X
X


موقع اقرا » الآداب » أشعار وأدباء » أشهر قصائد المتنبي

أشهر قصائد المتنبي

أشهر قصائد المتنبي


قصيدة وَاحَرّ قَلْباهُ

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ

وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ

فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ

قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ

وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ

فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ

وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ

في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ

لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئًا لَيسَ يَلزَمُها

أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشًا فانْثَنَى هَرَبًا

تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ

وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا

أمَا تَرَى ظَفَرًا حُلْوًا سِوَى ظَفَرٍ

تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ

يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي

فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً

أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ

إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا

بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي

وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا

وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي

حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً

فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها

أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ

رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ

وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ

حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ

منفَرِدًا حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ

وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ

مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ

لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ

إنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا

فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ

وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ

إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ

كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ

وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي

أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ

يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ

أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ

لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ

لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيرًا عَنْ مَيامِنِنا

لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا

أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ

وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ

شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ

تَجُوزُ عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ

هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ

قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ

قصيدة على قدر أهل العزم

عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ

وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ

وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها

وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ

يُكَلّفُ سيفُ الدّوْلَةِ الجيشَ هَمّهُ

وَقد عَجِزَتْ عنهُ الجيوشُ الخضارمُ

وَيَطلُبُ عندَ النّاسِ ما عندَ نفسِه

وَذلكَ ما لا تَدّعيهِ الضّرَاغِمُ

يُفَدّي أتَمُّ الطّيرِ عُمْرًا سِلاحَهُ

نُسُورُ الفَلا أحداثُها وَالقَشاعِمُ

وَما ضَرّها خَلْقٌ بغَيرِ مَخالِبٍ

وَقَدْ خُلِقَتْ أسيافُهُ وَالقَوائِمُ

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرِفُ لوْنَها

وَتَعْلَمُ أيُّ السّاقِيَيْنِ الغَمَائِمُ

سَقَتْها الغَمَامُ الغُرُّ قَبْلَ نُزُولِهِ

فَلَمّا دَنَا مِنها سَقَتها الجَماجِمُ

بَنَاهَا فأعْلى وَالقَنَا يَقْرَعُ القَنَا

وَمَوْجُ المَنَايَا حَوْلَها مُتَلاطِمُ

وَكانَ بهَا مثْلُ الجُنُونِ فأصْبَحَتْ

وَمِنْ جُثَثِ القَتْلى عَلَيْها تَمائِمُ

طَريدَةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَهَا

على الدّينِ بالخَطّيّ وَالدّهْرُ رَاغِمُ

تُفيتُ کللّيالي كُلَّ شيءٍ أخَذْتَهُ

وَهُنّ لِمَا يأخُذْنَ منكَ غَوَارِمُ

إذا كانَ ما تَنْوِيهِ فِعْلاً مُضارِعًا

مَضَى قبلَ أنْ تُلقى علَيهِ الجَوازِمُ

وكيفَ تُرَجّي الرّومُ والرّوسُ هدمَها

وَذا الطّعْنُ آساسٌ لهَا وَدَعائِمُ

وَقَد حاكَمُوهَا وَالمَنَايَا حَوَاكِمٌ

فَما ماتَ مَظلُومٌ وَلا عاشَ ظالِمُ

أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأنّمَا

سَرَوْا إليك بِجِيَادٍ ما لَهُنّ قَوَائِمُ

إذا بَرَقُوا لم تُعْرَفِ البِيضُ منهُمُ

ثِيابُهُمُ من مِثْلِها وَالعَمَائِمُ

خميسٌ بشرْقِ الأرْضِ وَالغرْبِ زَحْفُهُ

وَفي أُذُنِ الجَوْزَاءِ منهُ زَمَازِمُ

تَجَمّعَ فيهِ كلُّ لِسْنٍ وَأُمّةٍ

فَمَا يُفْهِمُ الحُدّاثَ إلاّ الترَاجِمُ

فَلِلّهِ وَقْتٌ ذَوّبَ الغِشَّ نَارُهُ

فَلَمْ يَبْقَ إلاّ صَارِمٌ أوْ ضُبارِمُ

تَقَطّعَ ما لا يَقْطَعُ الدّرْعَ وَالقَنَا

وَفَرّ منَ الفُرْسانِ مَنْ لا يُصادِمُ

وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ

كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ

تَمُرّ بكَ الأبطالُ كَلْمَى هَزيمَةً

وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ

تجاوَزْتَ مِقدارَ الشّجاعَةِ والنُّهَى

إلى قَوْلِ قَوْمٍ أنتَ بالغَيْبِ عالِمُ

ضَمَمْتَ جَناحَيهِمْ على القلبِ ضَمّةً

تَمُوتُ الخَوَافي تحتَها وَالقَوَادِمُ

بضَرْبٍ أتَى الهاماتِ وَالنّصرُ غَائِبٌ

وَصَارَ إلى اللّبّاتِ وَالنّصرُ قَادِمُ

حَقَرْتَ الرُّدَيْنِيّاتِ حتى طَرَحتَها

وَحتى كأنّ السّيفَ للرّمحِ شاتِمُ

وَمَنْ طَلَبَ الفَتْحَ الجَليلَ فإنّمَا

مَفاتِيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصّوَارِمُ

نَثَرْتَهُمُ فَوْقَ الأُحَيْدِبِ كُلّهِ

كمَا نُثِرَتْ فَوْقَ العَرُوسِ الدّراهمُ

تدوسُ بكَ الخيلُ الوكورَ على الذُّرَى

وَقد كثرَتْ حَوْلَ الوُكورِ المَطاعِمُ

تَظُنّ فِراخُ الفُتْخِ أنّكَ زُرْتَهَا

بأُمّاتِها وَهْيَ العِتاقُ الصّلادِمُ

إذا زَلِقَتْ مَشّيْتَها ببُطونِهَا

كمَا تَتَمَشّى في الصّعيدِ الأراقِمُ

أفي كُلّ يَوْمٍ ذا الدُّمُسْتُقُ مُقدِمٌ

قَفَاهُ على الإقْدامِ للوَجْهِ لائِمُ

أيُنكِرُ رِيحَ اللّيثِ حتى يَذُوقَهُ

وَقد عَرَفتْ ريحَ اللّيوثِ البَهَائِمُ

وَقد فَجَعَتْهُ بابْنِهِ وَابنِ صِهْرِهِ

وَبالصّهْرِ حَمْلاتُ الأميرِ الغَوَاشِمُ

مضَى يَشكُرُ الأصْحَابَ في فوْته الظُّبَى

لِمَا شَغَلَتْهَا هامُهُمْ وَالمَعاصِمُ

وَيَفْهَمُ صَوْتَ المَشرَفِيّةِ فيهِمِ

على أنّ أصْواتَ السّيوفِ أعَاجِمُ

يُسَرّ بمَا أعْطاكَ لا عَنْ جَهَالَةٍ

وَلكِنّ مَغْنُومًا نَجَا منكَ غانِمُ

وَلَسْتَ مَليكًا هازِمًا لِنَظِيرِهِ

وَلَكِنّكَ التّوْحيدُ للشّرْكِ هَازِمُ

تَشَرّفُ عَدْنانٌ بهِ لا رَبيعَةٌ

وَتَفْتَخِرُ الدّنْيا بهِ لا العَوَاصِمُ

لَكَ الحَمدُ في الدُّرّ الذي ليَ لَفظُهُ

فإنّكَ مُعْطيهِ وَإنّيَ نَاظِمُ

وَإنّي لَتَعْدو بي عَطَايَاكَ في الوَغَى

فَلا أنَا مَذْمُومٌ وَلا أنْتَ نَادِمُ

عَلى كُلّ طَيّارٍ إلَيْهَا برِجْلِهِ

إذا وَقَعَتْ في مِسْمَعَيْهِ الغَمَاغِمُ

ألا أيّها السّيفُ الذي لَيسَ مُغمَدًا

وَلا فيهِ مُرْتابٌ وَلا منْهُ عَاصِمُ

هَنيئًا لضَرْبِ الهَامِ وَالمَجْدِ وَالعُلَى

وَرَاجِيكَ وَالإسْلامِ أنّكَ سالِمُ

وَلِمْ لا يَقي الرّحمنُ حدّيك ما وَقى

وَتَفْليقُهُ هَامَ العِدَى بكَ دائِمُ

قصيدة عذل العواذل

عَذْلُ العَواذِلِ حَوْلَ قَلبي التّائِهِ

وَهَوَى الأحِبّةِ مِنْهُ في سَوْدائِهِ

يَشْكُو المَلامُ إلى اللّوائِمِ حَرَّهُ

وَيَصُدُّ حينَ يَلُمْنَ عَنْ بُرَحائِهِ

وبمُهْجَتي يا عَاذِلي المَلِكُ الذي

أسخَطتُ أعذَلَ مِنكَ في إرْضائِهِ

إنْ كانَ قَدْ مَلَكَ القُلُوبَ فإنّهُ

مَلَكَ الزّمَانَ بأرْضِهِ وَسَمائِهِ

ألشّمسُ مِنْ حُسّادِهِ وَالنّصْرُ من

قُرَنَائِهِ وَالسّيفُ مِنْ أسمَائِهِ

أينَ الثّلاثَةُ مِنْ ثَلاثِ خِلالِهِ

مِنْ حُسْنِهِ وَإبَائِهِ وَمَضائِهِ

مَضَتِ الدّهُورُ وَمَا أتَينَ بمِثْلِهِ

وَلَقَدْ أتَى فَعَجَزْنَ عَنْ نُظَرَائِهِ

قصيدة عيد بأي حال عدت يا عيد

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ

فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

لَوْلا العُلى لم تجُبْ بي ما أجوبُ بهَا

وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيْدودُ

وَكَانَ أطيَبَ مِنْ سَيفي مُعانَقَةً

أشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الغِيدُ الأمَاليدُ

لم يَترُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي

شَيْئًا تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ

يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما

أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟

أصَخْرَةٌ أنَا، ما لي لا تُحَرّكُني

هَذِي المُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ

إذا أرَدْتُ كُمَيْتَ اللّوْنِ صَافِيَةً

وَجَدْتُهَا وَحَبيبُ النّفسِ مَفقُودُ

ماذا لَقيتُ منَ الدّنْيَا وَأعْجَبُهُ

أني بمَا أنَا شاكٍ مِنْهُ مَحْسُودُ

أمْسَيْتُ أرْوَحَ مُثْرٍ خَازِنًا وَيَدًا

أنَا الغَنيّ وَأمْوَالي المَوَاعِيدُ

إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ

عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ

جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُودُهُمُ

منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ

ما يَقبضُ المَوْتُ نَفسًا من نفوسِهِمُ

إلاّ وَفي يَدِهِ مِنْ نَتْنِهَا عُودُ

أكُلّمَا اغتَالَ عَبدُ السّوْءِ سَيّدَهُ أوْ

خَانَهُ فَلَهُ في مصرَ تَمْهِيدُ

صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا

فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ

نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها

فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ

العَبْدُ لَيْسَ لِحُرٍّ صَالِحٍ بأخٍ

لَوْ أنّهُ في ثِيَابِ الحُرّ مَوْلُودُ

لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ

إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ

ما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ

يُسِيءُ بي فيهِ عَبْدٌ وَهْوَ مَحْمُودُ

ولا تَوَهّمْتُ أنّ النّاسَ قَدْ فُقِدوا

وَأنّ مِثْلَ أبي البَيْضاءِ مَوْجودُ

وَأنّ ذا الأسْوَدَ المَثْقُوبَ مَشْفَرُهُ

تُطيعُهُ ذي العَضَاريطُ الرّعاديد

جَوْعانُ يأكُلُ مِنْ زادي وَيُمسِكني

لكَيْ يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقْصُودُ

وَيْلُمِّهَا خُطّةً وَيْلُمِّ قَابِلِهَا

لِمِثْلِها خُلِقَ المَهْرِيّةُ القُودُ

وَعِنْدَها لَذّ طَعْمَ المَوْتِ شَارِبُهُ

إنّ المَنِيّةَ عِنْدَ الذّلّ قِنْديدُ

مَنْ عَلّمَ الأسْوَدَ المَخصِيّ مكرُمَةً

أقَوْمُهُ البِيضُ أمْ آبَاؤهُ الصِّيدُ

أمْ أُذْنُهُ في يَدِ النّخّاسِ دامِيَةً

أمْ قَدْرُهُ وَهْوَ بالفِلْسَينِ مَرْدودُ

أوْلى اللّئَامِ كُوَيْفِيرٌ بمَعْذِرَةٍ

في كلّ لُؤمٍ، وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ

وَذاكَ أنّ الفُحُولَ البِيضَ عاجِزَةٌ

عنِ الجَميلِ فكَيفَ الخِصْيةُ السّودُ؟

قصيدة كفى بك داء

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا

وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا

تَمَنّيْتَهَا لمّا تَمَنّيْتَ أنْ تَرَى

صَديقًا فأعْيَا أوْ عَدُواً مُداجِيَا

إذا كنتَ تَرْضَى أنْ تَعيشَ بذِلّةٍ

فَلا تَسْتَعِدّنّ الحُسامَ اليَمَانِيَا

وَلا تَستَطيلَنّ الرّماحَ لِغَارَةٍ

وَلا تَستَجيدَنّ العِتاقَ المَذاكِيَا

فما يَنفَعُ الأُسْدَ الحَياءُ من الطَّوَى

وَلا تُتّقَى حتى تكونَ ضَوَارِيَا

حَبَبْتُكَ قَلْبي قَبلَ حُبّكَ من نأى

وَقد كانَ غَدّاراً فكُنْ أنتَ وَافِيَا

وَأعْلَمُ أنّ البَينَ يُشكيكَ بَعْدَهُ

فَلَسْتَ فُؤادي إنْ رَأيْتُكَ شَاكِيَا

فإنّ دُمُوعَ العَينِ غُدْرٌ بِرَبّهَا

إذا كُنّ إثْرَ الغَادِرِين جَوَارِيَا

إذا الجُودُ لم يُرْزَقْ خَلاصًا من الأذَى

فَلا الحَمدُ مكسوبًا وَلا المالُ باقِيَا

وَللنّفْسِ أخْلاقٌ تَدُلّ على الفَتى

أكانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا

أقِلَّ اشتِياقًا أيّهَا القَلْبُ رُبّمَا

رَأيْتُكَ تُصْفي الوُدّ من ليسَ صافيَا

خُلِقْتُ ألُوفًا لَوْ رَجعتُ إلى الصّبَى

لَفارَقتُ شَيبي مُوجَعَ القلبِ باكِيَا

وَلَكِنّ بالفُسْطاطِ بَحْرًا أزَرْتُهُ

حَيَاتي وَنُصْحي وَالهَوَى وَالقَوَافِيَا

وَجُرْدًا مَدَدْنَا بَينَ آذانِهَا القَنَا

فَبِتْنَ خِفَافًا يَتّبِعْنَ العَوَالِيَا

تَمَاشَى بأيْدٍ كُلّمَا وَافَتِ الصَّفَا

نَقَشْنَ بهِ صَدرَ البُزَاةِ حَوَافِيَا

وَتَنظُرُ من سُودٍ صَوَادِقَ في الدجى

يَرَينَ بَعيداتِ الشّخُوصِ كما هِيَا

وَتَنْصِبُ للجَرْسِ الخَفِيِّ سَوَامِعًا

يَخَلْنَ مُنَاجَاةَ الضّمِير تَنَادِيَا

تُجاذِبُ فُرْسانَ الصّباحِ أعِنّةً

كأنّ على الأعناقِ منْهَا أفَاعِيَا

بعَزْمٍ يَسيرُ الجِسْمُ في السرْجِ راكبًا

بهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجسْمِ ماشِيَا

قَوَاصِدَ كَافُورٍ تَوَارِكَ غَيرِهِ

وَمَنْ قَصَدَ البَحرَ استَقَلّ السّوَاقِيا

فَجاءَتْ بِنَا إنْسانَ عَينِ زَمانِهِ

وَخَلّتْ بَيَاضًا خَلْفَهَا وَمَآقِيَا

تجُوزُ عَلَيهَا المُحْسِنِينَ إلى الّذي

نَرَى عِندَهُمْ إحسانَهُ وَالأيادِيَا

فَتىً ما سَرَيْنَا في ظُهُورِ جُدودِنَا

إلى عَصْرِهِ إلاّ نُرَجّي التّلاقِيَا

تَرَفّعَ عَنْ عُونِ المَكَارِمِ قَدْرُهُ

فَمَا يَفعَلُ الفَعْلاتِ إلاّ عَذارِيَا

يُبِيدُ عَدَاوَاتِ البُغَاةِ بلُطْفِهِ

فإنْ لم تَبِدْ منهُمْ أبَادَ الأعَادِيَا

أبا المِسكِ ذا الوَجْهُ الذي كنتُ تائِقًا

إلَيْهِ وَذا اليَوْمُ الذي كنتُ رَاجِيَا

لَقِيتُ المَرَوْرَى وَالشّنَاخيبَ دُونَهُ

وَجُبْتُ هَجيرًا يَترُكُ المَاءَ صَادِيَا

أبَا كُلّ طِيبٍ لا أبَا المِسْكِ وَحدَه

وَكلَّ سَحابٍ لا أخُصّ الغَوَادِيَا

يُدِلّ بمَعنىً وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرٍ

وَقد جَمَعَ الرّحْمنُ فيكَ المَعَانِيَا

إذا كَسَبَ النّاسُ المَعَاليَ بالنّدَى

فإنّكَ تُعطي في نَداكَ المَعَالِيَا

وَغَيرُ كَثِيرٍ أنْ يَزُورَكَ رَاجِلٌ

فَيَرْجعَ مَلْكًا للعِرَاقَينِ وَالِيَا

فَقَدْ تَهَبُ الجَيشَ الذي جاءَ غازِيًا

لِسائِلِكَ الفَرْدِ الذي جاءَ عَافِيَا

وَتَحْتَقِرُ الدّنْيَا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ

يَرَى كلّ ما فيهَا وَحاشاكَ فَانِيَا

وَمَا كُنتَ ممّن أدرَكَ المُلْكَ بالمُنى

وَلَكِنْ بأيّامٍ أشَبْنَ النّوَاصِيَا

عِداكَ تَرَاهَا في البِلادِ مَساعِيًا

وَأنْتَ تَرَاهَا في السّمَاءِ مَرَاقِيَا

لَبِسْتَ لهَا كُدْرَ العَجاجِ كأنّمَا تَرَى

غيرَ صافٍ أن ترَى الجوّ صَافِيَا

وَقُدتَ إلَيْها كلّ أجرَدَ سَابِحٍ

يؤدّيكَ غَضْبَانًا وَيَثْنِيكَ رَاضِيَا

وَمُخْتَرَطٍ مَاضٍ يُطيعُكَ آمِرًا

وَيَعصِي إذا استثنَيتَ أوْ صرْتَ ناهِيَا

وَأسْمَرَ ذي عِشرِينَ تَرْضَاه وَارِدًا

وَيَرْضَاكَ في إيرادِهِ الخيلَ ساقِيَا

كَتائِبَ ما انفَكّتْ تجُوسُ عَمائِرًا

من الأرْضِ قد جاسَتْ إلَيها فيافِيَا

غَزَوْتَ بها دُورَ المُلُوكِ فَباشَرَتْ

سَنَابِكُها هَامَاتِهِمْ وَالمَغانِيَا

وَأنْتَ الذي تَغْشَى الأسِنّةَ أوّلاً

وَتَأنَفُ أنْ تَغْشَى الأسِنّةَ ثَانِيَا

إذا الهِنْدُ سَوّتْ بَينَ سَيفيْ كَرِيهَةٍ

فسَيفُكَ في كَفٍّ تُزيلُ التّساوِيَا

وَمِنْ قَوْلِ سَامٍ لَوْ رَآكَ لِنَسْلِهِ

فِدَى ابنِ أخي نَسلي وَنَفسي وَمالِيَا

مَدًى بَلّغَ الأستاذَ أقصَاهُ رَبُّهُ

وَنَفْسٌ لَهُ لم تَرْضَ إلاّ التّنَاهِيَا

دَعَتْهُ فَلَبّاهَا إلى المَجْدِ وَالعُلَى

وَقد خالَفَ النّاسُ النّفوسَ الدّوَاعيَا

فأصْبَحَ فَوْقَ العالَمِينَ يَرَوْنَهُ

وَإنْ كانَ يُدْنِيهِ التّكَرُّمُ نَائِيَا

قصيدة أرقٌ على أرقٍ

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ

وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى

عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ

إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي

نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ

فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني

عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا

أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ

أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ

نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ

جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا

أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى

كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا

مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ

حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ

خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا

أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ

وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ

وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ

وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ

وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ

وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي

مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ

حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ

حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ

أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا

فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ

كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت

مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ

وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم

مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ

وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ

لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ

مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها

وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ

أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا

لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ

لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ

أَبَدًا وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ

يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ

أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ

أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً

وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ

كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ

ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ

قصيدة أغالبُ فيكَ الشوقَ والشوقُ أغلبُ

أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ

وَأَعجَبُ مِن ذا الهَجرِ وَالوَصلُ أَعجَبُ

أَما تَغلَطُ الأَيّامُ فيَّ بِأَن أَرى

بَغيضاً تُنائي أَو حَبيباً تُقَرِّبُ

وَلِلَّهِ سَيري ما أَقَلَّ تَإِيَّةً

عَشِيَّةَ شَرقِيَّ الحَدالَي وَغُرَّبُ

عَشِيَّةَ أَحفى الناسِ بي مَن جَفَوتُهُ

وَأَهدى الطَريقَينِ الَّتي أَتَجَنَّبُ

وَكَم لِظَلامِ اللَيلِ عِندَكَ مِن يَدٍ

تُخَبِّرُ أَنَّ المانَوِيَّةَ تَكذِبُ

وَقاكَ رَدى الأَعداءِ تَسري إِلَيهِمُ

وَزارَكَ فيهِ ذو الدَلالِ المُحَجَّبُ

وَيَومٍ كَلَيلِ العاشِقينَ كَمَنتُهُ

أُراقِبُ فيهِ الشَمسَ أَيّانَ تَغرُبُ

وَعَيني إِلى أُذنَي أَغَرَّ كَأَنَّهُ

مِنَ اللَيلِ باقٍ بَينَ عَينَيهِ كَوكَبُ

لَهُ فَضلَةٌ عَن جِسمِهِ في إِهابِهِ

تَجيءُ عَلى صَدرٍ رَحيبٍ وَتَذهَبُ

شَقَقتُ بِهِ الظَلماءَ أُدني عِنانَهُ

فَيَطغى وَأُرخيهِ مِرارًا فَيَلعَبُ

وَأَصرَعُ أَيَّ الوَحشِ قَفَّيتُهُ بِهِ

وَأَنزِلُ عَنهُ مِثلَهُ حينَ أَركَبُ

وَما الخَيلُ إِلّا كَالصَديقِ قَليلَةٌ

وَإِن كَثُرَت في عَينِ مَن لا يُجَرِّبُ

إِذا لَم تُشاهِد غَيرَ حُسنِ شِياتِها

وَأَعضائِها فَالحُسنُ عَنكَ مُغَيَّبُ

لَحا اللَهُ ذي الدُنيا مُناخًا لِراكِبٍ

فَكُلُّ بَعيدِ الهَمِّ فيها مُعَذَّبُ

أَلا لَيتَ شِعري هَل أَقولُ قَصيدَةً

فَلا أَشتَكي فيها وَلا أَتَعَتَّبُ

وَبي ما يَذودُ الشِعرَ عَنّي أَقُلُّهُ

وَلَكِنَّ قَلبي يا اِبنَةَ القَومِ قُلَّبُ

وَأَخلاقُ كافورٍ إِذا شِئتُ مَدحَهُ

وَإِن لَم أَشَء تُملي عَلَيَّ وَأَكتُبُ

إِذا تَرَكَ الإِنسانُ أَهلًا وَرائَهُ

وَيَمَّمَ كافورًا فَما يَتَغَرَّبُ

فَتىً يَملَأُ الأَفعالَ رَأيًا وَحِكمَةً

وَنادِرَةً أَحيانَ يَرضى وَيَغضَبُ

إِذا ضَرَبَت في الحَربِ بِالسَيفِ كَفُّهُ

تَبَيَّنتَ أَنَّ السَيفَ بِالكَفِّ يَضرِبُ

تَزيدُ عَطاياهُ عَلى اللَبثِ كَثرَةً

وَتَلبَثُ أَمواهُ السَحابِ فَتَنضَبُ

أَبا المِسكِ هَل في الكَأسِ فَضلٌ أَنالُهُ

فَإِنّي أُغَنّي مُنذُ حينٍ وَتَشرَبُ

وَهَبتَ عَلى مِقدارِ كَفّى زَمانِنا

وَنَفسي عَلى مِقدارِ كَفَّيكَ تَطلُبُ

إِذا لَم تَنُط بي ضَيعَةً أَو وِلايَةً

فَجودُكَ يَكسوني وَشُغلُكَ يَسلُبُ

يُضاحِكُ في ذا العيدِ كُلٌّ حَبيبَهُ

حِذائي وَأَبكي مَن أُحِبُّ وَأَندُبُ

أَحِنُّ إِلى أَهلي وَأَهوى لِقاءَهُم

وَأَينَ مِنَ المُشتاقِ عَنقاءُ مُغرِبُ

فَإِن لَم يَكُن إِلّا أَبو المِسكِ أَو هُمُ

فَإِنَّكَ أَحلى في فُؤادي وَأَعذَبُ

وَكُلُّ اِمرِئٍ يولي الجَميلَ مُحَبَّبٌ

وَكُلُّ مَكانٍ يُنبِتُ العِزَّ طَيِّبُ

يُريدُ بِكَ الحُسّادُ ما اللَهُ دافِعٌ

وَسُمرُ العَوالي وَالحَديدُ المُذَرَّبُ

وَدونَ الَّذي يَبغونَ ما لَو تَخَلَّصوا

إِلى المَوتِ مِنهُ عِشتَ وَالطِفلُ أَشيَبُ

إِذا طَلَبوا جَدواكَ أَعطوا وَحُكِّموا

وَإِن طَلَبوا الفَضلَ الَّذي فيكَ خُيِّبوا

وَلَو جازَ أَن يَحوُوا عُلاكَ وَهَبتَها

وَلَكِن مِنَ الأَشياءِ ما لَيسَ يوهَبُ

وَأَظلَمُ أَهلِ الظُلمِ مَن باتَ حاسِدًا

لِمَن باتَ في نَعمائِهِ يَتَقَلَّبُ

وَأَنتَ الَّذي رَبَّيتَ ذا المُلكِ مُرضِعًا

وَلَيسَ لَهُ أُمٌّ سِواكَ وَلا أَبُ

وَكُنتَ لَهُ لَيثَ العَرينِ لِشِبلِهِ

وَما لَكَ إِلّا الهِندُوانِيَّ مِخلَبُ

لَقيتَ القَنا عَنهُ بِنَفسٍ كَريمَةٍ

إِلى المَوتِ في الهَيجا مِنَ العارِ تَهرُبُ

وَقَد يَترَكُ النَفسَ الَّتي لا تَهابُهُ

وَيَختَرِمُ النَفسَ الَّتي تَتَهَيَّبُ

وَما عَدِمَ اللاقوكَ بَأساً وَشِدَّةً

وَلَكِنَّ مَن لاقَوا أَشَدُّ وَأَنجَبُ

ثَناهُم وَبَرقُ البيضِ في البيضِ صادِقٌ

عَلَيهِم وَبَرقُ البَيضِ في البيضِ خُلَّبُ

سَلَلتَ سُيوفًا عَلَّمَت كُلَّ خاطِبٍ

عَلى كُلِّ عودٍ كَيفَ يَدعو وَيَخطُبُ

وَيُغنيكَ عَمّا يَنسُبُ الناسُ أَنَّهُ

إِلَيكَ تَناهى المَكرُماتُ وَتُنسَبُ

وَأَيُّ قَبيلٍ يَستَحِفُّكَ قَدرُهُ

مَعَدُّ بنُ عَدنانَ فِداكَ وَيَعرُبُ

وَما طَرَبي لَمّا رَأَيتُكَ بِدعَةً

لَقَد كُنتُ أَرجو أَن أَراكَ فَأَطرَبُ

وَتَعذِلُني فيكَ القَوافي وَهِمَّتي

كَأَنّي بِمَدحٍ قَبلَ مَدحِكَ مُذنِبُ

وَلَكِنَّهُ طالَ الطَريقُ وَلَم أَزَل

أُفَتَّشُ عَن هَذا الكَلامِ وَيُنهَبُ

فَشَرَّقَ حَتّى لَيسَ لِلشَرقِ مَشرِقٌ

وَغَرَّبَ حَتّى لَيسَ لِلغَربِ مَغرِبُ

إِذا قُلتُهُ لَم يَمتَنِع مِن وُصولِهِ

جِدارٌ مُعَلّى أَو خِباءٌ مُطَنَّبُ

قصيدة إذا غامرتَ في شرفٍ مروم

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ

فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ

كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ

سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري

صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ

قَرَبنَ النارَ ثُمَّ نَشَأنَ فيها

كَما نَشَأَ العَذارى في النَعيمِ

وَفارَقنَ الصَياقِلَ مُخلَصاتٍ

وَأَيديها كَثيراتُ الكُلومِ

يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ

وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ

وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني

وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ

وَكَم مِن عائِبٍ قَولًا صَحيحًا

وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ

وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ

عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ

قصيدة لعينيكَ ما يلقى الفؤاد وما لقي

لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي

وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي

وَما كُنتُ مِمَّن يَدخُلُ العِشقُ قَلبَهُ

وَلَكِنَّ مَن يُبصِر جُفونَكِ يَعشَقِ

وَبَينَ الرِضا وَالسُخطِ وَالقُربِ وَالنَوى

مَجالٌ لِدَمعِ المُقلَةِ المُتَرَقرِقِ

وَأَحلى الهَوى ما شَكَّ في الوَصلِ رَبُّهُ

وَفي الهَجرِ فَهوَ الدَهرَ يُرجو وَيُتَّقي

وَغَضبى مِنَ الإِدلالِ سَكرى مِنَ الصِبا

شَفَعتُ إِلَيها مِن شَبابي بِرَيِّقِ

وَأَشنَبَ مَعسولِ الثَنِيّاتِ واضِحٍ

سَتَرتُ فَمي عَنهُ فَقَبَّلَ مَفرِقي

وَأَجيادِ غِزلانٍ كَجيدِكِ زُرنَني

فَلَم أَتَبَيَّن عاطِلًا مِن مُطَوَّقِ

وَما كُلُّ مَن يَهوى يَعِفُّ إِذا خَلا

عَفافي وَيُرضي الحِبَّ وَالخَيلُ تَلتَقي

سَقى اللَهُ أَيّامَ الصِبا ما يَسُرُّها

وَيَفعَلُ فِعلَ البابِلِيِّ المُعَتَّقِ

إِذا ما لَبِستَ الدَهرَ مُستَمتِعًا بِهِ

تَخَرَّقتَ وَالمَلبوسُ لَم يَتَخَرَّقِ

وَلَم أَرَ كَالأَلحاظِ يَومَ رَحيلِهِم

بَعَثنَ بِكُلِّ القَتلِ مِن كُلِّ مُشفِقِ

أَدَرنَ عُيونًا حائِراتٍ كَأَنَّها

مُرَكَّبَةٌ أَحداقُها فَوقَ زِئبَقٍ

عَشِيَّةَ يَعدونا عَنِ النَظَرِ البُكا

وَعَن لَذَّةِ التَوديعِ خَوفُ التَفَرُّقِ

نُوَدِّعُهُم وَالبَينُ فينا كَأَنَّهُ

قَنا اِبنِ أَبي الهَيجاءِ في قَلبِ فَيلَقِ

قَواضٍ مَواضٍ نَسجُ داوُودَ عِندَها

إِذا وَقَعَت فيهِ كَنَسجِ الخَدَرنَقِ

هَوادٍ لِأَملاكِ الجُيوشِ كَأَنَّها

تَخَيَّرُ أَرواحَ الكُماةِ وَتَنتَقي

تَقُدُّ عَلَيهِم كُلَّ دِرعٍ وَجَوشَنٍ

وَتَفري إِلَيهِم كُلَّ سورٍ وَخَندَقِ

يُغيرُ بِها بَينَ اللُقانِ وَواسِطٍ

وَيُركِزُها بَينَ الفُراتِ وَجِلِّقِ

وَيُرجِعُها حُمراً كَأَنَّ صَحيحَها

يُبَكّي دَمًا مِن رَحمَةِ المُتَدَقِّقِ

فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ

شُجاعٌ مَتى يُذكَر لَهُ الطَعنُ يَشتَقِ

ضَروبٌ بِأَطرافِ السُيوفِ بَنانُهُ

لَعوبٌ بِأَطرافِ الكَلامِ المُشَقَّقِ

كَسائِلِهِ مَن يَسأَلُ الغَيثَ قَطرَةً

كَعاذِلِهِ مَن قالَ لِلفَلَكِ اِرفُقِ

لَقَد جُدتَ حَتّى جُدتَ في كُلِّ مِلَّةٍ

وَحَتّى أَتاكَ الحَمدُ مِن كُلِّ مَنطِقِ

رَأى مَلِكُ الرومِ اِرتِياحَكَ لِلنَدى

فَقامَ مَقامَ المُجتَدي المُتَمَلِّقِ

وَخَلّى الرِماحَ السَمهَرِيَّةَ صاغِرًا

لِأَدرَبَ مِنهُ بِالطِعانِ وَأَحذَقِ

وَكاتَبَ مِن أَرضٍ بَعيدٍ مَرامُها

قَريبٍ عَلى خَيلٍ حَوالَيكَ سُبَّقِ

وَقَد سارَ في مَسراكَ مِنها رَسولُهُ

فَما سارَ إِلّا فَوقَ هامٍ مُفَلَّقِ

فَلَمّا دَنا أَخفى عَلَيهِ مَكانَهُ

شُعاعُ الحَديدِ البارِقِ المُتَأَلِّقِ

وَأَقبَلَ يَمشي في البِساطِ فَما دَرى

إِلى البَحرِ يَمشي أَم إِلى البَدرِ يَرتَقي

وَلَم يَثنِكَ الأَعداءُ عَن مُهَجاتِهِم

بِمِثلِ خُضوعٍ في كَلامٍ مُنَمَّقِ

وَكُنتَ إِذا كاتَبتَهُ قَبلَ هَذِهِ

كَتَبتَ إِلَيهِ في قَذالِ الدُمُستُقِ

فَإِن تُعطِهِ مِنكَ الأَمانَ فَسائِلٌ

وَإِن تُعطِهِ حَدَّ الحُسامِ فَأَخلِقِ

وَهَل تَرَكَ البيضُ الصَوارِمُ مِنهُمُ

أَسيرًا لِفادٍ أَو رَقيقًا لِمُعتِقِ

لَقَد وَرَدوا وِردَ القَطا شَفَراتِها

وَمَرّوا عَلَيها زَردَقًا بَعدَ زَردَقِ

بَلَغتُ بِسَيفِ الدَولَةِ النورِ رُتبَةً

أَثَرتُ بِها مابَينَ غَربٍ وَمَشرِقِ

إِذا شاءَ أَن يَلهو بِلِحيَةِ أَحمَقٍ

أَراهُ غُباري ثُمَّ قالَ لَهُ اِلحَقِ

وَما كَمَدُ الحُسّادِ شَيئًا قَصَدتُهُ

وَلَكِنَّهُ مَن يَزحَمِ البَحرَ يَغرَقِ

وَيَمتَحِنُ الناسَ الأَميرُ بِرَأيِهِ

وَيُغضي عَلى عِلمٍ بِكُلِّ مُمَخرِقِ

وَإِطراقُ طَرفِ العَينِ لَيسَ بِنافِعٍ

إِذا كانَ طَرفُ القَلبِ لَيسَ بِمُطرِقِ

فَيا أَيُّها المَطلوبُ جاوِرهُ تَمتَنِع

وَيا أَيُّها المَحرومُ يَمِّمهُ تُرزَقِ

وَيا أَجبَنَ الفُرسانِ صاحِبهُ تَجتَرِئ

وَيا أَشجَعَ الشُجعانِ فارِقهُ تَفرَقِ

إِذا سَعَتِ الأَعداءُ في كَيدِ مَجدِهِ

سَعى جَدُّهُ في كَيدِهِم سَعيَ مُحنَقِ

وَما يَنصُرُ الفَضلُ المُبينُ عَلى العِدا

إِذا لَم يَكُن فَضلَ السَعيدِ المُوَفَّقِ

قصيدة أنا الغريقُ فما خوفي من البلل

وَالهَجرُ أَقتَلُ لي مِمّا أُراقِبُهُ

أَنا الغَريقُ فَما خَوفي مِنَ البَلَلِ

ما بالُ كُلِّ فُؤادٍ في عَشيرَتِها

بِهِ الَّذي بي وَما بي غَيرُ مُنتَقِلِ

قصيدة بم التعللُ لا أهلٌ ولا وطنُ

بِمَ التَعَلُّلُ لا أَهلٌ وَلا وَطَنُ

وَلا نَديمٌ وَلا كَأسٌ وَلا سَكَنُ

أُريدُ مِن زَمَني ذا أَن يُبَلِّغَني

ما لَيسَ يَبلُغُهُ مِن نَفسِهِ الزَمَنُ

لا تَلقَ دَهرَكَ إِلّا غَيرَ مُكتَرِثٍ

مادامَ يَصحَبُ فيهِ روحَكَ البَدَنُ

فَما يَدومُ سُرورُ ما سُرِرتَ بِهِ

وَلا يَرُدُّ عَلَيكَ الفائِتَ الحَزَنُ

مِمّا أَضَرَّ بِأَهلِ العِشقِ أَنَّهُمُ

هَوُوا وَما عَرَفوا الدُنيا وَما فَطِنوا

تَفنى عُيونُهُمُ دَمعاً وَأَنفُسُهُم

في إِثرِ كُلِّ قَبيحٍ وَجهُهُ حَسَنُ

تَحَمَّلوا حَمَلَتكُم كُلُّ ناجِيَةٍ

فَكُلُّ بَينٍ عَلَيَّ اليَومَ مُؤتَمَنُ

ما في هَوادِجِكُم مِن مُهجَتي عِوَضٌ

إِن مُتُّ شَوقًا وَلا فيها لَها ثَمَنُ

يا مَن نُعيتُ عَلى بُعدٍ بِمَجلِسِهِ

كُلٌّ بِما زَعَمَ الناعونَ مُرتَهَنُ

كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ

ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ

قَد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قَولِهِمِ

جَماعَةٌ ثُمَّ ماتوا قَبلَ مَن دَفَنوا

ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ

تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

رَأَيتُكُم لا يَصونُ العِرضَ جارُكُمُ

وَلا يَدِرُّ عَلى مَرعاكُمُ اللَبَنُ

جَزاءُ كُلِّ قَريبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ

وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنكُمُ ضَغَنُ

وَتَغضَبونَ عَلى مَن نالَ رِفدَكُمُ

حَتّى يُعاقِبَهُ التَنغيصُ وَالمِنَنُ

فَغادَرَ الهَجرُ ما بَيني وَبَينَكُمُ

يَهماءَ تَكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ

تَحبو الرَواسِمُ مِن بَعدِ الرَسيمِ بِها

وَتَسأَلُ الأَرضَ عَن أَخفافِها الثَفِنُ

إِنّي أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي كَرَمٌ

وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ

وَلا أُقيمُ عَلى مالٍ أَذِلُّ بِهِ

وَلا أَلَذُّ بِما عِرضي بِهِ دَرِنُ

سَهِرتُ بَعدَ رَحيلي وَحشَةً لَكُمُ

ثُمَّ اِستَمَرَّ مَريري وَاِرعَوى الوَسَنُ

وَإِن بُليتُ بِوُدٍّ مِثلِ وُدِّكُمُ

فَإِنَّني بِفِراقٍ مِثلِهِ قَمِنُ

أَبلى الأَجِلَّةَ مُهري عِندَ غَيرِكُمُ

وَبُدِّلَ العُذرُ بِالفُسطاطِ وَالرَسَنُ

عِندَ الهُمامِ أَبي المِسكِ الَّذي غَرِقَت

في جودِهِ مُضَرُ الحَمراءِ وَاليَمَنُ

وَإِن تَأَخَّرَ عَنّي بَعضُ مَوعِدِهِ

فَما تَأَخَّرُ آمالي وَلا تَهِنُ

هُوَ الوَفِيُّ وَلَكِنّي ذَكَرتُ لَهُ

مَوَدَّةً فَهوَ يَبلوها وَيَمتَحِنُ

قصيدة لا خيلَ عندكَ تهديها ولا مال

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ

فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

وَاِجزِ الأَميرَ الَّذي نُعماهُ فاجِئَةٌ

بِغَيرِ قَولِ وَنُعمى الناسِ أَقوالُ

فَرُبَّما جَزِيَ الإِحسانَ مولِيَهُ

خَريدَةٌ مِن عَذارى الحَيِّ مِكسالُ

وَإِن تَكُن مُحكَماتُ الشُكلِ تَمنَعُني

ظُهورَ جَريٍ فَلي فيهِنَّ تَصهالُ

وَما شَكَرتُ لِأَنَّ المالَ فَرَّحَني

سِيّانَ عِندِيَ إِكثارٌ وَإِقلالُ

لَكِن رَأَيتُ قَبيحاً أَن يُجادَلَنا

وَأَنَّنا بِقَضاءِ الحَقِّ بُخّالُ

فَكُنتُ مَنبِتَ رَوضِ الحُزنِ باكَرَهُ

غَيثٌ بِغَيرِ سِباخِ الأَرضِ هَطّالُ

غَيثٌ يُبَيِّنُ لِلنُظّارِ مَوقِعُهُ

أَنَّ الغُيوثَ بِما تَأتيهِ جُهّالُ

لا يُدرِكُ المَجدَ إِلّا سَيِّدٌ فَطِنٌ

لِما يَشُقُّ عَلى الساداتِ فَعّالُ

لا وارِثٌ جَهِلَت يُمناهُ ما وَهَبَت

وَلا كَسوبٌ بِغَيرِ السَيفِ سَئالُ

قالَ الزَمانُ لَهُ قَولاً فَأَفهَمَهُ

إِنَّ الزَمانَ عَلى الإِمساكِ عَذّالُ

تَدري القَناةُ إِذا اِهتَزَّت بِراحَتِهِ

أَنَّ الشَقِيَّ بِها خَيلٌ وَأَبطالُ

كَفاتِكٍ وَدُخولُ الكافِ مَنقَصَةٌ

كَالشَمسِ قُلتُ وَما لِلشَمسِ أَمثالُ

القائِدِ الأُسدَ غَذَّتها بَراثِنُهُ

بِمِثلِها مِن عِداهُ وَهيَ أَشبالُ

القاتِلِ السَيفَ في جِسمِ القَتيلِ بِهِ

وَلِلسُيوفِ كَما لِلناسِ آجالُ

تُغيرُ عَنهُ عَلى الغاراتِ هَيبَتُهُ

وَمالُهُ بِأَقاصي الأَرضِ أَهمالُ

لَهُ مِنَ الوَحشِ ما اِختارَت أَسِنَّتُهُ

عَيرٌ وَهَيقٌ وَخَنساءٌ وَذَيّالُ

تُمسي الضُيوفُ مُشَهّاةً بِعَقوَتِهِ

كَأَنَّ أَوقاتَها في الطيبِ آصالُ

لَوِ اِشتَهَت لَحمَ قاريها لَبادَرَها

خَرادِلٌ مِنهُ في الشيزى وَأَوصالُ

لا يَعرِفُ الرُزءَ في مالٍ وَلا وَلَدٍ

إِلّا إِذا حَفَزَ الأَضيافَ تَرحالُ

يُروي صَدى الأَرضِ مِن فَضلاتِ ما شَرِبوا

مَحضُ اللِقاحِ وَصافي اللَونِ سَلسالُ

تَقري صَوارِمُهُ الساعاتِ عَبطَ دَمٍ

كَأَنَّما الساعُ نُزّالٌ وَقُفّالُ

تَجري النُفوسُ حَوالَيهِ مُخَلَّطَةً

مِنها عُداةٌ وَأَغنامٌ وَآبالُ

لا يَحرِمُ البُعدُ أَهلَ البُعدِ نائِلَهُ

وَغَيرُ عاجِزَةٍ عَنهُ الأُطَيفالُ

أَمضى الفَريقَينِ في أَقرانِهِ ظُبَةً

وَالبيضُ هادِيَةً وَالسُمرُ ضُلّالُ

يُريكَ مَخبَرُهُ أَضعافَ مَنظَرِهِ

بَينَ الرِجالِ وَفيها الماءُ وَالآلُ

وَقَد يُلَقِّبُهُ المَجنونَ حاسِدُهُ

إِذا اِختَلَطنَ وَبَعضُ العَقلِ عُقّالُ

يَرمي بِها الجَيشَ لا بُدٌّ لَهُ وَلَها

مِن شَقِّهِ وَلَوَ أَنَّ الجَيشَ أَجبالُ

إِذا العِدى نَشِبَت فيهِم مَخالِبُهُ

لَم يَجتَمِع لَهُمُ حِلمٌ وَرِئبالُ

يَروعُهُم مِنهُ دَهرٌ صَرفُهُ أَبَدًا

مُجاهِرٌ وَصُروفُ الدَهرِ تَغتالُ

أَنالَهُ الشَرَفَ الأَعلى تَقَدُّمُهُ

فَما الَّذي بِتَوَقّي ما أَتى نالوا

إِذا المُلوكُ تَحَلَّت كانَ حِليَتَهُ

مُهَنَّدٌ وَأَضَمُّ الكَعبِ عَسّالُ

أَبو شُجاعٍ أَبو الشُجعانِ قاطِبَةً

هَولٌ نَمَتهُ مِنَ الهَيجاءِ أَهوالُ

تَمَلَّكَ الحَمدَ حَتّى ما لِمُفتَخِرٍ

في الحَمدِ حاءٌ وَلا ميمٌ وَلا دالُ

عَلَيهِ مِنهُ سَرابيلٌ مُضاعَفَةٌ

وَقَد كَفاهُ مِنَ الماذِيِّ سِربالُ

وَكَيفَ أَستُرُ ما أولَيتَ مِن حَسَنٍ

وَقَد غَمَرتَ نَوالًا أَيُّها النالُ

لَطَّفتَ رَأيَكَ في بِرّي وَتَكرِمَتي

إِنَّ الكَريمَ عَلى العَلياءِ يَحتالُ

حَتّى غَدَوتَ وَلِلأَخبارِ تَجوالُ

وَلِلكَواكِبِ في كَفَّيكَ آمالُ

وَقَد أَطالَ ثَنائي طولُ لابِسِهِ

إِنَّ الثَناءَ عَلى التِنبالِ تِنبالُ

إِن كُنتَ تَكبُرُ أَن تَختالَ في بَشَرٍ

فَإِنَّ قَدرَكَ في الأَقدارِ يَختالُ

كَأَنَّ نَفسَكَ لا تَرضاكَ صاحِبَها

إِلّا وَأَنتَ عَلى المِفضالِ مِفضالُ

وَلا تَعُدُّكَ صَوّاناً لِمُهجَتِها

إِلّا وَأَنتَ لَها في الرَوعِ بَذّالُ

لَولا المَشَقَّةُ سادَ الناسُ كُلُّهُمُ

الجودُ يُفقِرُ وَالإِقدامُ قَتّالُ

وَإِنَّما يَبلُغُ الإِنسانُ طاقَتُهُ

ما كُلُّ ماشِيَةٍ بِالرَحلِ شِملالُ

إِنّا لَفي زَمَنٍ تَركُ القَبيحِ بِهِ

مِن أَكثَرِ الناسِ إِحسانٌ وَإِجمالُ

ذِكرُ الفَتى عُمرُهُ الثاني وَحاجَتُهُ

ما قاتَهُ وَفُضولُ العَيشِ أَشغالُ

قصيدة لك يا منازلُ في القلوبِ منازلُ

كِ يا مَنازِلُ في القُلوبِ مَنازِلُ

أَقفَرتِ أَنتِ وَهُنَّ مِنكِ أَواهِلُ

يَعلَمنَ ذاكِ وَما عَلِمتِ وَإِنَّما

أَولاكُما بِبُكى عَلَيهِ العاقِلُ

وَأَنا الَّذي اِجتَلَبَ المَنِيَّةَ طَرفُهُ

فَمَنِ المُطالَبُ وَالقَتيلُ القاتِلُ

تَخلو الدِيارُ مِنَ الظِباءِ وَعِندَهُ

مِن كُلِّ تابِعَةٍ خَيالٌ خاذِلُ

اللاءِ أَفتَكُها الجَبانُ بِمُهجَتي

وَأَحَبُّها قُرباً إِلَيَّ الباخِلُ

الرامِياتُ لَنا وَهُنَّ نَوافِرٌ

وَالخاتِلاتُ لَنا وَهُنَّ غَوافِلُ

كافَأنَنا عَن شِبهِهِنَّ مِنَ المَها

فَلَهُنَّ في غَيرِ التُرابِ حَبائِلُ

مِن طاعِني ثُغَرِ الرِجالِ جَآذِرٌ

وَمِنَ الرِماحِ دَمالِجٌ وَخَلاخِلُ

وَلِذا اِسمُ أَغطِيَةِ العُيونِ جُفونُها

مِن أَنَّها عَمَلَ السُيوفِ عَوامِلُ

كَم وَقفَةٍ سَجَرَتكَ شَوقاً بَعدَما

غَرِيَ الرَقيبُ بِنا وَلَجَّ العاذِلُ

دونَ التَعانُقِ ناحِلَينِ كَشَكلَتَي

نَصبٍ أَدَقَّهُما وَصَمَّ الشاكِلُ

اِنعَم وَلَذَّ فَلِلأُمورِ أَواخِرٌ

أَبَداً إِذا كانَت لَهُنَّ أَوائِلُ

ما دُمتَ مِن أَرَبِ الحِسانِ فَإِنَّما

رَوقُ الشَبابِ عَلَيكَ ظِلٌّ زائِلُ

لِلَّهوِ آوِنَةٌ تَمُرُّ كَأَنَّها

قُبَلٌ يُزَوَّدُها حَبيبٌ راحِلُ

جَمَحَ الزَمانُ فَما لَذيذٌ خالِصٌ

مِمّا يَشوبُ وَلا سُرورٌ كامِلُ

حَتّى أَبو الفَضلِ اِبنُ عَبدِ اللَهِ رُؤ

يَتُهُ المُنى وَهيَ المَقامُ الهائِلُ

مَمطورَةٌ طُرقي إِلَيها دونَها

مِن جودِهِ في كُلِّ فَجٍّ وابِلُ

مَحجوبَةٌ بِسُرادِقٍ مِن هَيبَةٍ

تَثني الأَزِمَّةَ وَالمَطِيُّ ذَوامِلُ

لِلشَمسِ فيهِ وَلِلرِياحِ وَلِلسَحا

بِ وَلِلبِحارِ وَلِلأُسودِ شَمائِلُ

وَلَدَيهِ مِلعِقيانِ وَالأَدَبِ المُفا

دِ وَمِلحَياةِ وَمِلمَماتِ مَناهِلُ

لَو لَم يُهَب لَجَبُ الوُفودِ حَوالَهُ

لَسَرى إِلَيهِ قَطا الفَلاةِ الناهِلُ

يَدري بِما بِكَ قَبلَ تُظهِرُهُ لَهُ

مِن ذِهنِهِ وَيُجيبُ قَبلَ تُسائِلُ

وَتَراهُ مُعتَرِضاً لَها وَمُوَلِّيًا

أَحداقُنا وَتَحارُ حينَ يُقابِلُ

كَلِماتُهُ قُضُبٌ وَهُنَّ فَواصِلٌ

كُلُّ الضَرائِبِ تَحتَهُنَّ مَفاصِلُ

هَزَمَت مَكارِمُهُ المَكارِمَ كُلَّها

حَتّى كَأَنَّ المَكرُماتِ قَنابِلُ

وَقَتَلنَ دَفراً وَالدُهَيمَ فَما تُرى

أُمُّ الدُهَيمِ وَأُمُّ دَفرٍ هابِلُ

عَلّامَةُ العُلَماءِ وَاللُجُّ الَّذي

لا يَنتَهي وَلِكُلِّ لُجٍّ ساحِلُ

لَو طابَ مَولِدُ كُلِّ حَيٍّ مِثلَهُ

وَلَدَ النِساءُ وَما لَهُنَّ قَوابِلُ

لَو بانَ بِالكَرَمِ الجَنينُ بَيانَهُ

لَدَرَت بِهِ ذَكَرٌ أَمُ اَنثى الحامِلُ

لِيَزِد بَنو الحَسَنِ الشِرافُ تَواضُعاً

هَيهاتَ تُكتَمُ في الظَلامِ مَشاعِلُ

سَتَروا النَدى سَترَ الغُرابِ سِفادَهُ

فَبَدا وَهَل يَخفى الرَبابُ الهاطِلُ

جَفَخَت وَهُم لا يَجفَخونَ بِهابِهِم

شِيَمُ عَلى الحَسَبِ الأَغَرِّ دَلائِلُ

مُتَشابِهِي وَرَعِ النُفوسِ كَبيرُهُم

وَصَغيرُهُم عَفُّ الإِزارِ حُلاحِلُ

يا اِفخَر فَإِنَّ الناسِ فيكَ ثَلاثَةٌ

مُستَعظِمٌ أَو حاسِدٌ أَو جاهِلُ

وَلَقَد عَلَوتَ فَما تُبالي بَعدَما

عَرَفوا أَيَحمَدُ أَم يَذُمُّ القائِلُ

أُثني عَلَيكَ وَلَو تَشاءُ لَقُلتَ لي

قَصَّرتَ فَالإِمساكُ عَنّي نائِلُ

لا تَجسُرُ الفُصَحاءُ تُنشِدُ هَهُنا

بَيتاً وَلَكِنّي الهِزَبرُ الباسِلُ

ما نالَ أَهلُ الجاهِلِيَّةِ كُلُّهُم

شِعري وَلا سَمِعَت بِسِحرِيَ بابِلُ

وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ

فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ

مَن لي بِفَهمِ أُهَيلِ عَصرٍ يَدَّعي

أَن يَحسُبَ الهِندِيَّ فيهِم باقِلُ

وَأَما وَحَقِّكَ وَهوَ غايَةُ مُقسِمٍ

لِلحَقُّ أَنتَ وَما سِواكَ الباطِلُ

الطيبُ أَنتَ إِذا أَصابَكَ طيبُهُ

وَالماءُ أَنتَ إِذا اِغتَسَلتَ الغاسِلُ

ما دارَ في الحَنَكِ اللِسانُ وَقَلَّبَت

قَلَماً بِأَحسَنَ مِن نَثاكَ أَنامِلُ

قصيدة ليالي بعد الظاعنينَ شكولُ

لَيَاليّ بَعْدَ الظّاعِنِينَ شُكُولُ

طِوالٌ وَلَيْلُ العاشِقينَ طَويلُ

يُبِنَّ ليَ البَدْرَ الذي لا أُريدُهُ

وَيُخْفِينَ بَدْرًا مَا إلَيْهِ سَبيلُ

وَمَا عِشْتُ مِنْ بَعدِ الأحِبّةِ سَلوَةً

وَلَكِنّني للنّائِبَاتِ حَمُولُ

وَإنّ رَحِيلًا وَاحِدًا حَالَ بَيْنَنَا

وَفي المَوْتِ مِنْ بَعدِ الرّحيلِ رَحيلُ

إذا كانَ شَمُّ الرَّوحِ أدْنَى إلَيْكُمُ

فَلا بَرِحَتْني رَوْضَةٌ وَقَبُولُ

وَمَا شَرَقي بالمَاءِ إلاّ تَذكّراً

لمَاءٍ بهِ أهْلُ الحَبيبِ نُزُولُ

يُحَرّمُهُ لَمْعُ الأسِنّةِ فَوْقَهُ

فَلَيْسَ لِظَمْآنٍ إلَيْهِ وُصُولُ

أما في النّجوم السّائراتِ وغَيرِهَا

لِعَيْني عَلى ضَوْءِ الصّباحِ دَليلُ

ألمْ يَرَ هذا اللّيْلُ عَيْنَيْكِ رُؤيَتي

فَتَظْهَرَ فيهِ رِقّةٌ وَنُحُولُ

لَقيتُ بدَرْبِ القُلّةِ الفَجْرَ لَقْيَةً

شَفَتْ كَبِدي وَاللّيْلُ فِيهِ قَتيلُ

وَيَوْماً كأنّ الحُسْنَ فيهِ عَلامَةٌ

بعَثْتِ بهَا والشّمسُ منكِ رَسُولُ

وَما قَبلَ سَيفِ الدّوْلَةِ کثّارَ عاشِقٌ

ولا طُلِبَتْ عندَ الظّلامِ ذُحُولُ

وَلَكِنّهُ يَأتي بكُلّ غَريبَةٍ

تَرُوقُ عَلى استِغْرابِها وَتَهُولُ

رَمَى الدّرْبَ بالجُرْدِ الجيادِ إلى العِدى

وَما عَلِمُوا أنّ السّهامَ خُيُولُ

شَوَائِلَ تَشْوَالَ العَقَارِبِ بالقَنَا

لهَا مَرَحٌ مِنْ تَحْتِهِ وَصَهيلُ

وَما هيَ إلاّ خَطْرَةٌ عَرَضَتْ لَهُ

بحَرّانَ لَبّتْهَا قَناً وَنُصُولُ

هُمَامٌ إذا ما هَمّ أمضَى هُمُومَهُ

بأرْعَنَ وَطْءُ المَوْتِ فيهِ ثَقيلُ

وَخَيْلٍ بَرَاهَا الرّكضُ في كلّ بلدةٍ

إذا عَرّسَتْ فيها فلَيسَ تَقِيلُ

فَلَمّا تَجَلّى مِنْ دَلُوكٍ وَصَنْجةٍ

عَلَتْ كلَّ طَوْدٍ رَايَةٌ وَرَعيلُ

على طُرُقٍ فيها على الطُّرْقِ رِفْعَةٌ

وَفي ذِكرِها عِندَ الأنيسِ خُمُولُ

فَمَا شَعَرُوا حَتى رَأوْهَا مُغِيرَةً

قِبَاحًا وَأمّا خَلْقُها فَجَميلُ

سَحَائِبُ يَمْطُرْنَ الحَديدَ علَيهِمِ

فكُلُّ مَكانٍ بالسّيوفِ غَسيلُ

وَأمْسَى السّبَايَا يَنْتَحِبنَ بعِرْقَةٍ

كأنّ جُيُوبَ الثّاكِلاتِ ذُيُولُ

وَعادَتْ فَظَنّوهَا بمَوْزَارَ قُفّلاً

وَلَيسَ لهَا إلاّ الدّخولَ قُفُولُ

فَخاضَتْ نَجيعَ القَوْمِ خَوْضاً كأنّهُ

بكُلِّ نَجيعٍ لمْ تَخُضْهُ كَفيلُ

تُسايِرُها النّيرانُ في كلّ مَنزِلٍ

بهِ القوْمُ صَرْعَى والدّيارُ طُلولُ

وَكَرّتْ فمَرّتْ في دِماءِ مَلَطْيَةٍ

مَلَطْيَةُ أُمٌّ للبَنِينَ ثَكُولُ

وَأضْعَفْنَ ما كُلّفْنَهُ مِنْ قُباقِبٍ

فأضْحَى كأنّ الماءَ فيهِ عَليلُ

وَرُعْنَ بِنَا قَلْبَ الفُراتِ كأنّمَا

تَخِرُّ عَلَيْهِ بالرّجالِ سُيُولُ

يُطارِدُ فيهِ مَوْجَهُ كُلُّ سابحٍ

سَواءٌ عَلَيْهِ غَمْرَةٌ وَمسيلُ

تَراهُ كأنّ المَاءَ مَرّ بجِسْمِهِ

وَأقْبَلَ رَأسٌ وَحْدَهُ وتَليلُ

وَفي بَطْنِ هِنريطٍ وَسِمْنينَ للظُّبَى

وَصُمِّ القَنَا مِمّنْ أبَدْنَ بَدِيلُ

طَلَعْنَ عَلَيْهِمْ طَلْعَةً يَعْرِفُونَها

لهَا غُرَرٌ مَا تَنْقَضِي وَحُجُولُ

تَمَلُّ الحُصُونُ الشُّمُّ طُولَ نِزالِنَا

فَتُلْقي إلَيْنَا أهْلَهَا وَتَزُولُ

وَبِتْنَ بحصْنِ الرّانِ رَزْحَى منَ الوَجى

وَكُلُّ عَزيزٍ للأمِيرِ ذَلِيلُ

وَفي كُلِّ نَفْسٍ ما خَلاهُ مَلالَةٌ

وَفي كُلِّ سَيفٍ ما خَلاهُ فُلُولُ

وَدُونَ سُمَيْساطَ المَطامِيرُ وَالمَلا

وَأوْدِيَةٌ مَجْهُولَةٌ وَهُجُولُ

لَبِسْنَ الدّجَى فيها إلى أرْضِ مرْعَشٍ

وَللرّومِ خَطْبٌ في البِلادِ جَليلُ

فَلَمّا رَأوْهُ وَحْدَهُ قَبْلَ جَيْشِهِ

دَرَوْا أنّ كلَّ العالَمِينَ فُضُولُ

وَأنّ رِمَاحَ الخَطّ عَنْهُ قَصِيرَةٌ

وَأنّ حَديدَ الهِنْدِ عَنهُ كَليلُ

فأوْرَدَهُمْ صَدْرَ الحِصانِ وَسَيْفَهُ

فَتًى بأسُهُ مِثْلُ العَطاءِ جَزيلُ

جَوَادٌ عَلى العِلاّتِ بالمالِ كُلّهِ

وَلَكِنّهُ بالدّارِعِينَ بَخيلُ

فَوَدّعَ قَتْلاهُمْ وَشَيّعَ فَلَّهُمْ

بضَرْبٍ حُزُونُ البَيضِ فيهِ سُهولُ

على قَلْبِ قُسْطَنْطينَ مِنْهُ تَعَجّبٌ

وَإنْ كانَ في ساقَيْهِ مِنْهُ كُبُولُ

لَعَلّكَ يَوْماً يا دُمُسْتُقُ عَائِدٌ

فَكَمْ هارِبٍ مِمّا إلَيْهِ يَؤولُ

نَجَوْتَ بإحْدَى مُهْجَتَيْكَ جرِيحةً

وَخَلّفتَ إحدى مُهجَتَيكَ تَسيلُ

أتُسْلِمُ للخَطّيّةِ ابنَكَ هَارِبًا

وَيَسْكُنَ في الدّنْيا إلَيكَ خَليلُ

بوَجْهِكَ ما أنْساكَهُ مِنْ مُرِشّةٍ

نَصِيرُكَ منها رَنّةٌ وَعَوِيلُ

أغَرّكُمُ طولُ الجُيوشِ وَعَرْضُهَا

عَليٌّ شَرُوبٌ للجُيُوشِ أكُولُ

إذا لم تَكُنْ للّيْثِ إلاّ فَريسَةً

غَذاهُ وَلم يَنْفَعْكَ أنّكَ فِيلُ

إذا الطّعْنُ لم تُدْخِلْكَ فيهِ شَجاعةٌ

هيَ الطّعنُ لم يُدخِلْكَ فيهِ عَذولُ

وَإنْ تَكُنِ الأيّامُ أبْصَرْنَ صَوْلَهُ

فَقَدْ عَلّمَ الأيّامَ كَيفَ تَصُولُ

فَدَتْكَ مُلُوكٌ لم تُسَمَّ مَوَاضِيًا

فإنّكَ ماضِي الشّفْرَتَينِ صَقيلُ

إذا كانَ بَعضُ النّاسِ سَيفًا لدَوْلَةٍ

فَفي النّاسِ بُوقاتٌ لهَا وطُبُولُ

أنَا السّابِقُ الهادي إلى ما أقُولُهُ

إذِ القَوْلُ قَبْلَ القائِلِينَ مَقُولُ

وَما لكَلامِ النّاسِ فيمَا يُريبُني

أُصُولٌ ولا للقائِليهِ أُصُولُ

أُعَادَى على ما يُوجبُ الحُبَّ للفَتى

وَأهْدَأُ وَالأفكارُ فيّ تَجُولُ

سِوَى وَجَعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ

إذا حلّ في قَلْبٍ فَلَيسَ يحُولُ

وَلا تَطْمَعَنْ من حاسِدٍ في مَوَدّةٍ

وَإنْ كُنْتَ تُبْديهَا لَهُ وَتُنيلُ

وَإنّا لَنَلْقَى الحادِثاتِ بأنْفُسٍ

كَثيرُ الرّزايا عندَهنّ قَليلُ

يَهُونُ عَلَيْنَا أنْ تُصابَ جُسُومُنَا

وَتَسْلَمَ أعْراضٌ لَنَا وَعُقُولُ

فَتيهاً وَفَخْرًا تَغْلِبَ ابْنَةَ وَائِلٍ

فَأنْتِ لخَيرِ الفاخِرِينَ قَبيلُ

يَغُمُّ عَلِيّاً أنْ يَمُوتَ عَدُوُّهُ

إذا لم تَغُلْهُ بالأسِنّةِ غُولُ

شَريكُ المَنَايَا وَالنّفُوسُ غَنيمَةٌ

فَكُلُّ مَمَاتٍ لم يُمِتْهُ غُلُولُ

فإنْ تَكُنِ الدّوْلاتُ قِسْماً فإنّهَا

لِمَنْ وَرَدَ المَوْتَ الزّؤامَ تَدُولُ

لِمَنْ هَوّنَ الدّنْيا على النّفسِ ساعَةً

وَللبِيضِ في هامِ الكُماةِ صَليلُ






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب