نشأة الفلسفة الحديثة

نشأة الفلسفة الحديثة

إن الفلسفة الحديثة هي الفلسفة التي تم تدشينها مع الفيلسوف رينيه ديكارت، ويؤرخ لها أنها بدأت مع فتح القسطنطينية عام 1453م، وما تلاه من انهيار الإمبراطورية الرومانية، فهاجر العلماء والفلاسفة إلى إيطاليا، وأصبحت المنارة التي يجتمعون فيها، ويكتبون فيها مؤلفاتهم، وتكوين نسيج فكري جديد، أما الفيصل الحقيقي للفلسفة الحديثة هو حضور الذات في الخطاب الفلسفي.[١]

فالفلسفة في العصور الوسطى كانت تتميز بطابع ديني، وكنسي، وأغلب الفلاسفة كانوا رجال دين في الأصل، ومعظم محاولاتهم كانت تصب في مصلحة المؤسسة الدينية واللغة التي كانت سائدة للإنتاج الفكري هي اللاتينية، ومن المعروف أنها لغة النخب من المثقفين، ورجال الدين ولم تكن متاحة إلى عامة الناس، لذلك بدأ التحرر من سلطة الكنيسة ورجال الدين.[١]

تيارات الفلسفة الحديثة

تميزت الفلسفة الحديثة بمرافقتها للتطور العلمي، والمنهجي، فالعلوم الطبيعة تقدمت واستقلت عن الفلسفة، وترتب على نتائج البحوث العلمية والاكتشافات التي اكتشفها العلماء أنه لا بد من إحداث تغيير في العلوم الإنسانية، وأهمها الفلسفة، والأثر الكبير الذي ترتب على ذلك هو انقسام الفلاسفة إلى تيارين، ويعدان من أهم التيارات الفلسفية في الفلسفة الحديثة، وهذان التياران هما:[١]

• التيار العقلاني: ويعد رائده رينيه ديكارت رائد الفلسفة الحديثة، ولقب بأبي الفلسفة الحديثة، وما يميز التيار العقلاني هو اعتماده على العقل كمصدر أساسي للمعرفة البشرية، فالفلاسفة العقلانيون لا يعتقدون بأن الحواس تمكن الإنسان من تحصيل المعارف.[٢]
• التيار التجريبي: يعد التيار التجريبي التيار الرديف لتطور العلوم الطبيعية، وذلك لأن المنهج العلمي هو المنهج الذي يعتمد على التجارب، والحواس هي المدخل له، فالملاحظات تؤخذ من خلالها، وما يميز الفلاسفة التجريبيين عمومًا هو ابتعادهم عن التجريدات والميتفيزيقا، فغالبًا ما تتميز كتاباتهم بالمرونة.[٢]

أهم فلاسفة الفلسفة الحديثة

تتميز الفلسفة الحديثة بزخم الإنتاج الفلسفي فيها، وظهر العديد من الفلاسفة الذين كان لهم تأثير كبير في تاريخ الفلسفة، وحتى يومنا هذا، ومن أهم هؤلاء الفلاسفة:

ديكارت

يعد ديكارت أول الفلاسفة في العصور الحديثة، وغالبًا ما يرتبط اسمه بالعديد من القضايا المفصلية في الفلسفة، أولها الشك الديكارتي، وذلك لأنه أكد على سلطة العقل واستقلاليته، فشمل به كل شيء، بمعنى أنه شكك في كل المعارف السابقة ليؤسس للمعارف الحقيقية، وكنتيجة أولية للشكك، توصل إلى ما يعرف بالكوجيتو الديكارتي وهو “أنا أفكر إذن أنا موجود”.[٢]

ومفاد الكوجيتو هو أنه مهما شك الإنسان في معارفه إلا أنه لا يمكن له أن يشك في أن هنالك ذات تشك وتفكر، ومن خلاله أثبت وجود الأنا في الخطاب الفلسفي الغربي، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة قصد بها أن الإنسان يستطيع أن يثق بذاته وقدرتها على الاستنباط والتحليل بمعزل عن أي سلطة، ويلاحظ أن ديكارت دعا الباحث إلى عدم الالتفات إلى الحواس كمصدر للمعرفة، وذلك لأنه تضلل الباحث، فقد تظهر الأشياء بأبعاد مختلفة.[٢]

قواعد المنهج الديكارتي

على الرغم من الانتقادات التي وجهت لنظريته إلا أنه كان له دور في تدشين قواعد المنهج الديكارتي، وهذه القواعد هي:[٢]

• عدم التسليم بأي فكرة على أنها حقيقة إلا إذا تم التأكد من ذلك.
• تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة؛ وذلك لتسهيل حلها.
• إعادة تركيب أقسام البحث تدريجياً.
• إجراء الإحصاءات الشاملة والمراجعات لتدقيق البحث.

جون لوك

يعد جون لوك من رواد التيار التجريبي، وله إسهامات كبيرة في الفلسفة السياسية، كما أنه لقب بأبي الليبرالية، فأغلب أبحاثة كانت تدور حول ضرورة قيام العقد الاجتماعي للتأسيس للدولة الحديثة والمجتمع المدني، وهذا العقد يحمي المواطنين ويصون حقوقهم وحرياتهم، وكتب رسالة في التسامح مفادها أن على الإنسان أن يتسامح مع اختلاف الآخرين ممن لا يتوافقون معه في المعتقدات.[٣]

لكن جون لوك أكد من خلال نظريته في المعرفة على أن العقل صفحة بيضاء، وبالتالي لا يوجد أي أفكار سابقة أو أولية، وهذا رد على أن التيار العقلاني يعتقد مفكروه بأن هنالك أفكارًا فطرية تسبق التجارب، والمعاني الإنسانية.[٤]

المعاني الإنسانية

تنقسم إلى قسمين، وهما:[٤]

• المعاني البسيطة: وهي المعاني المكتوبة من التجارب وتتميز بكونها مباشرة، وتتضمن عدة أنواع، مثل المعاني المحسوسة، والمعاني المدركة باطنًا، والمعاني المحسوسة والمدركة معًا وفي ذات الوقت.
• المعاني المركبة: وهي المعاني التي ترجع إلى التفكير، وتتميز بدور الذات في إنتاجها.

المراجع

1. ^ أ ب ت يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة، صفحة 9-10. بتصرّف.
2. ^ أ ب ت ث ج يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة، صفحة 70-72. بتصرّف.
3. ↑ جون دن، جون لوك مقدمة قصيرة جدًا، صفحة 28-30.
4. ^ أ ب يوسف كرم ، تاريخ الفلسفة الحديثة، صفحة 149-150. بتصرّف.