موقع اقرا » تعليم » تعبير » موضوع تعبير عن هواية الرسم

موضوع تعبير عن هواية الرسم

موضوع تعبير عن هواية الرسم


موهبة الرسم

إنّ الإنسان كُتلة مُتّقدة من المهارات مشحونة بالعواطف والأحاسيس والميول، فمن الطّبيعيّ أن تتنوّع رغباته واتّجاهاته لما ترعاه نفسه من الفنون كافّة، فهناك الإنسان المُحبّ للموسيقى، وأيضًا المبدع بالرّسم وفنونه التّشكيليّة المتنوّعة، ومنه الرّياضيّ البارع الّذي يعشق رياضةً ويتعلّق بها حدّ الجنون، ومنهم من يُغرق نفسه بغياهب الكتب ليتّخذ من القراءة هواية له.

الهوايات هي تفريغ لما تَعتريه الرّوح من شحنات يُمكن تفريغها بشكل سلوكيّ مُنضبط ومُوجّه، ومن جلّ هذه الهوايات موهبة الرّسم وتُوصف بالفنّ أو الموهبة، فالفنّ؛ لكونه إبداعًا من الصّعب خلقه ما لم تكن وفق دافعٍ قويّ ورغبة شديدة ومَلَكة فطريّة، وهنا التّحليل لكونه موهبة تُوهَب للإنسان من جهة وتطوّر بفعل الاكتساب والدّربة والمزيّة في الممارسة، ورحم الله الشّاعر أحمد شوقي حين قال:[١]

قِيلَ ما الفنّ قُلت كلّ جميل

مَلأ النّفس حُسنه كان فنًّا

إضافة إلى ذلك فإن الرّسم هواية عظيمة الأركان بهيّة الألوان تُدخل الفرح للرّوح وتُنفّس النّفس عن خلجاتها وما يعتريها من ضيق لما فيها من تركيز ودخول في عالم التّفاصيل من مجردات الطّبيعة من جهة، وتأمّل لرسم الشّخصيات وما وراء التّفاصيل من أسرار تُخَطّ بالقلم.

تتنوّع مذاهب الرّسم وأنواعه وهنا يكمن الخلط والمزج دون معرفة محضة عن الهواية، فالمذاهب تعني الاتّجاهات المتّبعة في هواية الرّسم إلى فنون منها: الفنّ السّرياليّ، والفنّ التّكعيبيّ، والفنّ التّجريديّ، والفنّ الإيحائيّ، والفنّ الواقعيّ” والعديد من هذه المدارس المُستقلة في أفكارها وطرائقها المُتّبعة في أدائها الفنّيّ.

قد نرى مدارس الرّسم كثيرة، ورغم تنوّع المدارس واختلاف اتّجاهاتها إلّا أنّها تصبّ في ذات النّهر، فهي كالبستان في تنوّعه والثّمار في مذاقاتها المختلفة، ومن أشهر هذه المدارس؛ المدرسة السّريالية: ومن روادها سلفادور دالي، والّتي تُحوّل الأحلام إلى رسومات تشكيليّة غاية في الغرابة، وتدخل في الفلسفة التّحليليّة وفلسفة “سيجموند فرويد”، والمدرسة التّكعيبيّة: من روادها “بابلو بيكاسو” والتي نرى اللّوحات فيها على شكل مُكعّبات تُمثّل رؤية الرّسام في هذا الفن.

أمّا الأنواع فتختلف حسب الأدوات المستخدمة في تطبيق هذه الهواية، فالرّسم بالرّصاص هي بداية البداية لتتفرّع الأدوات ليكون الرّسم بقلم الفحم والألوان بأنواعها الزّيتيّة، والشّمعية، والشّمعيّة الزّيتيّة، والطّبشور، والألوان المائيّة، لتتطوّر الأدوات وتصل إلى الرّسم بالرّمل والرّسم بالحبر، ومن هذه الأدوات أيضًا: القلم بأنواعه وضروبه المختلفة، والرِّيش المتنوّعة والمختلفة المقاسات، والقصب.

إنّ أدوات الرّسم كثيرة تتعدّد حسب درجة الاحتراف والخوض في غِمار هذا الفنّ، فلولاها لما كان لموهبة الرّسم من طريق واضح المعالم، ولا مسارات متنوّعة الاتّجاهات، ومنها الأقلام؛ قلم الرّصاص، والفحم، والطّبشور، والتّحبير، وأيضًا الألوان ومنها: الألوان الزّيتيّة، والإكريليك، والمائيّة، والشّمع الزّيتيّ، والشّمع العادي، والألوان الخشبيّة والبلاستيكيّة، وأخيرًا الأوراق ومنها: الورق العادي، والورق المقوّى، والقماش الخام.

هكذا يجتمع الثّالوث الأساس وعمدة هذا الفنّ فلولا القلم لما كان الخطّ الأوّل، ولولا اللّون لما كانت الحقيقة مجسّدة في اللّوحات، وأخيرًا لولا الورق أو القماش لما خلّدنا الموهبة لتكون ذكرى للمستقبل.

الفرق بين هواية الرسم و موهبة الرسم

إنّ بواكير أيّ هواية تبدأ ملامحها البسيطة في مرحلة الطّفولة وهذا الأمر غاية الأهميّة، فإمّا أن تنبت هذه البذرة إمّا أن تنضب وتسفيها الرّياح، دون أن يكون له أي محيص.

إنّ هواية الرّسم عند الأطفال لها خصوصيّة مَحضة تتجلّى في أسمى صورها عندما يبدأ الطّفل بإمساك القلم، ولا سيّما إن كان ميول الطّفل مُوجّه بالفطرة نحو الرّسم، لذلك ما من بُرعم يُسقى ويلقى الرّعاية والاهتمام حتّى يرى النّور؛ ليصبح هذا البُرعم شجرة مٌثمرة جذرها في الأرض وأغصانها تُلامس الفضاء.

من الأهميّة بمكان أنّ الأطفال بطبعهم يميلون إلى الألوان والأقلام، لدافعهم الفطريّ للاستكشاف من جهة، وتَوقهم لاستخدام الألوان اللّافتة من جهة أخرى، ومن الجميل أنّ الطفلَ يختلف عن الكبار في عدم اكتراثه بآراء الآخرين إن كان رسمه بسيطًا أو عبارة عن خربشات ساذجة وذلك جوهر العفوية، وإنّ للرّسم بشكل عام وفطريّة الطّفل تقاربًا كبيرًا فما إن أمسك الطّفل بقلمه حتّى بدأت نزعته للتّعبير عن خلجاته وتمليه عليه قريحته.

إنّ النشأة الاجتماعيّة الأولى للأطفال تكمُن في مرحلة ما قبل المدرسة وهي مرحلة (الرّوضة)، حيث تُبرز فيها مكنونات الأطفال من براءة التّعبير طورًا ورغباتهم تارةً أخرى، فأيّ طفل في هذه المرحلة لا يرفض الألوان والورقة إلّا بعض الحالات الخاص ّة؛ لأنّه يرى فيها ملاذًا آمنًا لتفريغ مكبوتاته وانفعالاته، فالرّسم في هذه الحالات العمريّة يُستخدم لتحليل شخصياتهم والسّعي لتوجيهها وعلاجها إن لزم الأمر.

هكذا يُستنتج أنّ الطّفل بفطرته ميّال للتّعبير عن طريق الرّسم، إمّا لعجزه عن التّعبير، أو حتى لا يدخل أيّ أحد إلى عالمه الصّغير، فيُلقي مكبوتاته وكوامنه ويُجمّده على الورق.

كيفيّة تنمية الرّسم عند الأطفال

إنّ تنمية أيّ مهارة في الحياة تحتاج لشروط عدّة منها؛ الدّافعيّة وهي الموجودة بالفعل عند الطّفل، ومنها الإصرار والإرادة، وأخيرًا التّشجيع، وهذه الشّروط من شأنها أن تجعل من كلّ بداية أعظم نهاية.

عندما نرى الأطفال يرسمون أو يُحبّون الكتابة بالألوان هذا لا يعني أن الطّفل سيغدو “بيكاسو”، ولكن قد يغدو كذلك عندما يُؤخذ بعين الاعتبار لمُسَبِّبَات الموهبة، وذلك من خلال التّشجيع والتّحفيز ونثر بذار الزّروع المختلفة في عقله الباطن، فمن الجميل الثّناء لما يرسم والتّرائي بالاندهاش لما تخطّ يداه من ألوان ستُزهر حياته إن استمرّ هذا التّعزيز.

من عبارات التّعزيز أن نقول للطّفل على لساننا إنّ الرّسم هوايتي المفضلة؛ لأنّ قدوة الطّفل هُم أهله، فحريّ عليه أن يقتدي بعد التّعزيزات السّابقة بهذا الكلام، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث للشّاعر جبران خليل جبران عندما وقع في صراع بين موبَّخ من أبيه، ومشجَّع من أمّه فكان أثر التّشجيع أقوى بكثير حتى صار رسّامًا دَمثًا.[٢]

من الرّوعة بمكان تأمين جميع مستلزمات الرّسم له، وهكذا يبدأ الطّفل بالانتقال من حالة الرّسم والخربشات ليبدأ بمرحلة الثّقة بنفسه ويوجّه اهتمامه نحو الرّسم، لتبدأ أنامله الصّغيرة تكبر وتكبر مع ديمومة التّعزيز، بينما الطّفل الّذي لا يلقى الاهتمام والرّعاية الكافية، فمن الطّبيعيّ أن تركد ماء موهبته وتنضب، لتصل في النّهاية إلى الجفاف.

بعد تنمية مهارة الرّسم وبلوغ الطّفل الشّأن في ذلك تبدأ الثّمار اليانعة بقطاف نفسها وذلك لنرى فوائد الرّسم وبصورة جليّة من خلال عدّة نقاط، أهمّها:تنمية المهارات والقدرات العقليّة من خلال التّخلّص من المكبوتات من جهة، وفتح آفاق الخيال والتّأمّل من جهة أخرى،وتنمية المهارات الحركيّة والّتي من شأنها أن تُطوّره في مجالات عدّة منها: حُسن الخطّ، تطوير ذكاءه العمليّ، وتعزيز صحّته النّفسية وجعله مُتصالحًا مع ذاته وأكثر هُدوءًا وقدرته على التّعبير عن نفسه، وقدرته على المحاكمة.

إضافة إلى ذلك تحفيز جانب التّركيز وزيادة معدّل الذّكاء، وقدرته على المُحاكاة وتقوية الذّاكرة، وتحفيزها، وتنشيطها بنوعيها القريبة والبعيدة لما فيها من تمارين المحاكاة والتّذكّر، وصفاء الذّهن في التّأمّل وفوائد تعليميّة من خلال تحسّن الخط، وكما هو مُتعارف في العُرف التّربويّ أنّ الإجادة تنتقل كالعدوى عند الإنسان فالمُتميّز بمجال آلية عمله في الفص الأيمن من الدّماغ من شأنه أن يُحسّن أداء ما تبقى من المهارات والمكتسبات، وكذلك الأمر في الفص الأيسر.

ما إن يكبر هذا الطّفل وتستقر ميوله حتّى يغدو صاحب موهبة، أو يتطوّر به الأمر ليُصبح فنانًا فذًّا يعتنق إحدى المدارس العظيمة في هذا المجال وربّما يصير رائدًا فيه، فمن لا يسعى لتحقيق إبداعه وطموحه فلا محال سيندثر كالهباء المنثور وتسفيه الرّياح كالعصف المأكول، كقول أبي القاسم الشّابي:[٣]

ومَن لم يعانقْهُ شَوْقُ الحياةِ

تَبَخَّرَ في جَوِّها واندَثَرْ

علاوة على ذلك فإنّ تسخير الموهبة وتوجيهها يدفع صاحبها للارتقاء بها وفيها، لتكون ملاذه الآمن من ضغوطات الحياة، وقد تتحوّل لمصدر رزقه إن شاء، ويُمكن الوصول إلى كيفيّة استغلال موهبة الرّسم في اتّجاهات متنوّعة، وأهمّها: تحويل موهبة الرّسم إلى مصدر دخل، وذلك من خلال العمل بها بوصفه رسّامًا، أو معلّمًا لها.

أيضًا التّفكير الإبداعي في التدريس أو التفكير خارج الصّندوق، وذلك من خلال إعادة التّدوير مثلًا، أو تزيين المنزل إن كان مُشوّهًا من خلال الزّخرفات والرّسومات، واستغلالها في مجالات الحياة كافة، من خلال التّعليم على سبيل المثال لصنع الوسائل التّربويّة أو رسم لوحات توضيحيّة، وكذلك يُمكن تحليل الشّخصيّات، فمن المُتعارف عليه أن الرّسم يكشف عن غوامض النّفس أسرارها، فقد تُكشف هذه الغياهب إمّا برؤية اللّوحات أو رسمها.

إنّ هواية الرّسم هي أشبه بحديث مع الذّات سواء أكان المخاطب قلمًا أم ريشةً أم حتّى اللّوحة ذاتها، فالإنسان بحاجة لما ليفرّغ كوامنه الباطنة بهواية ما، ومن أرقى هذه الهوايات هي الرّسم لما فيها من دخول في مواضي الذّات وعلائقها بالحياة، فالطّفل يرى فيها أداة التّعبير والتّنفيس للشّحنات المتأجّجة بداخله، والفتى يرى فيها كهفه الخاص وحرابه مع مراهقته الشّعواء.

أمّا اليافع فيُبحر في موهبة الرّسم إلى عوالم سرمديّة من الصّعب أن يلقاها أيّ آدميّ، فصلصال جسده راكد ولكنّ روحه حالمة مجنّحة بين الألوان وصاحب الألوان،

فكما الرّياضة تنشّط البدن، والموسيقى تهذّب الرّوح، كذلك الرّسم تُوجّه الوعي وتُوظّفه في التّأمل والسّكينة والسّلام الدّاخليّ.

المراجع[+]

  1. “قيل ما الفن قلت كل جميل”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.
  2. جبران خليل جبران (2008)، الأعمال المعربة جبران خليل جبران، صفحة 6–11.
  3. “إذا الشعب يومًا أراد الحياة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-28.






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب