X
X


موقع اقرا » الآداب » أشعار وأدباء » تحليل نص شعري

تحليل نص شعري

تحليل نص شعري


تحليل جدارية محمود درويش

تُعد القصيدة الجدارية من أهم القصائد التي تركها محمود درويش، وتقع هذه القصيدة في قرابة 100 صفحة، فهي قصيدة مطوّلة، وقد وضعها محمود درويش في ديوان مستقل أسماه “جدارية محمود درويش”، وقد ظل يكتبها طوال عام 1999م.[١]

قسّم محمود درويش هذه القصيدة إلى 63 مقطعًا، أمّا البحر الذي كتبت عليه القصيدة، فإنّها بُنيت على شعر التفعيلة، على تفعيلتي المتقارب والكامل، فتنوّع إيقاعها الشّعري بذلك.[١]

سيميائية العنوان في الجدارية

يُعد العنوان المدخل إلى النّص الأدبي، والأداة الأولى لفهم النص، فمثل العنوان للنص الأدبي كمثل الرأس من الجسد؛ إذ يعدّ العنوان علامة دلالية تكتنز في داخلها الكثير من الطاقات، فهو مدخلٌ أولي لا بدّ منه قبل قراءة النص الأدبي.[٢]

في عنوان “الجدارية” فإنّ العنوان يسهم في تكوين نظرة أوّلية عن النص إذ يمثّل علاقة سيميائية مليئة بالإيحاءات الدالة على بنية النص الكلية،[٢] إنّ الجدارية كلمة مأخوذة من “جدر”، والجدار هو الحائط، وجمعه “جدران أو جدر”، وعند ربط عنوان الجدارية مع النص يتّضح أنّها قد وردت في أربع مواضع،[٢] حيث يقول درويش:[٣]

  • “فلنذهب إلى أعلى الجداريات”.
  • “ولي منها: صدى لغتي على الجدران”.
  • “خشب الهياكل والرسوم على جدران الكهف”.
  • “والملح من أثر الدموع على جدار البيت لي”.

بالعودة إلى معنى لفظة جداريات في أشعار محمود درويش السّابقة، يتّضح أنّها قد جاءت بمعنى الكتابة على الجدار، وهذا دلالته أنّ الشّاعر كان يلصق مشاعره وأحاسيسه وينقلها على الجدار، وليس غريبًا أن يكتب ذلك كلّه على الجدار مع وجود وسائل الكتابة المتطوّرة؛ لأنّ الجدار يدلّ على البقاء والديمومة.[٢]

عندما ألصق درويش اسمه بعنوان الجداريات، فإنّه قد أراد البقاء والديمومة لاسمه، فعندما حوصر محمود درويش بالموت، سعى بشتّى الطرق لإثبات ذاته، فكانت الجدارية عبارة عن صراع مثَّلَ لدرويش حالة من القلق الوجودي، الذي عاشه نحو العالم والموت والحياة والذات، فدفعه ذلك إلى نسج نوع من الشعر يخلّده للأبد.[٢]

التحليل الدلالي للجدارية

يرتكز التحليل الدلالي لقصيدة ما على أمور عدّة، منها ما يأتي:

الصورة الشعرية في الجدارية

تعد الصورة الشّعرية من الأمور المهمة في نقل الحالة الشعورية التي يعيشها الشّاعر، وكذلك في نقل الصورة التي يريد أن يريها للمتلقي، ومن الصور الفنية في القصيدة:[٤]

  • على طللي ينبت الظل أخضر

شبه الظل بأمر مادي لونه أخضر، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، نوع الاستعارة مكنية.

  • البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامة

شبّه الغمامة بأمر مادي له سقف، فحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، فالاستعارة مكنية.

الرمز في الجدارية

للرمز أهمية كبيرة في الجدارية، فقد اعتمد درويش على الكثير من الرموز الدلالية في جداريته، وذلك فيما يخدم الغرض الشعري، ومن أبرز هذه الرموز:[٥]

:فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي:

:”ماذا فعلتَ، هناك، في الدنيا؟”

:ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ، ولا

:أَنينَ الخاطئينَ، أَنا وحيدٌ في البياض

هنا يستعمل درويش الرموز الدينية المستمدة من الشريعة الإسلامية، فالطيبون هم أهل الجنة، والخاطئون هم أهل النار.

:ما أنا؟

:مَنْ ينامُ الآن

:أنكيدو؟

:أَنا أَم أَنت؟

:آلهتي كقبض الريحِ

:فانهَضْ بي بكامل طيشك البشريِّ

هنا يستعمل درويش رمز “أنكيدو” الذي هو إحدى أساطير السومريين قديمًا، والذي قد ورد في ملحمة جلجامش شخصية رئيسة.

الأسطورة في الجدارية

تحتوي الجدارية العديد من الإشارات إلى الأساطير المتنوعة، ومن الأساطير التي استخدمها في ديوانه: “أسطورة العنقاء، ديونيسيوس، أسطورة البعث، أسطورة الصقر، أسطورة الوعل الذي يحمل الأرض على قرنه، أسطورة الصدى والنرجس، أسطورة عناة، أسطورة أوزيريس”.[٥]

التحليل الإيقاعي للجدارية

يتشكّل الإيقاع في القصيدة من خلال عدّة عوامل، منها ما يأتي:

الموسيقى الداخلية

زخرت مقاطع الجدارية بالعديد من المصادر الموسيقيّة التي أثّرت في جرسها الموسيقي، وأعطتها لحنًا جميلًا، ومن ذلك ما يأتي:[٦]

  • التكرار الصوتي

يعد التكرار الصوتي وسيلة مهمة لإثراء موسيقا النص؛ حيث إنّ تكرار الأصوات ينقل الحالة الشعورية للمبدع، ولعلّ أكثر التكرارات الملحوظة هو توالي القوافي بشكل ينشر تلون صوتي، ومن ذلك أنّ أحد المقطوعات كانت قافيتها منتهية “بالدال” من الألفاظ على وزن “فعيل”، وذلك على نحو: وحيد، وشريد، وطريد، ورغيد، ومديد، وبريد، وغيرها.

  • التجانس بين حروف الجهر والهمس

وهذا يختلف باختلاف الحالة الشعورية للشاعر لحظة قول القصيدة، فالهمس يناسب البوح، والجهر يناسب الصراخ والتنديد ونحوه، ومن ذلك قول محمود درويش:[٣]

:يكسرني الغياب كجرة الماء الصغيرة

:نام أنكيدو ولم ينهض جناحي نام.

فكلمة “جناحي” مثلًا قد مزجت بين حروف الجهر والهمس.

  • الاستفادة من صفات الحروف وتوظيفها في أشعاره

ومن ذلك حرف الصّاد وما به من قوّة تناسب حالة الشاعر الصلبة حينما وظّفه في مقطوعته التي تحدّث بها عن الحصان، إذ يقول درويش:[٣]

:وأنا أنا لا شيء آخر

:واحد من أهل هذا الليل. أحلم

:بالصعود على حصاني فوق، فوق

  • استخدام المدود الطويلة

أسهمت استخدام المدود الطويلة بكثرة بإغناء موسيقا النص، وذلك على نحو: “ظلّي، سيقودني، نافذتي، شراييني، تنفسي” فقد شكّلت الياء موسيقا جميلة للنص، فالمدود تناسب الحديث الطويل الذي يريد الشاعر إظهاره.

  • استخدام النداء

وذلك في حديث الشاعر عن الموت، فقد أسهم في زيادة زخم الإيقاع في القصيدة، حيث كرّر درويش النداء عند حديثه إلى الموت، وذلك على نحو قوله:[٣]

:يا موت! يا ظلي الذي

:سيقودني، يا ثالث الاثنين

  • تكرار الكلمات

كثيرًا ما كان التكرار دليلًا على حالة شعورية مضطربة يعيشها الشاعر تخرج على شكل قصيدة، ومن ذلك قول الشّاعر:[٣]

:نسيت ذراعي، ساقيّ، والركبتين

:وتفاحة الجاذبية

:نسيتُ وظيفة قلبي

  • استخدام الصّيغ الاشتقاقية المتنوّعة للكلمة الواحدة

يأتي ذلك من باب تأكيد فكرة يريد الشاعر إيصالها بطريقة أو بأخرى لا شعوريًّا، على نحو قوله:[٣]

:دع الماضي جديدًا فهو ذكراك

:الوحدة بيننا، أيام كنا أصدقاءك

:لا ضحايا مركباتك، واترك الماضي

:كما هو، لا يقاد ولا يقود

الموسيقى الخارجية

لقد قُسمت جدارية محمود درويش إلى ثلاثة وستين مقطعًا، وقد كانت موسيقاها قد بنيت على البحرين الكامل والمتقارب على النحو الآتي، “الكامل من “9-28” المتقارب “29-32” الكامل “33-64” المتقارب “65-67” الكامل “68-85” المتقارب “86-91” الكامل “92-105″، أمّا القوافي فقد تنوّعت بتنوّع الأغراض والمعاني.[٧]

التحليل التركيبي للجدارية

إنّ الأسلوبية المتّبعة في نص محمود درويش هي أسلوبية أدبية تنطلق من مفردات النص اللغوية، وذلك من خلال المطابقة بين القاعدة النحوية المتّبعة والمعنى الذي يريد أن يعبّر عنه الشاعر، وقد زخرت الجدارية بكثير من الأساليب اللغوية، وذلك على نحو التقديم والتأخير، والحذف والتوازي النحوي، والشرط والضّمائر وغيرها، وتفصيل القول فيها فيما يأتي.[٨]

التقديم والتأخير

انتشرت ظاهرتا التقديم والتأخير بشكل مكثّف في الجدارية، فلم ترد عفوًا بل وردت بكثرة كبيرة، ففي التقديم والتّأخير كثر تقديم شبه الجملة “الجار والمجرور” بشكل ملحوظ.[٨]

أمّا الظروف فقد قدّمت بقلّة، أمّا فيما يتعلّق بباقي أبواب التّقديم فقد كان واردًا في مواضع متفرّقة بشكل بسيط حيث لا يعتبر سمة أسلوبيّة للجدارية، فالسمة الأسلوبيّة الظّاهر هي تقديم أشباه الجمل “الجار والمجرور”،[٨] ومن ذلك قول درويش:[٣]

:للولادة وقت

:وللموت وقت

:وللنطق وقت

:وللحرب وقت

:وللصلح وقت

:وللوقت وقف

:ولا شيء يبقى على حاله

الحذف

أمّا الحذف، فنظرًا لأهميّته الكبيرة إذ يجمع بين السمة النحوية، والسمة البلاغية، فقد ظهر في الجدارية بأشكال متعدّدة، فمنها: حذف الجملة، وحذف الكلمة، وحذف الحرف، والأكثر تكرارًا في الجدارية كان حذف الكلمة،[٨] ومن نماذج الحذف في جدارية محمود درويش قوله:[٣]

:وضعوا على

:التابوت سبع سنابل خضراء إن

:وجدت، وبعض شقائق النعمان إن

:وجدت، وإلا، فاتركوا ورد

:الكنائس للكنائس والعرائس

ورد في المقطع السابق نموذجان للحذف، فالأوّل قد حذف جملة الشّرط مع الفعل مرّتين، “إن وجدت سبع سنابل خضراء، إن وجدت بعض شقائق النعمان”، وحذف الفعل والفاعل واكتفي بالمفعول في قوله: “وبعض شقائق النعمان” فقد حذف الفعل “وضعوا” ودلّ عليه ما ورد في السّطر السّابق.[٨]

التوازي النحوي

زخرت الجدارية أيضًا بالتوازي النحوي، فالجدارية بصفة عامة كانت قائمة على هذه السّمة النحوية،[٨] ومن ذلك قول محمود درويش:[٣]

:ولم أجد موتًا لأقتنص الحياة

:ولم أجد صوتًا لأصرخ: أيها

:الزمن سريع! خطفتني كما تقول

تألف السطران الأول والثاني من المكونات النحوية ذاتها، فهناك توازٍ بين الجملتين نحويًّا.[٨]

الأساليب النحوية

لقد كانتالأساليب الإنشائيّة كثيرة في جداريّة محمود درويش، فلا تخلو صفحة من صفحات الجدارية من أحد أساليبها،[٨] ومن أمثلة ذلك ورود الإنشاء الطلبي “الاستفهام” في قول محمود درويش:[٣]

:من أنت يا أنا؟ في الطريق

:اثنان نحن وفي القيامة واحد

:خذني إلى ضوء التلاشي كي أرى

:صيرورتي في صورتي الأخرى

:ورائي أم أمامك؟ من أنا يا أنت؟

كما استخدم بعض التّصريفات والمشتقّات بشكل ملحوظ، فعمد إلى الإكثار من استخدام اسم الفاعل، فقد أفاد من معناه في دلالته على الحدث وصاحبه، فاستخدمه بكثرة،[٨] ومن أمثلة وروده:[٣]

:جالس مثل تاج الغبار

:على مقعدي

:باطل، باطل، الأباطيل، باطل

:كل شيء على البسيطة زائل

كما لجأ إلى استخدام المبالغة؛ وذلك لدلالتها على الإكثار من الأمر،[٨] ومن ذلك قوله:[٣]

:وأنا الغريب. تعبت من درب الحبيب

:إلى الحبيب. تعبت من صفتي

:يضيق الشكل. يتسع الكلام. أفيض

:عن حاجات مفردتي. وأنظر نحو نفسي في المرايا

أبرز الآراء النقدية حول الجدارية

لقد كان للجداريّة صدى واسع بين النقّاد والباحثين، فكان لهم آراء كثيرة حولها، ومن تلك الآراء ما يأتي:

  • رأي الباحث الجزائري محمد شادو

“يمكننا القول إنّ كل سطر فـي الجدارية هـو لحظة قراءة مُعادة لنصٍّ متجذّر فـي الماضي بحواراته الداخلية والخارجية، ومرتبط بالحاضر في اللحظة الآنيّة للكتابة، ومتعلق بالمستقبل في كل لحظات الصراع الدرامي مع الموت”.[٩]

  • رأي الباحث الفلسطيني عبد القادر الجموسي

“إن جدارية محمود درويش قصيدة شبكية بامتياز، تحكي -بلغة الضوء والإشراق الخاطفة- سيرة شعرية لمواجهة حوارية ملتبسة ومشتبكة بين الذات والعالم وبين الذات والموت، مواجهة تستثير غبار الأسئلة الحارقة، وتستبطن أقاصي الروح الشاعرة، وأقاصي الكلام وتخوم الذاكرة القصية”.[١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب زياد جابر، جدارية محمود درويش دراسة في تحليل الخطاب الشعري، صفحة 26. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت ث ج زياد جابر، جدارية محمود درويش دراسة في تحليل الخطاب الشعري، صفحة 88 – 97. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص “جدارية محمود درويش”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 22/11/2021.
  4. عبد الوهاب ميراوي، هندسة المعنى في الشعر العربي المعاصر “محمود درويش نموذجًا”، صفحة 79 – 88. بتصرّف.
  5. ^ أ ب فاطمة الزهراء بن دهينة، الأسطورة في جدارية محمود درويش/ /59/كلية الآداب واللغات والفنون، صفحة 59 – 66. بتصرّف.
  6. علاء الدين أحمد محمد غرايبة، جدارية محمود درويش بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية، صفحة 274 – 294. بتصرّف.
  7. زياد جابر، جدارية محمود درويش دراسة في تحليل الخطاب الشعري، صفحة 26 – 35. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر يحيى أحمد محمد الزهراني، الأسلوبية والتركيب النحوي في الشعر الحديث جداريّة محمود درويش أنموذجًا، صفحة 301 – 319. بتصرّف.
  9. محمد شادو، جماليات التشكيل الإيقاعي في جدارية محمود درويش، صفحة 218. بتصرّف.
  10. “التجلي الشعري في جداريّة محمود درويش 1 من 2″، ديوان العرب، اطّلع عليه بتاريخ 20/11/2021. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب