X
X



تعريف الصدفة

تعريف الصدفة


تعريف الصدفة

الصدفة في اللغة هي مفرد، وجمعه صُدف، وصدفات تعني ما يحدث عرضًا دون اتفاق أو موعد، ونقول: رآه صدفة: أي من دون موعد أو قصد، بطريق الصدفة يعني: بلا توقع أو انتظار[١]، المصادفة إذًا: “وقوع الشيء اتفاقًا، من غير قصد وترتيب مسبق”.[١]

تعريف الصدفة في التاريخ

هل يمكن أن تتدخل الصدفة في حوادث التاريخ؟

الصدفة في التاريخ ترتبط بالحوادث البسيطة ضئيلة الشأن التي تشكل فتيلًا لأحداث جسام يتغير معها وجه التاريخ حتى يحار الباحثون، ويترددون أهي من رتب المواضعات الجديدة أم سلسلة من القواعد والقوانين والسنن، فمثلًا يمكن أن نذكر حادثة حرق البوعزيزي لنفسه احتجاجًا على واقع العمال في “تونس” الأمر الذي نجم عنه أحداث كبيرة غيرت العالم العربي وقلبته رأسًا على عقب، كذلك يمكننا ذكر حادثة تحطم عربة ملك فرنسا لويس السادس عشر وهو يهرب من باريس أثناء الثورة الفرنسية التي قلبت واقع أوروبا.[٢]

يمكن أن يُذكر هنا أحداثًا عاديةً أخرى مثل سقوط التفاحة على رأس نيوتن فاكتشف قانونًا عامًا هو قانون الجاذبية، أو تحرك غطاء إناء يغلي أو لوح فلين يطوف، الأمر الذي أدى إلى اختراعات عجيبة من السفن والقاطرات والآلات البخارية وغير ذلك، والسؤال يكمن فيما إذا كانت هذه الأحداث الضئيلة البسيطة وبنحو المصادفة هي سبب هذه الاكتشافات العلمية الكبيرة وهذا التغير التاريخي العاصف حقًا؟[٣]

لقراءة المزيد، انظر هنا: صدف في التاريخ المعطف المميت.

هناك من يرى أن العلم التجريبي ومن ورائه التوجيه القيمي للعقائد هو ما يفسر ذلك كله، وهناك رأي آخر يلح على السنن والقوانين في تفسير المتغيرات الكبرى والصغرى في الإنسان وفي الطبيعة جميعًا، والسؤال هنا أليس الإنسان مختارًا ومريدًا إذًا فإن التغيرات التي تجري عليه مجتمعًا أو فردًا لا يمكن نسبتها إلى الصدفة بل إن المحتوى النفسي والروحي المتمثل في إرادته وفكره هو القاعدة التي يتأسس عليها وضعه الاجتماعي[٢]، وهذه سنة من سنن التاريخ عبّر عنها القرآن بقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم}.[٤]

إن الحياة بكل ما يتصل بها من ظواهر وأشياء إنما تترابط وتحتكم إلى سنة سماها البعض القضاء والقدر، ويقول كمال الحيدري: “قدر الله جلّ جلاله الروابط والعلاقات الموجودة في الأشياء بدءًا وبنية وتكوينًا بحيث تكون خاضعة للأسباب والقوانين والسنن”.[٢]

تعريف الصدفة في علم الفلسفة

هل تدخل المصادفة في علم النفس أم المنطق؟

“الصدفة اتفاق مجهول العلة، أو تزامن لسلسلتين عليتين مستقلتين، أو هي سلب الضرورة، والمصادفة عند أرسطو هي اللقاء العرضي الشبيه باللقاء القصدي، أو هي العلة العرضية المتبوعة بنتائج غير متوقعة، تحمل طابع الغائية[٥]، ويُقال هي خلو النظام الكوني من الإله”، المصادفة هي الأمر الذي لا يمكن تفسيره بالعلل الفاعلة، ولا بالعلل الغائية.[٦]

مفهوم المصادفة مرتبط  بغياب الهدف أو القصد للفاعل الطبيعي، وتقع في خاطر المفكر حين لا يصيب العلم المطابق للواقع، أو حين تطالعه الظواهر بأسباب تخفى عليه فيتلمس لها المثل الأعلى ولا يصيبه، ولأنه لا يكتفي بالمشاهدة يذهب إلى الحكم بالمصادفة،ويقول هيغل:“الغاية من الفلسفة ليست تحديد مثل أعلى للكمال من غير الممكن الوصول إليه، بل فهم الواقع لإعادة بنائه ديالكتيًا، وتعرّف الطابع العقلي منه، ومن هنا فإن مهمة الأخلاق أن تشاهد لا أن تحكم”.[٧]

اعتمد أرسطو على نظرته الغائية ليفر من هذا المطب ويحمي الناظرين من الوقوع فيه، فجعل ما هو عرضي يبدو كانه مقصود، وفعل أفلاطون الأمر نفسه حين  جعل الخير وكأنه حقيقة موضوعية تجري حوادث الكون لتحقيقها، لأن الواقع الموضوعي صعب التحديد على المستوى الفردي، غير أن العلماء كنيوتن وديكارت أرادا القبض على ما في العالم من انتظام الحركة وثبات القوانين فتصورا لتحقيق ذلك إلهًا هندسيًا يضمن ذلك، وفي الخاتمة ستظل المصادفة قرينة نقص المعرفة ولن تناسب دقة العالم وإحكامه إلا بالإيمان الذي يستبدل بها الضامن الحي الباقي وهو الله سبحانه وتعالى.[٨]

  

تعريف الصدفة في الإسلام

هل الكون موجود بمحض الصدفة أم ببركة العناية الإلهية؟

المناقشة هنا هي للأصل الذي صدر الكون عنه، وفيما إذا كان هذا الأصل هو الصدفة، حينها لا مفر لنا من الوقوع في العبثية، ونكران الغائية؛ إذ نجعل العالم الذي هو مادة فاعلة ومنفعلة دون فاعل حكيم، وتذهب أهم الأديان إلى الإقرار بخالق لهذا الكون، ومنها الإسلام، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ}[٩][١٠]، وقال تعالى:{يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}.[١١]

فالعالم بأسره متمسّك ومتشبث وشديد الارتباط بالله عز وجل، ولا مكان للحديث عن الفصل بين الخالق عز وجل والمخلوق وهو الكون؛ لأن الإبعاد والفصل بين الخالق والمخلوق ضرب من إيقاف الوظائف في الكون، والتي تعد صورة من صور الله عز وجل وعلامة من علامات وجوده.[١٢]

من جانب آخر كيف يمكن الربط بين الصدف والكون المنظم المتناغم؟! فالصدفة لا ينبع منها النظام والتناغم والتناسق فالقدر الأعمى ما هو إلا ضرب من الخيال المحض، فالعقل والفطرة كلها عائدة إلى علة واحدة وهي الخالق.[١٣]

إذًا؛ القرآن الكريم يحيل القول بالصدفة وينسبه إلى الفطرة التي جبل عليها الإنسان، حيث قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}.[١٤]

يقول عالم الوراثة والبيئة الدكتور جون وليان كلوتس: “إن هذا العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع والأمور التي تحتاج إلى مدبر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى”.[١٥]

وهكذا يثبت أنه في تأمل الكون والوقوف على نظامه برهان على وجود مبدع عظيم أبدعه، فالعقل يقيم هذه الرابطة المنطقية بين النظم والشعور، وأنّه من الممتنع أن يكون النظم البديع وليد الصدفة أو خصوصية في المادة.[١٦]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصر، صفحة 1281، جزء 4. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت السيد كمال الحيدري، القضاء والقدر وإشكالية تعطيل الفعل الإنساني، صفحة 110. بتصرّف.
  3. القضاء والقدر، السيد كمال الحيدري، صفحة 125_126. بتصرّف.
  4. سورة الرعد، آية:11
  5. جميل صليبا، المعجم الفلسفي، صفحة 383، جزء 2. بتصرّف.
  6. سارة بنت عبد المحسن ، العناية والمصادفة في الفكر الغربي المعاصرد، صفحة 23. بتصرّف.
  7. محمد غازي عرابي، التفسير الصوفى الفلسفى للقرآن الكريم، صفحة 410، جزء 1. بتصرّف.
  8. حسام أبو حامد، محاضرات في علم النفس، صفحة 20_23. بتصرّف.
  9. سورة الواقعة، آية:57-74
  10. سورة الواقعة، آية:57-74
  11. سورة فاطر، آية:41
  12. محمد السيد الجليند، الوحي والإنسان، صفحة 183. بتصرّف.
  13. آمال بنت عبد العزيز العمرو، الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية، صفحة 391. بتصرّف.
  14. سورة الأعراف، آية:172
  15. ترجمة الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان، الله يتجلى في عصر العلم، صفحة 76. بتصرّف.
  16. حسن مكي العاملي، نظرية المعرفة، صفحة 261. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب