X
X



حب أبي بكر للرسول

حب أبي بكر للرسول


حُب أبي بكر للرّسول صلى الله عليه وسلم

حُبّ أبي بكر الصّديق -رضي الله عنه- للنّبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن كأيّ حبٍّ بين شخصين، بل إنّ حبّه قد تعدّى ذلك حتى لا نكاد نجد في التاريخ مَن فَدى حياته في سبيل صديقه كما فعل أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-، والسّيرة خير برهانٍ على ذلك، ففي أحد المواقف ذهب النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أبي بكرٍ الصديق -رضي الله عنه- في وقتٍ لم يكن قد سبق وأتى به، فتفاجأ أبو بكر، فقال أبو بكر: (ما جَاءَ به في هذِه السَّاعَةِ إلَّا أمْرٌ، قالَ: إنِّي قدْ أُذِنَ لي بالخُرُوجِ).[١][٢][٣]

وتروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تكملة قصة الهجرة فتقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللهَ أذِنَ لي بالخروجِ والهجرةِ. فقال أبو بكرٍ: الصحبةُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الصحبَةُ. قالَتْ عائِشَةُ: فواللهِ ما شعَرْتُ قطُّ قبلَ ذلِكَ اليومِ أنَّ أحدًا يبكي من الفرحِ حتى رأيتُ أبا بكر يومئذ يبكي!)،[٤] فلم يأبه أبو بكر لصعوبة ما سيُقْدِم عليه، مع أنّ حياته في خطرٍ شديدٍ، بل جهّز دابّتين مع حمولتهما في أحد الأماكن تجهيزاً واستعداداً لهذا اليوم، فمن يبكي فرحاً لوضع حياته على المحكّ غير أبي بكر الذي أيّد الله نبيّه محمد -صلى الله عليه وسلم- به فكان له كل شيء.[٢][٣]

ما ميّز أبا بكر في حبّه للرسول

حُبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أمرٌ لا بدّ أن يكون في قلب كل مسلمٍ وسلمة، فهو -عليه الصلاة والسلام- سبب هداية البشريّة جميعاً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ)،[٥] وهذا ليس بالأمر السّهل، وما ميّز الصحابي الجليل أبو بكر الصّديق -رضي الله عنه- عن غيره هو أنّ حُبّه للنّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- قد فاق حب أي شيءٍ في هذا الكون، فقد فداه في ماله، وولده، وأهله، وروحه، وكلّ ما يملك أو يُحبّ.[٢]

ومن أسباب حبّه الشديد للنبي هو إيمانه القويّ وتصديقه بنبوّة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان إيمان أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- يعدل إيمان كلّ أمّة محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى يومنا هذا، فقد صحّ عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنّه حدّث الصحابة عن رؤيةٍ رآها فقال: (رأيتُ قُبيلَ الفجرِ كأني أُعطيتُ المقاليدَ والموازينَ، فأما المقاليدُ فهذه المفاتيحُ، وأما الموازينُ فهذه التي تَزِنونَ بها، فوُضِعَت في كَفَّةٍ ووُضعتْ أمتي في كَفَّةٍ، فوُزِنَتْ بهم فرَجَحتْ، ثم جيءَ بأبي بكرٍ فوُزن بهم فوَزن).[٦][٢]

مظاهر حبّ أبي بكر الصدّيق للرسول

دفاع أبي بكر عن النبيّ

دافع أبو بكر -رضي الله عنه- عن الرسول في الكثير من المواقف، ونذكر منها ما يأتي:

  • دفاع أبي بكر عن النبيّ عندما خنقه عقبة بن أبي معيط: كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أوّل من دافع عن النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولم يأبه بالأذى الذي قد يلحقه من كفّار قريش نتيجة دفاعه عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى في فترة الدّعوة السرّية دافع أبو بكر الصديق عن صاحبه وحبيبه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو أنّه سُئل عن أشدّ ما قاسى النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، فقال: (رَأَيْتُ عُقْبَةَ بنَ أبِي مُعَيْطٍ، جَاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ به خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ حتَّى دَفَعَهُ عنْه، فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وقدْ جَاءَكُمْ بالبَيِّنَاتِ مِن رَبِّكُمْ}).[٧][٨]
وبعد ذكر هذه الحادثة جلس قومٌ مع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، فسألهم أيُّهم أفضل؛ أبو بكر أم مُؤمن آل فرعون؟ فسكت القوم. فردّ عليهم عليّ فقال: أي والله لأبو بكر أفضل، فمؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه فمدحه الله على ذلك، وأبو بكر يجهر بإيمانه ويُعرِّض نفسه وحياته للخطر دفاعاً عن الإسلام وعن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.[٩]
  • دفاع أبو بكر وحرصه على الرسول في قصة امرأة أبي لهب: أنزل الله -سبحانه- سورة المسد، وذكر الله فيها امرأة أبي لهب فقال -سبحانه-: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)،[١٠] فسمعت بذلك، وكان اسمها العوراء بنت جميل بن حرب، فذهبت في الأرجاء تبحث عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومعها حجر لتضربه به، فرآها الصحابي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهي مقبلةً عليه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس معه، فقال له أبو بكر الصديق: “يا رسول الله إنّي أخاف أن تراك”، فقال النّبي -صلى الله عليه وسلم- له إنّها لن تراه، وقرأ شيئاً من القرآن فعصمه الله -تعالى- من رُؤيتها له.[٩]
حيث أقبلت امرأة أبي لهب على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وسألته عن صاحبه الشاعر -تريد بذلك النبي-، فقال: “والله إنّه ليس بشاعر”، فقالت: “ما بال صاحبك يهجوني”؟ فقال لها: “والله إنّه لم يهجوكِ”، وسألها إن كانت ترى أحداً معه أم لا، فتعجّبت من السؤال لأنّها لم تكن ترى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد عصمه الله -تعالى- منها. وفي هذه القصة دليلٌ على ملازمة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم- ودفاعه عنه.[٩]

خوف أبي بكر على النبيّ يوم الهجرة

جاءت الكثير من الروايات التي تقوّي بعضها بعضاً والتي تبيّن مدى خوف وحرص أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي هجرتهم بين مكة والمدينة كان أبو بكر الصديق يراقب بشدّة، وفي حينٍ يمشي أمام النبي، وفي حينٍ آخر يمشي خلفه مراقباً تحسّباً لأيّ طارئ، وقد جاء في كتاب ابن كثير أنهم عندما وصلوا الغار لم يسمح أبو بكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدخل قبله حتى لا يتأذّى، فقال له: (كما أنت حتى أُدخِلَ يدي فأُحسَّه وأقصَّه، فإن كانت فيه دابةٌ أصابتْني قبلك، قال نافعٌ: فبلغَني أنه كان في الغارِ جُحرٍ، فأَلقَمَ أبو بكرٍ رجلَه ذلك الجُحرِ تخوُّفًا أن يخرج منه دابةٌ أو شيءٌ يُؤذِي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ).[١١][٢]

وبعد دخولهم إلى الغار بقي أبو بكر الصديق يشعر بالخوف على حبيبه وصديقه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأبي بكر الصديق: “لا تحزن لأن الله معنا”، فأنزل الله -سبحانه- آيات حتى يُطَمئِنَهم ويؤيّدهم، فقال -تعالى-: (إِذ أَخرَجَهُ الَّذينَ كَفَروا ثانِيَ اثنَينِ إِذ هُما فِي الغارِ إِذ يَقولُ لِصاحِبِهِ لا تَحزَن إِنَّ اللَّـهَ مَعَنا).[١٢][١٣]

تصديق أبي بكر للنبيّ يوم الإسراء والمعراج

كان أبو بكر الصديق يُدعى بهذا اللّقب لسببين؛ الأول: وهو قبل الإسلام حين كان أبو بكر من رؤساء قريش وزعمائهم، فكان إذا أُريدت دِيّة تكفّل بها، فإذا تكفّل بها صدّقه الناس وقبلوا بذلك، أما إن تكفّل بالديّة غير أبي بكر الصديق فلا يقبلوها منه ويخذلوه، وكان هذا لأنّه كان صادقاً يؤدّي ما عليه ولا يكذب أو يخذل الناس، والسبب الثاني: هو ما حدث في يوم الإسراء والمعراج حين أصبح النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخبر الناس بما حدث معه في تلك الليلة، فَمِن الناس من لم يصدّقوا ما قال، وارتدّوا عن الإسلام.[١٤]

فذهب كفّار قريش إلى صاحب النبيّ أبي بكر الصديق لِيَرووا له ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسألهم أبو بكر: “أوقال ذلك”؟ قالوا: نعم، فقال: “لو كان قال ذلك فقد صدق”، فتعجّبوا وسألوه: أتصدّقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس ثم صعد إلى السماء، ثم عاد إلى هنا؟ فقال نعم، ثم إني لأصدّقه فيما هو أبعد من ذلك من خبر السماء في غدوة أو روحة، فاستحقّ -رضي الله عنه- في هذا اليوم لقب الصدّيق على موقفه وقوة إيمانه وتصديقه للرسالة المحمّدية.[١٤]

وعندما يتخيّل الإنسان هذا الموقف وشدّة صعوبته على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومقدار صعوبة أن يقصّ هذا الأمر العظيم على الشعب العربي ذو التفكير البسيط، وصعوبة أن يرى النبي كيف أن الناس بعد أن اعتنقوا الإسلام بدأوا يعودون إلى الكفر، فيجيء صاحبه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بإيمانه القوي الراسخ ويقول إنّه يُصدّق النبي فيما هو أبعد من ذلك؛ أي أن الوحي يأتي ويذهب عنه في كل حين، وقد تقبّل الأمر وذهب مسرعاً إلى النبي حتى يؤازره ويؤيّده، فوجده عند الكعبة مستقبلاً القبلة معرضاً عن كل من أغلقوا أعينهم عن الدين، فأقبل عليه يقبّله ويقول له: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله إنك لصادق، والله إنك لصادق”.[١٥]

حزن أبي بكر وثباته يوم وفاة النبيّ

تُوفّي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أُعلِن خبر وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أصاب الناس صدمةً شديدة، فمنهم من لم يستطع النهوض من موضعه، ومنهم من ربط لسانه فلم ينطق، ومنهم من أنكر موته، أما أبو بكر الصديق أقرب الناس وأشدّهم حبّاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- تَمالَك نفسه، وبإيمانه الشديد ثبت، فدخل على النبي، وكَشَفَ عن وجهه، وبكى وقَبَّله، وقال: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله”، ثم خرج على الناس، فرأى عمر بن الخطاب واقفاً يكلّم الناس، فأمرهم بالجلوس.[١٦][١٧]

ثمّ صعد أبو بكر إلى المنبر وخَطَب بالناس، ويروي ابن عبّاس -رضي الله عنه- فيقول: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أَمَّا بَعْدُ، فمَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ}،[١٨] واللَّهِ لَكَأنَّ النَّاسَ لَمْ يَكونُوا يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَتَلَقَّاهَا منه النَّاسُ، فَما يُسْمَعُ بَشَرٌ إلَّا يَتْلُوهَا).[١٩][١٦][١٧]

وهذا الموقف يدلّ على شجاعة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وقوّة إيمانه، في حين أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرّ على الأرض حين سمع الآية التي تلاها أبو بكر، وشعر المسلمون كما لو أنهم لم يقرؤوا هذه الآية من قبل، فقد أحسّوا بمعناها الحقيقي، واستشعروا في تلك اللحظة صعوبة موقفهم ومصيبتهم الحقيقيّة في فقدان النبي -صلى الله عليه وسلم- وانقطاع الوحي، فلا مصيبة أعظم من فقد النبي، وثبات أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في ذلك الوقت هو خير مثالٍ على الصبر عند الشدائد والصبر عند الصدمة الأولى في أعظم مصيبة.[١٦][٢٠]

فضائل أبي بكر الصدّيق

خصّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق بفضائل لم تكن لغيره، وهذا لمكانته التي لم يملأها أحدٌ سواه، وفيما يأتي ذكر بعض هذه الفضائل:[٢١][٢٢]

  • قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ مِن أمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومالِهِ أبا بَكْرٍ).[٢٣]
  • قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لو اتّخذ خليلاً لكان أبو بكر -رضي الله عنه-، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ).[٢٣]
  • خصّه النبي -صلى الله عليه وسلم- ببقاء بابه مفتوحٌ على المسجد من بين كل الأبواب فقال: (لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ خَوْخَةٌ إلَّا خَوْخَةُ أبِي بَكْرٍ).[٢٣]
  • أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر أن يُصلّي بالناس مدّة مرضه، وهذه من خصائصه التي لم يُشركه فيها أحد، ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمّته أن تصلّي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خَلْف أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-.
  • أمّره النبي -صلى الله عليه وسلم- على الحجّ ليُقيم السُّنّة ويمحو أثر الجاهلية.
  • أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عائشة في مرضه أن تدعوا أباها -أي أبو بكر- وأخاها حتى يكتبوا وصية النبي في الخلافة، فقال لها: (ادْعِي لي أَبَا بَكْرٍ، أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فإنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ ويقولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَّا أَبَا بَكْرٍ).[٢٤]
  • كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحبّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- أكثر من أي رجل آخر، فقد سُئل عن أحبّ الناس إليه فقال: (عَائِشَةُ، فَقُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أبُوهَا، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالًا).[٢٥]
  • بشّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة حين قال: (مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟ قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ).[٢٦]
  • أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين بالاقتداء بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم- فقال: (إنِّي لا أدري ما قَدْرُ بقائي فيكُم فاقتَدوا باللَّذَينِ مِن بعدي وأشارَ إلى أبي بَكرٍ وعمرَ).[٢٧]
  • مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لإقباله على الصدقة، لأنّ الإسلام ما انتفع من مالٍ بقدر ما انتفع من مال أبي بكر الصديق، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما نفعَني مالٌ قطُّ ما نفَعني مالُ أبي بَكرٍ. قالَ: فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، هل أنا ومالي إلَّا لَكَ يا رسولَ اللَّهِ).[٢٨]
  • اختاره النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكون صاحبه في الهجرة والمكوث في الغار، وهي فضيلةٌ اختصّ بها أبو بكر الصديق، حيث ذَكَره الله -تعالى- في القرآن أنّه بمعيّته، وخصّه بصحبة النبي -عليه الصلاة والسلام-.[٢٩]

حب الرسول لأبي بكر الصديق

فاق حب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الصديق كل الناس، فكما ذكرنا سابقاً في الفضائل أنّ أحبّ الناس إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانت عائشة ثم أبوها؛ أي أنّ أبا بكر هو أحبّ الرجال إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال عنه عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-: (أبو بَكْرٍ سيِّدُنا وخيرُنا وأحبُّنا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ).[٣٠][٣]

وقد عَلِم جميع الصحابة مكانة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد صح من رواية عبد الله بن مسعود عن النبي أنّه قال: (إنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَبَكَى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقُلتُ في نَفْسِي ما يُبْكِي هذا الشَّيْخَ؟ إنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بيْنَ الدُّنْيَا وبيْنَ ما عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ما عِنْدَ اللَّهِ، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو العَبْدَ، وكانَ أبو بَكْرٍ أعْلَمَنَا، قالَ: يا أبَا بَكْرٍ لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صُحْبَتِهِ ومَالِهِ أبو بَكْرٍ، ولو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لَاتَّخَذْتُ أبَا بَكْرٍ، ولَكِنْ أُخُوَّةُ الإسْلَامِ ومَوَدَّتُهُ، لا يَبْقَيَنَّ في المَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ، إلَّا بَابُ أبِي بَكْرٍ).[٣١][٣]

وفي الحديث السابق جوانب عدّة لا بدّ من التعقيب عليها، فمن محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه خصّ أبا بكرٍ في أن يبقى بابه مفتوحاً على المسجد النبوي مباشرة، بينما أمر بإغلاق جميع الأبوابِ الأُخرى، كما أنه سمّاه بالصاحب وليس بالخليل، ومعنى الحديث أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان قد تأهّل لأن يتّخذه النبي -صلى الله عليه وسلم- خليلًا لولا المانع الذي منع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وهو أنه لما امتلأ قلبه بما تخلّله من معرفة الله -تعالى- ومحبّته ومراقبته حتى كأن أجزاء قلبه مُزجت بذلك فلم يتّسع قلبه لخليلٍ آخر، فخليل النبيّ هو الله -سبحانه وتعالى-، وأبو بكر الصديق هو حبيبه وصاحبه.[٣٢] ومحبّة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر كانت لِما اجتمع فيه من خصالٍ أهّلته لذلك؛ فقد كان سابقاً في الإسلام، وناصحاً لله -تعالى- ورسوله وللإسلام وأهله، وباذلاً ماله ونفسه في رضا الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فرضي الله -تعالى- عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين جميعاً خير الجزاء.[٣٣]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6079، صحيح.
  2. ^ أ ب ت ث ج راغب السرجاني، الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق، www.islamweb.net، صفحة 11، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث عبدالله بن محمد العسكر، “قبسات من سيرة الصديق رضي الله عنه”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-4-2021. بتصرّف.
  4. رواه الألباني، في فقه السيرة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 160، إسناده صحيح .
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 15، صحيح.
  6. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 7/232، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عَبْدَ اللَّهِ بنَ عَمْرو، الصفحة أو الرقم: 3678، صحيح.
  8. محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، أبو بكر الصديق أفضل الصحابة، وأحقهم بالخلافة، صفحة 23. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت علي الطنطاوي (1986 م)، أبو بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدّة – المملكة العربية السعودية: دار المنارة، صفحة 82-84. بتصرّف.
  10. سورة المسد، آية: 4-5.
  11. رواه ابن كثير، في البداية والنهاية، عن عبدالله بن أبي مليكة، الصفحة أو الرقم: 3/177، مرسل وله شواهد.
  12. سورة التوبة، آية: 40.
  13. علي الصلابي (2009 م)، الخليفة الأول أبو بكر الصديق شخصيته وعصره (الطبعة السابعة)، بيروت – لبنان: دار المعرفة، صفحة 54. بتصرّف.
  14. ^ أ ب علي الصلابي (1986 م)، أبو بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدّة – المملكة العربية السعودية: دار المنارة، صفحة 47-48. بتصرّف.
  15. مأمون غريب، خلافة أبو بكر الصديق، مصر: مركز الكتاب للنشر، صفحة 117-117. بتصرّف.
  16. ^ أ ب ت علي الصلابي (2009 م)، الخليفة الأول أبو بكر الصديق شخصيته وعصره (الطبعة السابعة)، بيروت – لبنان: دار المعرفة، صفحة 102-103. بتصرّف.
  17. ^ أ ب علي الطنطاوي (1986 م)، أبو بكر الصديق (الطبعة الثالثة)، جدّة – المملكة العربية السعودية: دار المنارة، صفحة 149-150. بتصرّف.
  18. سورة آل عمران، آية: 144.
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1242، صحيح.
  20. راغب السرجاني، الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق، www.islamweb.net، صفحة 4، جزء 6. بتصرّف.
  21. ابن تيمية (1992 م)، رسالة في فضل الخلفاء الراشدين (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصحابة للتراث، صفحة 31-32. بتصرّف.
  22. محمد رضا (2004 م)، أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، مصر: دار الكتاب العربي، صفحة 17. بتصرّف.
  23. ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 3904، صحيح.
  24. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2387، صحيح.
  25. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 3662، صحيح.
  26. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1028، صحيح.
  27. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 3799، صحيح.
  28. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 77، صحيح.
  29. علي الصلابي (2009 م)، الخليفة الأول أبو بكر الصديق شخصيته وعصره (الطبعة السابعة)، بيروت – لبنان: دار المعرفة، صفحة 51-52. بتصرّف.
  30. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 3656، حسن.
  31. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 466، صحيح.
  32. محمد الأمين الهرري (2009 م)، الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار المنهاج – دار طوق النجاة، صفحة 365، جزء 23. بتصرّف.
  33. زين الدين المناوي (1356)، فيض القدير (الطبعة الأولى)، مصر: المكتبة التجارية الكبرى، صفحة 168، جزء 1. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب