شرح معلقة زهير بن أبي سلمى (أمن أم أوفى دمنة)
فصل الوقوف على الأطلال
- أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
-
-
- بحومانة الدراج فالمتثلم
-
- الدمنة: ما اسود من آثار الدار بالبعر والرماد وغيرهما.
- يقول: أدمنة من منازل أم أوفى لم تكلم، وهذا توجع، أخرج الكلام في معرض الشك ليدل بذلك على بعد عهده بالدمنة وفرط تغيرها.[١]
- ودار لها بالرقمتين كأنها
-
-
- مراجع وشم في نواشر معصم
-
- الرقمتان: حرتان إحداهما قريبة من البصرة والأخرى من المدينة.
- قوله بالرقمتين أراد بينهما، وشبه رسوم الديار عند تجديد السيول إياها بكشف التراب عنها بتجديد الوشم.[٢]
- بها العين والأرآم يمشين خلفة
-
-
- وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
-
- يقول: في هذه الديار بقر وحش واسعات العيون وظباء بيض يمشين بها خالفات بعضها بعضًا، وأولادها ينهضن من مرابضها لترضعها أمهاتها.
- وقفت بها من بعد عشرين حجة
-
-
- فلأيًا عرفت الدار بعد التوهم
-
- يقول: وقفت بدار أم أوفى بعد مضي عشرين سنة وعرفت دارها بعد التوهم بمقاساة جهد ومعاناة.
*أثافي سفعا في معرس مرجل
-
-
- ونؤيًا كجذم الحوض لم يتثلم
-
- يقول: عرفت حجارة سودًا تنصب عليها القدر، وعرفت نهيرًا كان حول بيت أم أوفى بقي غير متثلم أي حافظ على ما بقي منه.
- فلما عرفت الدار قلت لربعها
-
-
- ألا انعم صباحا أيها الربع واسلم
-
- يقول: وقفت بدار أم أوفى فقلت لدارها محييًا إياها وداعيًا لها: طاب عيشك في صباحك وسلمت.
- تبصر خليلي هل ترى من ظعائن
-
-
- تحملن بالعلياء من فوق جرثم
-
- يقول: انظر يا خليلي هل ترى بالأرض العالية من فوق هذه الماء نساء في هودج على إبل؟
- علون بأنماط عتاق وكلة
-
-
- وراد حواشيها مشاكهة الدم
-
- يقول: وأعلين أنماطًا كرامًا ذات ستر رقيق، أي ألقينها على الهوادج وغشينها به، ثم وصف تلك الثياب بأنها حمر الحواشي يشبه الدم في شدة الحمرة.
- وفيهن ملهى للصديق ومنظر
-
-
- أنيق لعين الناظر المتوسم
-
- يقول: في هؤلاء النساء مناظر معجبة لعين الناظر المتتبع محاسنهن وسمات جمالهن.
- بكرن بكورًا واستحرن بسحرة
-
-
- فهن لوادي الرس كاليد للفم
-
- يقول: ابتدأن السير وسرن سحرًا، وهن قاصدات لوادي الرس لا يخطئنه كاليد القاصدة للفم لا تخطئه.
- جعلن القنان عن يمين وحزنه
-
-
- ومن بالقنان من محل ومحرم
-
- يقول: مررت بهم أشهر الحل وأشهر الحرم.
- ووركن في السوبان يعلون متنه
-
-
- عليهنَّ دل الناعم المتنعم
-
- يقول: وركبت هؤلاء النسوة أوراك ركابهن في حال علوهن متن السوبان أي الأرض المرتفعة، وعليهن دل الانسان طيب العيش الذي يتكلف ذلك.
- كأن فتات العهن في كل منزل
-
-
- نزلن به حب الفنا لم يحطم
-
- يقول: كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلته هؤلاء النسوة، حب عنب الثعلب في حال كونه غير محطم.
- ظهرن من السوبان ثم جزعنه
-
-
- على كل قيني قشيب مفأم
-
- يقول: علون من وادي السوبان ثم قطعنه مرة أخرى؛ لأنه اعترض لهن في طريقهن مرتين.
- فلما وردن الماء زرقا جمامه
-
-
- وضعن عصي الحاضر المتخيم
-
- يقول: فلما وردت هؤلاء الظعائن الماء وقد اشتد صفاء ما جمع منه في الآبار والحياض، عزمن على الإقامة كالحاضر المتبني الخيمة.
فصل مدح السيدين
- فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
-
-
- رجال بنوه من قريش وجرهم
-
- يقول: حلفت بالكعبة التي طاف حولها من بناها من القبيلتين.
- يمينا لنعم السيدان وجدتما
-
-
- على كل حال من سحيل ومبرم
-
- يقول: حلفت يمينًا نعم السيدان وجدتما على كل حال ضعيفة وحال قوية.
- تداركتما عبسا وذبيان بعدما
-
-
- تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
-
- يقول: تلافيتما أمر هاتين القبيلتين بعدما أفنى القتال رجالهما وبعد دقهم عطر هذه المرأة، أي بعد إتيان القتال على آخرهم كما أتى على آخر المتعطرين بعطر منشم.
- وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا
-
-
- بمال ومعروف من الأمر نسلم
-
- يقول: وقد قلتما: إن اتفق لنا إتمام الصلح بين القبيلتين ببذل المال وإسداء معروف من الخير سلمنا من تفاني العشائر.
- فأصبحتما منها على خير موطن
-
-
- بعيدين فيها من عقوق ومأثم
-
- يقول: طلبتما الصلح بين العشائر وظفرتما به وبعدتما عن قطيعة الأحرام.
- عظيمين في عليا معد وغيرها
-
-
- ومن يستبح كنزا من المجد يعظم
-
- يقول: ظفرتما بالصلح في حال عظمتكما في الرتبة العليا من شرف معد وحسبها، ثم دعا لهما فقال: هديتما إلى طريق الصلاح والنجاح والفلاح، ثم قال: من وجد كنزًا من المجد مباحًا واستأصله عظم أمره.
فصل ذكر الحرب
- تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت
-
-
- ينجمها من ليس فيها بمجرم
-
- يقول: تمحى وتزال الجراح بالمئين من الإبل يعطيها نجومًا أي على دفعات متقطعة، من هو بريء الساحة بعيد عن الجرم في هذه الحرب.
*ينجمها قوم لقوم غرامة
-
-
- ولم يهريقوا بينهم ملء محجم
-
- يقول: يتعجب ويقول: ينجمها قوم إلى قوم آخر ولم يريقوا مقدار ما يملأ محجمًا من الدماء والمحجم هو إبريق صغير يجمع فيه الدماء.
- ألا مبلغ الأحلاف عني رسالة
-
-
- وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
-
- يقول: أبلغ ذبيان وحلفاءها وقل لهم: قد حلفتم على إبرام حبل الصلح فتحرجوا من الحنث وتجنبوا.
- فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
-
-
- ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
-
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
-
-
- ليوم الحساب أو يعجل فينقم
-
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
-
-
- وما هو عنها بالحديث المرجم
-
- يقول: ليست الحرب إلا ما عهدتموها وجربتموها وهذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون.
*متى تبعثوها تبعثوها ذميمة
-
-
- وتضر إذا ضريتموها فتضرم
-
- يقول: أنكم إذا أوقدتم نار الحرب ذُممتم، ومتى أثرتموها ثارت وهيجتموها هاجت.
- فتعركم عرك الرحى بثفالها
-
-
- وتلقح كشافا ثم تحمل فتتئم
-
- جعل إفناء الحرب إياهم بمزلة طحن الرحى الحب، وجعل صنوف الشر تتولد من تلك الحروب بمنزلة الأولاد الناشئة من الأمهات.
- فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
-
-
- كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
-
- يقول: فتولد لكم أبناء في أثناء تلك الحرب كل واحد منهم، يضاهي في الشؤم عاقر الناقة وهو قدار بن سالف، ثم ترضعهم الحروب وتفطمهم.
- فتغلل لكم ما لا تغل لأهلها
-
-
- قرى بالعراق من قفيز ودرهم
-
- يقول: أن المضار المتولدة من هذه الحروب تربي على المنافع المتولدة من هذه القرى.
- لعمري لنعم الحي جر عليهم
-
-
- بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم
-
وكان طوى كشحا على مستكنة
-
-
- فلا هو أبداها ولم يتجمجم
-
- يقول: وكان حصين أضمر في صدره حقدًا وأخفى نيته فقد جعلها مستترة فيه ولم يظهرها لأحد، ولم يتقدم عليها قبل إمكان الفرصة.
- وقال سأقضي حاجتي ثم أتقي
-
-
- عدوي بألف من ورائي ملجم
-
- قال حصين في نفسه: سأقضي حاجتي من قتل قاتل أخي أوأقتل كفء له، ثم أجعل بيني وبين عدوي ألف فارس ملجن فرسه.
- فشد ولم تفزع بيوت كثيرة
-
-
- لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم
-
- يقول: فحمل حصين على الرجل الذي رام أن يقتله بأخيه، ولم يفزع بيوتًا كثيرة.
- لدى أسد شاكي السلاح مقذف
-
-
- له لبد أظفاره لم تقلم
-
- يقول: عند أسد تام السلاح يصلح لأن يرمي به إلى الحروب والوقائع، فهو لا يعتريه ضعف ولا يعيبه عدم شوكة كما أن الأسد لا يقلم أظفاره.
- جريء متى يظلم يعاقب بظلمه
-
-
- سريعا وإلا يبد بالظلم يظلم
-
- يقول: هو شجاع متى ظُلم عاقب الظالم بظلمه وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس.
- رعوا ما رعوا من ظمئهم ثم أوردوا
-
-
- غمارا تسيل بالرماح وبالدم
-
- المعنى أنهم كفوا عن القتال وأقلعوا عن النزال مدة معلومة كما تُرعى الإبل مدة معلومة.
- فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا
-
-
- إلى كلأ مستوبل متوخم
-
- يقول: فأحكموا وتمموا منايا بينهم، أي قتل كل واحد منهم صنفًا من الآخر، ثم أصدروا إبلهم إلى كلأ وبيل وخيم.
- لعمرك ما جرت عليهم رماحهم
-
-
- دم ابن نهيك أو قتيل المثلم
-
- يقول: أقسم ببقائك وحياتك أن رماحهم لم تجن عليهم دماء هؤلاء، أي لم يسفكوها ولم يشاركوا قاتليهم في سفك الدماء.
- ولا شاركوا في القوم في دم نوفل
-
-
- ولا وهب منهم ولا ابن المحزم
-
فكلا أراهم أصبحوا يعقلونه
-
-
- صحيحات مال طالعات بمخرم
-
:يمدح ذيبان ويقول: فكل واحد من القتلى أراهم يعقلونه بصحيحات إبل تعلو في طرق الجبال عند سوقها إلى أولياء المقتولين.
- لحي حلال يعصم الناس أمرهم
-
-
- إذا طلعت إحدى الليالي بمعظم
-
- يقول: الديات تذهب إلى حي البيوت، ويمدح هذا الحي أنه أقوياء ويحمون الناس، وإذا حدثت مصيبة للناس فهذا الحي يحميهم يقصد بذلك قبيلة عبس.
- كرام فلا ذو الضغن يدرك تبنه
-
-
- ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
-
- يقول: إنهم كرام ولا يستطيع أن يدرك الحاقد ثأره عندهم، والمجرم الذي يجني عليهم لن يسلم منهم.
فصل أبيات الحكمة
- سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
-
-
- ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
-
- يقول: مملت مشاق الحياة وشدائدها، ومن عاش ثمانين سنة مل الكبر لا محالة.
- رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
-
-
- تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
-
- يقول: رأيت المنايا تصب الناس على غير نسق وترتيب وبصيرة، كما أن هذه الناقة تطأ على غير بصيرة، ثم قال: من أصابته المنايا أهلكته ومن أخطأته أبقته بلغ الهرم.
- وأعلم علم اليوم والأمس قبله
-
-
- ولكنني عن علم ما في غد عمي
-
- يقول: قد يحيط بعلمي بما مضى وما حضر، ولكني عمي القلب عن الإحاطة بما هو منتظر ومتوقع.
- ومن لا يصانع في أمور كثيرة
-
-
- يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
-
- يقول: ومن لم يصانع الناس ولم يدارهم في كثير من الأمور، فإنه يُقتل ويطحن ويداس تحت أرجل الجمال.
- ومن يجعل المعروف من دون عرضه
-
-
- يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
-
- يقول: من بذل معروفه صان عرضه، ومن بخل بمعروفه عرَّض عرضه للذم والشتم.
- ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه
-
-
- يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
-
- يقول: ومن لا يكف أعداءه عن حوضه بسلاحه هُدم حوضه، ومن كف عن ظلم الناس ظلمه الناس.
- ومن هاب أسباب المنية يلقها
-
-
- ولو رام أسباب السماء بسلم
-
- يقول: من خاف وهاب أسباب المنايا نالته ولم يجد عليه خوفه وهيبته إياها نفعًا، ولو رام الصعود إلى السماء فرارًا منها.
- ومن يعص أطراف الزجاج فإنه
-
-
- يطيع العوالي ركبت كل لهذم
-
- المعنى من أبى الصلح ذلته الحرب ولينته.
- ومن يوف لا يذمم ومن يفض قلبه
-
-
- إلى مطمئن البر لا يتجمجم
-
- يقول: من أوفى بعهده لم يلحقه ذم، ومن هدي قلبه إلى البر يطمئن قلبه إلى حسنه ويسكن.
- ومن يغترب يحسب عدوا صديقه
-
-
- ومن لا يكرم نفسه لا يكرم
-
- يقول: من سافر واغترب حسب الأعداء أصدقاءه؛ لأنه لم يجربهم، ومن لم يكرم نفسه بتجنب الدنايا لم يكرمه الناس.
- ومهما تكن عند امرئ من خليقة
-
-
- وإن خالها تخفى على الناس تعلم
-
- يقول: ومهما كان للإنسان من خُلق فظن أنه يخفى على الناس عُلم ولم يخف، بمعنى آخر الأخلاق لا تخفى والتخلق لا يبقى.
معاني المفردات
الكلمة |
المعنى |
الدمنة |
ما تبقى من آثار الناس والديار[٣] |
الظعينة |
الراحلة التي يرتحل عليها[٤] |
السحيل |
الحبل على قوة واحدة[٥] |
الكَلمُ |
|
الذود |
|
تام السلاح |
تام السلام كامل الاستعداد [٨] |
أثافي |
أحجار توضع عليها القدر فوق الموقد[٩] |
الحجة |
الصور الفنية في القصيدة
- ودار لها بالرقمتين كأنها
مراجع وشم في نواشر معصم
- علون بأنماط عتاق وكلة
وراد حواشيها مشاكهة الدم
- كأن فتات العهن في كل منزل
نزلن به حب الفنا لم يحطم
- فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
- بكرن بكورًا واستحرن بسحرة
فهن لوادي الرس كاليد للفم
الأساليب البلاغية في القصيدة
سجع: (تكلم: متثلم) (ذقتم: المرجم)
طباق: (سحيل: مبرم) (يعص: يطيع) (عدو: صديق)
جناس: (تعرككم: عرك) (أسباب: أسباب) (تضر: تضرم)
المراجع
- ↑ الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صفحة 4. بتصرّف.
- ↑ الإمام أبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد الشيباني، شرح ديوان زهير بن أبي سلمى، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ [١]، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى الظعينة”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى السحيل”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى كلوم”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى الذود”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى شاكي”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى أثافي”، المعاني. بتصرّف.
- ↑ “معنى أثافي”، المعاني. بتصرّف.