نبذة عن دوستويفسكي

نبذة عن دوستويفسكي


الأدب الروسي

بدأ الأدب الروسي في القرن العاشر الميلادي دينيًا على شكل مواعظ وأناشيد للقديسين، ثم أخذ منحًا سياسيًا بعد هزيمة التتار وتوحد روسيا تحت سلطة موسكو، وشهد تطورًا كبيرًا في القرن السابع عشر بسبب الترجمة وتقليد الأدباء الغربيين، وتحت تأثير النماذج الغربية شهد منتصف القرن الثامن عشر ازدهارًا كبيرًا للمدرسة الكلاسيكية قبل سيطرة النّزعة العاطفية للمدرسة الرومنسية في أواخر الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ومع منتصف القرن التاسع عشر برز المذهب الواقعي الذي أعطى صورة عن الحياة من خلال دعوته للاصلاح الاجتماعي، مع دخول الفلسفة الاشتراكية ثم الرمزية؛ لتشهد بدايات القرن العشرين تضييقًا كبيرًا على الأدباء، وهذه نبذة عن دوستويفسكي أحد أعلام الأدب الروسي في القرن التاسع عشر.[١]

فيودور دوستويفسكي

فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفيسكي 1821-1881م هو الأخ الثاني من بين سبعة أبناء لطبيبٍ جراحٍ سريعِ الانفعال، مستبدّ، يتعاقر الخمر باستمرار، وقد سكنت العائلة في حيّ فقير، قريبًا من دار الأيتام، وبالقرب من مستشفى مجانين كان يقصدها فيودور للاستماع إلى قصص نزلائها، وقد ترك المكانان أثرًا كبيرًا في شخصيّة دوستويفسكي، إضافةً لتعرضه لنوبات صرع بدأت حين كان في التاسعة من عمره لتصيبه بعد ذلك في فترات متفرقة من حياته.[٢]

تمتّع دوستويفسكي بشهرة عالمية واسعة كواحد من أعظم أدباء روسيا، وقد تُرجمت أعماله إلى كثير من اللغات، وطبعت مئات المرات؛ لتكون أفكاره جزءًا مهمًا من التراث الإنساني الروحي، فهو المعروف بعناده في الدفاع عن مواقفه ومعتقداته، وقد لمح في نفسه الأديب الواعي، القادر على نقل الواقع، فلم يلتحق بأي وظيفة تناسب دراسته للهندسة، بل ترك الهندسة، وتقرب من الأدباء والنقّاد في كوكبة تناصر المدرسة الواقعية التي اشتهرت في منتصف القرن التاسع عشر، وقد أصدر دوستويفسكي في تلك المرحلة العديد من الأعمال الأدبية، كالمساكين والليالي البيضاء قبل أن ينضمّ لمجموعة أدبية سرّيّة لاحقتها الشرطة القيصرية الروسية حتى ألقت القبض عليها، ومن بينهم دوستويفيسكي الذي حُكم عليه بالإعدام، ثم أعفي من الحكم وهو يقف تحت حبل المشنقة؛ لينفى بعد ذلك في سيبيريا لأربع سنوات.[٣]

تحدّث دوستويفسكي عن تجربة وقوفه تحت حبل المشنقة في مشهد رهيب خلال روايته الأبله، وتناول مسألة إدمانه على المقامرة وتدهور حالته المادية في روايته المقامر، وفي المرحلة الأخيرة من حياته أثمرت معارفه وتجربته الإنسانية والأدبية نصوصًا فريدةً خالدة تحدث عنها الشارع الروسي، ووصلت للعالمية، ثم ازدادت شهرته بعد الخطاب الذي ألقاه في مراسم افتتاح تمثال الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين، وحين توفي دوستويفسكي سنة 1881 خرجت الحشود الكبيرة في جنازته؛ ليدفن في كتدرائية ألكسندر نيفسكي في بطرسبورع عاصمة الإمبراطورية الروسية آنذاك.[٣]

التجربة الأدبية لدوستويفسكي

نشر دوستويفسكي أولى تجاربه الأدبية عام 1846م بعنوان “الفقراء” التي وُصفت بأنها أولى الروايات الاجتماعية الروسية، وقد حققت مبيعات كبيرة جعلت دوستويفسكي محط أنظار رواد الأدب والنقد، ثم توالت بعد ذلك إصداراته الروائية وقصصه التي تصارع فيها الخير والشر والحقيقي والمزيّف؛ حتى غدا ظاهرةً أدبيةً فريدةً يحكي عنها جميع النّقاد على الرغم من ردائة أسلوبه على -حد وصف البعض- وضعف صياغته التي تبدو أحيانا أشبه بمجموعة خواطر على شكل رواية، وهو الأمر الذي يعترف به دوستويفسكي، ويبرره باضطراره للإسراع بنشر الروايات لتسديد الديون، لكن ذلك لم يؤثّر باعتراف الجميع في مدى عمق الرسائل الإنسانية التي يرسلها دوستويفسكي في نصوصه من خلال شخصياته التي يخلقها في غالب الأحيان من طبائع نفسية معقدة جدًا، فقد يكون البطل معتوهًا مليئًا بالعيوب أو شريرًا، أو قد تتصارع في عقله وقلبه قيمٌ روحيّةٌ متناقضة.[٤]

لقد تمكنت هذه الشخصيات العميقة والمضطربة معًا من وضع دوستويفسكي على طريق المجد الأدبي؛ حتى صار من أعمدة الأدب الروسي المفعم بروح الإنسانية ونماذجها الفريدة، وقد تمكّن دوستويفسكي من الغوص في أعماق النفس البشرية، وتوغل في بحورها المتقلبة حتى وصل إلى مناطق مجهولة في هذه النّفس لم يصل لها أحدٌ من الأدباء، فكوّن بذلك مدرسته النّفسية والأدبية الخاصة التي بثها في مجموع نتاجه الأدبي ولاسيما في أهم رواياته كرواية الأبله ورواية المقامر وكذلك في درر إنتاجه الأدبي رواية الجريمة والعقاب وروايته الأخيرة الأخوة كارامازوف .[٤]

روايات دوستويفسكي

ترك دوستويفسكي نتاجًا أدبيًا كبيرًا، جمع خلاصة فكره العميق وفلسفته الفريدة، شمل العديد من الروايات والقصص القصيرة والمقالات المتنوعة، وقد اشتهرت العديد من قصصه، ونالت رواياته قبولًا كبيرًا، فتأثرّ بها الكثير من الأدباء، وتدارسها عددٌ كبير من النّقاد، ومثّل بعض منها في السينما، وهي:[٢]

  • القرين: واسمها في بعض الترجمات “الشبيه”، وهي رواية قصيرة نشرها دوستويفسكي في بدايات مسيرته الأدبية عام 1846 م، وقوبلت بالازدراء والإهمال من القراء، ثمّ أعاد نشرها 1866، وهي تحكي قصّة شخص غير متوازن، يعاني من مشاكل نفسية وعقلية.[٥]
  • الإنسان الصرصار: وتسمّى أحيانا “ملاحظات من تحت الأرض”، وهي تحكي قصّة شخص سخيف يعاني من الخمول، ويرى أنّ التقدّم لا يستحق أي جهد أو فكر، وهي رواية وجودية تعدّ من أكثر الكتب فلسفيّة، بل يعتبرها البعض أول رواية وجودية متكاملة.[٦]
  • بيت الموتى: إحدى أشهر روايات دوستويفسكي، وهي تحاكي جزءًا من حياته عندما كان منفيًا في سيبيريا؛ حيث تدور قصتها حول حياة المجرمين في معسكرات السجون في تلك المنطقة الباردة القاسية بطبيعتها، وتسمى الرواية أيضا: ذكريات من منزل الأموات.[٧]
  • نيتوتشكا نزفانوفا: تروي قصة فتاة صغيرة بائسة، مات أبوها، فتزوجت أمّها من عازف موسيقي جوال، وكان بائسًا أيضًا وسكيّرًا، ويقول النقاد إن هذه رواية تعكس عقدة إلكترا، فقد أعجبت الفتاة بزوج أمها رغم كل تصرفاته التي لا تجعل منه محط إعجاب.[٨]
  • المذّلَون المهانون: وتتناول هذه الرواية مجموعة قصصٍ وأحداثٍ تدور بين عدّة بيوت في مدينة سانت بطرسبورغ، وهي تشكّل انعكاسًا لطبيعة العلاقات في المجتمع الروسي، ولاسيما علاقات الحب والطمع.[٩]
  • الجريمة والعقاب: كتبها بعد انتهاء مدة نفيه إلى سيبيريا، وهي تروي قصّة شاب يرتكب جريمة قتل ضحيتها امرأة تقرض الناس المال وتأخذ الفوائد بلا ضمير، وفي الرواية فلسفة عالية للجريمة وتبريرها، وللألم النفسي، وفيها يقارن المجرم نفسه بالقائد نابليون؛ ليشاركه اعتقاده بضروروة استباحة الدماء لتحقيق الأهداف السامية.[٦]
  • الأبله: من أهم أعماله، وتروي قصة شاب خرج من مصح ليعود إلى سانت بطرسبورغ، ويعيش حياته بسذاجة، فهو يملك طيبة طفولية ومثالية كبيرة؛ حتى أنه يحاول تحقيق السعادة لأصدقائه ولأعدائه، فيتعامل مع مختلف الشخصيات، الماكر منها والأناني والفاسد.[٦]
  • المقامر: هي رواية قصيرة تحكي قصة أستاذ مثقف، غير ميسور الحال، يغرق في الإدمان على المقامرة بعد أن يقع في حب امرأة من الطبقة الأرستقراطية، وتصور الرواية جانب الصراع الطبقي، والعلاقات بين الفقراء والأغنياء.[٦]
  • الأخوة كارامازوف: آخر أعمال دوستويفسكي، وأعظمها على الإطلاق، تروي مأساة عائلة كارامازوف في محاولة لكشف المجرم الذي قتل الأب، وترمز كل شخصية من شخصيات أبناء الضحية الثالثة إلى فكرة معينة تتمحور حول العقل والجسد والروح في إطار نفسي عميق يناقش العديد من القضايا كالإيمان والأخلاق.[٦]
  • الشياطين: يقدّم فيها دوستويفسكي صورة عن المجتمع الروسي في مرحلة الانقسامات والأفكار المتصارعة مع نمو الفكر الاشتراكي وتعدّ الرواية من أهم الأعمال الأدبية السياسية التي تتناول علاقة تنظيمات الثورة بالطبقات الأرستقراطية، وتنتقد التغيير الذي يسبب سفكًا للدماء.[١٠]
  • المراهق: تتحدث عن الأوهام بالثراء والحب لدى طالب مراهق، وتروي صراعاته مع أجواء عائلته، وتمرده على أوضاعه الحياتية، حيث يسعى لعلاقات جديدة مع أفراد الطبقات الغنية، ويظهر دوستويفسكي بالرواية مجموعة نماذج إنسانية غنية تكشف عن أهوائها ونزواتها.[١١]
  • الزوج الأبديّ: تتحدث عن حياة أسرى ثلاثية كما هو معروف اليوم؛ أي أنها تتألف من زوج وزوجة وعشيق في إطار نفسي متميز يسبق فيه دوستويفسكي أساليب التحليل النفسي الحديثة.[١٢]
  • الفقراء: تغوص الرواية في أعماق شخصيات الفقراء القادرين على إعطاء أفضل أمثلة الحب والعطاء والتضحية رغم كل عذاباتهم، وهي أول رواية صدرت لدوستويفسكي، وفي بعض الترجمات صدرت باسم المساكين.[١٣]

أقوال دوستويفسكي

عند الحديث عن دوستويفسكي لا بدّ من إيراد عدد من أقواله وحكمه التي بثها في خطبه ومقالاته، أو تلك التي جاءت في كتبه وقصصه على لسان شخصياته التي مثّلت عددًا كبيرًا من النماذج الاجتماعية بتجاربها الإنسانية، وظروفها النفسية، في ظل علاقاتها وأنماط حياتها المختلفة.[١٤]

  • تُشفى الروح في البقاء بصحبة الأطفال.
  • السخرية: هي الملاذ الأخير لذوي الأرواح الخجولة والعفيفة عندما تُقتحم خصوصياتهم بمنتهى الغلظة والتطفّل.
  • تُمنح القوة فقط لمن يجرؤ على الانحناء والتقاطها، لا يهمّ سوى شيء واحد، شيء واحد فقط، وهو القدرة على المواجهة.
  • يهوى المرء إحصاء مشكلاته، ولكنه لا يحصي مصادر بهجته، إذا عدّهم كما يجب؛ سيرى أنّ كل مشكلة يقابلها السعادة التي تكفيها.
  • الرجل النبيل حقا هو من يخسر كل ما يملك دون إبداء أي مشاعر، فلا ينبغي للمال أن يساوي مثقال ذرة في قلب النبلاء.

المراجع[+]

  1. “الأدب الروسي”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب “فيودور دوستويڤسكي”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  3. ^ أ ب “فيدور دوستويفسكي”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  4. ^ أ ب “قراءة في أدب دوستويفسكي الأديب الجَدَلي عاثر الحظ – الجزء الأول”، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-11-2019. بتصرّف.
  5. “القرين (رواية دوستويفسكي)”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج “٥ روائع يجب عليك قراءتها لفيودور دوستويفسكي”، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  7. “بيت الموتى”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  8. “نيتوتشكا نزڤانوڤا”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  9. “المذلولون المهانون”، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  10. “الشياطين – المجلد الأول”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  11. “المراهق”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  12. “الزوج الأبدي”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-11-2019. بتصرّف.
  13. “الفقراء”، www.abjjad.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-11-2019. بتصرّف.
  14. “من هو فيودور دوستويفسكي”، www.arageek.com، اطّلع عليه بتاريخ 07-11-2019. بتصرّف.






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب