X
X


موقع اقرا » الآداب » حكم وعبارات وشخصيات أدبية » نبذة عن عبد الملك بن هشام

نبذة عن عبد الملك بن هشام

نبذة عن عبد الملك بن هشام


عبد الملك بن هشام

هو الإمام العلّامة النحويّ الأخباريّ عبد الملك بن هشام بن أيّوب الذهلي السدوسي، وقيل الحميري، المعافري البصري، وكنيته أبو محمد، نزيل الديار المصريّة، جاءت شهرته الكبرى من تهذيبه لسيرة ابن إسحاق التي سمعها من زياد بن عبد الله البكّائي الذي كان أحد أصحاب ابن إسحاق، وهو ممّن روى سيرة ابن إسحاق وقد أخذها عنه ابن هشام،[١] وكان من تلامذة زياد البكّائي الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه،[٢] وقد خفّف ابن هشام من أشعار سيرة ابن إسحاق حين هذّبها، وقد رواها عنه -أي سيرة ابن إسحاق- جماعة من الناس منهم أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ابن البرقي وأخوه وغيرهما، ويرى الإمام الذهبي أنّه ذهلي وليس حميري، ويروي الإمام الذهبي عن الإمام الدارقطني أنّ ابن هشام التقى الإمام الشافعي في مصر فأُعجب به وقال: “ما ظننتُ أن اللهَ خلَقَ مثل الشافعي”، توفي سنة 218هـ، وسيقف المقال فيما يأتي مع نُبَذٍ من حياة ابن هشام.[٣]

حياة عبد الملك بن هشام

ولد ابن هشام في البصرة أثناء الخلافة العبّاسيّة، والعراق حينها كان قبلة العلماء وطلّاب العلم، فنشأ في إحدى حواضر العالم الإسلامي آنذاك، ولم يذكر مصدر من المصادر التي أرّخت لحياة ابن هشام تاريخ ميلاده، ولكنّهم ذكروا يوم وفاته، وهذا حال كثير من العلماء قديمًا ممّن لم تذكر المصادر تاريخ ميلادهم، ولكنّهم ذكروا تاريخ وفاته، فيمكن إذا علم المرء عمره عند الوفاة أن يرجّح سنة ميلاده، وقد ارتحل ابن هشام في طلب العلم كثيرًا، ولكن أبرز محطّتين وقف فيهما ابن هشام هما مصر والبصرة؛ إذ بعد البصرة سافر ابن هشام إلى مصر ومن هنا يحصره عدد من المؤرّخين بين البصرة ومصر، وهذا خطأ والصواب أنّه قد تنقّل في غير مكان، ولكن ربّما لأنّه قد أقام في مصر كثيرًا فإنّهم يعتقدون ذلك الاعتقاد، ولكن في عصر ابن هشام كان العلم يؤخذ بالسّماع عن الشيخ، ولذلك فلا غنى لطالب العلم عن السّماع، وكذلك لا يعقل أن يكون ابن هشام قد اكتفى بمصر والبصرة وترك باقي حواضر العالم الإسلامي التي كانت تموج بالعلماء.[٤]

كان ابن هشام عالمًا بالنحو وباللغة وبالأنساب وبأخبار العرب، وكان من الأئمّة باللغة العربيّة، وكان يحفظ كثيرًا من أشعار العرب حتى إنّه حين التقى الإمام الشافعي في مصر تذاكرا كثيرًا من الأشعار، وهو الذي قد هذّب سيرة ابن إسحاق، والتهذيب يقال له اليوم التلخيص، وفيما بعد جاء السهيلي وشرح السيرة النبويّة التي هذّبها ابن هشام، وسمّى السهيلي كتابه “الروض الأُنُف في شرح السيرة النبوية لابن هشام”، والسيرة هي لابن إسحاق وابن هشام إنّما كان مهذّبًا لها، فنسبت لابن هشام من باب نسبة التهذيب إليه لا التأليف، وكتابه “سيرة ابن هشام” هو أشهر مؤلّفاته على الإطلاق وقد طُبع عدّة طبعات وما يزال.[٤]

إنجازات عبد الملك بن هشام

تقف هذه الفقرة مع بعض الكتب والمؤلفات التي ذكرتها الكتب التي ترجمت لابن هشام؛ إذ مان ابن هشام على علم جم يشهد له فيه أكثر أهل العلم الذين اشتغلوا بالتراجم، فيقول عنه ابن العماد الحنبلي: “كان أديبًا أخباريًّا نسّابة”، وقال عنه ابن كثير الدمشقي رحمه الله ورضي عنه: “أبو محمد عبد الملك بن هشام راوي السيرة، وإنّما نُسبت إليه فيُقال: سيرة ابن هشام؛ لأنّه هذّبها وزاد فيها ونقّص منها وحرّر أماكن واستدرك أشياء، وكان إمامًا في اللغة والنحو”، وكذلك قال عنه أبو القاسم السهيلي صاحب الروض الأُنُف: “إنّه مشهور بحمل العلم، متقدّم في علم النسب والنحو”،[مرجع] ولابن هشام كتب كثيرة وإن كان قد اشتُهِرَ بتهذيبه سيرة ابن إسحاق، إلّا أنّ العلماء ذكرو له كتبًا كثيرة منها كتاب “القصائد الحِميَريّة”، وهو كتاب وضعه في أخبار اليمن وملوكها في الجاهليّة، وكتاب “شرح ما وقع في أشعار السير من غريب”، والكتاب واضح من اسمه أنّ موضوعه هو شرح الشعر الغريب الذي يقع في كتب السير، بالإضافة لكتاب في أنساب حِمْيَر وملوكها،[٤] ومن كتبه كذلك كتابه الأشهر بعد تهذيبه للسيرة هو كتاب التيجان.

كتاب التيجان

ولهذا الكتاب أسماء منها كتاب التيجان لمعْرِفَة مُلُوك الزَّمَان، ومنها التيجان في ملوك حِميَر، وهذا الاسم الأخير موجود على النسخة المطبوعة التي حققها الدكتور عبد العزيز المقالح، وهو كتاب يجمع بين الوقائع التاريخية والوقائع والقصص الدينية والخرافة والأسطورة، فيه كثير من الإسرائيليات وبالذات فيما يتعلق بقصص الأنبياء منذ عهد آدم عليه السلام، والقتال بين أبناء نوح عليه السلام، وفيه شيء عن تاريخ اليمن، ويرى محققه أنّه ما من فائدة تاريخيّة ترجى منه وإنّما يأتي الاهتمام به والحرص عليه من أنّه “كتابٌ فنيٌّ يسجّل ميلاد فجر القصة العربية وطريقة روايتها”.[٥]

السيرة النبوية لابن هشام

من أهمّ مؤلّفات عبد الملك بن هشام هو كتابه المعروف بسيرة ابن هشام؛ وهو كتاب يجمع مغازي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وسيرته التي جمعها قبلًا ابن إسحاق، وعندما فُقِد كتاب ابن إسحاق ولم يبقَ سوى الكتاب الذي قد هذّبه ابن هشام صار الكتاب يُعرف باسم سيرة ابن هشام، إلّا أنّ ابن هشام ليس له من الكتاب سوى التهذيب وبعض الإضافات الأخرى ستأتي الفقرات القادمة على ذكرها.[٦]

التعريف بكتاب سيرة ابن هشام

إنّ العرب في الجاهليّة لم يكن معروفًا عندهم اشتغالهم بالتاريخ كما الحال التي صار إليها المسلمون في صدر الإسلام ثمّ في العصور الإسلاميّة التي تلته، فكان ما يعرفونه عن التاريخ هو مفاخر آبائهم وأجدادهم من الكرم والجود والوفاء وغير ذلك من مكارم الأخلاق التي كانوا يفخرون بها، وأيّامهم وأنسابهم وأحلافهم، وكذلك ما جاء من أخبار عن البيت الحرام وسدنته، وأيضًا ما جاء من أخبار في بئر زمزم وانبعاثها وهلم جرًّا، وكذلك أخبار جرهم وسدّ مأرب وتفرّق القوم من بعده، وغير ذلك من أخبارهم التي تبرز حياتهم الدينية والاجتماعيّة والسياسية في ذلك الوقت، ثمّ جاء الإسلام فصار المسلمون يتناقلون حياة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبعثته وما سبق ذلك من إرهاصات سبقت نزول الوحي عليه صلّى الله عليه وسلّم؛ ذلك أنّهم وجدوا فيها مادّة غزيرة حقيقة بالروي وبالبحث فيها، وكلّ هذا من طريق الرواية فقط لا الكتابة؛ ذلك أنّه قد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حديث يقول فيه: “لا تكتُبوا عنِّي إلَّا القُرآنَ فمَن كتَب عنِّي شيئًا فلْيَمْحُه”،[٧] وكان ذلك خشية اختلاط الحديث بالقرآن الكريم.[٨]

ولكن هذا النهي كان مؤقتًا كما يرى العلماء، وهو في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ عندما جاء عصر الإمام المجدّد الأوّل عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- استخار ربه أربعين يومًا -كما يُروى عنه- في تدوين الحديث النبوي، فسمح لأبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم في ذلك، وكان أبو بكر قاضيًا قد ولي المدينة المنوّرة، وكذلك أمَرَ أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- ابن شهاب الزهري أن يدوّن حديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ففعل، وهكذا بدأت كتب الحديث تُكتب شيئًا فشيئًا، ثمّ صار كتّاب الحديث يُفردون أبوابًا في كتبهم عن ذكر مولد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأخبار بعثته وغزواته وغير ذلك، وكذلك قد جاء من يؤلّف في التاريخ ويهتم بحياة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ويؤرّخ لها، ومن هنا جاءت فكرة التأليف في السّير والمغازي، فيذكر المؤرّخون أنّ أوّل من كتب في السيرة النبويّة هو عروة بن الزبير بن العوّام رضي الله عنهما، وكذلك أبان بن عثمان بن عفّان ووهب بن منبه وشرحبيل بن سعد وابن شهاب الزُّهري وعبد الله بن أبي بكر بن حزم رضي الله عنه، وهؤلاء جميعًا قد بادت كتبهم واختفت.[٩]

ثمّ جاء بعدهم طبقة أخرى من المؤلفين كان بينهم موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة الأشهر التي هذبها ابن هشام، فكانت سيرة ابن إسحاق أوثق هذه الكتب وأعلاها وأشهرها، ثمّ بعد ابن إسحاق بنحو خمسين عامًا جاء ابن هشام الذي هذّب سيرة ابن إسحاق وقد سمع سيرة ابن هشام سيرة ابن إسحاق من أستاذه زياد البكّائي، فجاء ابن هشام بكتاب محمد بن إسحاق في السيرة النبويّة فتناوله بالتحرير والاختصار والإضافة والنقد ومقارنة روايات ابن إسحاق بروايات علماء آخرين، وكان ابن هشام ملتزمًا الأمانة والدقة والحرص على المجيء بعبارات ابن إسحاق كما هي، وكلّ ما كان من إضافات من ابن هشام صدّرها بقوله “قال ابن هشام” للتفريق بينها وبين النص الأصلي الذي هو لابن إسحاق، وستقف الفقرة القادمة مع تبيين منهج ابن هشام في تهذيبه لسيرة ابن إسحاق.[١٠]

منهج ابن هشام في كتاب السيرة النبوية

لقد أوضح ابن هشام منهجه في سيرته في مقدمة الكتاب حين ذكر أنّه سيبدأ الكتاب بالحديث عن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، فهو إذًا يترك ما جاء قبله من عهد آدم إلى عهد إسماعيل -عليهما السلام- على سبيل الاختصار، ويوضّح بن هشام منهجه بالحذف بقوله: “تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر ولا نزل فيه من القرآن شيء وليس سببًا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرًا له ولا شاهدًا عليه”، وكذلك يقول ابن هشام إنّه حذف أشعارًا لم تثبت صحتها عند أهل العلم وأشياء كذلك “بعضها يشنُع الحديث به، وبعض يسوء بعضَ الناس ذكرُه، وبعض لم يقر لنا البكّائي بروايته” كما يقول ابن هشام،[٦] فإذًا ابن هشام له منهج واضح في الحذف قد أوضحه في مقدمته لتهذيبه لسيرة ابن إسحاق، وكذلك رصد العلماء لابن هشام منهجًا في تهذيبه لسيرة ابن إسحاق؛ ومن ذلك:[١١]

  • الدقة والأمانة والحرص على الصدق في النقل عن البكّائي.
  • يدعم رواياته بالاعتماد على القرآن الكريم على أنّه مصدرٌ رئيسٌ.
  • اعتماده منهج الاستقصاء.
  • التسلسل في العرض والترتيب.
  • تحديد الأماكن والمواقع الجغرافية بدقة، وهذا يدل على سعة علمه واطلاعه.
  • الحرص على استخدام النسب.
  • تصدير الإضافات بما يَفهم القارئ من خلاله أنّ هذه من إضافات ابن هشام، فيقول في بداية كل كلام من إضافته: “قال ابن هشام”.
  • كان يستشهد بالشعر والقرآن وكان يعلّق على ذلك بما يشعر القارئ بالمقدرة اللغوية الفائقة التي يمتلكها ابن هشام، ومن ذلك -مثلًا- تعليقه على بيت أبي طالب الذي يقول فيه:

وَثَوْرٍ وَمَنْ أَرْسَى ثَبِيرًا مَكَانَهُ وَرَاقٍ لِيَرْقَى فِي حِرَاءٍ وَنَازِلِ

فيقول ابن هشام: “وتقول العرب: التحنُّث والتحنف يريدون الحنفيَّة، فيُبدِلون الفاء من الثاء، كما قالوا: جدث، وجدف، يُريدون القبر”.

  • بالإضافة لذلك فقد أضاف ابن هشام كثيرًا من الأمور على سيرة ابن إسحاق ممّا لم يُذكر في سيرة ابن إسحاق.

المراجع[+]

  1. “سير أعلام النبلاء – الطبقة الحادية عشرة – عبد الملك بن هشام”، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  2. “زياد بن عبد الله البكائي”، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  3. شمس الدين الذهبي (2003)، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام (الطبعة 1)، بيروت:دار الغرب الإسلامي، صفحة 387، جزء 5.
  4. ^ أ ب ت أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (2000)، الروض الأُنُف في شرح السيرة النبوية لابن هشام – مقدمة المحقق (الطبعة 1)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 15، جزء 1. بتصرّف.
  5. عبد الملك بن هشام، التيجان في ملوك حِميَر (الطبعة 1)، صنعاء:مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صفحة 5. بتصرّف.
  6. ^ أ ب “سيرة ابن هشام”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.
  7. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:64، أخرج هذا الحديث ابن حبان في صحيحه.
  8. عبد السلام هارون (1985)، تهذيب سيرة ابن هشام (الطبعة 14)، الكويت:دار البحوث العلمية، صفحة 7. بتصرّف.
  9. عبد السلام هارون (1985)، تهذيب سيرة ابن هشام (الطبعة 14)، الكويت:دار البحوث العلمية، صفحة 8. بتصرّف.
  10. عبد السلام هارون (1985)، تهذيب سيرة ابن هشام (الطبعة 14)، الكويت:دار البحوث العلمية، صفحة 9. بتصرّف.
  11. “منهج ابن هشام (ت 218هـ) في السيرة النبوية”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-11. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب