X
X


موقع اقرا » علوم » ما هو الثقب الأسود

ما هو الثقب الأسود

ما هو الثقب الأسود


الثقب الأسود

خلقَ الله العديدَ من المعجزاتِ في كونه الفسيح، وأعطى للإنسانِ الفضولَ لاكتشافِها ودراستها، ومن هذه المعجزات الخفيّة الثقوب السوداء. يعرّف العلماء الثقب الأسود بأنّه منطقةٌ في الفضاء تتمتّع بجاذبيّة قويّة جداً لا يستطيع حتى الضوء الهروبَ منها؛ وذلك لأنّ المادة في هذه المنطقة تتمتّع بكثافة عالية فهي مضغوطة في مساحة صغيرة جدّاً.[١][٢]

كانَ العالم ألبرت أينشتاين أوّلَ من تنبأ بوجود الثقوب السوداء عندما وضع نظريّته النسبيّة العامّة وذلك عام 1916م، وقد أُطلِقَ عليها اسم الثقوب السوداء في عام 1967م على يد عالم الفلك الأمريكيّ جون ويلر، ولكن لم يتمكّن العلماء من رصدها في الفضاء إلا في عام 1971م؛ وذلك عن طريق ملاحظتهم تأثيرها على الأجسام المحيطة بها مثل النجوم، والغازات، وغيرها، كما لم يستطيعوا رؤيتها بالعين المجرّدة؛ فهي تحتاج إلى أقمار صناعية وتلسكوبات لرؤيتها.[١][٢]

تكوّن الثقب الأسود

وضع العلماء مجموعةً من النظريّات لتفسير تشكل الثقب الأسود، ومن أشهر هذه النظريات أنّ الثقوب السوداء كانت نجوماً عملاقةً في حياتها السابقة، ولكنّها فقدت طاقتها فتحوّلت إلى ثقب أسود؛ فالنجم مصنع كبير للطاقة مصدرها التفاعلات النووية الهائلة التي تحدث للمكوّن الأساسيّ للنجوم وهو الهيدروجين.[٣]

فعند الاندماج النوويّ لذرات الهيدروجين مع بعضها ينتج عنها غاز الهيليوم الذي بدوره يندمج لينتج عناصر أثقل، وهكذا كلّما ظهر عنصر ثقيل جديد يحدث له اندماج جديد، وجميع هذه التفاعلات النوويّة تنتج كميّة كبيرة من الطاقة تنقلها إلينا على شكل أشعة. يحافظ النجم خلال حياته الطويلة على كتلته بسبب التوازن بين القوّة الناتجة عن الاندماج وقوة التجاذب بين العناصر والذرات المكونة له.[٣]

وعندما يبدأ النجم الذي تزيد كتلته عن 25 ضعف كتلة الشمس بفقدان طاقته يحدث خلل في التوازن بين القوى التي تحافظ عليه، فتبدأ قوّة الجذب بين العناصر بالتغلّب على قوّة الطاقة الناتجة من الاندماج، ممّا يؤدّي إلى توجّه المادّة المكوّنة للنجم نحوَ مركزه، فتنضغط هناكَ انضغاطاً كثيراً بسبب كثافتها وقوّة التجاذب بينها.[٣]

وبعدها ينفجر النجم بسبب التدافع الشديد بين المادة الموجودة في مركز النجم، وينتج هذا التدافع بسبب الانضغاط الشديد، ويسمّى هذا الانفجار سوبرنوفا، وينتج عنه انتقال ما تبقّى من غازات النجم بالإضافة إلى غلافه إلى الفضاء، مخلّفاً وراءه مركز النجم العملاق الشديد الكثافة، وهو ما يُسمّى الثقب الأسود.[٣]

أنواع الثقوب السوداء

تتباين الثقوب السوداء من حيث حجمها، فمنها الكبيرة، ومنها ذات الحجم الصغير الذي لا يتجاوز حجم الذرّة ولكنّ كتلتها ضخمة جدّاً،[١] وقد صنّف العلماء الثقوب السوداء إلى ثلاثة أنواع رئيسة، هيَ:[٢]

الثقوب السوداء النجمية (بالإنجليزيّة: Stellar black holes)

يتشكّل هذا النوع من انهيار نجوم كبيرة الحجم، تنضغط بعد انهيارها حتّى تشكل ثقباً أسود، أمّا عند تعرّض النجوم الأصغر التي تصل كتلتها إلى 3 أضعاف كتلة الشمس للانهيار فإنّ مركزها لا يتحوّل إلى ثقب أسود بل يصبح نواةً جديدةً تسمّى نجماً نيوترونياً أو قزماً أبيض.

قد تكون هذه الثقوب صغيرةً في حجمها لكنّ كثافتها عالية جدّاً، ممّا يجعل جاذبيتها كبيرة لما حولها، فتستمرّ بجذب الغبار الكونيّ والغازات من المجرات التي حولها، فتنمو ويزداد حجمها. اكتشفَ العلماء أنّ مجرّتنا درب التبانة تحتوي على بضع مئات من ملايين الثقوب السوداء النجميّة.

الثقوب السوداء الهائلة (بالإنجليزيّة: Supermassive black holes)

إنّ الثقوب السوداء الهائلة كبيرة جدّاً؛ إذ تتراوح كتلتها بين ملايين إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس، وعلى الرغم من أنّ كتلتها كبيرة إلّا أنّ حجمها مساوٍ لحجم الشمس؛ إذ إنّ نصف قطر كلٍّ منهما متماثل، ويُعتقَد أنّ هذه الثقوب موجودة في قلب كلّ مجرّة في الكون تقريباً، وقد فسّر العلماء وجودها بعدّة نظريّات، منها:

  • اندماج عدد كبير يصل إلى مئات أو آلاف من الثقوب السوداء النجميّة معاً.
  • انهيار مجموعة من النجوم في وقتٍ واحدٍ، وتجمّعها لتكوّن هذه الثقوب الهائلة.

الثقوب السوداء المتوسطة (بالإنجليزيّة: Intermediate black holes)

اكتُشِف هذا النوع مؤخّراً؛ إذ اعتقد العلماء أنّ الثقوب السوداء تتكوّن من نجوم ذات حجم كبير أو صغير فقط. تنتج الثقوب المتوسطة عن اصطدام مجموعة من النجوم في تفاعل متسلسل، وإذا وُجِد العديد منها في منطقة واحدة فقد تنتهي معاً في مركز مجرّة مكوّنةً ثقباً أسود هائلاً، وقد عثرَ علماء الفلك عام 2014م على ثقب أسود متوسّط الكتلة في ذراع مجرّة حلزونيّة.

تأثير الثقب الأسود

إنّ الثقوب السوداء أجسام غامضة مثيرة للفضول، حيث يدرس العلماء تأثيرها على العناصر الكونيّة، ويضعون فرضيّات لما يحدث للأجسام إذا تعرّضت لجاذبيتها، ويمكن توضيح تأثير الثقب الأسود كما يأتي:

تأثيره على الأجسام القريبة

تسقط الأجسام القريبة من الثقب الأسود فيه، فالثقوب السوداء لا تمتص الأجسام بل إنّ هذه الأجسام تسقط فيها. واعتقد العلماء لفترة طويلة أنّ الجاذبيّة التي تتمتّع بها الثقوب السوداء قد تجعل الأجسام التي تقترب منها تتمددّ وتتطاول بشكلٍ كبير، ولكنّ الحقيقة أنّ الأجسام التي تقترب من الثقب الأسود تسقط فيه ثمّ تحترق، أمّا إذا اقتربت نجمة من الثقب الأسود فإنّه يُمزّقها.[٢]

تأثيره على كوكب الأرض

إنّ الثقوب السوداء بعيدة جدّاً عن كوكب الأرض، فأقرب ثقب إلينا يبعد عن الأرض 1600 سنة ضوئية، علماً أنّ سرعة الضوء تعادل 300 ألف كم في الثانية الواحدة،[٣] لذا فإنّ الأرض لن تتأثّر بالثقوب السوداء، وقد يضع البعض فرضيّة تحوّل الشمس إلى ثقب أسود لأنها نجم قريب من الأرض.[١]

ووضع الأرض تحت خطر التدمير، لكنّ الشمس نجم صغير لا يستطيع أن يتحوّل إلى ثقب أسود، وإن تحوّل فستكون كتلته صغيرة وقوّة جاذبيّته ستكون معادلةً لقوّة جذب الشمس للأرض، لذا لن تسقط الأرض في جاذبيّته، بل ستستمرّ بالدوران حوله كدوران الأرض حولَ الشمس.[١]

فوائد الثقب الأسود

هناك عدة فوائد لوجود الثقب الأسود في الكون، وهي كالآتي:[٤]

  • تساهم في تكوين مجرة درب التبانة التي نعيش بداخلها.
  • يساعد الثقب الأسود على تفسير بعض الظواهر الكونية مثل حركة النجوم المنطقية، والتي تدور حول بقعة فارغة، وبسرعة مذهلة، وهي تبدو منطقية أكثر في ظل وجود ثقب أسود كبير.
  • تساهم الثقوب السوداء في فهم حقيقة الكون وتركيبته، وتفسير المواضيع الفيزيائية الجديدة مثل نظرية الأوتار (بالإنجليزية: String Theory).
  • يمدّ الفضاء بمجموعة من العناصر مثل: الكربون، والنتروجين، والأكسجين نتيجة الانفجارات النجمية التي تحدث، وتنشر عناصر ثقيلة مثل الذهب والبلاتين نتيجة لتصادم الثقوب السوداء مع النجوم النيترونية.
  • تنبعث الأشعة السينية (الكهرومغناطسية) مثل أشعة جاما؛ نتيجةً لارتفاع حرارة المواد المتسارعة نحو الثقب الأسود بفعل قوة الجاذبية.
  • يساهم في تكوين النجوم داخل المجرات، والمقابل يسحق الثقب الأسود نجوم أخرى قريبة منه.
  • يحافظ على كثافة الكون.

نهاية الثقب الأسود

يبقى الثقب الأسود على قيد الحياة داخل المجرات ما دام قادرًا على جذب النجوم، والغبار، والغازات بفعل قوة الجاذبية المميزة له، وتسمّى هذه العملية بالتراكم، ويُذكر أنّ عملية الاندماج مع ثقب أسود آخر تساهم في بقائه، فينمو بازدياد حجمه وكتلته.[٥]

مع مرور الزمن ونفاذ المواد حول الثقب الأسود تزداد عملية التبخر ويزداد معدل الجسيمات الهاربة، فيدخل الثقب الأسود في حالة السكون، ويبدأ نموه بالتراجع فتقل كتلته وتتناقص طاقته نتيجة فقدان كمية من الطاقة.[٥]

بالإضافة إلى ذلك فإنّ ميكانيكا الكم تُبيّن أنّ طاقة الفراغ تتغير بمرور الزمن، وتبدو هذه التغيرات على هيئة جسيم وجسيم مضاد؛ أحدهما موجب والآخر سالب، والتي عادةً ما تدمر بعضها البعض، وعند ظهورها قرب أفق الحدث (بالإنجليزية: Event horizon) للثقب الأسود يسقط الجسيم ذو الطاقة السالبة في الثقب الأسود، ويهرب الجسيم ذو الطاقة الموجبة منه.[٥]

وذلك يؤدي إلى تقلّص الثقب الأسود في النهاية، وفي نهاية الثقب الأسود تحدث مجموعة من الانفجارات الهائلة بداخله تعادل مليون قنبلة اندماج نووي، ويُذكر أنّ الثقب الأسود يحتاج لوقت طويل جدًا حتى يختفي، والذي يُقدّر بحوالي 10100 سنة.[٥]

أضرار الثقوب السوداء

يبيّن علماء الفلك وجود ضرر مؤثر للثقوب السوداء على الكون ومحتوياته، وتكمن خطورتها بقوة الجاذبية التي تتميز بها، إذ تجذب كل ما يقترب منها من نجوم وغازات وغيرها، فلا يمكن الاقتراب منها؛ لأنّها تشكّل نهاية حتمية للمادة، وتلتهم كل ما هو قريب بتسخين تلك المواد إلى ملايين الدرجات من الحرارة.[٦]

تمتلك الثقوب السوداء قدرة على تمزيق أي شيء، حيث تعد الثقوب السوداء أحد المخلوقات المخيفة، لأنّها تلتهم كل شيء، كما تُعرف الثقوب السوداء بأنّها مقبرة المادة، ويُشار إلى أنّ الثقوب السوداء تتميز بأنّها معتمة لكن عند قيامها بشد المادة من حولها من نجوم، وغازات، وغبار تنشط تلك الثقوب السوداء وتبعث كمية كبيرة من الإشعاع.[٦]

وإذا أصبحت الثقوب في طور الكوازار النشط (بالإنجليزية: Quasar) يكون الإشعاع عالي الطاقة حولها، كما تتوقف عندها قوانين الفيزياء ويتوقف الوقت وتبدو الجاذبية لا نهائية، بالمقابل يعتقد البعض أنّ الأرض تدور بمدار ثابت فلا يمكن لها أن تقترب من الثقوب السوداء، وبالتالي هي لا تشكّل خطرًا على كوكب الأرض.[٦]

ماذا سيحدث إن التهمك الثقب الأسود؟

يستطيع الإنسان من مسافة بعيدة مشاهدة المنطقة خارج أفق الحدث للثقب الأسود، ولكن من يقع داخل أفق الحدث فإنّه سيشهد واقعًا مختلفًا، إذ سيتغيّر إدراك الشخصي لعنصري المكان والزمان كليًا، وفي نفس الوقت فإنّ الجاذبية الكبيرة للثقب الأسود ستضغط على جسم الإنسان بشكل أفقي، وتمدده بشكل عمودي مثل المعكرونة؛ لذلك يطلق عليها ظاهرة (بالإنجليزية: spaghettification).[٧]

ويُشار إلى أنّ الثقب الأسود يتميز بقوة جاذبية شديدة، إذ لا يمكن لأي مادة الهروب منه بعيدًا، إذ يستطيع التهام كل ما يقترب منه حتى الضوء، ويُذكر أنّ المعلومات المتوفرة حاليًا حول الجزء الداخلي للثقوب السوداء تأتي من النظرية النسبية للعالم ألبرت آينشتاين.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث ج Heather R. Smith (8-3-2017), “What Is a Black Hole”، www.nasa.gov, Retrieved 5-8-2018. Edited.
  2. ^ أ ب ت ث Nola Taylor Redd (19-10-2017), “Black Holes: Facts, Theory & Definition”، www.space.com, Retrieved 5-8-2018. Edited.
  3. ^ أ ب ت ث ج فداء ياسر الجندي (24-1-2016)، “الثقوب السوداء، حقائق وألغاز”، www.aljazeera.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-8-2018. بتصرّف.
  4. “What Earth Owes to Black Holes”, the atlantic, Retrieved 27/9/2021. Edited.
  5. ^ أ ب ت ث “The Beginning to the End of the Universe: How black holes die”, astronomy, Retrieved 27/9/2021. Edited.
  6. ^ أ ب ت “The scariest things in the universe are black holes – and here are 3 reasons”, the conversation, Retrieved 27/9/2021. Edited.
  7. ^ أ ب “10 Questions You Might Have About Black Holes”, NASA, Retrieved 1/10/2021. Edited.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب