X
X



مفهوم الميثولوجيا

مفهوم الميثولوجيا


تعريف الميثولوجيا

ما هو موضوع علم الميثولوجيا؟

يُطلق مفهوم الميثولوجيا على العلوم التي تُعنى بدراسة الأساطير التي وضعها الإنسان قديمًا في محاولة منه لإيجاد تفسير لمختلف الظواهر الكونية، وتنطلق في معظمها من الغريزة التي تقود الإنسان لخالقه وتدفعه لمعرفته من خلال التأمل والتفكير في كيفية نشأة الكون، لذلك فإن الكثير من الأساطير كانت تنسج على أساس وجود آلهة تحمل قوى خارقة وتتحكم بالمظاهر الكونية الطبيعية وتفرض سلطتها على المخلوقات من خلالها.[١]

قد حاول علماء الميثولوجيا ودارسوها والفلاسفة الفصل بين الدين والميثولوجيا من حيث المفهوم، وقد توصل الكاتب ديتيان إلى وجود فارق جذري بينهما، فالأديان تتناول الحياة الإنسانية من مختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والخلقية وغيرها، وتعمد إلى إحداث تطهير للناس من الذنوب والمآثم بغية الوصول إلى مجتمع أفضل وفرد يستحق الحياة في ذلك المجتمع المثالي.[٢]

في حين أن الميثولوجيا تعمد إلى تفسير الظواهر الكونية والسلوكات الحيوية على الأرض من منطلق الرؤية البشرية المحضة التي قد تكون بعيدة كل البعد عن الواقعية العلمية، وتتصل إلى حد كبير بالخيال والتصوير التخيلي، على العكس من الأديان التي تتسم بالمنطق والجدية على الدوام.[٢]

على الرغم من اتصال الميثولوجيا بالدين اتصالًا وثيقًا، إلا أنها لم تبق محصورة في هذا المجال وحده، فقد انكب الأدباء عليها ينهلون منها ويضمنونها رواياتهم ويستلهمون صورهم وخيالاتهم في أشعارهم الغنائية ويوظفون أبطالها فيها كأوديب وإلكترا وبروميثيوس والعنقاء، وغيرها التي عرفت في البداية كأبطال ميثولوجية وأصبحت فيما بعد رموزًا ادبية عميقة. [٣]

الميثولوجيا لم تكن تقتصر على تلك الحكايات التي وضعها اليونانيون وحسب، فالشعوب الإنسانية كلها كانت قد نسجت لنفسها الحكايا الميثولوجية التي تفسر الظواهر الكونية تبعًا لعقائدها الدينية وطبيعتها العقلية، ومع الزمن وتداول الأساطير امتزجت المثولوجيا بالتاريخ وأصبحت تميل للمنطقية العقلية أكثر من التصورية الخيالية التي تطبعت بها في أول عهدها.[٣]

أصل مصطلح الميثولوجيا  

إلى أي عهد يعود علم الميثولوجيا؟

يعد مصطلح الميثولوجيا مصطلحًا غربيًا منقولًا عن الميتولوجيا وهي كلمة يونانية تتكون من مقطعين وهما: “ميتوس ولوغوس“، ويقصد اليونانيون بكلمة ميتوس كل ما ينافي العقل من المستحيلات، بينما يقصدون بكلمة لوغوس العقل، لينتج بذلك مصطلح يحمل مزيجًا من المتناقضات العقلية واللاعقلية التي تشكل حلقة وصل بين العقليات المرئية التي تلتمسها الحواس البشرية وتدرك وجودها حسيًا وفعليًا، وبين الغيبيات التي تفسر أسباب حدوث تلك الظواهر وكيفية تشكيلها من خلال ربطها بالآلهة وقدراتها غير العادية. [٤]

قد نُقل هذا المصطلح إلى اللغة العربية من خلال الترجمة تحت لفظ علم الأساطير، ويرى علماء الاجتماع أنّ الأساطير كانت قد تجلت في عهد سابق لعهد الأديان التي أزاحت الكثير من الغموض عن أسرار النشأة الكونية والقوى الإلهية للخالق -جلّ وعلا-، وأبطلت بذلك الكثير من الأحكام والتبريرات الخرافية التي حاول السابقون لعهد الأديان نسجها وتشكيلها في سبيل تفسير الغامض والغيبي من تلك الظواهر.[٥]

خصائص الميثولوجيا

ما هي أبرز سمات علم الميثولوجيا؟

  • الارتكاز على جانب السحر: فقد عرف الإنسان قديمًا السحر وألفه، وقد وجد فيه ما يساعد على تفسير الغيبيات الغامضة والحوادث التي عجز العقل عن تفسيرها آنذاك، حيث ارتأى منطقهم ربطها بالسحر لقدرته على تحقيق المعجزات والتحويل.[٦]
  • الارتباط الديني: وهذه السمة تبرز في معظم الحكايات الميثولوجية إن لم تكن في سائرها، وذلك لأن الميثولوجيا تبحث في أصول نشأة الكون وتنقب عن تفسيرات للغيبيات، والدين قد تناول الغيبيات وعالج غموضها وفسّرها بردها للقوى الإلهية كما هو الحال في الميثولوجيا.[٦]
  • الارتباط التاريخي: فمعظم الحكايات الميثولوجية لا تنفصل بحال عن الجانب التاريخي، لا سيما أن هذه الحكايات وجدت بفعل إنساني، لذلك فإنه لا بد من وجود رابط بين التاريخ وتلك الحكايات الميثولوجية فتخلدها وتعالج قضاياها، كما هو الحال في الملاحم الشعرية القديمة.[٦]
  • الإيجاز: فالميثولوجيات كانت قد جاءت لتسد احتياجات إنسانية وتطلعاته نحو المعرفة واستكشاف الغامض، كما أنّها عبارة عن حكايات مختلقة تغيب فيها التفاصيل الدقيقة وتكتفي بالأحداث العامة التي كان لها أثر واضح في خلق التفسير الميثولوجي. [٦]
  • وجود العناصر القصصية: ففي الحكايات الميثولوجية تلمح بعض العناصر القصصية من شخوص وزمان ومكان وحكبة بشكل واضح، لتندرج بين الأنواع القصصية، إلا أنها تظل حكايات لا ترقى إلى مستوى فن القصة الأدبية مكتملة العناصر.[٦]
  • السرمدية والأبدية: حيث تعد حكايات الميثولوجيا رسائل غير مقيدة ببيئة زمنية أو مكانية محددة، إنّما تكون عامة وشاملة لكافة العصور وتخلد آلية العقل الإنساني وطبيعته التي تصر على مجابهة المجهول واكتشافه وخلق تفسير له.[٧]
  • الشمولية الموضوعية: حيث تتناول الميثولوجيا مواضيع إنسانية عامة مثل: النشأة والتكوين والموت والعالم الآخر، إلا أنها تتناولها بعيدًا عن العلمية حيث تغرق في الخيال والتصوير.[٧]

أنواع الميثولوجيا

ما النوع الميثولوجي الذي تنتمي إليه أسطورة جلجامش؟

  • الميثولوجيا التعليمية: تندرج تحت هذا النوع الحكايات الميثولوجية الهادفة التي تسعى لزرع فكرة وتعليمها، كما هو الحال في الميثولوجيا السومرية التي تناولت تعليم الزراعة للإنسان.[٨]
  • الميثولوجيا الوعظية: تندرج تحتها الحكايات الميثولوجية التي تتناول موضوع الحكمة وبناء القيم والالتزام بالخلق الطيب، وتسعى لتوثيق الصلة بين الإنسان والإله وتحذر من عصيانه وغضبه، ومن أمثلتها الميثولوجيا البابلية والميثولوجيا الإسكندنافية.[٨]
  • الميثولوجيا العلمية: تتضمن الحكايات الميثولوجية التي تتناول مواضيع النشأة الكونية والخلق وأصول الأشياء، وهي على الرغم من علمية موضوعاتها إلا أنها تختلط بالكثير من الأخيلة والتصورات غير المنطقية التي تفسر الغيبيات، مثل الأسطورة البابلية: إينوما إيليش.[٨]
  • الميثولوجيا الملحمية: تشمل الأساطير والحكايات الميثولوجية التي تخلد سيرة أبطال صالحين كان لهم أثر بارز في رسم التاريخ وتشكيله، وهي على نحو الميثولوجيا الإغريقية، وكذلك أسطورة جلجامش ملك أوروك السومري . [٨]

اختصاص علم الميثولوجيا

ما علاقة علم الميثولوجيا بالعلوم الأخرى؟

توزع الاهتمام بدراسة علم الميثولوجيا بين عدد من الاختصاصات الاجتماعية والفلسفية واللغوية، إذ إن دراسة الأساطير ورمزها الميثولوجية تساعد في فهم وسائل التواصل الإنساني اللغوية وتوجهاته المعرفية، كما أن ما تتضمنه الميثولوجيا من وصف لطبيعة التفكير الإنساني، وما تكشفه عن بعض الجوانب الحياتية قد جعل علم الميثولوجيا مادة معرفية غزيرة لعلماء الاجتماع.[٩]

اتّصل علم الميثولوجيا بعلم النفس أيضًا، فالحكايات الأسطورية تتضمن الكثير من الرموز والأحداث غير المنطقية التي قد يكون اللا وعي الإنساني هو من أسهم في حبكها ونسجها في محاولة لتفريغ العديد من الطاقات المكبوتة، وتغطية ملامح الضعف من خلال الارتكاز على القوى الخارجية الخارقة، وعلى الرغم من تلاقي علم الميثولوجيا مع العديد من العلوم إلا أن ذلك لم يحل دون تشكلها كعلم مستقل له قواعده وأركانه ومناهجه الخاصة به.[٩]

منهجية علم الميثولوجيا

كيف أفاد الأدب من الميثولوجيا؟

أمّا عن المناهج المُتّبعة في هذا العلم ما يأتي:

المنهج التاريخي

قام علماء الميثولوجيا والاجتماع بدراسة هذا العلم من خلال عدة مناهج، كالمنهج التاريخي الذي يقوم بتتبع مراحل التطور الزمني للفكر الميثولوجي وبيان أثر التطورات المعرفية المكتسبة، بفضل الاطلاع الديني والاكتشافات العلمية على صياغة تلك الحكايات الميثولوجية في العقل الإنساني، ولعل هذا المنهج كان قد خدم علم الميثولوجيا من خلال التتبع التاريخي الدقيق لأصل الحكاية الميثولوجية وربطها بواقع الحياة الإنسانية.[١٠]

المنهج التحليلي

مِن أبرز المناهج التي تناول الدارسون من خلالها علم الميثولوجيا المنهج التحليلي الذي يقوم على تفسير رموز الميثولوجيا وتفكيكها بغية الوصول إلى الآلية التي تصاغ بها الحكايات الميثولوجية وأثرها في قيادة العقول الإنسانية وتطويعها من خلال عرض الحكايات الميثولوجية واستقرائها، وهي منهجية بحثية تولي النصوص الميثولوجية اهتمامًا بالغًا، بغض النظر عن المراحل التي مرت بها في الماضي حتى بلغت النحو الذي وجدت عليه.[١٠]

المنهج التأثري

لم تتوقف الدراسات الميثولوجية عند تلك المناهج التي تتناول الحكايات الميثولوجية بالدراسة والتحليل والنقد والمقارنة، فقد أنشئت على إثر تلك الدراسات دراسات أخرى نقدية وأدبية تتمثل في توظيف الأساطير وعلم الميثولوجيا في صياغة الفنون الأدبية من الشعر والنثر، وقد منحت الميثولوجيا تلك االفنون الأدبية التي وظفت عناصرها ورموزها قيمًا فكرية عميقة، ممّا أكسبها سمة حداثية وأفردها عن غيرها من النتاجات الأدبية القديمة.[١١]

الميثولوجيا عند العرب 

بِمَ تتميز الميثولوجيا العربية ؟

لم يكن علم الميثولوجيًا علمًا نقله العرب عن الغرب نقلًا محضًا، إذ إنّ هناك الكثير من الحكايات الأسطورية التي وردت في القصائد الغنائية القديمة والأمثال العربية المتداولة منذ العصور القديمة، هذا بالإضافة إلى الكثير من القصص القرآنية التي صنفت من بين الأساطير كقصة نوح عليه السلام وغيرها، لكونها تُمثّل حلقة وصل بين البشر والإله، هذا بالإضافة إلى ما تتضمنه من الأحداث الخارقة.[١٢]

قد أولى العرب علم الميثولوجيا والأساطير اهتمامًا بالغًا كما هو الحال لدى دارسيها من الغرب، واتّصل علم الميثولوجيا بالكثير من العلوم مثل: علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم اللغة المختلفة بالإضافة إلى علوم الدين، وامتزجت الحكايات والرموز الميثولوجية بالفنون الأدبية، حيث استعان بها الكثير من الشعراء والكتاب لتركيز الدلالات ومنحها عمقًا تاريخيًا كما هو الحال لدى الشاعرين أدونيس ومحمود درويش.[١٢]

الميثولوجيا والدين 

ما الفرق بين الميثولوجيا والدين؟

أثارتالصلة بين الميثولوجيا والدين جدلًا واسعًا بين علماء الميثولوجيا والاجتماع وغيرهم من الدارسين والمهتمين بهذا العلم، وقد سعى الكثيرون لتحديد طبيعة تلك الصلة وماهيتها، كما سعوا للتفريق بين الدين والميثولوجيا التي عرفت كنوع من الفكر الديني، فالعلاقة بين الميثولوجيا والدين تكمن في الهالة القدسية التي يستشعرها الإنسان حولهما، كما تكمُن في مناقشتها لأمور الغيبيات وتفسيرها وتحققها من وجود إله يحكم الكون بقدراته التي تفوق قدرات البشر وسائر المخلوقات.[١٠]

من جهة أخرى فإن الميثولوجيا وإن كانت تمثل فهم الإنسان الأولي للدين، إلا أنّ ثمة فرق شاسع بينهما، فالدين يعد فكرًا ساميًا ناضجًا، فهو ينتمي إلى مصدر إلهي ويفرض على البشر فرضًا، في حين أن الميثولوجيا تكتسب قداستها من البشر أنفسهم الذين يرون فيها ما يُلبّي تطلعاتهم المعرفية، بالإضافة إلى نشوة التسليم بوجود القوى الخارقة والمعجزات التي تُفسّر الكثير من الأحداث التي تدور في هذا الكون.[١٠]

كتب عن الميثولوجيا  

ما هي أبرز المؤلفات العربية في الميثولوجيا؟

  • طوفان نوح عليه السلام في القرآن والأساطير القديمة: كتاب في علم الميثولوجيا لمؤلفه منصور عبد الحكيم، توزعت موضوعاته بين ثمانية فصول، وقد ارتكز فيه الكاتب على تبيان قصة النبي نوح -عليه السلام- وحادثة الطوفان من خلال المنهج التحليلي الاستقرائي من القرآن الكريم .[١٣]
  • الإغريق تاريخهم وحضارتهم: مؤلفه سيد أحمد علي الناصري، وهو كتاب يتناول علم الميثولوجيا من خلال المنهج التاريخي، وقد توزعت موضوعاته في سبعة عشر فصلًا، يتتبع من خلالها تاريخ حضارة الإغريق وآثارهم الفكرية والمادية، وكلّ ما اتصل منها بالميثولوجيا الموروثة عنهم. [١٤]
  • في طريق الميثولوجيا عند العرب: مؤلفه محمود سليم الحوت، وهو كتاب يبحث في علم الميثولوجيا، إلا أنه يقتصر في بحثه على الجانب الميثولوجي العربي من خلال المنهج التاريخي، وتتوزع موضوعات هذا الكتاب في ثمانية أبواب فقط.[١٢]
  • تاريخ الأسطورة: وهو كتاب مترجم مؤلفته كارين آرمسترونغ، قام بنقله وترجمته للعربية وجيه قانصو، يتناول هذا الكتاب علم الميثولوجيا من خلال المنهج التاريخي، وتتوزع موضوعاته في سبعة فصول، وتقوم الكاتبة فيه بتحليل بعض الحكايات الميثولوجية وتفسير رموزها.[١٥]

المراجع[+]

  1. كارين آرمسترونغ، تاريخ الأسطورة، صفحة 7. بتصرّف.
  2. ^ أ ب مارسيل ديتيان، اختلاق الميثولوجيا، صفحة 12. بتصرّف.
  3. ^ أ ب بيار غريمال، الميتولوجيا اليونانية، صفحة 10. بتصرّف.
  4. حسن نعمة، ميثولوجيا وأساطير الشعوب القديمة، صفحة 26. بتصرّف.
  5. مجدي كامل، الميثولوجيا والأساطير الإسكندنافية، صفحة 5. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج وردة لواتي (2015)، “الأسطورة الأفريقية خصائص ومميزات”، مجلة إشكالات، صفحة 243. بتصرّف.
  7. ^ أ ب قسم الدراسات والبحوث جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية ، الأسطورة توثيق حضاري، صفحة 25. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت ث قسم الدراسات والبحوث جمعية التجديدالثقافية الاجتماعية ، الأسطورة توثيق حضاري، صفحة 52. بتصرّف.
  9. ^ أ ب إيديت هاميلتون (1990)، الميثولوجيا (الطبعة 1)، دمشق:منشورات اتحاد الكتاب العرب، صفحة 93. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث علي حسين قاسم، جدلية العلاقة بين الدين والأسطورة دراسة تحليل لمفهوم الأسطورة في فلسفة الدين، صفحة 41. بتصرّف.
  11. الربعي بن سلامة، المنهج الأسطوري بين النظرية والتطبيق، صفحة 11. بتصرّف.
  12. ^ أ ب ت محمود سليم الحوت، في طريق الميثولوجيا عند العرب، صفحة 311. بتصرّف.
  13. منصور عبد الحكيم، طوفان نوح عليه السلام في القرآن الكريم والأساطير القديمة، صفحة 239. بتصرّف.
  14. سيد أحمد علي الناصري، الإغريق تاريخهم وحضارتهم، صفحة 593. بتصرّف.
  15. كارين آرمسترونغ، تاريخ الأسطورة، صفحة 5. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب