X
X



ترتيب الصلاة

ترتيب الصلاة


معنى ترتيب الصلاة وحكمه

تَرتيبُ أفعالِ الصّلاةِ يعني: الإتيانُ بأفعالها وِفقاً للطريقة التي صلّى بِها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، والصّلاة فيها أفعالٌ متكرّرة وأفعالٌ غيرُ متتكررة في الرّكعةِ الواحدة، أمّا غير المتكرّرة؛ ككَوْن ترتيبُ القيامِ للقراءة يأتي قبل الرّكوعِ، وكون ترتيبُ الرّكوعِ يأتي قبل السّجود، وأمّا الأفعالُ المُتكررة في الرّكعة الواحدة كالسّجدات.[١]

ويُعدّ الإتيان بهذا الترتيب رُكنٌ مِن أركانِ الصّلاةِ، واتّفق على ذلك الفقهاء الأربعة، وقيلَ انعقدَ عليهِ إجماعُ العلماء، ويستدلّون على ذلكَ بأحاديثٍ عدةٍ، منها حديثُ الرّجلِ المُسيء في الصّلاة حينَ علّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيفيةَ الصّلاةِ الصحيحة، فقال له: (إذا أنتَ قُمتَ في صلاتِكَ فكبِّرِ اللهَ تعالى، ثمَّ اقرَأْ ما تيسَّرَ عليكَ مِن القرآنِ، وقال فيه: فإذا جلَستَ في وسَطِ الصلاةِ فاطمئنَّ وافترِشْ فخِذَكَ اليُسْرى، ثمَّ تشهَّدْ، ثمَّ إذا قُمتَ فمثلَ ذلك، حتى تفرَغَ مِن صلاتِكَ)،[٢] ووجه ُالدّلالةِ أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- علّمَ الرّجلَ الصّلاةَ على نمطٍ معين، وهو الترتيبُ الصحيحُ لأداءِ أفعالها، وهو ذاتُ النّمطِ الذي كان يصلّي بِه -صلى الله عليه وسلم-، وقد أمرنا باتّباعه فيه حين قال: (صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)،[٣] ولم يُعرَف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد غيّر ترتيب أفعال صلاته أبداً، وهذا بيانٌ وتأكيدٌ على أن التّرتيبَ رُكنٌ لا يجوزُ المَساسُ أو الإخلالُ بِه.[٤]

وبناءً على ذلك تَبطلُ صلاةُ مَن تركَ الترتيبَ الصحيح في الصّلاةِ قاصداً ذلك، أمّا إن تَرَكهُ ناسِياً فإنّه يُؤدّيهِ فور تذكّره قبل بلوغه لنفس الفعل من الرّكعةِ التي تَليها، ثمّ يسجد للسّهو، كما أن ترتيبُ تِعدادِ ركعات الصّلاةِ واجبٌ إلّا في حقِ المسبوق؛ -وهو من لحق بصلاة الجماعة وفاته شيئاً منها-، فإنّه يُصلّي مع الإمام ما تَأخّر من الركعات قبل الأوائل، ثمّ يبني عليها عندَ انتهاءِ الإمامِ من الصّلاة ولا شيءَ عليهِ في ذلك.[٥][٦]

كيفية أداء الصلاة بالترتيب

لأداء الصّلاة على وجهٍ صحيحٍ خطواتٌ عدّة تَجْمَعُ بين أركانِ الصّلاة وواجباتها وسُنَنِها، وبيانها فيما يأتي:

  • أولاً: استحضارُ النية؛ فينوي المُصلّي أداءَ الصّلاةِ.[٧]
  • ثانياً: استقباُل القِبلة؛ يستقبِلُ المُصلّي القِبلة -بأن يوجّه جسده وقلبه نحو المسجدِ الحرامِ-.[٨]
  • ثالثاً: تكبيرةُ الإحرام؛ يكبّرُ المصلّي تكبيرةَ الإحرامِ بِرفعِ يديهِ إلى أُذُنيهِ قائلاً: “الله أكبر”.[٩]
  • رابعاً: تعديل الوضعية؛ إذ يَضَعُ يديهِ على صدرِهِ، وتكونُ اليدُ اليُمنى فوق اليد اليُسرى، كما يُصَوّبُ نظرهُ نحوَ موضِع السّجود.[٧]
  • خامساً: استفتاحُ الصّلاة؛ يقرأُ دعاءَ الاستفتاحِ وهو من سنن الصّلاة،[٩] ثمّ يستعيذُ بالله قائلاً: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”، ويسمّ الله: “بسم الله الرحمن الرحيم”.[٨]
  • سادساً: الشروع بالقراءة؛ يقرأُ سورةَ الفاتحةِ: (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ* الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ* إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، ثمّ يتلو ما تَيسّرَ لهُ من القرآن.[٧]
  • سابعاً: الرّكوع؛ يركَعُ قائلاً: الله أكبر”، فَيُحْكِمُ وضعَ يديهِ على رُكْبَتَيه حتى يَستَوي ظَهرَهُ، ثم يقول: :سبحان ربي العظيم”، وُيسنُّ له أن يُكرّرَ التّسبيحَ ثلاثَ مراتٍ فأكثر،[٩] ويأخذَ وقتَهُ في التسبيح وهو ركن الاطمئنان في الرّكوع والسّجود.[١٠]
  • ثامناً: الاعتدال من الرّكوع؛ يرفعُ نفسهُ مِن الرّكوعِ قائلاً: “سمعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ”، فإذا اعتدلَ قائماً أتْبَعَها بقوله: “ربنا ولكَ الحمد”.
  • تاسعاً: السّجود؛ يَسُجدُ المصلّي على أعضائِه السّبعة، وهي كلٌ مِن جبهَتِهِ معَ أنفه، وكفّيهِ، وركبَتيه، وأصابعُ قدميه، ثمّ يقولُ: “سبحان ربي الأعلى”، ويسنّ له أن يفعلَ ذلكَ ثلاثَ مراتٍ فأكثر كما في الرّكوع، وله أن يدعو الله فيه بما شاء.[٩]
  • عاشراً: الجلوس بين الركعتين؛ يَرفعُ نفسه من السّجدةِ الأولى، ويجلسُ على قَدمِه اليُسرى واضِعاً يَديه على فَخِذيه ثمّ يقول: “رب اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني”.[٩]
  • الخطوة الحادية عشر: السّجدة الثانية؛ يسجدُ السّجدةَ الثانية ويفعلُ فيها كما فعلَ في السّجدةِ الأولى.[٩]
  • الخطوة الثانية عشر: أداء الركعة الثانية؛ يَقومُ إلى الرّكعةِ الثّانية قائلاً “الله أكبر”، فيكرّرُ طريقة الأداء -عدا دعاء الاستفتاح- حتّى ينتهي من الرّكعتينِ الأوائل.[٩]
  • الخطوة الثالثة عشر: الجلوس للتشّهدِ الأوسط؛ فإذا انتهى من الرّكعتين الأوائل جَلَسَ مُفتَرِشاً؛ -والافتراش وضعيةٌ للجلوس في التشهد الأول يجلس فيها المصلّي على راحة قدمه اليسرى بينما ينصب القدم اليمنى ويثبتها على رؤوس الأصابع-،[١١] ويَضَعُ يَديه على فَخِذيه قريباً من رُكبتيه ويُحَرّكُ سبابةَ يدهِ اليُمنى أثناءَ قراءةِ التّشهد، وصيغته: “التّحياتُ لله والصلواتُ، والطيبات، السّلام عليكَ أيّها النّبيّ ورحمةُ الله وبركاتهُ، السّلامُ علينا وعلى عِباد الله الصالحين، أشهدُ أنّ لا إله إلّا الله وحدهُ لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدهُ ورسوله”.[٨]
  • الخطوة الرابعة عشر: استكمال الصّلاة؛ إذا كانت صلاةً ثنائيةً كصلاةِ الفجرِ، يُضيفُ إلى صيغة التّشّهد الأول الصّلاةَ الإبراهيميةَ ثم يسلّم كما سيأتي في الخطوة التالية، أمّا إذا كانت صلاةً رُباعيةً فإنهُ يَقُومُ فيأتِ بركعتينِ على شاكلةِ الرّكعتينِ الأوائل بقراءة الفاتحة فقط، وإن كانت صلاةً ثُلاثيةً كصلاةِ المغربِ فيعيد الأمر ذاته، أي يتشّهدُ بعدَ الركعتينِ الأوائل ثمّ يزيدُ على ذلك ركعةً واحدة.[٩]
  • الخطوة الخامسة عشر: التشهّد الأخير؛ إذا انتهى من الصّلاة جَلَسَ للتشهّد مُتَوَرِكاً لأداءِ التّشّهدِ الأخيرِ؛ -والتورّك من وضعيات الجلوس للتشهّد الأخير يجلس فيه المصلّي على الأرض، إذ ينصب قدمه اليمنى على أطراف الأصابع ويُخرج اليسرى من جهة اليمنى-،[١١] ويقرأ فيه ما قرأَ في الأوّلِ مضافاً إليه الصلاةَ الإبراهيمية، وصيغتها هي: “الّلهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلّيتَ على آل إبراهيمَ؛ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركتَ على آل إبراهيم؛ إنّك حميدٌ مجيدٌ”.[٨]
  • الخطوة السادسة عشر: الخروج من الصّلاة؛ إذا انتهى من الصّلاة الإبراهيمية سلّم عن يمينهِ ثمّ عن شِمالهِ قائلاً: “السلام عليكم ورحمة الله” للجهتين.[١٠]
  • الخطوة السابعة عشر: ما يقوله بعد التسليم؛ إذا انتهى من كل ذلك قال: “اللهم أنتَ السّلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام”.[٨]

حكم من ترك ترتيب الصلاة

تمّ البيان فيما سَبق أنّ التّرتيبَ ركنٌ مِن أركانِ الصّلاةِ، ويترتّبُ على من تَركهُ مُتعمّداً بطلان صلاتهِ إلّا في حالاتٍ قد يُصَحّحُ فيها هذا الخَلل الواقع في تَغَيّرِ ترتيب أفعالِ الصّلاةِ؛ كأن يتأثّر المُصلّي بعارِضٍ يدفعه إلى تغيير شيءٍ من الترتيب غصباً عنه؛ أي أمور خارجة عن إرادته قد تغيّر من حكم العبادة؛ كطروء الحيض أو الجنون أو الإغماء، نحو أن يصيبهُ رُعافٌ مُفاجِئٌ، ويحَقُّ لهُ عندها أن يَقطعَ صَلاتهُ فيُجَدِّدُ وضوءهُ ثمّ يعود لاستكمال الصّلاة، مع كَوْن الأفضل الابتداء بها من جديد.[١٢]

وإذا نسي المصلي فعلاً مكرّرا في الصلاة؛ كأن سجد سجدةً واحدةً بدل اثنتان، ثمّ تذكّرها في آخر صلاته، فإنه يسجدها، ويسجد سجود السّهوِ لأنّه أخلّ بالترتيب، فإذا أخلّ بِشيءٍ من مواضِعِ الفَرْضِ غير المكرّرة في الصّلاةِ؛ كالقيامِ أو الرّكوعِ أو قِراءةُ القرآنِ، وجبَ على المُصلّي إتيان ما تركَ وأداءَ سُجودِ السّهوِ عندَ الانتهاءِ منَ الصّلاةِ، لأنّه غَيّرَ التّرتيبَ الأصليّ الواجبُ اتباعهُ في الصّلاة.[١٣] ومِنَ الجَدِيرِ بالذّكرِ أنّ مِن العُلماء مَن فصّلَ فِي اللإخلالِ بالتّرتيب؛ ومنهُمُ الشّافعية، وعندهم إذا أخلّ المُصلّي بترتيبِ الصّلاةِ سَهواً وجَبَرَه فوراً دون تأخِيرٍ؛ بأن يأتِ به قبل وصوله موضعه من الركعة التالية، كانَ صحيحاً ولمْ يَلْزَمهُ إعادَتُهُ وإلّا كان ما بعدَ السّهو لغواً في حال تأخّر في استدارك ما فاتَهُ.[١٢]

الترتيب في قضاء الصلوات الفائتة

يَجِبُ مُراعاةُ التّرتيبِ فِي قَضاءِ الصّلواتِ الفائِتةِ عِندَ جُمهُورِ العُلماءِ، -وهِي الصّلواتُ التي خَرَجَ وقتُ أدائِها وتَعيّنَ قَضاؤُها على المُصلّي-، وفي ذلكَ تَفصيلٌ عند العلماء، إيجازه على النّحو الآتي:

  • قولُ الحنفية: ترتيبَ الصّلاةِ الفائتةِ واجِبٌ كما هِي في أصلِها، ويستدلّون بفعل رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الخندق: (إنَّ المشرِكينَ شغَلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن أربعِ صلَواتٍ يومَ الخندقِ فأمرَ بلالًا فأذَّنَ ثمَّ أقامَ فصلَّى الظُّهرَ ثمَّ أقامَ فصلَّى العصرَ ثمَّ أقامَ فصلَّى المغربَ، ثمَّ أقامَ فصلَّى العِشاءَ)،[١٤] ويُفيدُ الحديث أنّه -صلى الله عليه وسلم- صلّى الفائتة مُرتّبةً، ويَسقُطُ التّرتيبُ في الفوائت عندهم إن زادتْ على سِتّ صلوات.[١٥]
  • قول الحنابلة والمالكية: مُراعاةُ التّرتيبِ في الصلواتِ الفائتة واجبٌ قولاً واحداً، زَاد عددها أم نَقُص.[١٦]
  • قول الشافعية: مُراعاةُ التّرتيب في الصلواتِ الفائتة مُسْتَحَبٌ، وليسَ على الوجوبِ.[١٦]

المراجع

  1. البحر الرائق، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (الطبعة الثانية)، عمان: دار الكتاب الإسلامي، صفحة 313-314، جزء 1. بتصرّف.
  2. رواه أبي داود، في سنن أبي داود، عن رفاعة بن رافع، الصفحة أو الرقم: 860، صالح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن مالك بن الحويرث، الصفحة أو الرقم: 6008، صحيح.
  4. أحمد الخليل، شرح زاد المستقنع، صفحة 433، جزء 1. بتصرّف.
  5. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 362، جزء 2. بتصرّف.
  6. محمود السبكي (1977م)، الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق (الطبعة الرابعة)، المكتبة المحمودية السبكية، صفحة 290، جزء 5. بتصرّف.
  7. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين (1433ه)، الموسوعة الفقهية – الدرر السنية، dorar.net: الدرر السنية، صفحة 97-98، جزء 1. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج صالح الفوزان (1423ه)، الملخص الفقهي، الرياض: دار العاصمة، صفحة 136-139، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت ث ج ح خ د عبد الله الزيد (1423ه)، تعليم الصلاة، المملكة العربية السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 23-27. بتصرّف.
  10. ^ أ ب خالد المشيقح، المختصر في فقه العبادات، المملكة العربية السعودية: موقع وزارة الأوقاف السعودية، صفحة 35-38. بتصرّف.
  11. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (13-5-2002 م)، “الافتراش والتورك…معناهما، ومواضع سنيتهما”، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-2-2021م. بتصرّف.
  12. ^ أ ب سعيد حوى (1994م)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 345، جزء 2. بتصرّف.
  13. سعيد حوى (1994م)، الأساس في السنة وفقهها – العبادات في الإسلام (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، صفحة 517، جزء 3. بتصرّف.
  14. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله ابن مسعود، الصفحة أو الرقم: 661، صحيح لغيره.
  15. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (الطبعة الرابعة)، سوريا: دار الفكر، صفحة 1156، جزء 2. بتصرّف.
  16. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة، صفحة 32-33، جزء 34. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب