X
X


موقع اقرا » الآداب » أشعار وأدباء » محمود درويش مديح الظل العالي

محمود درويش مديح الظل العالي

محمود درويش مديح الظل العالي


كلمات قصيدة مديح الظل العالي

بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. خريفُنا يدنو من الأبوابِ…
بحرٌ للنشيدِ المرِّ. هيَّأنا لبيروتَ القصيدةَ كُلَّها.
بحرٌ لمنتصفِ النهارِ
بحرٌ لراياتِ الحمامِ، لظلِّنا، لسلاحنا الفرديِّ
بحرٌ للزمانِ المستعارِ
ليديكَ، كمْ من موجةٍ سرقتْ يديكَ
من الإشارةِ وانتظاري
ضَعْ شكلنا للبحرِ. ضَعْ كيسَ العواصفِ عند أول صخرةٍ
واحملْ فراغَكَ…وانكساري
واستطاعَ القلبُ أن يرمي لنافذةٍ تحيَّتهُ الأخيرةَ
واستطاع القلبُ أن يعوي، وأن يَعدَ البراري
بالبكاء الحُرِّ…
بَحْرٌ جاهزٌ من أجلنا
دَعْ جسمك الدامي يُصَفِّق للخريفِ المُرِّ أجراسًا.
ستتَّسعُ الصحاري
عمَّا قليلٍ، حين ينقضُّ الفضاء على خطاكَ
فرغتُ من شَغَفي ومن لهفي على الأحياء. أفرغتُ انفجاري
من ضحاياك، استندتُ على جدارٍ ساقطٍ في شارعِ الزلزالِ
أَجْمَعُ صورتي من أجل موتكَ
خُذْ بقاياكَ، اتخذني ساعدًا في حضرة الأطلالِ. خُذْ قاموسَ
ناري
وانتصرْ
في وردةٍ تُرمى عليكَ من الدموعِ
ومن رغيفٍ يابسٍ، حافٍ، وعارِ
وانتصرْ في آخر التاريخِ…
لا تاريخَ إلا ما يؤرِّخه رحيلُكَ في انهياري
قُلنا لبيروت القصيدةَ كُلَّها، قلنا لمنتصفِ النهارِ:
بيروت قلعتنا
بيروت دمعتُنا
ومفتاحٌ لهذا البحر. كُنَّا نقطة التكوينِ
كنا وردةَ السورالطويل وما تبقَّى من جدارِ
ماذا تبقَّى منكَ غيرُ قصيدةِ الروحِ المحلِّقِ في الدخان قيامةً
وقيامةً بعد القيامةِ؟ خُذْ نُثاري
وانتصرْ في ما يُمَزِّق قلبكَ العاري
ويجعلكَ انتشارًا للبذارِ
قوسًا يَلُمُّ الأرضَ من أطرافها..
جَرَسًا لما ينساهُ سُكَّانُ القيامةِ من معانيكَ.
انتصرْ
إنَّ الصليب مجالُك الحيويُّ’ مسراكَ الوحيدُ من الحصارِ إلى
الحصارِ.
بحرٌ لأيلولَ الجديدِ. وأنتَ إيقاعُ الحديدِ تَدُقُّني سُحُبًا على
الصحراءِ
فلتمطرْ
لأسحبَ هذه الأرضَ الصغيرة من إساري
لا شيء يكسرنا
وتنكسر البلادُ على أصابعنا كفُخَّارٍ، وينكسرُ المسدِّسُ من
تلهُّفِكَ.
انتصرْ، هذا الصباحَ، ووحِّد الراياتِ والأممَ الحزينةَ والفصولَ
بكُلِّ ما أوتيتَ من شبق الحياةِ
بطلقةِ الطلقاتِ
باللاشيء
وحِّدنا بمعجزةٍ فلسطينيِّةٍ….
بيروت قصَّتُنا
بيروت غصَّتنا
وبيروت اختبارُ اللهِ. جرَّبناكَ جرَّبناكَ
من أَعطاك هذا اللُّغز؟ من سَمَّاكَ؟
من أَعلاك فوق جراحنا ليراكَ؟
فاظهرْ مثل عنقاء الرماد من الدمارِ!
نَمْ يا حبيبي، ساعةً
لنمُرَّ من أحلامك الأولى إلى عطش البحار إلى البحارِ.
نَمْ ساعةً، نَمْ يا حبيبي ساعةً
حتى تتوب المجدلَّيةُ مرةً أخرى ويتَّضحَ انتحاري
نَمْ، يا حبيبي، ساعةً
حتى يعود الرومُ، حتى نطردَ الحرَّاسَ عن أَسوار قلعتنا
وتنكسر الصواري.
نَمْ ساعةً. نم يا حبيبي
كي نصفِّق لاغتصاب نسائنا في شارع الشَّرف التِّجاري
نَمْ يا حبيبي ساعةً، حتى نموتْ
هيَ ساعةٌ لوضوحنا
هيَ ساعةٌ لغموضِ ميلادِ النهارِ
أتموتُ في بيروت لا تُولِمْ لبيروتَ الرغيفَ عليكَ أَن تجد
انتظاري
في أَناشيدِ التلاميذِ الصغارِ، وفي فراري
من حديقتنا الصغيرةِ في اتجاه البحرِ
لا تُولِمْ لبيروتَ النبيذَ عليك أن ترمي غباري
عن جبينكَ. أن تُدَثِّرني بما أَلِفَتْ يداك من الحجارةِ
أن تموت كما يموت الميتونَ
وأَن تنامَ إلى الأبدْ
وإلى الأبدْ…
لا شيء يطلعُ من مرايا البحرِ في هذا الحصارِ
عليكَ أن تجدَ الجسدْ
في فكرة أُخرى وأن تجد البلدْ
في جُثَّةٍ أخرى وأن تجد انفجاري
في مكان الانفجار..
أينما وَلَّيْتَ وجهكَ:
كلُّ شيء قابلٌ للانفجارِ
الآن بحرْ
الآن بحرٌ كُلُّهُ بحر
وَمَنْ لا بَرَّلَهْ
لا بحرَ لَهْ
والبحر صورتُنا
فلا تذهبْ تمامًا
هي هجرةٌ أخرى، فلا تذهبْ تمامًا
في ما تفتَّحَ من ربيعِ الأرضِ، في ما فجَّر الطيرانُ فينا
من ينابيعٍ. ولا تذهبْ تمامًا
في شظايانا لتبحث عن نبيٍّ فيكَ ناما.
هي هجرةٌ أُخرى إلى ما لستُ أَعرفُ…
أَلفُ سَهْمٍ يكسرنا
ومَنْ أَدمى جبين الله، يا ابنَ الله، سَمَّاهُ,، وأَنزلهُ كتابًا أوغمامًا
كمْ كُنْتَ وحدك يا ابن أُمِّي
يا ابنَ أكثر من أبٍ
كم كُنْتَ وحدكْ
القمحُ مُرُّ في حقول الآخرينْ
والماءُ مالحْ
والغيم فولاذٌ. وهذا النجمُ جارحْ
وعليك أن تحيا وأن تحيا
وأن تعطي مقابلَ حبَّةِ الزيتون جِلْدَكْ
كَمْ كُنْتَ وحدكْ
لاشيء يكسرنا فلا تغرقْ تمامًا
في ما تبقى من دمٍ فينا..
لِنَذْهبْ داخلَ الروحِ المحاصرِ بالشابة واليتامى
يا ابن الهواء الصَلْبِ’يا ابنَ اللفظةِ الأولى على الجزر القديمةِ
يا ابنَ سيدةِ البحيرات البعيدةِ يا ابنَ من يحمي القُدامى
من خطيئتهم ويطبع فوقَ وجهِ الصَّخر برقًا أو حمامًا
لحمي على الحيطان لحمُكَ يا ابنَ أُمِّي
جَسَدٌ لأضربِ الظلالْ
وعليك أن تمشي بلا طُرُقٍ
وراءً، أو أمامًا أو جنوبًا أو شمالْ
وتحرِّكَ الخطواتِ بالميزانِ
حين يشاءُ مَنْ وهبوك قيدَكْ
ليزيِّنوك ويأخذوكَ إلى المعارض كي يرى الزُوِّار مجدَكْ
كَمْ كنتَ وحدكْ !
هي هجرةٌ أُخرى…
فلا تكتتب وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما.
سَقَطَ السقوطُ، وأنت تعلو
فكرةً
ويدًا
وشاما!
لا بَرَّ إلاّ ساعداكْ
لا بحرَ إلاّ الغامضُ الكحليُّ فيكْ
فتقمَّصِ الأشياء خطوتَك الحراما
واكسرْ ظلالك كُلَّها كيلا يمدُّوها بساطًا أو ظلاما.
كسروكَ، كم كسروكَ كي يقفوا على سلقيك عرشًا
وتقاسموك وأنكروك وخبَّأوك وأنشأوا ليديكَ جيشًا
حطُّوك في حجرٍ… وقالوا: لا تُسَلِّمْ
ورموك في بئرٍ.. وقالوا: لا تُسَلِّمْ
وأَطَلْتَ حربَكَ يا ابن أُمِّي
ألف عامٍ ألف عامٍ في النهارِ
فأنكروكَ لأنهم لا يعرفون سوى الخطابة والفرارِ
هم يسروقون الآن جلدكْ
فاحذرْ ملامحهم…وغمدَكْ
كم كنتَ وحدكَ يا ابن أُمِّي
يا ابن أكثرَ مِنْ أَبٍ
كَمْ كُنْتَ وحدكْ!
والآن والأشياءُ سَيِّدَةٌ، وهذا الصمتُ عالٍ كالذبابهْ
هل ندركُ المجهول فينا؟ هل نُغَنِّي مثلما كنا نُغَنِّي؟
سقطتْ قلاعٌ قبلَ هذا اليومِ، لكن الهواء الآن حامضْ
وحدي أدافع عن جدارٍ ليس لي
وحدي أدافع عن هواءً ليس لي
وحدي على سطح المدينة واقفٌ…
أَيُّوبُ ماتَ، وماتتِ العنقاءُ، وانصرفَ الصَّحابَهْ :وحدي. أراود نفسيَ الثكلى فتأبي أن تساعدني على نفسي
ووحدي
كنتُ وحدي
عندما قاومت وحدي
وحدةَ الروحِ الأخيرهْ
لا تَذْكُرِ الموتى، فقد ماتوا فُرادى أَو عواصمْ
سأراك في قلبي غدًا سأراك في قلبي
وأجهشُ يا ابن أُمِّي باللُغَهْ
لغةٍ تُفَتِّشُ عن بيتها، عن أراضيها وراويها
تموتُ ككُل مَنْ فيها وتُرمى في المعاجمْ
هي آخرُ النَّخل الهزيلِ وساعةُ الصحراءِ
آخرُ ما يَدُلُّ على البقايا
كانوا، ولكنْ كُنْتَ وحدك
كم كنتَ وحدكَ تنتمي لقصيدتي، وتمدُّ زندكْ،
كي تُحوِّلها سَلالِمَ، أو بلادًا، أو خواتمْ
كَم كنتَ وحدكَ يا ابن أُمي
يا ابن أَكثرَ من أَبٍ
كَمْ كنتَ وحدكْ!
والآن والأشياءُ سَيِّدَةٌ وهذا الصمت يأتينا سهامًا
هل ندركُ المجهولَ فينا. هل نغني مثلما كنا نغنيِّ؟
آه يا دمنا الفضيحة هل ستأتيهم غمامًا
هذه أُمم تَمرُّ وتطبخ الأزهار في دمنا
وتزدادُ انقسامًا
هذه أُممٌ تفتِّش عن إجازتها مِنَ الجَمَل الزخرفِ…
هذه الصحراءُ تكبر حولنا
صحراءُ من كل الجهاتْ
صحراءُ تأتينا لتلتهم القصيدةَ والحساما
الله أَكبرْ
هذه آياتنا، فاقرأ
باسم الفدائيَّ الذي خَلَقَا
مِن جُرْحِهِ شَفَقا
باسم الفدائيَّ الذي يَرحَلْ
من وقتِكم.. لندائِهِ الأوِّلْ
الأوَّلِ الأوَّلْ
سَنُدمِّرُ الهيكلْ
باسم الفدائيِّ الذي يبدأْ
اقرأْ
بيروتُ صُورتُنا
بيروتُ سورتُنا
بيروت
ظهري أمام البحر أسوارٌ ولا
قد أَخسرُ الدنيا.. نَغَمْ !
قد أَخسرُ الكلماتِ….
لكني أَقول الآن: لا
هي آخر الطلقاتِ: لا.
هي ما تبقَّى من هواء الأرضِ – لا
هي ما تبقَّى من نشيجِ الروحِ – لا
بيروت – لا
نامي قليلًا، يا ابنتي، نامي قليلًا
الطائراتُ تضُّني. وتعضُّ ما في القلب من عَسَلٍ
فنامي في طريق النحل نامي
قبل أن أصحو قتيلًا
الطائراتُ تطير من غُرَفٍ مجاورةٍ الى الحمَّام، فاضطجعي
على درجات هذا السُّلّم الحجريِّ، انتبهي إذا اقتربتْ
شظاياها كثيرًا منكِ وارتجفي قليلًا
نامي قليلًا
كُنَّا نحبُّك يا ابنتي
كنا نَعُدُّ على أصابع كفِّك اليُسرى مسيرتَنا
ونُنْقِصُها رحيلًا
نامي قليلًا
الطائراتُ تطيرُ، والأشجارُ تهوي،
والمباني تخبز السُكَّانَ فاختبئي بأُغنيتي الأخيرةِ، أو بطلقتيَ
الأخيرةِ، يا ابنتي
وتوسّديني كنتُ فحمًا أَم نخيلًا
نامي قليلًا
وتَفَقَّدي أزهارَ جسمكِ،
هل أُصيبتْ؟
واتركي كفِّي وكأسَيْ شاينا ودعي الغَسيلا
نامي قليلًا
لو أَستطيع أَعدتُ ترتيب الطبيعةِ:
ههنا صفصافةٌ… وهناك قلبي
ههنا قَمَرُ التردُّد
كههنا عصفورةٌ للانتباهِ
هناكَ نافذةٌ تعلِمكِ الهديلَا
وشارعٌ يرجوكِ أن تَبْقَي قليلًا
نامي قليلًا
كُنَّا نحبكِ، يا ابنتي
والآن، نعبدُ صمتَك العالي
ونرفعهُ كنائس من بَتُوْلا
هل كنتِ غاضبةً علينا، دون أن ندري.. وندري[١]

مناسبة قصيدة مديح الظل العالي

كتب هذه القصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش وذلك في عام في عام 1982م، وتعالج هذه القصيدة اللحظة التاريخية في تلك المرحلة وتعبر عنها.

الأفكار الرئيسية في قصيدة مديح الظل العالي

  • وصف حالة الصمود الفلسطيني خلال تلك المرحلة.
  • وصف حالة الحزن والخذلان التي سيطرت على تفاصيل تلك الفترة.
  • وصف مشاعر الألم والحزن التس أحس بها أثناء مشاهدته للموت والدمار المحيط بكل شيء حوله.
  • تؤرخ القصيدة مجموعة من الأحداث من خلال بعض المشاهد التي تضمنتها القصيدة.
  • يغلب على القصيدة مفردات الحزن والموت والسوداوية، وذلك إلى جانب معاني الصمود والمقاومة والتحدي.
  • يظهر في القصيدة حالة الدهشة والصدق التعبيري والانفعالي.

المراجع

  1. “مديح الظل العالي”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 27/4/2022.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب