X
X


موقع اقرا » الآداب » أشعار وأدباء » اترى حين افقأ عينيك

اترى حين افقأ عينيك

اترى حين افقأ عينيك


شرح قصيدة لا تصالح لأمل دنقل

قصيدة “لا تصالح” هي إحدى قصائد الشاعر المصري المشهور أمل دنقل،[١] واسمه الكامل محمد أمل فهيم محارب دنقل، لم يُحدّد تاريخ ولادته نظرًا لأنّه مولود في صعيد مصر، كتب هذه القصيدة عام 1976م، ضمن ديوان اسمه “أقوال جديدة عن حرب البسوس”، تتألّف القصيدة من عشرة مقاطع مكتوبة على شعر التفعيلة.[٢]

ولد في قرية القلعة في جنوب الصعيد في مركز ناحية “قفط” في محافظة قنا، تزوّج بالصحفية عبلة الرويني التي كتبت عنه كتاب “الجنوبي”، ومات متأثِّرًا بالسرطان عام 1983م، وقد كتب قصيدته “لا تصالح” لتكون متحدِّثةً باسم الواقع العربي المعاصر كما يصرّح بنفسه،[٣] يقول أمل دنقل في هذه القصيدة:[١]

شرح المقطع الأول

:لا تصالحْ!

:ولو منحوك الذهب

:أترى حين أفقأ عينيك

:ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

:هل ترى؟

:هي أشياء لا تشترى..

:ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

:حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،

:هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

:الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما

:ما تزالان طفلين!

:تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

:أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

:صوتانِ صوتَكَ

:أنك إن متَّ:

:للبيت ربٌّ

:وللطفل أبْ

:هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟

:أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

:تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

:إنّها الحربُ!

:قد تثقل القلبَ..

:لكنّ خلفك عار العرب

:لا تصالحْ..

:ولا تتوخَّ الهرب!

يصرخ أمل دنقل في هذا المقطع بوجه العرب ممّن بيدهم الحل والعقد، ويطلب منهم ألّا يصالحوا على دماء الشهداء، فما فعله الشهداء لنا في هذه الحياة لا يمكن تقديره بثمن، ومن أراد أن يضع ثمنًا لها فلينظر: هل يمكن لجوهرتين ثمينتين أن تنوبا عن عينيه إن وضعهما مكانهما![٤]

هذه أسئلة استنكاريّة يُراد منها إثبات بطلان الواقع، ثمّ يدعو الشاعر إلى الحرب على المعتدين لا أن نضرب معهم صلحًا، وصحيحٌ أنّ الحرب تدمّر البلاد وتقتل كثيرًا من الناس، ولكن البديل عنها سيكون العار الذي لن تمحوه الأيام.[٤]

شرح المقطع الثاني

:لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

:لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

:أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

:أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

:أعيناه عينا أخيك؟!

:وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

:بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

:سيقولون:

:جئناك كي تحقن الدم..

:جئناك كن يا أمير الحكم

:سيقولون:

:ها نحن أبناء عم

:قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

:واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

:إلى أن يجيب العدم

:إنّني كنتُ لكَ

:فارسًا،

:وأخًا،

:وأبًا،

:ومَلِك!

هنا يخبر الشاعر أمل دنقل أنّ الصلح يجب ألّا يتمّ مهما كانت البدائل والمغريات، ولأنّ الكلام جعله على لسان كليب فإنّه قد جعل يخاطب الحاكم بصيغة المخاطب آخذًا دور الشهيد، فيقول إنّ الصلح يجب ألّا يتمّ، ولو كان البديل الدماء.[٤]

يؤكد دنقل فكرة مهمة وهي أنّ الدماء مهما كانت لن تكون واحدة في ضمير أهل الشهيد، بل لا يعادل دماء الشهداء أيّ شيء، ومهما ادعى الأعداء أنّهم أقرباء فلا بديل عن الحرب، ولا مجال لمراعاة القرابة.[٤]

شرح المقطع الثالث

:لا تصالح..

:ولو حرمَتْكَ الرُّقَاد

:صرخاتُ الندامة

:وتذكَّر..

:(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاص مهم الابتسامة)

:أنّ بنتَ أخيك “اليمامة”

:زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا

:بثياب الحداد

:كنتُ، إن عدتُ:

:تعدو على دَرَجِ القصر،

:تمسك ساقيَّ عند نزولي..

:فأرفعها وهي ضاحكةٌ

:فوق ظهر الجواد

:ها هي الآن.. صامتةٌ

:حرمتها يدُ الغدر:

:من كلمات أبيها،

:ارتداءِ الثياب الجديدةِ

:من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!

:من أبٍ يتبسَّم في عرسها..

:وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..

:وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،

:لينالوا الهدايا..

:ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)

:ويشدُّوا العمامة..

:لا تصالح!

:فما ذنب تلك اليمامة

:لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،

:وهي تجلس فوق الرماد؟!

هنا يذكّر أمل دنقل أولي الأمر بالحرب على المعتدين، ويذكّرهم مأساة النسوة اللاتي شرّدتهنّ الحرب، وصراخهنّ وعويلهنّ الذي يقضّ المضاجع وهُنّ يندبن أبناءهنّ وأزواجهنّ وكلّ رجل أو كلّ إنسان قد تخطّفه رصاص الحرب.[٤]

ثمّ يتساءل الشاعر عن ذنب الطفلة التي ستكبر من دون أب أو أخ ما هو، ولماذا كان على تلك الأم أن تعيش وحيدة من دون زوجها وأبنائها، وما ذنب الأم التي فقدت أولادها، فلا بديل إذًا عن الحرب.[٤]

شرح المقطع الرابع

:لا تصالح

:ولو توَّجوك بتاج الإمارة

:كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ؟

:وكيف تصير المليكَ..

:على أوجهِ البهجة المستعارة؟

:كيف تنظر في يد من صافحوك..

:فلا تبصر الدم..

:في كل كف؟

:إنّ سهمًا أتاني من الخلف..

:سوف يجيئك من ألف خلف

:فالدم الآن صار وسامًا وشارة

:لا تصالح،

:ولو توَّجوك بتاج الإمارة

:إنّ عرشَك: سيفٌ

:وسيفك: زيفٌ

:إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف

:واستطبت الترف

يعود أمل دنقل من جديد ليكرّر طلبه بعدم الصلح، ويشدّد على مسألة الحرب والقتال لإعادة الشرف الممزق في الخيبات الماضية، فينصح المُخاطَب بعدم الرضوخ لفكرة الصلح والسلام مهما كانت المغريات، ولو كان ذلك البقاء على العرش حتى الممات.[٤]

ثمّ ينبّه المُخاطَبَ إلى فكرة الغدر المكرّسة في ذلك العدو، بل هي المبدأ الذي يقوم عليه، ويشير إلى فكرة أنّ كلّ رجل من القوم المعادين هو مشروع غادر، فلا ينبغي أن يُعطَوا الأمان، ويعود ليقول إنّ العرش الذي لا يأخذ بقوّة السيف هو عرشٌ من الزّيف والوهم.[٤]

شرح المقطع الخامس

:لا تصالح

:ولو قال من مال عند الصدامْ

:”ما بنا طاقة لامتشاق الحسام”

:عندما يملأ الحق قلبك:

:تندلع النار إن تتنفَّسْ

:ولسانُ الخيانة يخرس

:لا تصالح

:ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

:كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

:كيف تنظر في عيني امرأة..

:أنت تعرف أنّك لا تستطيع حمايتها؟

:كيف تصبح فارسها في الغرام؟

:كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

:كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

:وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟

:لا تصالح

:ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

:وارْوِ قلبك بالدم..

:واروِ التراب المقدَّس..

:واروِ أسلافَكَ الراقدين..

:إلى أن تردَّ عليك العظام!

هنا يُشير دنقل إلى أنّ الحاكم يجب ألّا يتأثّر بكلام بعض الجبناء، أو الذين ينصحونه بالصلح والسلام مع المعتدين كونهم يجبنون عن الحرب، فإنّهم لن يلبثوا سوى لحظات بعد اندلاع نيران الحرب ليصبحوا رمادًا كأنّهم لن يكونوا، فبالحرب تعود الأمور إلى نصابها ويتحقّق العدل.[٤]

يقول دنقل كذلك إنّه لو صالحهم فلا يمكن له أن ينظر في عيون الأرامل والثكالى، ومهما يكون من أمر الحرب، فإنّه لن يمحو الدم إلّا الدم، ولن يروي عطش الشرفاء سوى أصوات طبول الحرب.[٤]

شرح المقطع السادس

:لا تصالح

:ولو ناشدتك القبيلة

:باسم حزن “الجليلة”

:أن تسوق الدهاءَ

:وتُبدي لمن قصدوك القَبول

:سيقولون:

:ها أنت تطلب ثأرًا يطول

:فخذ الآن ما تستطيع:

:قليلًا من الحق..

:في هذه السنوات القليلة

:إنّه ليس ثأرك وحدك،

:لكنّه ثأر جيلٍ فجيل

:وغدًا..

:سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

:يوقد النار شاملةً،

:يطلب الثأرَ،

:يستولد الحقَّ،

:من أَضْلُع المستحيل

:لا تصالح

:ولو قيل إن التصالح حيلة

:إنّه الثأرُ

:تبهتُ شعلته في الضلوع..

:إذا ما توالت عليها الفصول..

:ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

:فوق الجباهِ الذليلة!

يقول أمل دنقل في هذا المقطع إنّ بعض الناس يعتقدون أنّ الصلح سيكون مكرًا من وراء ظهر العدو أو كيدًا أو دهاءً، ولكنّه في الحقيقة سيكون خوفًا منهم ولا قيمة لتلك التسميات، والحقّ يؤخذ دفعة واحدة.[٤]

ثمّ يؤكّد دنقل في هذا المقطع أنّ خيار الحرب ليس خيارًا فرديًّا، ولكنّه خيار الأمّة وهي من تقرّره، ويخبر المُخاطَب أنّه إن لم يُضرم نيران الحرب فسوف يأتي جيل قادم يُعيد للأمّة شرفها وكرامتها.[٤]

شرح المقطع السابع

:لا تصالحْ،

:ولو حذَّرتْك النجوم

:ورمى لك كهَّانُها بالنبأ

:كنت أغفر لو أنني متُّ

:ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ

:لم أكن غازيًا،

:لم أكن أتسلل قرب مضاربهم

:لم أمد يدًا لثمار الكروم

:لم أمد يدًا لثمار الكروم

:أرض بستانِهم لم أطأ

:لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!

:كان يمشي معي

:ثم صافحني

:ثم سار قليلًا

:ولكنه في الغصون اختبأ!

:فجأةً:

:ثقبتني قشعريرة بين ضلعين

:واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ!

:وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ

:فرأيتُ: ابن عمي الزنيم

:واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم

:لم يكن في يدي حربةٌ

:أو سلاح قديم،

:لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

يشير أمل دنقل في مطلع هذا المقطع إلى فكرة الكهّان والمنجّمين الذين نصحوا المعتصم العباسي سابقًا بألّا يدخل عمورية إلّا في الصيف، وهنا يشير إلى المستشارين الذين ينصحون بالصلح ويتخوّفون من الحرب.[٤]

يحكي دنقل كذلك كيف أنّ الشهداء ماتوا أبرياء على حين غرّة، وأنّهم لم يعتدوا ولم يظلِموا، ولكنّهم كانوا ضحايا ليد خبيثة شرّدتهم وقتلتهم ورمّلت نساءهم، ويدعو للحرب بما يشحن به المخاطَبَ من صور مؤلمة للشهداء حينما قضَوا في حرب ظالمة.[٤]

شرح المقطع الثامن

:لا تصالحُ..

:إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

:النجوم.. لميقاتها

:والطيور.. لأصواتها

:والرمال.. لذراتها

:والقتيل لطفلته الناظرة

:كل شيء تحطم في لحظة عابرة:

:الصبا – بهجةُ الأهل – صوتُ الحصان – التعرفُ بالضيف – همهمةُ القلب حين يرى برعمًا في الحديقة يذوي – الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ – مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

:وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة

:كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة..

:والذي اغتالني: ليس ربًّا..

:ليقتلني بمشيئته

:ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

:ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

:لا تصالحْ

:فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..

:(في شرف القلب)

:لا تُنتقَصْ

:والذي اغتالني مَحضُ لصْ

:سرق الأرض من بين عينيَّ

:والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

يطلب دنقل في هذا المقطع المستحيل ليكون الصلح، كأن يعود الزمان للوراء ويعود الشهداء أحياء، هنا فقط يمكن أن يكون الصلح، وما عدا ذلك هو خضوع وليس سلام؛ فالسلام والصلح يكون بين ندّين لا يطغى أحدهما على الآخر، أمّا أن يحاول العدو الصلح والخنجر المسموم في جسد الأمّة فهذا ليس صلحًا.[٤]

ثمّ يكمل دنقل حديثه عن الحرب، وكيف أنّها قد دمّرت كل شيء معها، وكيف أنّ الذي قد غدر بالأمّة ليس شبحًا ولا غولًا ولا ينبغي له أن يدمّر وجدان قوم كامل في لحظة طيش عابرة، وأن يسرق أرضهم ويشرّدهم بينما يلوذ الجميع بالصمت عن هذه الجريمة.[٤]

شرح المقطع التاسع والعاشر

:لا تصالح

:ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

:والرجال التي ملأتها الشروخ

:هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

:وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

:لا تصالح

:فليس سوى أن تريد

:أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

:وسواك.. المسوخ!

**

:لا تصالحْ

:لا تصالحْ

هنا يعرّض دنقل بمن أفتى بجواز الصلح مع الأعداء، فيصف الذين يريدون ذلك ويسعَون له بالجبناء الذين قد خرجوا من رداء العروبة ونَسَوا أمجاد العرب السابقين، فينبغي للحاكم أن يعرض عنهم، وفي الختام يكرّر قوله: لا تصالح.[٤]

معاني مفردات قصيدة لا تصالح

ورد في قصيدة “لا تصالح” للشاعر أمل دنقل بعض المفردات التي تحتاج إلى شرح، ومنها ما يأتي:

المفردة

معنى المفردة

أفقأ

يفقأ الشيء إذا ثقَبَه بشيء حاد.[٥]

تأنيب

التأنيب هو اللوم الشديد على الخطأ.[٦]

ملطخ

لطّخ الشيء إذا لوّثه بشيء ما.[٧]

هلَك

هلكَ الإنسان إذا مات وفنيَ.[٨]

تتسربل

تسربلَ الرجل بلباسه إذا لبسه وارتداه.[٩]

ذؤابته

ذؤابة كلّ شيء أعلاه، وذؤابة السيف ما يعلّق به قائمه.[١٠]

انفثأ

انفثأ تأتي على عدّة معانٍ، وهنا يعني انفجر وانتهى.[١١]

الزنيم

الزنيم الدعي الملتصق بغير قومه.[١٢]

المسوخ

المسوخ جمع مفرده مِسخ، وهو الذي تغيّرت خلقته وتشوّهت.[١٣]

الصور الفنية في قصيدة لا تصالح

مرّ في قصيدة “لا تصالح” كثير من الصور الفنية، منها ما يأتي:

  • الحياء الذي يكبت الشوق

شبّه الحياء بإنسان يكبِت، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه، فالصورة الفنية استعارة مكنية.

  • اغرس السيفَ في جبهة الصحراء

شبّه الصحراء بإنسان له جبهة، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

  • أَضْلُع المستحيل

شبّه المستحيل بإنسان له ضلوع، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه على سبيل الاستعارة المكنية.

الأفكار الرئيسة في قصيدة لا تصالح

في قصيدة “لا تصالح” كثير من الأفكار الرئيسة، منها ما يأتي:

  • الصلح والسلام يكون بين ندّين متكافئين وما سواه يكون خضوعًا.
  • دماء الشهداء أمانة في عنق الأمّة يجب صيانتها.
  • قرار الأمّة قرار جماعي، لا يمكن لفرد أن يتحكّم به أو يستأثر به.

كلمات قصيدة لا تصالح

قال الشاعر أمل دنقل في قصيدة لا تصالح:[١]

:لا تصالحْ!

:ولو منحوك الذهب

:أترى حين أفقأ عينيك

:ثم أثبت جوهرتين مكانهما..

:هل ترى؟

:هي أشياء لا تشترى..

:ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك،

:حسُّكما فجأةً بالرجولةِ،

:هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ،

:الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما.. وكأنكما

:ما تزالان طفلين!

:تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:

:أنَّ سيفانِ سيفَكَ..

:صوتانِ صوتَكَ

:أنك إن متَّ:

:للبيت ربٌّ

:وللطفل أبْ

:هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟

:أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء..

:تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟

:إنّها الحربُ!

:قد تثقل القلبَ..

:لكنّ خلفك عار العرب

:لا تصالحْ..

:ولا تتوخَّ الهرب!

**

:لا تصالح على الدم.. حتى بدم!

:لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ

:أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟

:أقلب الغريب كقلب أخيك؟!

:أعيناه عينا أخيك؟!

:وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك

:بيدٍ سيفها أثْكَلك؟

:سيقولون:

:جئناك كي تحقن الدم..

:جئناك كن يا أمير الحكم

:سيقولون:

:ها نحن أبناء عم

:قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك

:واغرس السيفَ في جبهة الصحراء

:إلى أن يجيب العدم

:إنّني كنت لك

:فارسًا،

:وأخًا،

:وأبًا،

:ومَلِك!

**

:لا تصالح..

:ولو حرمتك الرقاد

:صرخاتُ الندامة

:وتذكَّر..

:(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاص مهم الابتسامة)

:أنّ بنتَ أخيك “اليمامة”

:زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا

:بثياب الحداد

:كنتُ، إن عدتُ:

:تعدو على دَرَجِ القصر،

:تمسك ساقيَّ عند نزولي..

:فأرفعها وهي ضاحكةٌ

:فوق ظهر الجواد

:ها هي الآن.. صامتةٌ

:حرمتها يدُ الغدر:

:من كلمات أبيها،

:ارتداءِ الثياب الجديدةِ

:من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!

:من أبٍ يتبسَّم في عرسها..

:وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها..

:وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،

:لينالوا الهدايا..

:ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ)

:ويشدُّوا العمامة..

:لا تصالح!

:فما ذنب تلك اليمامة

:لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً،

:وهي تجلس فوق الرماد؟!

**

:لا تصالح

:ولو توَّجوك بتاج الإمارة

:كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ؟

:وكيف تصير المليكَ..

:على أوجهِ البهجة المستعارة؟

:كيف تنظر في يد من صافحوك..

:فلا تبصر الدم..

:في كل كف؟

:إنّ سهمًا أتاني من الخلف..

:سوف يجيئك من ألف خلف

:فالدم الآن صار وسامًا وشارة

:لا تصالح،

:ولو توَّجوك بتاج الإمارة

:إنّ عرشَك: سيفٌ

:وسيفك: زيفٌ

:إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف

:واستطبت الترف

**

:لا تصالح

:ولو قال من مال عند الصدامْ

:”ما بنا طاقة لامتشاق الحسام”

:عندما يملأ الحق قلبك:

:تندلع النار إن تتنفَّسْ

:ولسانُ الخيانة يخرس

:لا تصالح

:ولو قيل ما قيل من كلمات السلام

:كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟

:كيف تنظر في عيني امرأة..

:أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟

:كيف تصبح فارسها في الغرام؟

:كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام

:كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام

:وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟

:لا تصالح

:ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام

:وارْوِ قلبك بالدم..

:واروِ التراب المقدَّس..

:واروِ أسلافَكَ الراقدين..

:إلى أن تردَّ عليك العظام!

**

:لا تصالح

:ولو ناشدتك القبيلة

:باسم حزن “الجليلة”

:أن تسوق الدهاءَ

:وتُبدي لمن قصدوك القبول

:سيقولون:

:ها أنت تطلب ثأرًا يطول

:فخذ الآن ما تستطيع:

:قليلًا من الحق..

:في هذه السنوات القليلة

:إنّه ليس ثأرك وحدك،

:لكنّه ثأر جيلٍ فجيل

:وغدًا..

:سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً،

:يوقد النار شاملةً،

:يطلب الثأرَ،

:يستولد الحقَّ،

:من أَضْلُع المستحيل

:لا تصالح

:ولو قيل إن التصالح حيلة

:إنّه الثأرُ

:تبهتُ شعلته في الضلوع..

:إذا ما توالت عليها الفصول..

:ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)

:فوق الجباهِ الذليلة!

**

:لا تصالحْ،

:ولو حذَّرتْك النجوم

:ورمى لك كهَّانُها بالنبأ..

:كنت أغفر لو أنني متُّ..

:ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ.

:لم أكن غازيًا،

:لم أكن أتسلل قرب مضاربهم

:لم أمد يدًا لثمار الكروم

:لم أمد يدًا لثمار الكروم

:أرض بستانِهم لم أطأ

:لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!

:كان يمشي معي..

:ثم صافحني..

:ثم سار قليلًا

:ولكنه في الغصون اختبأ!

:فجأةً:

:ثقبتني قشعريرة بين ضلعين..

:واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ!

:وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ

:فرأيتُ: ابن عمي الزنيم

:واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم

:لم يكن في يدي حربةٌ

:أو سلاح قديم،

:لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ

**

:لا تصالحُ..

:إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة:

:النجوم.. لميقاتها

:والطيور.. لأصواتها

:والرمال.. لذراتها

:والقتيل لطفلته الناظرة

:كل شيء تحطم في لحظة عابرة:

:الصبا – بهجةُ الأهل – صوتُ الحصان – التعرفُ بالضيف – همهمةُ القلب

:حين يرى برعمًا في الحديقة يذوي – الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ

:مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ

:وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة

:كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة

:والذي اغتالني: ليس ربًّا..

:ليقتلني بمشيئته

:ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته

:ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة

:لا تصالحْ

:فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..

:(في شرف القلب)

:لا تُنتقَصْ

:والذي اغتالني مَحضُ لصْ

:سرق الأرض من بين عينيَّ

:والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!

**

:لا تصالح

:ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ

:والرجال التي ملأتها الشروخ

:هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم

:وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ

:لا تصالح

:فليس سوى أن تريد

:أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد

:وسواك.. المسوخ!

**

:لا تصالحْ

:لا تصالحْ.

المراجع

  1. ^ أ ب ت “لا تصالح”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021.
  2. رمضان رضائي، دلالة الموت في شعر أمل دنقل، صفحة 3. بتصرّف.
  3. جهاد يوسف العرجا، أدوات النفي في شعر أمل دنقل، صفحة 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ صباح علي الأسمري، النسق الثقافي في قصيدة لا تصالح للشاعر أمل دنقل، صفحة 1664 – 1681. بتصرّف.
  5. “تعريف و معنى يفقأ في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  6. “تعريف و معنى تأنيب في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  7. “تعريف و معنى ملطخ في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  8. “تعريف و معنى هلك في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  9. “تعريف و معنى تسربل في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  10. “تعريف و معنى ذؤابة في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  11. “تعريف و معنى فثأ في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  12. “تعريف و معنى الزنيم في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  13. “تعريف و معنى مسخ في معجم المعاني الجامع”، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.






مقالات ذات صلة

X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب