويصنّف هذا الكتاب كدائرة معارف واسعة تعطي صورة كاملة عن الملامح الثقافية والعلمية والأدبية للعصر العباسي.[١٩]

البيان والتبيين

يصنّف كتاب البيان والتبيين كواحدٍِ من أهم الكتب العربية، وتنصبّ أفكار هذا الكتب حول البلاغة والأدب، فالبيان عند الجاحظ هو الدلالة على المعنى، والتبيين هو الإيضاح، ويتركز الكتاب حول فلسفة اللغة، وأسس علوم البلاغة، مع التطرّق إلى بعض أمور الفلسفة والمنطق، وأفكار بعض العقائد والأديان.[٢٠]

البخلاء

يعدّ كتاب البخلاء من أشهر كتب الجاحظ، استخدم فيه أسلوب السرد القصصي لأحوال البخلاء وطبائعهم، بأسلوب فكاهي مضحكٍ، يصوّر فيه حرص هؤلاء على المال والطعام، ويفضح طرقهم مركزًا على تصرفاتهم وحركاتهم ونظراتهم وملامحهم القلقة، وقد أظهر فيه الجاحظ قدرته على التحدث بلغة هؤلاء الأشخاص مع استخدام بعض المفردات العاميّة إضافة لذكر بعض البلدان وأشهر الأعلام في زمانه.[٢١]

المحاسن والأضداد

تناول فيه الجاحظ محاسن الأشياء ومساوئها مركزًا على الطباع والسجايا الإنسانية بأسلوب سردي قصصي، صاغه الجاحظ بلغة هادئة ورصينة وبسيطة، وبطرق وأفكار مختلفة عمّا عهد في عصره؛ ما جعل كثيرًا من الأدباء والكتاب ينتهجون منهجه ويقلدونه في كتب كثيرة عن الأشياء وضدها.[٢٢]

البرصان والعرجان والعميان والحولان

جمع فيه الجاحظ عددًا من النّوادر في حديثه عن ذوي الإعاقات في المشاهير والأدباء والأعلام والشعراء، الذين تركوا بصماتهم الأدبية والفكريّة في المجتمع العربي آنذاك.[٢٣]

التاج في أخلاق الملوك

يتحدث فيه الجاحظ عن صفات الملوك وطبائعهم ذاكرًا بعض القصص عن ملوك الفرس والخلفاء الأمويين والخلفاء العباسيين، مع التوسع في آداب التعامل مع الملوك ومجالستهم ومحادثتهم في مواقف الجد والهزل، وذكر في الكتاب كثيرًا مواقف الملوك مع الحاشية ومع الأدباء ومع عامة الناس.[٢٤]

مفاخرة الجواري والغلمان

يعدّ من أوائل الكتب التي تناولت موضوع الشذوذ واللواطة والسحاق، موضحًا عقوبة هذا الأمر من خلال بعض الأحاديث والأخبار، مبينًا بعض مواقف الشعوب من هذه الأمور التي تفشت عند كثير من المجتمعات في ذاك الزمان، وكل ذلك في أسلوب الجاحظ اللطيف المعتاد من خلط الجد بالهزل لإصال الفكرة بإبداع منقطع النظير.[٢٥]

الحنين إلى الوطن

جمع فيه الجاحظ عددًا من الأشعار والنصوص التي ألّفها بعض الشعراء والأدباء الذين عانوا مرارة البعد عن أوطانهم بأساليب مختلفة تجمعها اللغة الصادقة التي تصلح في كل وقت وزمان.[٢٦]

الرسائل

وقد وضع الجاحظ عددًا كبيرًا من الرسائل التي تتناولت مختلف ضروب الأدب والفكر، ومنها ما كان في الدين والعقائد، وقد جمع عدد من رسائله في طبعات مختلفة لعدد من المحققين من أهمها وأفضلها الكتاب الذي حققه الدكتور عبد السلام هارون بعنوان الرسائل ووضع فيه نصوص عدد كبير من رسائل الجاحظ منها:[٢٧]

  • مناقب الترك.
  • البلاغة والإيجاز.
  • الجد والهزل.
  • الحاسد والمحسود.
  • التربيع والتدوير.
  • الأوطان والبلدان.
  • صناعة الكلام.

شعر الجاحظ

هل كان الجاحظ مجيدًا في الشِّعر كما النَّثر؟

لا يقلُّ شعر الجاحظ قيمةً عن مؤلَّفاته في النَّثر أدبًا ونقدًا، فهو شعرٌ فريدٌ يمتاز بتقليب المعاني واستقصائها، كما يمتاز بسهولة اللَّفظ ووضوح الأفكار، وهو بذلك شبيه بشعر ابن الرُّومي، كما أنَّه يشبهه أيضًا في الافتقار إلى الجزالة في اللَّفظ والفخامة في الدِّيباجة.[٢٨]

  • شعر الجاحظ يمدح فيه أبا الفرج وينعته بفتى العسكر والكتاب:[٢٩]

أَلَا يَا فَتَى الكِتَابِ والعَسكرِ الَّذِي

تَأَزَّرَ بِالحُسنَى وَأُيِّدَ بالنَّصرِ
  • من شعره ما قاله في ابن أبي داود:[٣٠]

وعَويصٌ من الأمورِ بهيمٌ

غامضُ الشَّخصِ مُظلمٌ مَستورُ

قد تسنَّمت ما توعَّرَ منهُ

بلسانٍ يُزينهُ التَّحبيرُ

مثل وَشيِ البُرودِ هَلهلَهُ النَّس

جُ وعندَ الحجاج دُرٌّ نَثيرُ

حَسَنُ الصَّمتِ والمقاطعِ إمَّا

نصت القومُ والحديثُ يَدورُ

ثمَّ منْ بعدِ لحظةٍ تورثُ اليُس

رَ وعرض مهذَّب موفورُ
  • من شعره في الهجاء قوله يهجو الجمَّاز:[٣١]

نسبُ الجمَّازِ مقصو

رٌ إليهِ مُنتهاهُ

تنتهي الأحسابُ بالنَّا

سِ ولا تَعدو قفاهُ
  • ومن أبياتِه في الحكمة قوله في أهميَّة العلم وقيمته:[٣٢]

يطيبُ العيشُ أنْ تلقى حكيمًا

غذاهُ العلمُ والظَّنُّ المصيبُ

فيكشفُ عنكَ حيرةَ كلِّ جهلٍ

ففضلُ العلمِ يعرفُه الأديبُ

سقامُ الحرصِ ليسَ لهُ دواءٌ

وداءُ الجهلِ ليسَ لهُ طبيبُ

أقوال العلماء عن الجاحظ

فتنَ الجاحظ بأسلوبه وسعة علمه وحفظه ألباب العلماء، ووصل صيته إلى الشرق والغرب في زمانه وظلّ حديث النقاد والأدباء بعد وفاته على مدى العصور ليكون واحدًا من أهم أدباء العالم، وبقيت كتبه محور عديد من المؤلفات والأبحاث وكثرت فيه آراء أهل اللغة والأدب والعلم وتاليًا بعضها:[٣٣]

  • أبو حيان: جمع بين اللسان والقلم، وبين الفطنة والعلم، وبين الرأي والأدب، وبين النثر والنظم، وبين الذكاء والفهم، طال عمره .. وفشت حكمته، وظهرت خلته، ووطئ الرجال عقبه، وتهادوا أدبه، وافتخروا بالانتساب إليه، ونجحوا بالاقتداء به، لقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب.
  • الخطيب البغدادي: كان أبو عثمان الجاحظ من أصحاب النظام، وكثير العلم بالكلام، كثير التبحر فيه، شديد الضبط لحدوده، ومن أعلم الناس به وبغيره من علوم الدين والدنيا.
  • ابن العميد: ثلاثة علوم النّاس كلهم عيال فيها على ثلاثة أنفس .. وأمّا البلاغة والفصاحة واللسن والعارضة فعلى أبي عثمان الجاحظ.
  • ياقوت الحموي: تبحر في علم الكلام، وخلطه بفلسفة اليونان، وانفرد دون المتكلمين بمذهب في التوحيد شايعه كثير منهم، فسمّوا بالجاحظية، وشارك في سائر العلوم وكتب فيها كتابة محقق ضليع، وهو أول عالم عربي جمع بين الجد والهزل، وتوسع في المحاضرات، وأكثر من التصنيف وكتب في الحيوان والنبات والأخلاق والاجتماع.
  • شوقي ضيف: قمة بعيدة المنال في الأدب العربي كله .. فقد كان فريدًا في عصره والعصور السابقة جميعها.

كتب الجاحظ في الأدب والفكر والنَّقد والشِّعر فأجاد في كلِّ ذلك، وأظهر فرادةً في البيان ومقدرةً خاص َّة في الأدب، بالإضافة إلى ما له من فضلٍ في جمع الآراء والمذاهب في كتبه، وكونه من خطا أولى خطوات البحث والتَّجديد، فإنَّ له الفضل في بحوثه الخاص َّة وآراءه الفريدة الَّتي استمدها من ثقافته، واستأثر بها دون غيره من باحثين في البيان العربيّ.[٣٤]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب “الجاحظ”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2019. بتصرّف.
  2. مجموعة من المؤلفين، موجز دائرة المعارف الإسلامية، صفحة 598. بتصرّف.
  3. “الجاحظ”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-11-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب “عبقرية الجاحظ”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019. بتصرّف.
  5. جلال الدين القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، صفحة 147-148. بتصرّف.
  6. الجاحظ، البخلاء، صفحة 8. بتصرّف.
  7. ^ أ ب جلال الدِّين القزويني، الإيضاحُ في علومِ البلاغة، صفحة 148-149. بتصرّف.
  8. “الإفهام والإقناع في بلاغة الجاحظ: الأسس والتجليات”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 16-11-2019. بتصرّف.
  9. مصطفى الشكعة، مناهج التأليف عند العلماء العرب، صفحة 135-136. بتصرّف.
  10. مصطفى الشَّكعة، مناهجُ التَّأليف عند العلماء العرب، صفحة 137. بتصرّف.
  11. مصطفى الشكعة، مناهج التأليف عند العلماء العرب، صفحة 139. بتصرّف.
  12. مصطفى الشكعة، مناهج التأليف عند العلماء العرب، صفحة 141-142. بتصرّف.
  13. مصطفى الشكعة، مناهج التأليف عند العلماء العرب، صفحة 145-146-147. بتصرّف.
  14. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 94-95. بتصرّف.
  15. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 95-96. بتصرّف.
  16. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 98-99. بتصرّف.
  17. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 100. بتصرّف.
  18. إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صفحة 101-102. بتصرّف.
  19. “كتاب الحيوان”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2019. بتصرّف.
  20. “البيان والتبيين”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2019. بتصرّف.
  21. “10 كتب عربية عظيمـة ألهمَـتْ الحضارة الغربية”، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2019. بتصرّف.
  22. “المحاسن والأضداد”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  23. “البرصان والعرجان والعميان والحولان”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  24. “كتاب التاج في أخلاق الملوك”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  25. “مفاخرة الجواري والغلمان”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  26. “الحنين إلى الأوطان”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  27. “الرسائل (كتاب)”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  28. الجاحظ، الرسائل الأدبية، صفحة 75. بتصرّف.
  29. الجاحظ، الرسائل الأدبية، صفحة 75. بتصرّف.
  30. ياقوت الحموي، معجم الأدباء، صفحة 104. بتصرّف.
  31. ياقوت الحموي، معجم الأدباء، صفحة 105. بتصرّف.
  32. “يطيب العيش أن تلقى حكيما”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 1/1/2021. بتصرّف.
  33. “الجاحظ”، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
  34. جلال الدين القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، صفحة 161. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب