X
X



من هو سمنون المحب

من هو سمنون المحب


من هو سمنون المحب؟

سمنون بن حمزة البغدادي أو سمنون بن حمزة المحب؛ هو شاعر صوفي عاش في بغداد، لقد كان سمنون إمام أهل المحبة، وكُنّي بأبي الحسن، ويُقال إنّه يُكنّى بأبي القاسم، كما لقّب نفسه بالكذّاب، فكان إذا ما أحدٌ ناداه لا يستجيب إلا إذا قال له يا كذّاب، عاش سمنون المحب حياته وحيدًا مع الحب، فقد كان جل كلامه في الحب.[١]

صحب سمنون المحب عدّة أشخاص في حياته، منهم: سَريّا السقطي، ومحمد بن علي القصاب، وأبو أحمد القلانسي، كما كان من أقران الجنيد وأبي الحسين النوري، أمّا منهجه الصوفي الذي اتبعه فقد كان مختلفًا عن غيره؛ فقد قدّم الحب على المعرفة.[١]

كان يرى أصل الطريق إلى الله تعالى هو الحب، واهتمامه موجه نحو الحب الإلهي؛ فقد زهد في الدنيا وابتعد عن الشهوات والملذات الدنيوية، وانفرد في أمور العبادة، عاش سمنون عابدًا محبًّا للذات الإلهية، وسعى بقلبه الصوفي للوصول إلى أعلى درجات في حب الذات الإلهية.[١]

ترجم سمنون المُحب هذا الحب والشوق للذات الإلهية شعرًا مشحونًا بعواطف الحُب والعشق والشوق؛ ولذا سُمّي الشّاعر سمنون بن حمزة البغدادي بالمحب؛ وذلك لتفرّده في هذا المذهب الشعري، وتُوفّي سمنون المحب قبل الجنيد، وقيل إنّه قد تُوفي بعده في سنة 398هـ.[١]

بماذا ابتلي سمنون المحب؟

أصيب سمنون المحب بابتلاء أثّر عليه تأثيرًا كبيرًا، فقد أُصيب باحتباسٍ في البول، وكان موقفه من ذلك البلاء هو الصّبر وعدم الجزع من ذلك الأمر، وقيل إنّه كان سبب ذلك بيتان من الشعر قال فيهما:[١]

تريد مني اختبار سري

وقد علمت المراد مني

وليس لي في سواك حظ

فكيفما شئت فاختبرني[١]

عندها صار أصحابه يدعون له، وقد ذكر بعض أصحابه أنّه قد رآه في الرؤيا يبكي ويتضرّع إلى الله تعالى ويطلب منه الشّفاء، فلمّا سمع ذلك منهم سمنون المحب راح يطوف في الناس ويقول لهم ادعوا لعمكم الكذاب.[١]

كيف كانت تجربة سمنون الشعرية؟

كان شعر سمنون المحب شعرًا صوفيًّا قد اتّسم بسمات الشعر الصوفي، وظهرت عليه الملامح الصّوفيّة بشكل واضح وجلي، فقد جعل سمنون المُحب من أشعاره أداةً ينتقل بها إلى مناجاة الذات الإلهيّة، فترفّع عن أمور الدّنيا وارتقى بأشعاره نحو الذات الإلهيّة.

امتزجت أشعار سمنون واختلطت ما بين الحكمة والمعرفة الصوفية، وقد اتّخذت هذه الأشعار الصّوفية نمطها من الأشعار الإسلامية التي أتت سابقًا في العصر الإسلامي، وهكذا فقد اتّجه في شعره إلى الحب الإلهي، حيث يقول:

وكان قلبي خاليًا قبل حبكم

وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح

فلما دعا قلبي هواك أجابه

فلست أراه عن فنانك يبرح

رميتُ ببين منك إن كنتُ كاذبًا

إذا كنتُ في الدّنيا بغيرك أفرح

وإن كان شيء في البلاد بأسرها

إذا غبت عن عيني بعيني يلمح

فإن شئتَ صلني وإن شئتَ لا تصل

فلستُ أرى قلبي لغيرك يصلح[٢]

غلب على الأبيات السّابقة السّهولة في التعبير وفي الألفاظ، كما نرى أنّ الشّاعر قد ارتقى من حُبّ البشر إلى حُبّ الذات الإلهية وتقديسها وتفضيلها عمّا سواها، وقد ساد موضوع الحب في جميع أبيات القصيدة، أمّا فيما يتعلّق بالمحسنات البديعية فقد تنوّع، حيث ورد الترادف في مثل “يلهو ويمرح”.

كما ورد الطّباق في قوله “صلني ولا تصل” وكل ذلك في سبيل خدمة المعنى، فقد ورد عفوًا دون تصنّع، ممّا اتّسمت به أشعار سمنون المحب أيضًا الإبداع الذي تمثّل في خروجه في حكمه وأمثاله عن المألوف؛ إذ إنّه استخدم بعض التعابير في غير المعاني التي اصطلح عليها الناس العاميون، وهذه الفلسفة هي فلسفة خاص ة بالصوفيين، ومن ذلك قوله:

أمسي بخدي للدموع رسوم

أسفًا عليك وفي الفؤاد كلوم

والصبر يحسن في المواطن كلها

إلا عليك فإنه مذموم[٣]

كيف كانت عبادة سمنون المحب؟

كان سمنون المحب صوفيًّا متعبّدًا، ومما يذكر عن شدّة عبادته أنّه كان ورده اليومي خمسمئة ركعة في كل يوم وليلة، وقد ذكر أمامه صديقه القلانسي أنّ هناك رجلًا في بغداد يتصدّق على الفقراء بأربعين ألف درهم، فقال سمنون المحب إنّ هذا المبلغ ليس باستطاعتهما هما الاثنان.[١]

فطلب من القلانسي أن يستبدلا الصلاة بهذه الصدقة، فاتفقا أن يُصلّيا ركعةً عن كل درهم، فذهبا إلى المدائن وصلّيا أربعين ألف ركعة.[١]

ما قصة اتهام سمنون المحب بالزنا؟

يُذكر أنّ امرأةً أُعجبت بسمنون المحب، فعرضت عليه نفسها، فأبى سمنون ذلك وتمنّع وأعرض عنها، فتوجّهت إلى الجنيد، وطلبت منه أن يطلب من سمنون المحب أن يتزوّج بها، فزجرها وطردها، فاتّجهت إلى “غلام خليل” وقد كانت على علمٍ بقربه من الخليفة، فلمّا وصلت إليه ادّعت أنّ سمنون المحب قد زنا بها، فأخذها غلام خليل إلى الخليفة.[١]

أخبرت الخليفة بما اتّهمت به سمنون المحب، فغضب الخليفة، وأمر بقتل سمنون المحب، فلمّا جاء السيّاف وكاد أن يأمر الخليفة بقتل سمنون المحب، توقّف أمر الخليفة لسبب ما، فلم يأمر بقتله، ثمّ جاء الخليفة في منامه رسول وبشّره بذهاب ملكه مع ذهاب روح سمنون المحب، فتنبّه الخليفة إلى ذلك الأمر، وأتى إلى سمنون المحب وعفا عنه.[١]

أجمل أقوال سمنون المحب

ممّا قاله سمنون المحب ودوّنته الكتب ما يأتي:

  • لا تصفو المحبّة حتى تنظر إلى العوالم بنظر الحقارة.[١]
  • أول وصل العبد هجرانه لنفسه، وأوّل هجران العبد الحق مواصلته لنفسه.[١]
  • لو صاح الإنسان لشدة وجده بحبه لملأ ما بين الخافقين صياحًا.[٤]
  • إذا بسط الجليل غدًا بساط المجد دخل ذنوب الأولين والآخرين في حاشية من حواشيه، وإذا أبدى عينًا من عيون الجود ألحق المسيء بالمحسن.[٤]
  • لا يُعبّر عن الشيء إلا بما هو أرق منه، ولا شيء أرق من المحبة، فبم يُعبر عنها؟[٤]
  • الْفَقِير الصَّادِق هو الذِي يأنس بِالْعدمِ كَمَا يأنس الْجَاهِل بالغنى، ويستوحش من الْغنى كَمَا يستوحش الْجَاهِل من الْفقر.[٤]

أبرز أشعار سمنون المحب

من الأشعار التي تركها سمنون المحب وراءه ما يأتي:

  • قوله في قصيدة وليس لي في سواك حظ:

وليس لي في سواك حظ

فكيفما شئت فامتحنّي

إن كان يرجو سواك قلبي

لا نلت سؤلي ولا التّمني[٥]
  • قوله في قصيدة شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها:

شغلتُ قلبي عن الدّنيا ولذتها

فأنت والقلب شيء غير مفترق

وما تطابقت الأحداق من سنة

إلا وجدتك بين الجفن والحدق[٦]
  • قوله في قصيدة بكيت ودمع العين للنفس راحة:

بكيت ودمع العين للنفس راحة

ولكن دمع الشوق ينكى به القلب

وذكرى لما ألقاه ليس بنافعي

ولكنه شيء يهيج له الكرب[٧]
  • قوله في قصيدة أنا راض بطول صدك عني:

أنا راض بطول صدك عني

ليس إلا لأن ذاكا هواكا

فامتحن بالجفا صبري على

الود ودعني معلقا برجاكا[٨]
  • قوله في قصيدة تجرعت من حاليه نعمى وأبؤسا:

تجرّعت من حاليه نعمى وأبؤسا

زمان إذا مضى عزاليه أحتسى

فكم غمرة قد جرعتني كؤوسا

فجرعتها من بحر صبري أكؤسا

تدرّعت صبري والتحفت صروفه

وقلت لنفسي الصبر أو فاهلكي أسى

خطوب لو أنّ الشّمّ زاحمن خطبها

لساخت ولم تدرك لها الكف ملمسا[٩]

المراجع[+]

  1. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش عبد الرحمن الجامي، نفحات الأنس من حضرات القدس، صفحة 330 – 335. بتصرّف.
  2. “وكان قلبي خاليا قبل حبكم”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  3. “أمسى بخدي للدموع رسوم”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  4. ^ أ ب ت ث أبو عبد الرحمن السلمي، طبقات الصوفية للسلمي ويليه ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات، صفحة 159 – 162.
  5. “وليس لي في سواك حظ”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  6. “شغلت قلبي عن الدنيا ولذتها”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  7. “بكيت ودمع العين للنفس راحة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  8. “أنا راض بطول صدك عني”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.
  9. “تجرعت من حاليه نعمى وأبؤسا”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 7/12/2021.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب