موقع اقرا » إسلام » تعاليم الإسلام » فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها

فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها

فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها


مفهوم الرحمة

تمهيدًا للحديث عن فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها كما وردت في القرآن الكريم والسنّة وفي كتب السيرة النبويّة العطرة لا بدّ من توضيح المفهوم الرئيس للرحمة في اللغة والاصطلاح، فالرّحمة هي واحدةٌ من الأخلاق المحمودة وصفةٌ من صفات الله العظيمة ومن صفات أنبيائه ورسله والصّالحين من عباده المخلصين، والرّحمة في اللغة من الرقّة والعطف، ومنها جاء قول صلة الرّحم: أيّ القرابة وعلاقتهم ببعضهم البعض، أمّا في الاصطلاح فهي رّقةٌ لا تكون إّلا بالإحسان إلى الشيء المرحوم، والرقة تكون في النفس والقلب فهي تبعث السرور والطمأنينة للمرحوم وتضفي إلى النّفس طابع المحبّة والإحساس بالشخص الآخر.[١]

الرحمة والتراحم في الإسلام

الرحمة في الإسلام خلقٌ عظيم لا نظير له، فقد كتب الله على نفسه الرحمة ما هو مؤكد في سورة الأنعام في قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}،[٢] لتكون صفة الرحمة من الكلمات والصّفات الأكثر تكرارّا في القرآن الكريم، فالقرآن الكريم هو أوّل ما يلفت الأنظار في حياة المسلمين، فهو دستورٌ لهم وأهمّ مصادر الشريعة والتشريع، وقد أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عند قراءته بالتزام البسملة والتي تحمل فيها قول “الرحمن الرحيم” وهما اسمان مشتقّان من الرحمة ويكونان في صيغة المبالغة.[٣]

فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها

روي في الصّحيح من الحديث عن جرير بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “منْ لا يَرحمْ لا يُرحمْ، و منْ لا يَغفرْ لا يُغفرْ لهُ، و منْ لا يتبْ لا يُتبْ عليهِ”،[٤] وفي شرح الحديث أنّ من لا يعامل النّاس حوله في مجتمعه برحمةٍ وعطفٍ لا ينال رحمة الله -سبحانه وتعالى-، والرّحمة تكون بغريزة الإنسان كما جبل على فطرته السليمة عندما ولد في هذه الدنيا، أو تكون رحمةً مكتسبة من خلال تجارب الحياة ومخالطة النّاس والإحسان لهم، فمن سكنت الرحمة قلبه بين العباد نال رحمة الله العظيمة في الدّنيا والآخرة.[٥]

والحديث في هذا المقال يتمحور حول فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها، أمّا عن فضلها أن ينال من جعلها في حياته رحمةً من الله ورضوانٌ كبير، وأمّا عن مظاهرها فهي تتمثّل في صور وجوانب كثيرةً لعلّ أبرزها رحمة الله التي وسعت كل شيء فهي صفةٌ للخالق المولى -عزّ وجلّ- وخلق الرحمة المتمثل في حياة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ورحمته بالصغار والكبار والكفار وغيرهم، ورحمة أهل الإيمان فيما بينهم فقد أوصى القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة عباد الله المسلمين أن يلتزموا جانب الأخلاق الحميدة والتي تموضعت الرّحمة فيها مع الصّفات العظيمة التي ينبغي على كلّ مسلمٍ أن يتمثّلها.[٦]

صور من رحمة الله بعباده

لعلّ أبرز ما يتناوله موضوع فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها هي صور من رحمة الله، فالله تبارك وتعالى هو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، ورحمة الله -سبحانه وتعالى- تتجلّى على الخلائق عامّةً وعلى الإنسان خاصةً، ويتجلى ذلك ابتداءً في وجود الخلق أنفسهم، وفي نشأتهم من حيث لا يعلمون، وفي تكريم الإنسان على كثير من العالمين وتفضيله بنعمة العقل والتفكير، ويتجلّى ذلك في تسخير ما في هذا الكون العظيم من النعم والطاقات والقوى والأرزاق والماء والهواء، وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “أترونَ هذه طارحةً ولدَها في النارِ قالوا لا يا رسولَ اللهِ قال لَلَّهُ أرحمُ بعبادِه من هذه بولدِها”.[٧][٨]

فرحمة الله -سبحانه وتعالى- وسعت كلّ شيء، وهو ما أكّده في سورة الأعراف في قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}،[٩] كما أنّ من رحمة الله بعباده أن أرسل لهم الأنبياء والرّسل والكتب السماويّة لإنارة طريق حياتهم ليهتدوا إلى الصّراط المستقيم، كما أنّ رحمة الله تعالى هي من تدخل النّاس الجنّة، فلا يدخلها أحدٌ بعمله كما جاء في الصّحيح: “لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ قالوا: ولا أنْتَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه بفَضْلٍ ورَحْمَةٍ”.[١٠][١١]

صور من رحمة الأنبياء والرسل

الحديث عن فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها يقتضي الحديث عن رحمة الأنبياء والرسل، فالرّحمة خلق الأنبياء فقد بنى الأنبياء والرسل تعاملهم مع أقوامهم على الرّحمة، وذلك على الرّغم ممّا لاقوه وقاسوه من الأذى منهم، وكانوا -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- دائمي الدعاء لهم بالهداية والمغفرة، عسى أن يمنّ الله عليهم فيتوب عليهم ليتوبوا ويهتدوا إليه، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: “كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِياءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، فَهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ، ويقولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ”.[١٢][١٣]

فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها من حياة الأنبياء والرّسل عديدة، فها هو نبيّ الله نوح -عليه السّلام- كانت تحمله الشفقة والرحمة على قومه يوم أن فاض التنور، قال تعالى في سورة هود: {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}،[١٤]وسيّدنا ابراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- حينما كان دائم الجدل عن قوم لوط، ويستغفر لهم كي لا ينالهم عذابٌ الله، قال تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}.[١٥][١٣]

رسول الله رحمة للعالمين

واحدة من مقتضيات الحديث عن فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها هي الحديث عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، فهو من الخلق أكثر النّاس تمثّلًا وتطبّعًا بهذه الخصلة الحميدة والخلق العظيم، قال تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}،[١٦] ولقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- في باب الحديث عن رحمته -صلّى الله عليه وسلّم-: “قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ علَى المُشْرِكِينَ قالَ: إنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنَّما بُعِثْتُ رَحْمَةً”،[١٧] فكان -صلّى الله عليه وسلّم- أكثر النّاس رحمةً بالنّاس حوله من الأطفال والكبار والمسلمين وغير المسلمين وبالخلائق أجميعن.[١٨]

وإنّ واحدة من فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها الأكثر عظمة من حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- هي رحمته النبويّة مع الكافرين، فعلى الرغم من اشتداد أذى كفّار قريش للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه الكرام إلّا أنّ الرسول بقي على فطرته السليمة ورحمته العظيمة، ولقد جاء في الصّحيح أنّه قال: “قدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وكانَ أَشَدَّ مَا لقيتُ منهم يَوْمَ العقبةِ، إذْ عرضْتُ نَفْسِي عَلَى ابنِ عبدِ يا لِيلِ بنِ عبدِ كُلَالِ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أردتُّ، فانطلقْتُ وأنا مهمومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أستفِقْ إلَّا وأنا بقرْنِ الثعالِبِ، فرفَعْتَ رأسِي فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أَظَلَّتْنِي، فنظَرْتُ، فإذا فيها جبريلُ، فناداني، فقالَ: إِنَّ اللهَ قدْ سَمِعَ كلامَ قَوْمِكَ لَكَ، ومَا ردُّوا علَيْكَ، وَقَدْ بعثَ إليكَ مَلَكَ الجبالِ لِتَأْمُرَهُ بِما شِئْتَ فيهم، فناداني مَلَكُ الجبالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ يا مُحَمَّدُ! فقالَ ذَلِكَ فَما شِئْتَ، إِنَّ شِئْتَ أُطْبِقَ عليهمُ الأخشبينِ، قلتُ: بلْ أرجو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصلابِهم مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وحْدَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شيْئًا”.[١٩][٢٠]

مظاهر الرحمة من حياة الصالحين

الصحابة والتابعين والصّالحين من أكثر النّاس تمسّكًا بالمنهج الشرعيّ الذي وضعه سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- من خلال السنّة النبوية الشريفة والشريعة الإسلاميّة، وكما يوجب موضوع فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها الحديث عن رسول الله فإنّه يقتضي التطرّف إلى أصحابه والصّالحين ومظاهر وصور من رحمتهم وتراحمهم بين العباد -رضوان الله عليهم أجمعين-، فهذا هو الشّديد العتيد الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان متمثّلًا لجانب الرحمة والرّقّة واللّين، حينما جاءه عبد الرحمن بن عوف يطلب لينه للنّاس، فقال له: “إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي”.[٢١]

وله موقفٌ في تمثّل الرحمة كما أخذها عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن شاهده عيينة بن حصن في أحد الأيام وهو يقبّل أطفاله، فاستغرب واستنكر ذلك عيينة، فقال له الفاروق: “الله، الله -حتى استحلفه ثلاثًا-، فما أصنع إن كان الله نزع الرَّحْمَة من قلبك؟ إنَّ الله إنَّما يرحم من عباده الرُّحماء”، وتروي أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وتقول: “جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فأطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ منهما تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إلى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بيْنَهُمَا، فأعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الذي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أَوْجَبَ لَهَا بهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بهَا مِنَ النَّارِ”.[٢٢][٢١]

آيات قرآنية عن رحمة الله

لقد فصَّلَت الآيات القرآنية الكثير من أخلاق وصفات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وعمَّقت خلق الرحمة بوصفه خلقًا محوريًا نابعًا من أسماء الله الحسنى وصفاته فهو -جل شأنه- الرحمن الرحيم، وفيما يأتي يذكر تباعًا الآيات القرآنية التي تحمل بمضمونها فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها:[٢٣]

  • في سورة آل عمران: قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.[٢٤]
  • في سورة التوبة: قال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[٢٥] وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.[٢٦]
  • في سورة القصص: قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.[٢٧]
  • في سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}.[٢٨]

أحاديث نبوية عن رحمة الله

ورد في كتب السنّة النبوية والأحاديث التي رويت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الكثير من الأحاديث التي تناولت موضوع فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها، وفيما يأتي أبرز ما ورد عن النبيّ في الأحاديث الصّحيحة:[٢٩]

  • قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “إنَّ للهِ مائةَ رحمةٍ، أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجنِّ و الإنسِ و البهائمِ و الهوامِّ، فبها يتعاطفون، و بها يتراحَمون، و بها تَعطفُ الوحوشُ على ولدِها، و أخَّر تسعًا و تسعين رحمةً، يرحمُ بها عبادَه يومَ القيامةِ”.[٣٠]
  • عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- قال: “قَدِمَ علَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- بسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، تَبْتَغِي، إذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ، أَخَذَتْهُ فألْصَقَتْهُ ببَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: أَتَرَوْنَ هذِه المَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لَا، وَاللَّهِ وَهي تَقْدِرُ علَى أَنْ لا تَطْرَحَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ-: لَلَّهُ أَرْحَمُ بعِبَادِهِ مِن هذِه بوَلَدِهَا”.[٣١]

أحاديث قدسية عن رحمة الله

يتضمّن الحديث عن فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها جانبٌ عظيم من الأحاديث القدسيّة التي أخبر بها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن رحمة الله -سبحانه وتعالى- بخلقه أجمعين، وفيما يأتي بعض الأحاديث القدسيّة في فضل الرحمة في الإسلام ومظاهرها:

  • قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “إنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريلَ فقال: إني أُحِبُّ فلانًا فأَحبَّه، فيُحبُّه جبريلُ، ثم ينادي في السماءِ فيقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ فلانًا فأَحِبُّوه، فيُحبُّه أهلُ السماءِ، ثم يُوضَع له القَبولُ في الأرضِ، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريلَ فيقولُ: إني أُبغِضُ فلانًا فأَبْغِضْه، فيبغضُه جبريلُ، ثم ينادي في أهلِ السماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فلانًا فأَبغِضوه، فيُبغِضونه، ثم يوضعُ له البغضاءُ في الأرض”.[٣٢]
  • عَنِ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنَّهُ قالَ: “يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ”.[٣٣]

المراجع[+]

  1. “معنى الرَّحْمَة لغةً واصطلاحًا”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-10-2019. بتصرّف.
  2. سورة الأنعام ، آية: 54.
  3. “الرحمة والتراحم بين الخلق”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-10-2019. بتصرّف.
  4. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جرير بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 9075، صحيح.
  5. “مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-10-2019. بتصرّف.
  6. “إنها الرحمة”، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-10-2019. بتصرّف.
  7. رواه ابن تيمية، في تلبيس الجهمية، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 5/426، صحيح.
  8. “سعة رحمة الله بعباده”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  9. سورة الأعراف، آية: 156.
  10. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2816، [صحيح].
  11. “رحمة الله بعباده”، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  12. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 6929، [صحيح].
  13. ^ أ ب “نماذج من الأنبياء والمرسلين في الشفقة”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2016. بتصرّف.
  14. سورة هود، آية: 45-46.
  15. سورة هود، آية: 74-76.
  16. سورة الأنبياء، آية: 107.
  17. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2599، [صحيح].
  18. “مظاهر رحمة النبي بأمته في الدور الثلاثة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  19. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5141، صحيح.
  20. “صور من الرحمة النبوية بالكافرين”، www.articles.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  21. ^ أ ب “نماذج من رحمة الصحابة رضوان الله عليهم”، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  22. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2630، [صحيح].
  23. “آيات عن الرفق والرحمة”، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  24. سورة آل عمران، آية: 159.
  25. سورة التوبة، آية: 61.
  26. سورة التوبة، آية: 128.
  27. سورة القصص، آية: 23-27.
  28. سورة الفتح، آية: 29.
  29. ” حدثونا عن رحمة الله – سبحانه وتعالى -“، www.ahlalhdeeth.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-10-2019. بتصرّف.
  30. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 2172، صحيح.
  31. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 2754، [صحيح].
  32. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1705، صحيح.
  33. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 2577، [صحيح].






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب