X
X


موقع اقرا » الآداب » أشعار وأدباء » أجمل قصائد نزار قباني

أجمل قصائد نزار قباني

أجمل قصائد نزار قباني


قصيدة: كلمات

يُسمعني حـينَ يراقصُني

كلماتٍ ليست كالكلمات

يأخذني من تحـتِ ذراعي

يزرعني في إحدى الغيمات

والمطـرُ الأسـودُ في عيني

يتساقـطُ زخاتٍ، زخات

يحملـني معـهُ، يحملـني

لمسـاءٍ ورديِ الشُّرفـات

وأنا كالطّفلـةِ في يـدهِ

كالرّيشةِ تحملها النّسمـات

يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ

بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات

يهديني شمسـًا، يهـديني

صيفًا، وقطيـعَ سنونوَّات

يخـبرني أنّي تحفتـهُ

وأساوي آلافَ النّجمات

و بأنّـي كنـزٌ، وبأنّي

أجملُ ما شاهدَ من لوحات

يروي أشيـاءَ تدوّخـني

تنسيني المرقصَ والخطوات

كلماتٍ تقلـبُ تاريخي

تجعلني امرأةً في لحظـات

يبني لي قصـرًا من وهـمٍ

لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات

وأعودُ، أعودُ لطـاولـتي

لا شيءَ معي، إلّا كلمات[١]

قصيدة: رسالة حبّ صغيرة

حبيبتي، لديَّ شيءٌ كثيرْ

أقولُهُ، لديَّ شيءٌ كثيرْ
من أينَ ؟ يا غاليتي أَبتدي
وكلُّ ما فيكِ أميرٌ، أميرْ
يا أنتِ يا جاعلةً أَحْرُفي
ممّا بها شَرَانِقاً للحريرْ
هذي أغانيَّ و هذا أنا
يَضُمُّنا هذا الكِتابُ الصّغيرْ
غداً إذا قَلَّبْتِ أوراقَهُ
واشتاقَ مِصباحٌ وغنّى سرير
واخْضَوْضَرَتْ من شوقها أحرفٌ
وأوشكتْ فواصلٌ أن تطيرْ
فلا تقولي: يا لهذا الفتى
أخْبرَ عَنّي المنحنى و الغديرْ
واللّوزَ، والتّوليبَ حتّى أنا
تسيرُ بِيَ الدّنيا إذا ما أسيرْ
و قالَ ما قالَ فلا نجمةٌ
إلاّ عليها مِنْ عَبيري عَبيرْ
غداً يراني النّاسُ في شِعْرِهِ
فَمَاً نَبيذِيّاً، وشَعْراً قَصيرْ
دعي حَكايا النّاسِ لَنْ تُصْبِحِي
كَبيرَةً إلّا بِحُبِّي الكَبيرْ
ماذا تصيرُ الأرضُ لو لم نكنْ
لو لَمْ تكنْ عَيناكِ، ماذا تصيرْ؟[٢]

قصيدة: خمس رسائل إلى أمّي

صباحُ الخيرِ يا حلوة
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّة
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النّعناعِ والزّعتر
وليلكةً دمشقيّة
أنا وحدي
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ
تفتّشُ –بعدُ- عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التّعبِ
وطفتُ الهندَ، طفتُ السّندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمّي
أيا أمّي
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ، فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ
تلكَ الطّفلةُ الطّفلة
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها
ويطعمها
ويغمرها برحمتهِ
وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ
وتسألُ عن جريدتهِ
وتسألُ –حينَ يأتي الصّيفُ-
عن فيروزِ عينيه
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ
دنانيراً منَ الذّهبِ
سلاماتٌ
سلاماتٌ
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرّحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ، فرحةِ (ساحةِ النّجمة)
إلى تختي
إلى كتبي
إلى أطفالِ حارتنا
وحيطانٍ ملأناها
بفوضى من كتابتنا
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرّشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامانِ يا أمي
ووجهُ دمشقَ
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا
وينقرنا
برفقٍ من أصابعنا
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ
قد زُرعت بداخلنا
كأنَّ مشاتلَ التّفاحِ
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا
أتى أيلولُ يا أماهُ
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلولُ، أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ؟
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرّحمنُ مثواهُ
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشّمشيرِ
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ.[٣]

قصيدة:لا بد أن أستأذن الوطن

يا صديقتي
في هذه الأيام يا صديقتي
تخرج من جيوبنا فراشة صيفيّة تُدعى الوطن
تخرج من شفاهنا عريشة شامية تُدعى الوطن
تخرج من قمصاننا
مآذن، بلابل، جداول، قرنفل، سفرجل
عصفورة مائيّة تُدعى الوطن.
أريد أن أراك يا سيدتي
لكنّني أخاف أن أجرح إحساس الوطن
أريد أن أهتف إليك يا سيّدتي
لكنّني أخاف أن تسمعني نوافذ الوطن
أريد أن أمارس الحبّ على طريقتي
لكنّني أخجل من حماقتي
أمام أحزان الوطن.[٤]

قصيدة: القصيدة الدمشقيّة

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ

إنّي أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدي
لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
و لو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا
وما لقلـبي –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ
ألا تزال بخير دار فاطمة
فالنّهد مستنفرٌ والكحل صبّاح
إنّ النّبيذ هنا نارٌ مُعطّرة
فهل عيون نساء الشّام أقداح
مآذنُ الشّـامِ تبكـي إذ تعانقـني
وللمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمـينِ حقـولٌ في منازلنـا
وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا
فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ" منتظرٌ
ووجهُ “فائزةٍ” حلوٌ و لمـاحُ
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغـتي
فكيفَ أوضحُ؟ هل في العشقِ إيضاحُ؟
كم من دمشقيةٍ باعـت أسـاورَها
حتّى أغازلها والشّعـرُ مفتـاحُ
أتيتُ يا شجرَ الصفصافِ معتذراً
فهل تسامحُ هيفاءٌ ووضّـاحُ؟
خمسونَ عاماً وأجزائي مبعثرةٌ
فوقَ المحيطِ وما في الأفقِ مصباحُ
تقاذفتني بحـارٌ لا ضفـافَ لها
وطاردتني شيـاطينٌ وأشبـاحُ
أقاتلُ القبحَ في شعري وفي أدبي
حتّى يفتّـحَ نوّارٌ وقـدّاحُ
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ؟
أليسَ في كتبِ التّاريخِ أفراحُ؟
والشّعرُ ماذا سيبقى من أصالتهِ؟
إذا تولاهُ نصَّـابٌ ومـدّاحُ؟
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا؟
وكلُّ ثانيـةٍ يأتيـك سـفّاحُ؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشّعرِ يبقى حينَ يرتاحُ؟[٥]

قصيدة: على دفتر

سأجمع كلّ تاريخي
على دفتر
سأرضع كلّ فاصلة
حليبَ الكلمةِ الأشقرْ
سأكتبُ لا يهمُ لمنْ
سأكتبُ هذه الأسطرْ
فحسبي أن أبوح هُنا
لوجه البَوْح لا أكثَرْ
حروفٌ لا مباليةٌ
أبعثرها
على دفترْ
بلا أملٍ بأن تبقى
بلا أملٍ بأن تُنشرْ
لعلَّ الرّيحَ تحملُها
فتزرع في تنقّلها
هنا حرجاً من الزّعترْ
هنا كرْماً
هنا بيدرْ
هنا شمساً
وصيفاً رائعاً أخضرْ
حروفٌ سوف أفرطها
كقلب الخَوخة الأحمرْ
لكلّ سجينة تحيا
معي في سجني الأكبرْ
حروفٌ
سوف أغرزها
بلحم حياتنا خنجرْ
لتكسر في تمرّدها
جليداً
كان لا يُكْسر
لتخلعَ قفلَ تابوتٍ
أُعِدَّ لنا لكي نُقْبَرْ
كتاباتٌ أقدّمها
لأية مهجةٍ تشعُرْ
سيسعدني إذا بقيتْ
غداً مجهولةَ المصدرْ.[٦]

قصيدة: أحاول إنقاذ آخر أنثى قبيل وصول التتار

أَعُدُّ فناجينَ قهوتِنَا الفارغاتِ
وأمضَغُ
آخرَ كَسْرَةِ شِعْرٍ لديَّ
وأضربُ جُمْجُمَتي بالجدارْ
أعُدُّكِ جُزءاً فجزءاً
قُبيلَ انسحابكِ منّي، وقَبْلَ رحيلِ القطارْ.
أعُدُّ أناملكِ النّاحلاتِ،
أعدُّ الخواتمَ فيها
أعدُّ شوارعَ نَهْدَيكِ بيتاً فبيتاً
أعُدُّ الأرانبَ تحت غِطاءِ السّريرِ
أعدُّ ضلوعَكِ، قبلَ العِناقِ وبعدَ العناقِ
أعُدُّ مسَاَمات جِلْدِكِ قبل دُخُولي، وبعد خُرُوجي
وقبلَ انتحاري
وبَعدَ انتحاري.
أعُدُّ أصابع رِجْلَيكِ
كي أتأكَّدَ أنّ الحريرَ بخيرٍ
وأنَّ الحليبَ بخيرٍ
وأنَّ بيانُو (مُوزارْتٍ) بخيرٍ
وأنَّ الحَمَام الدمشقيَّ
ما زالَ يلعبُ في صحن داري.
أعُدُّ تفاصيلَ جِسمِكِ
شِبراً فشِبرا
وبَرَّاً وبَحْرا
وساقاً وخَصْرا
ووجهاً وظهرا
أعُدُّ العصافيرَ
تسرُقُ من بين نَهْدَيْكِ
قمْحاً، وزهْرَا
أعُدُّ القصيدةَ، بيتاً فبيْتاً
قُبيْلَ انفجار اللُّغاتِ،
وقبلَ انفجاري.
أحاولُ أن أتعلَقَ في حَلْمَة الثدْيَ،
قبل سُقوط السَّمَاء عليَّ،
وقبل سُقُوط السِّتَارِ.
أُحاولُ إنقاذَ آخرِ نهْدٍ جميلٍ
وآخرِ أُنثى
قُبيلَ وُصُولِ التَّتَارِ
أقيس مساحةَ خَصْركِ
قبل سُقُوط القذيفةِ فوق زجاج حُرُوفي
وقبلَ انْشِطاري
أقيسُ مساحةَ عِشقي فأفشلُ
كيفَ بوسع شراعٍ صغيرٍ
كقلبي
اجتيازَ أعالي البِحَارِ؟
أقيسُ الذي لا يُقاسُ
فيا امرأةً من فضاء النُّبُوءَاتِ
هل تقبلينَ اعتذراي؟
أعُدُّ قناني عُطُوركِ فوق الرُّفُوفِ
فتجتاحُني نَوْْبةٌ من دُوارِ
وأُحصِي فساتينكِ الرّائعاتِ
فأدخُلُ في غابةٍ
من نُحاسٍ ونارِ
سَنَابلُ شَعرِكِ تُشْبِهُ أبعادَ حُرّيتي
وألوانُ عَيْنَيْكِ
فيها انْفِتَاحُ البَرَاري.
:أيا امرأةً لا أزالُ أعدُّ يديها
وأُخطئُ
بينَ شُرُوق اليدينِ وبينَ شُرُوق النَّهَارِ
أيا ليتَني ألتقيكِ لخَمْسِ دقائقَ
بين انْهِياري وبينَ انْهِياري
هي الحَرْبُ تَمْضَغُ لحمي ولَحْمَكِ
ماذا أقولُ؟
وأيُّ كلامٍ يليقُ بهذا الدَّمَارِ؟
أخافُ عليكِ، ولستُ أخافُ عليَّ
فأنتِ جُنُوني الأخيرُ
وأنتِ احتراقي الأخيرُ
وأنتِ ضريحي وأنتِ مَزَاري
:أعُدُّكِ
بدءاً من القُرْطِ، حتَّى السِّوارِ
ومن منبع النَّهْرِ حتّى خليجِ المَحَارِ
أعدُّ فناجينَ شهوتنا
ثمّ أبدأُ في عَدِّها من جديدٍ.
لعلّي نسيتُ الحسابَ قليلاً
لعلّي نسيتُ الحسابَ كثيراً
ولكنّني ما نسيتُ السّلامَ

كعلى شجر الخَوْخ في شفتيكِ

ورائحةِ الوردِ، والجلَّنارِ.
:أُحبُّكِ
يا امرأةً لا تزال معي في زمان الحصارِ
أُحبُّكِ
يا امرأةً لا تزالُ تقدِّمُ لي فَمَها وردةً
في زمانِ الغُبَارِ.
أحبُّكِ حتّى التقمُّصِ، حتّى التوحُّدِ،
حتّى فَنَائيَ فيكِ، وحتّى اندثاري.
أُحِبُّكِ
لا بُدَّ لي أن أقولَ قليلاً من الشّعرِ
قبلَ قرارِ انتحاري.
أُحبُّكِ
لا بُدَّ لي أن أحرِّرَ آخرَ أُنثى
قُبيلَ وصول التَّتَارِ.[٧]

المراجع

  1. “كلمات”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  2. “رسالة حب صغيرة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  3. “خمس رسائل إلى أمي “، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  4. “لا بد أن أستأذن الوطن”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  5. “القصيدة الدمشقية”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  6. “على دفتر”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.
  7. “أحاول إنقاذ”، ديوان، اطّلع عليه بتاريخ 26/4/2022.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب