X
X



ما هي الصوفية

ما هي الصوفية


ما هي الصوفية؟

إنّ الصوفية هي اسم لسلوك تعبّدي قد صار اسمًا لطائفة من المسلمين انتهجوا هذا النهج في سلوكهم وعبادتهم وعلاقتهم بالله تعالى، ولها عند علماء التصوف تعريفات كثيرة تدور في فلك تزكية النفس والتزام الكتاب والسنة ومكارم الأخلاق التي قد جاء بها الإسلام والتجرد من محبة الحياة الدنيا وتعلق القلب بالآخرة وبمحبة الله -تعالى- ونبيّه محمد عليه الصلاة والسلام، فمثلًا يقول الإمام الجُنيد الملقّب بسيّد الطائفة: “التصوّف استعمال كلّ خلق سني، وترك كل خلق دنِي”.[١]

وعلى نحو أشمل وأوضح من هذا التعريف يقول الإمام ابن عجيبة: “التصوّف هو علمٌ يُعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوّله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة”، وقد قال الشيخ زروق الفاسي إنّ تعريفات التصوّف قد بلغت نحوًا من ألفي تعريف مردّها كلّها إلى صدق التوجه إلى الله تعالى، فيظهر أنّ عماد التصوف هو تصفية القلب مما يشوبه من العلائق الدنيوية، وقوامه صلة الإنسان بخالقه سبحانه.[١]

ما سبب تسمية الصوفية بهذا الاسم؟

في أسباب تسمية الصوفية بهذا الاسم هنالك أقوال كثيرة، ولعلّ البداية بتعريفها لغة سيجعل المهمّة أسهل من حيث الإحاطة بجوهر التسمية، ففي اللغة الصوفية مشتقة من الجذر “صوف”، ولهذا الجذر اشتقاقات كثيرة وكلمات كثيرة منها كلمة الصوف الذي هو غطاء يكسو ظهور الأنعام من الضأن ونحوه كما يذكر أهل المعاجم،[٢] فلربّما تكون هذه التسمية مشتقّة من الصوف الذي كان لباس أكثر الصوفيّة إن لم يكن كلّهم، وفعلهم هذا كان اقتداءً بفعل كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ولا سيّما السابقين منهم إلى الإسلام؛ فقد روي عن الحسن البصري أنّه قال: “أدركتُ سبعين بدريًّا أكثر لباسهم الصوف”.[٣]

وكذلك روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح أنّه قال: “عليكم بلِباسِ الصُّوفِ، تَجِدوا حلاوةَ الإيمانِ في قلوبِكم”،[٤][٣] ولكن من أئمّة الصوفيّة من يرى أنّ نسبة الكلمة إلى الجذر العربي هو من قبيل الغلط لا أكثر؛ إذ الصوفية كلمة غير مشتقّة من شيء، وإنّما هي كلمة قد اصطلح الصوفية على تسمية أنفسهم بها، فهي لا تنتمي لاشتقاق ولا لغيره كما يقول الإمام القشيري صاحب الرسالة أحد أعمدة التصوّف في عصره وبعد ذلك أيضًا، غير أنّ العلّامة ابن خلدون يخالفه ويرى أنّ الكلمة مشتقّة من العربيّة على الأظهر، فالله أعلم بالصواب.[٥]

نشأة الصوفية

من هو مؤسس الصوفية؟ وأين نشأت؟

قد ذكر الباحثون أنّ نشأة التصوّف على وجه التحديد لا يمكن القول بها؛ فهو سلوك ابتدأ منذ عهد الصحابة وامتدّ إلى ما بعد عصر التابعين حتى صار نهجًا له اسم يختصّ به وله رجال يحملون فكره ويسيرون به.[٦]

إنّ أوّل من سُمّي بالصوفيّ هو أحد تلاميذ الحسن البصري واسمه أبو هاشم الصوفي، وقد توفي سنة 150هـ، ولكنّ الصوفيّة -كما سلف- أقدم من ذلك بكثير؛ إذ هي طريقة للعبادة قد التزمها كثير من الصحابة، وهي الزهد في الدنيا، وحسن العبادة والبلوغ بالنفس إلى درجة الإحسان التي هي من أعظم -أو أعظم- مراتب الإيمان، ولكن في عصر الصحابة والتابعين لم يكن هنالك من داعٍ لتسمية الرجل نفسه بالصوفي أو نحو ذلك؛ وذلك لأنّ أهل تلك العصور هم المشهود لهم بالخيريّة من النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكن بعد انقضاء عصر الصحابة والتابعين صارت حال الأمّة الإسلامية مختلفة.[٦]

إذ قد دخل في بوتقة الإسلام أقوام من مشارب شتّى، وانفتحت الدنيا أمام المسلمين يصيبون منها ما شاؤوا، فكثر المال وانصرف كثير من الناس إلى الدنيا، فكان لا بدّ أن يتمسّك بالطريق إلى الله -تعالى- ويلتزم النهج الذي سار عليه الأوائل، فصار بعد ذلك للصوفية كتب ونهج واضح يسيرون عليه حالهم حال العربي الذي كان يقرض الشعر بسليقته من دون حاجة لتعلّم النحو، ولكن لمّا فسدت الألسنة ودخل إليها اللحن صار لا بدّ من أن ينهض علماء يضعون علومًا تقوّم الألسنة وتحمي اللغة من الضياع، وحال علم التصوّف في ذلك كحال باقي علوم الدين واللغة التي وجدت بعد عهد الصحابة لحاجة إليها.[٦]

فمن ذلك يظهر أنّ التصوّف ليس له مؤسس وواضع واحد، ولكنّه وجد منذ ظهور الإسلام وما يزال يلتف حوله الرجال حتى صار نهجًا معروفًا له رجاله وكتبه الخاصة التي توضحه وتشرحه، ولكن هنالك شخصيّة صار التصوّف الإسلامي أوضح ما يكون على يديها، وانتقل التصوف من حالة جمعيّة شعوريّة يقوم بها أيّ شخص كان إلى طريق واضح له معالمه الخاصة وله خصائصه المميزة التي يُعرف بها، وهو الإمام الجنيد البغدادي أبو القاسم، ولقد اجتمع المتصوّفة منذ عصره إلى اليوم على تقديمه في التصوّف وجعله الإمام الأكبر الذي يسير على نهجه المتصوّفة إلى يوم القيامة.[٦]

يقول عنه الإمام تاج الدين السبكي في طبقاته معرّفًا به: سيد الطَّائِفَة ومقدم الْجَمَاعَة وَإِمَام أهل الْخِرْقَة وَشَيخ طَريقَة التصوف وَعلم الْأَوْلِيَاء فى زَمَانه وبهلوان العارفين”،[٧] وقد تتلمذ الجنيد -المولود عام 210هـ على أرجح الأقوال- على خاله السري السقطي الذي كان بيته ناديًا يرتاده عوام المتصوفة وخواصهم في ذلك العصر، وقد حدد الجنيد نهجه الذي يسير عليه وهو التزام الكتاب والسنّة، وقد روي عنه أنّه قال: “ما أخرج الله علمًا وجعل للخلق إليه سبيلًا إلّا وجعل لي فيه حظًّا ونصيبًا”، وكانت دروسه في المسجد يحضرها الكتبة لألفاظه، والفلاسفة لدقّة معانيه، والمتكلّمون لعلمه كما يقول أحد تلامذته.[٨]

الطرق الصوفية

ما المقصود بالطريقة في علم التصوف؟

إنّ المقصود بالطرق الصوفية هو طريقة العبادة التي يلتزمها بعض السالكين في طريق التصوف، وترجع كلّ طريقة من هذه الطرق إلى إمام قد أوجدها وسار عليها هو وتلامذته واستمرّت من بعده، وبعض هذه الطرق فيما يلي.

الطريقة الرفاعية

وتعود هذه الطريقة إلى الشيخ الإمام أحمد الرفاعي المولود في قرية أم عبيدة سنة 512هـ وتوفي سنة 578هـ في نفس القرية، وقد سمّي بالرفاعي نسبة إلى جده رفاعة واسمه الحسن، وقد كان الرفاعي من المتبعين للكتاب والسنة وكانت دعوته تمتاز بالتواضع والدعوة إلى العمل والتواضع والتوكل على الله تعالى، وكان الرفاعي يرى أنّ العابد لو عبد الله -تعالى- خمسمئة عام بطريقة مخالفة للشرع فلا حظ له من هذه العبادة وهي مردودة عليه، فلذلك كان التمسك بالكتاب والسنة وطريق السلف هو المنهج الوحيد للعبادة، ويوضّح الرفاعي نهج الطريقة الرفاعية التي يجب أن يسلكها المريدون وهو:[٩]

  • اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • موافقة السلف على حالهم.
  • لباس ثوب التعرية من الدنيا والنفس.
  • تحمل البلاء.
  • لباس الوقار واجتناب الجفاء.

ما هو التصوف السني؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: التصوف السني وخصائصه

الطريقة الجيلانية أو القادرية

وتعود هذه الطريقة إلى الإمام عبد القادر الجيلاني الذي يعود بنسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وكان الجيلاني معاصرًا للرفاعي الكبير فكانت طريقته الجيلانية والطريقة الرفاعية قد ظهرتا في القرن والزمان نفسه، وكان الإمام الجيلاني شديدًا في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم، فكان كثير الاعتراض على ذوي السلطان، وكان يراهم “كالبق والذر” كما يقول، وكان يرى أنّ الضرر والنفع هو من الله -تعالى- وحده لا من عبد من العباد العاجزين عن فعل أيّ شيء لولا إرادة الله تعالى، وكان متبعًا للكتاب والسنة، وكان يرى فيه “سعادة الدارين”، وقصته مع الشيطان مشهورة معروفة وتدل على سعة علمه واطلاعه رضي الله عنه.[١٠]

ومبنى الطريقة الجيلانية على التمسك بالكتاب والسنة وموافقة السلف في النهج والاعتقاد، وعلى المريد أن يلتزم الصدق والاجتهاد حتى يجد الهداية والإرشاد، وشروط الانتساب للطريقة الجيلانية أن يمر المريد بمرحلتين هما:[١٠]

الأولى

وهي قصيرة لا تتجاوز مدتها أكثر من نصف ساعة، وفيها خمس مراحل يجب أن يلتزمها المريد، وهي:[١٠]

  • اللقاء الأول: ويكون بين المريد وشيخه، وفيه العهد بين المريد وشيخه، واستغفار المريد ثم توبته ثم عزمه على طاعة الله تعالى، ثم ترديده ذكر وهو قوله: لا إله إلا الله.
  • التوصية: وهي جملة من الوصايا يأمر الشيخ بها مريده، وجملتها في العمل بمكارم الأخلاق وملازمة الوضوء والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من دون تعيين عدد.
  • المبايعة والقبول: وهي قبول الشيخ بيعة المريد له وجعله تلميذًا له.
  • الدعاء: وهو أن يدعو الشيخ لمريده بالقبول والسداد والفتح ونحو ذلك.
  • الكأس: وهو كأس ماء يتلو عليه الشيخ آيات من القرآن الكريم بالإضافة لسورة الفاتحة والإخلاص ويشربه المريد.

الثانية

وهي تتلو المرحلة الأولى وهي مرحلة طويلة تمتد حتى بلوغ المريد رتبة المشيخة، ويقول الإمام الجيلاني عنها: “على المريد عدم الانقطاع عن شيخه الموجه له”، يقصد طوال هذه المرحلة، لأنّه يتلقّى فيها علم الحقيقة عن شيخه وتحت إشرافه، ويأخذ عن شيخه الرياضات بكل أدب ممتثلًا أوامره ومجتنبًا نواهيه حتى يفتح الله عليه فتوح الأنبياء والأولياء، ويقول الإمام الجيلاني عن هذه المرحلة: “إنّما يلزمه بدوام الاتصال حتى يستغني عنه بالوصول إلى ربه عز وجل، فيتولاه بعد ذلك الله -تبارك وتعالى- بتربيته وتهذيبه، فيستغني بربه عن غيره”.[١٠]

وبعد أن تنتهي المرحلة الثانية يأخذ المريد شهادة عن شيخه تثبت له المشيخة، وتكون هذه الشهادة إجازة خطية من الشيخ يثبت فيها المشيخة لمريده بناء على إجازة شيخه ويذكر سنده المتصل إلى صاحب الطريقة إلى الحسن البصري إلى علي بن أبي طالب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى جبريل -عليه السلام- وتنتهي عند الله -سبحانه وتعالى- رب كل شيء الذي أرسل نبيّه بالإسلام، ويختم الشيخ الإجازة بدعاء هو: “اللهم بجاه هذه الشجرة المباركة متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الآخرة بعد حسن الختام في هذه الدار بسلام”.[١٠]

الطريقة الشاذلية

وتعود هذه الطريقة إلى مؤسسها الإمام أبي الحسن الشاذلي المولود سنة 593هـ والمتوفّى سنة 656هـ، واسمه علي بن عبد الله، يعود نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقد ولد في المغرب في سبتة، وقد لبس خرقة التصوف من شيخه عبد الله بن حرازم، وتلقى تعليمه في تونس في الفقه والشريعة وتفقه على مذهب الإمام مالك، وفي تونس التقى كثيرًا من أعلام التصوف وأخذ عنهم، وسافر أخيرًا إلى مصر وقضى فيها أربع عشرة سنة أسس فيها طريقته ومات فيها وهو في طريقه إلى الحج.[١١]

والانتساب للمدرسة الشاذلية يكون كما يلي:[١٢]

  • أخذ المصافحة: وفيه يكون التلقين من الشيخ مع الذكر ولبس الخرقة.
  • أخذ رواية: وهي قراءة الكتب من غير حل لمعانيها، والغالب أنّ الأخذ هنا للتبرّك لا أكثر.
  • أخذ دراية: وهي قراءة كتبهم وحل معانيها من غير عمل بها.
  • أخذ تدريب: ويكون فيها أخذ تدريب وتهذيب وترقٍّ في الخدمة بالمجاهدة للوصول إلى رتبة المشاهدة.

هل هناك فرق بين الحركة الصوفية والسنة؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: الفرق بين الصوفية والسنة

حقيقة منهج الصوفية

على ماذا اعتمد الصوفية في بناء منهجهم؟

إنّ نهج التصوّف -كما مرّ- مأخوذ عن الكتاب والسنة وطريق الصحابة ومن جاء بعدهم، ولكن هنا ينبغي التنبيه على خطأ وقع فيه بعض الباحثين المُحدَثين وهو أنّهم نسبوا كثيرًا من عبادات الصوفيّة إلى الوثنيّين من البوذيين والسيخ والهندوس ونحوهم، وكذلك إلى بعض عادات أهل الكتاب، والسبب في ذلك هو أنّهم اتّبعوا كلام المستشرقين الذين هو في معظمهم من المبشّرين الذين يلبسون لبوس العلم والبحث ليخفوا حقيقتهم النصرانية أو اليهودية، وذلك نابع من حقد دفين على الإسلام وأهله، وكون الصوفيّة بخاص ّة كانوا قادة المسلمين في الحروب الصليبية كالقائد صلاح الدين ونور الدين زنكي وغيرهما.[١٣]

عقيدة الصوفية

هل للصوفية عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة؟

إنّ العقيدة التي يسير عليها الصوفيّة هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي يسير عليها السواد الأعظم من المسلمين، فمنهم من كان يسير على نهج الأشاعرة مثل الإمام أبي حامد الغزالي، ومنهم من كان يسير على طريقة الحنابلة مثل الإمام عبد القادر الجيلاني، والفرق بين الأشاعرة والحنابلة الأوائل، والفرق بينهما بسيط ولكل منهما وجهة نظره التي يتبنّاها في تنزيه الله -عز وجل- عمّا لا يليق به.[١٤]

من هم أشهر شعراء الشعر الصوفي؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: معلومات عن الشعر الصوفي

أبرز أفكار الصوفية

ما أهم ما يميّز الصوفي عن غيره؟

إنّ للصوفيّة مميزات تجعلهم يمتازون عن غيرهم من المسلمين سواء بالظاهر أو بالباطن، ومن تلك الأمور:

لبس الخرقة

والخرقة هي ثوب ممزق مصنوع من الصوف يرتديه المتصوّفة ليكون شعارًا لهم يميّزهم عن باقي المسلمين، ويرتديها العوام منهم والخواص، ولهم في ذلك هدف وهو أنّها لمّا صارت شعارًا لهم فإنّ الخواص يرتدونها لتكون رادعًا لهم عن الوقوع في المعاصي، فإنّ المسلمين عندما يرَونهم يرتدون هذه الخرقة فإنّهم يكبرونهم ويجلونهم، فيكون ذلك رادعًا لهم في السر والعلانية، وكذلك العوام فإنّهم عندما يرتدونها يصبحون محل احترام من الخلق، فيكون هذا دافعًا لهم للاجتهاد ليصبحوا من الخواص، ففي لبسها ترغيب للعوام وترهيب وتأديب للخواص.[١٥]

الذكر

وحلقات الذكر من أهم ما يميز الصوفية، ودليلهم على جواز ذلك آيات الله -تعالى- الكثيرة الداعية إلى ذكره، كقوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}،[١٦] وقوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}،[١٧] وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}،[١٨] وغير ذلك من الآيات، وأيضًا في الحديث القدسي يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن ربه تعالى: “أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ”.[١٩][١٥]

فالذكر الذي يعتمده الصوفية أكثر من غيره هو قول “لا إله إلا الله”، ولا يصل السالك عندهم إلى ربه إلّا من خلال المداومة على الذكر، ويقول القشيري في رسالته متحدّثًا على مسألة الذكر وأهميته عند المتصوفة: “ذكر الله بالقلب سيف المريدين، به يقاتلون أعداءهم وبه يدفعون الآفات التي تقصدهم، وإن البلاء إذا أظل العبد؛ فإذا فزع بقلبه إلى الله -تعالى- يحيد عنه في الحال كلُّ ما يكرهه”، ويرى الرازي أنّ ذكر الله -عز وجل- إذا حل بالقلب فإنّ ظلمة البشرية تخرج منه وتحل محلها الأنوار الربوبية، فالذكر مسألة روحية للصوفي تجعله قريبًا من ربه سبحانه وتعالى.[١٥]

القول بالكرامات

والكرامة هي أمر خارقٌ للعادة يُحدثه الله -تعالى- على يد ولي من أوليائه الصالحين، وقد أنكرها المعتزلة وقال بها جمهور أهل السنة من الأشاعرة وغيرهم، وهي أمر ثابتٌ كرزق مريم -عليها السلام- الطعام، وتساقط الرطب عليها عن ولادتها مع أنّها لم تكن نبية، ولكن بعض جهّال المتصوّفة قد أساؤوا لمسألة الكرامة ونسبوا كثيرًا من الأكاذيب لرجال ربما لا يكونون من الصالحين ولا يشهد لهم أحد من الخلق بصلاح أو إيمان أو كثرة عبادة، فغدا هذا المفهوم مشوّهًا ومرفوضًا عند كثير من المسلمين مع أنّه أمرٌ ثابت في الكتاب والسنة.[١٥]

وحدة الوجود والحلول والاتحاد

هل قال الصوفية بوحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد؟

المقصود بوحدة الوجود والحلول والاتحاد أنّ الله -تعالى- قد حلّ في كل شيء من مخلوقاته كالحجارة والجبال والبحار والأشجار وغير ذلك، أو أن تكون المخلوقات على الأرض هي عين الله -تعالى- وذاته، وتعالى الله عن هذا القول علوًّا كبيرًا، فالقائل بذلك القول هو كافرٌ بإجماع أهل العلم، ولا يقول بها مسلم صحيح الإسلام، والصوفية قد انتسب إليهم كبار أئمة أهل العلم كحجة الإسلام الإمام الغزالي، فهل يقول الغزالي بهذا القول -مثلًا- إن كان القول هو قول عامة الصوفية؟[٢٠]

وهذا القول قد نسبه بعض الناس إلى الصوفية إمّا جهلًا بنهجهم وأقوالهم، وإمّا بتأويل كلامهم على غير ما يريدون، ومن أبرز الذين قد ألصقت بهم تهمة القول بالاتحاد الشيخ محيي الدين بن عربي الذي يلقبه الصوفية بالشيخ الأكبر، ولكنّ ابن عربي ينكر القول بالاتحاد، ومما نقل عنه أنّه قال: “اعلم أنّ الله -تعالى- واحد بالإجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد في شيء”، فالقول بذلك ليس من التصوف في شيء، بل هو مكذوب عليهم إمّا بقصد وهو دس السموم في عقائدهم، وإمّا من طريق الجهل وتأويل كلامهم على غير ما هو عليه.[٢٠]

ما الفرق بين التصوف السني والتصوف الفلسفي؟ لمعرفة ذلك قم بالاطلاع على هذا المقال: معنى التصوف

أبرز مصطلحات الصوفية ومعانيها

هل ثَمّ من ألفاظ الصوفية ما هو شرك؟

إنّ للصوفية ألفاظًا اصطلحوا عليها حتى صارت تدل عليهم، وقد لا يفهمها غيرهم فيحسبها شركًا، ومن أشهر تلك المصطلحات:

  • الفناء: وهو من أشهر الاصطلاحات عند الصوفية، وهو في كل حال له معنى خاص كما نص على ذلك الكاشاني في معجمه، ومعناه الأقرب للحقيقة هو فناء النفس من التعلق بالأكوان ومحبتها والتعلق بمحبة الرحمن سبحانه.[٢١]
  • السالك: وهو السائر إلى الله تعالى، المتوسط بين المريد والمنتهي.[٢٢]
  • السفر: وهو توجه القلب إلى الحق عز وجل، وهو على أربعة أنواع عندهم.[٢٣]

أشهر علماء الصوفية

من أبرز من السائرين على طريق التصوف؟

إنّ من علماء أهل السنة وأئمتهم من سار على نهج التصوف حتى صار علمًا من أعلامه، ومن أبرزهم:

  • معروف الكرخي.
  • الفضيل بن عياض.
  • أبو يزيد البسطامي.
  • السري السقطي.
  • ذو النون المصري.
  • بشر الحافي.
  • الإمام الجنيد.
  • حاتم الأصم.
  • سهل التستري.
  • أبو سليمان الداراني.
  • الإمام الغزالي.
  • الإمام ابن عطاء الله السكندري.
  • الإمام أحمد الرفاعي الكبير.
  • الإمام عبد القادر الجيلاني.
  • الشيخ عبد الوهاب الشعراني.
  • الإمام ابن عجيبة.
  • الإمام ابن عربي.
  • الإمام العز بن عبد السلام.
  • الإمام القشيري.

أشهر كتب الصوفية

ما أهم ما تركه الصوفية من إرث يدل عليهم؟

لقد ترك الصوفية كثير من الكتب التي تدل عليهم وتشرح حقيقة مذهبهم، ومن أشهر تلك الكتب:

  • الرسالة القشيرية: وصاحبها هو أبو القاسم القشيري، وقد وضع الكتاب بعد أن رأى انحرافًا عن طريق التصوف، وفيه خلاصة التصوف بنفسٍ عميق معروف عن الإمام القشيري.[٢٤]
  • الرسالة اللدنية: وهو كتاب للإمام الغزالي يرد فيه على من أنكر العلم اللدني الذي يقول به الصوفية.[٢٥]
  • الحكم العطائية: وهو كتاب للإمام ابن عطاء الله السكندري، وفيه حكم قصيرة عميقة يوردها الإمام ابن عطاء الله بشيء من العمق، ومحاور هذه الحكم ثلاثة: التوحيد والأخلاق والسلوك.[٢٦]
  • البرهان المؤيد: وهو كتاب للإمام أحمد الرفاعي الكبير، وهو مجموع الدروس التي كان يلقيها في المسجد على مريديه، وفيه خلاصة تجربته ونصائح للمريدين وفيه تتجلى حقيقة طريقته الرفاعية المعروفة.[٢٧]

للتعرف إلى أشهر كتب ومؤلفات الصوفية بشكل مفصل يمكنك الاطلاع على هذا المقال: أشهر كتب الصوفية

المراجع[+]

  1. ^ أ ب عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف، حلب:دار العرفان، صفحة 17 – 19. بتصرّف.
  2. ابن منظور، لسان العرب، صفحة 199. بتصرّف.
  3. ^ أ ب محمد بن الحسين السلمي، تسعة كتب في أصول التصوف، صفحة 6. بتصرّف.
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:5556، حديث صحيح.
  5. ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، صفحة 611. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف، حلب:دار العرفان، صفحة 22 – 26. بتصرّف.
  7. تاج الدين السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، صفحة 260. بتصرّف.
  8. أبو القاسم الجنيد، رسائل الجنيد، القاهرة:منشورات برعي وجداي، صفحة 1 – 2. بتصرّف.
  9. عامر النجار، الطرق الصوفية في مصر، القاهرة:دار المعارف، صفحة 63 – 67. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث ج عامر النجّار، الطّرق الصّوفية في مصر، القاهرة:دار المعارف، صفحة 74 – 80. بتصرّف.
  11. عامِر النجار، الطرق الصوفيّة في مِصر، القاهرة:دار المعارف، صفحة 124 – 125. بتصرّف.
  12. عَامر النجار، الطرُق الصوفية فِي مصر، القاهرة:دار المعارف، صفحة 146. بتصرّف.
  13. عبد القادر عيسى، حقائقُ عن التصوّف، حلب:دار العرفان، صفحة 24 – 27. بتصرّف.
  14. “هل للصوفية عقيدة خاص ة بهم تخالف أهل السنة والجماعة”، دار الإفتاء، اطّلع عليه بتاريخ 4/4/2021. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت ث عامر النجار، الطرق الصوفية في مصر، القاهرة:دار المعارف، صفحة 30 – 40. بتصرّف.
  16. سورة الأحزاب، آية:35
  17. سورة البقرة، آية:152
  18. سورة الأحزاب، آية:41 – 42
  19. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7405، حديث صحيح.
  20. ^ أ ب عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف، حلب:دار العرفان، صفحة 434 – 440. بتصرّف.
  21. عبد الرزاق الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، القاهرة:دار المنار، صفحة 365 – 366. بتصرّف.
  22. عبد الرزاق الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، القاهرة:دار المنار، صفحة 119. بتصرّف.
  23. عبد الرزاق الكاشاني، معجم اصطلاحات الصوفية، القاهرة:دار المنار، صفحة 122. بتصرّف.
  24. أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، القاهرة:مؤسسة الشعب للصحافة والطباعة والنشر، صفحة 1. بتصرّف.
  25. أبو حامد الغزالي، الرسالة اللدنية، القاهرة:دار المقطم للنشر والتوزيع، صفحة 1. بتصرّف.
  26. محمد سعيد رمضان البوطي، الحكم العطائية شرح وتحليل، دمشق:دار الفكر، صفحة 1. بتصرّف.
  27. أحمد الرفاعي، البرهان المؤيد، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 1. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب