موقع اقرا » الحياة والمجتمع » علم النفس » الذاكرة الحسية في علم التنمية البشرية

الذاكرة الحسية في علم التنمية البشرية

الذاكرة الحسية في علم التنمية البشرية


مفهوم الذاكرة

تُعرف الذاكرة على أنّها نشاط عقلي، يتمثل في قدرة الفرد على تخزين المعلومات واسترجاعها في حين الحاجة إليها، وتنقسم الذاكرة إلى ثلاثة أنواع: الذاكرة الحسية، والذاكرة قصيرة الأمد، والذاكرة طويلة الأمد، وتعد الذاكرة هي الوسيلة التي يتعلم من خلالها الإنسان، كما أنها الوسيلة التي يتم من خلالها قياس مدى تغير سلوك الإنسان، وتمر الذاكرة بثلاث مراحل، هي: مرحلة الترميز والتي تتم من خلال إعطاء معنى للمثيرات والمعلومات التي تصل إلى الدماغ عن طريق الحواس، من خلال عمليات التسميع والتكرار والتلخيص والتنظيم وغيرها من العمليات، وتليها مرحلة التخزين التي تحدث في الذاكرتين قصيرة الأمد وطويلة الأمد وهنا يتم تجهيز المعلومات وتنظيمها لاستخدامها في الوقت اللازم لذلك، وأخيرًا مرحلة الاسترجاع التي تتمثل في استرداد واستدعاء المعلومات والخبرات السابقة في حين الحاجة إليها، كما أشار العلماء إلى إمكانية قياس الذاكرة من خلال دراسة المعلومات التي يتم معالجتها بالذاكرة وما يحدث عليها من تغيرات ترجع إلى عوامل متعلقة بالفرد أو بالمعلومات نفسها.[١]

الذاكرة الحسية في علم التنمية البشرية

تهتم التنمية البشرية في العديد من المجالات الإنسانية منها: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والنفسية، إذ أنها تعنى بشكل خاص بالتعرف على تكوين القدرات البشرية، وتطوير المهارات والطاقات الكامنة لديهم، وزيادة ثقتهم بنفسهم، من خلال معالجة المعلومات التي تم تخزينها في الذاكرة الناتجة عن تعرض الفرد للخبرات الحياتية، أي أن الذاكرة هي الأساس الذي تبنى عليه نظريات التعلم، و تعد الطريقة التي يكتسب بها الأفراد الخبرات المعرفية، لِتُشَكل فيما بعد الأنماط السلوكية لهم، والتي تمكنهم من تمييز الحقائق، وتشكيل الآراء، وتقديم الاقتراحات، ووضع الخطط، وتطوير الذات، والتميز والإبداع في المجالات المختلفة.[٢]

إن الحديث عن الذاكرة يعد بحد ذاته يُعدّ وصفًا للعمليات المعرفية المعقدة التي ترتبط بكل من عمليات التفكير والإدراك والانتباه وتخزين المعلومات، حيث إنّ الإنسان يتعرض في كل لحظة يعيشها إلى كم هائل من المثيرات البصرية والسمعية والذوقية والشمية واللمسية، والتي تعد بمثابة معلومات تدخل عن طريق الحواس وتخزن في الذاكرة الحسية،[٣] وتعتمد الذاكرة الحسية في مبدأ عملها على عملية الانتباه، إذ أن الدماغ يقوم بتخزين المعلومات الواردة من الحواس عن طريق الجهاز العصبي، ونتيجة لعملية الانتباه فإن بعضًا من هذه المعلومات يتم نقلها إلى الذاكرة قصيرة الأمد تبعًا لأهميتها بالنسبة للفرد، والبعض الآخر يتم نسيانه بعد مدة قصيرة جدًا من الزمن والتي تقدر بخمس ثوانٍ كحد أقصى، و تتميز الذاكرة الحسية بسعتها التخزينية الكبيرة جدًا مقارنة بأنواع الذاكرة الأخرى.[٤]

كما يمكن توضيح ما سبق من خلال الأمثلة الآتية: إذا وُضِعت شمعة مضيئة أمام شخص لمدة عشر ثوانٍ، وطلب منه أن يغلق عينيه سيستمر برؤية صورة تلك الشمعة في مخيلته لمدة قصيرة من الزمن ثم ستختفي، وكذلك الأمر إذا وضعت صورة تحتوي على عدد من العناصر أمام شخص وطلب منه أن يتذكر ما رآه في الصورة فإنه سيقوم بوصف عدد لا بأس به من العناصر المكونة للصورة حيث سيبقى ما شاهده حيًا في ذهنه لعدد من الثوان.[٥]

أنواع الذاكرة الحسية في علم التنمية البشرية

نتيجة للدراسات والأبحاث العلمية والتجارب المتنوعة على الذاكرة توصل العلماء إلى نتيجة مفادها وجود نوعين مختلفين من أنواع الذاكرة الحسية وهما الذاكرة الحسية البصرية، والذاكرة الحسية السمعية حيث يتميز كل نوع منها بعدد من الخصائص:

الذاكرة الحسية البصرية

أجرى العالم سبيرلنج تجربة لدراسة قدرات وخصائص الذاكرة الحسية البصرية، بحيث عرض على مجموعة من الطلاب قائمة مكونة من اثني عشر حرف لمدة 50 مل/ثانية، بطرق متنوعة، وطلب منهم تسجيل ما يتذكرونه من تلك القوائم [٦]، وتوصل من خلال التجربة إلى:[٧]

  • أن الذاكرة الحسية البصرية تتسع إلى كمية معلومات كبيرة، نظرًا لاعتمادها في حصولها على المعلومة على مجال الرؤية لدى الإنسان.
  • إن تعرض الفرد للخبرات الجديدة يؤدي إلى نسيان أو حذف المعلومات الحسية القديمة من الذاكرة الحسية البصرية، لاستبدالها بالمعلومات الجديدة.
  • يسمح نظام الذاكرة الحسية البصرية باستدعاء المعلومات بشكل مباشر، حتى وإن لم تنتقل إلى مستويات الذاكرة التالية.
  • تقدر فترة تخزين المعلومات التي يتم نقلها إلى الذاكرة الحسية البصرية بمدة لا تزيد عن ثانية واحدة.
  • تعتمد سهولة استدعاء المعلومات البصرية وتذكرها على المدة التي تبقى فيها المعلومة مخزنة في الذاكرة الحسية البصرية.
  • لا تنتقل جميع المعلومات الواردة من الذاكرة الحسية البصرية إلى مستويات الذاكرة التي تليها، حيث تعد الأنواع الأخرى من الذاكرة انتقائية أكثر في المعلومات التي تخزنها، وذلك تبعًا لما يحدث عليها من عمليات معالجة معرفية.
  • يقوم الجهاز البصري بنقل المعلومات التي تتعلق بالصور كاللون والحجم والشكل وغيرها، إلى الذاكرة الحسية البصرية دون إعطائها أي دلالة أو معنى، حيث تختص عملية المعالجة المعرفية للصور بالذاكرة قصيرة المدى.

الذاكرة الحسية السمعية

أجرى العالم دارون ومجموعة من زملائه تجربة تهدف إلى معرفة قدرات وخصائص الذاكرة الحسية السمعية، حيث قاموا بتجهيز ثلاث سماعات تحتوي على رسائل صوتية، تم استخدامها بطرق مختلفة،[٨] حيث مكنتهم هذه التجربة من التوصل إلى كل من الاستنتاجات الآتية:[٩]

  • تبقى المعلومات التي تصل إلى الذاكرة الحسية السمعية لمدة أطول من المعلومات التي تصل إلى الذاكرة الحسية البصرية والتي تقدر بمدة تصل من “1.5 إلى 5” ثوانٍ.
  • إن تعرض الفرد للخبرات والمواقف الجديدة يؤدي إلى حذف المعلومات الحسية القديمة من الذاكرة الحسية السمعية، لتحل محلها المعلومات الجديدة.
  • تنقل الذاكرة الحسية السمعية عدد أقل من المعلومات التي تقوم بنقلها الذاكرة الحسية البصرية ويرجع ذلك إلى عوامل خاص ة بالجهاز الحسي المسؤول عن نقل المعلومات.
  • يمكن أن تحتفظ الذاكرة الحسية السمعية بالمعلومات التي تصل إليها لمدة تصل إلى عشرين ثانية، وذلك إذا لم يتعرض الفرد لخبرات سمعية جديدة، تؤدي إلى حذف المعلومات القديمة أو استبدالها.
  • يقوم الجهاز السمعي بنقل المعلومات التي تتعلق بخصائص الصوت مثل الدرجة والسرعة والتردد والسعة وغيرها، إلى الذاكرة الحسية السمعية دون إعطائها أي دلالة أو معنى، حيث تختص عملية المعالجة المعرفية للصوت بالذاكرة قصيرة المدى.

خصائص الذاكرة الحسية

ويهتم العلماء بدراسة الذاكرة الحسية لعدد من الأسباب منها: وجود علاقة وثيقة بين الطريقة التي تعالج بها المعلومات والطريقة التي يعمل بها الدماغ، كما أن المعلومات البصرية والسمعية يستمر أثرها لفترة طويلة نسبيًا بين الأفراد، بالإضافة إلى إمكانية إجراء الأبحاث العلمية والتجارب المخبرية التي تساعد العلماء على فهم طبيعة العقل الواعي،[١٠] وبالتالي التوصل إلى كم كبير من الحقائق والنظريات التي تدعم العديد من القضايا المتعلقة بالسلوك الانساني كالحاجات والدوافع والرغبات والحوافز وغيرها.[١١]

وقد تمكن العلماء من معرفة الكثير من المعلومات حول الذاكرة الحسية عن طريق دراستها واخضاعها للقياس، فقد استخدموا العوامل المختلفة كالإدراك والانتباه للتوصل إلى أسباب التباين في كمية المثيرات التي تدخل إلى الذاكرة والاستجابة الناتجة عنها، والعوامل التي تؤثر في عملية التذكر، وقد وجد العلماء أن سبب الاختلاف يرجع إلى خصائص تتعلق بعمليات المعالجة المعرفية التي تستخدمها الذاكرة لتحديد أهمية المثير ومدى الحاجة للمعلومة الواردة للاحتفاظ بها في الذاكرة قصيرة الأمد أو الذاكرة طويلة الأمد، كما يرجع سبب الاختلاف إلى أسباب تتعلق بخصائص المثير نفسه أو عوامل خاص ة بشخصية الفرد.[١٢]

و لعل أحد أهم العوامل التي ثؤثر في عملية التذكر ترجع إلى خصائص الذاكرة الحسية، إذ أنها تلعب دورًا أساسيًا وهامًا في التحكم بما يدخل من معلومات للذاكرة لتتم معالجتها في المراحل اللاحقة، وفيما يأتي توضيح لهذه الخصائص:[١٣]

  • تعمل الذاكرة الحسية على تنظيم دخول المعلومات الواردة من المستقبلات الحسية لدى الفرد والذاكرة قصيرة المدى.
  • تعمل الذاكرة الحسية على نقل ما يقارب “4 ـ 5” وحدات معرفية في الوقت نفسه، حيث يمكن أن تكون هذه الوحدات على شكل حرف، كلمة، جملة، أو أي صوت أو صورة وغيرها من أنواع المعلومات.
  • يتم تخزين المعلومات في الذاكرة الحسية لفترة قصيرة جدًا من الزمن لا يتعدى الثانية الواحدة بعد زوال المثير.
  • توفر الذاكرة الحسية للإنسان فرصة إدراك العالم الخارجي بصورته الحقيقية من خلال ما تنقله الحواس للذاكرة من معلومات عن البيئة المحيطة بالفرد.
  • لا تحدث عملية معالجة المعلومات في الذاكرة الحسية.
  • إن جميع المعلومات الواردة للذاكرة الحسية عبر الحواس تسجل على أنها معلومات أولية.
  • إن الذاكرة الحسية لديها القدرة على حذف المعلومات القديمة، واستبدالها أو تجديدها بشكل مستمر.
  • تسمح الذاكرة الحسية للمعلومات التي يعتبرها الدماغ مهمة بانتقائها واخضاعها للعمليات المعرفية المختلفة.

المراجع[+]

  1. “ذاكرة”، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-17. بتصرّف.
  2. ” التنمية البشرية أهدافها وأهميتها”، www.sayidaty.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  3. “الذاكرة __ عملية التذكر”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  4. “الذاكرة البشرية: ما هي أنواعها؟ وكيف تعمل؟”، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  5. عدنان يوسف العتوم، علم النفس المعرفي، صفحة 134. بتصرّف.
  6. عدنان يوسف العتوم، علم النفس المعرفي، صفحة 135. بتصرّف.
  7. “نموذج ذاكرة أتكينسون وشيفرين”، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  8. عدنان يوسف العتوم، [http:// علم النفس المعرفي]، صفحة 137. بتصرّف.
  9. “نموذج ذاكرة أتكينسون وشيفرين”، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  10. وسام صلاح عبد الحسين، التعلم المتناغم مع الدماغ (تطبيقات لأبحاث الدماغ في التعلم)، صفحة 115. بتصرّف.
  11. وسام صلاح عبد الحسين، التعلم المتناغم مع الدماغ، صفحة 113. بتصرّف.
  12. “العوامل التي تؤثر في الذاكرة ( أو في عملية التذكر ) والنسيان”، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-19. بتصرّف.
  13. وسام صلاح عبد الحسين، التعلم المتناغم مع الدماغ، صفحة 115. بتصرّف.






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب