X
X



شعر عن البحر

شعر عن البحر


البحر

بين موجاته المتتالية رسائل متناغمة، ذكريات وأزمنة، يصفو الذهن، وتتشبّع الروح برائحة الحياة، تطرب الأذن لسماع موسيقا الموجة الهادئة، وتنتعش العين لرؤية الأمواج وجمال البحر. في هذا المقال اخترنا لكم جميل الشعر الذي قيل في البحر.

شعر عن البحر

  • لا أركبُ البحرَ حذار الردى

للبحرِ أهوالٌ وأمواجُ

والبرّ لا زلتُ له سالكاً

لي فيه ولا في البحرِ منهاجُ

لستُ بولاج على جارتي

لكن على ابنِ الجارِ ولاجُ

لستُ على غير غلام أرى

أيري إذا هيّجتُ يهتاجُ

لا يبعجُ الصدعَ ولكنّهُ

لفُقحةِ الأمردِ بعّاجُ

  • البحر رهوٌ والسما صاحيه

والفخت في الليل شبيه السديم

والبدر في طلعته الزاهية

قد ضاحك البحر بثغرٍ بسيم

والصمت في الأنحاء قد خيّما

فالليل لم يسمع ولم ينطِق

والبدر في مفرق هام السما

تحسبه التاج على المَفرق

أغرق في أنواره الأنجما

وبعضها عام فلم يغرق

والبحر في جبهته الصافيه

قام طريقٌ للسنا مستقيم

لم تخفَ في أثنائه خافيه

حتى ترى فيه اهتزاز النسيم

وقفت والريح سرت سجسجا

وقفة مبهوت على الساحل

أنظر ما فيه يحار الحجا

في الكون من عالٍ ومن سافل

يا منظراً أضحك ثغر الدجى

ورد سحبان إلى باقل

ما أنت إلا صحف عاليه

كم حار في حكمتها من حكيم

إذا وعتها إذن واعيه

فقد وعت خير كتاب كريم

وزان عرض البحر ما قد بدا

من زورق يجري بمجدافتين

  • لا أركب البحر أخشى

علي فيه المعاطب

طين أنا وهو ماء

والطين في الماء ذائب

  • البحر أنت وهذا العالم السمك

فان تخليت عنهم ساعة هلكوا

هم الرعايا العبيد الطائعون هم

وأنت أنت المطاع السيد الملك

هلا تكلهم إلى من ليس يرحمهم

ولا يرى هلكهم أمرا به درك

فانت أكرم يا من لم يخب أمل

في فضله كلما مدت له شبك

أمهلتهم وفعلت الخير أجمعه

ولم يكن منك تعنيف ولا نهك

فامنن بأخرى وسامحهم وحط ولا

تترك عوائدك الحسنى وإن تركوا

فضرهم بينّ فاغنم دعا وثنا

يبقى وتبقى له ما أبقي الفلك

  • البحر يغلى كان البحر بركان

تثيره تحت فيض الماء نيران

والليل داج سوى مصباح هادية

له على ظلمات الليل سلطان

تمزق البحر من هوجاء عاصفة

كقلب ثكلى لها في الليل ارنان

وراعت العين امواج قد اصطخبت

كأنهن عفاريت وجنان

في شكل مرتفع منها ومنخفض

كأنما هي كثبان ووهدان

وكان في ساحل الدأماء منتصباً

شخص تبين في عينيه اشجان

يرنو مليا الى فلك تقاذفه

في اللج امواجه والفلك هيمان

وبعد ما حالت الامواج بينهما

كأنما تلكم الامواج جدران

سمعته قائلا ويلي ومديداً

كما يشير إلى الاخطار لهفان

قد مزقته سيوف الموج مرهفة

حتى هوى فطواه اللج يختان

وكان قبل تواريه يصارعه

ثم اختفى وذويه ثم ما بانوا

الفلك يحوي عزيزاً لي فوا حزني

ان بت حبل رجائي فيه فقدان

لا ينبغي ان يكون البحر قاتله

ان كان للبحر ذي الامواج وجدان

ان كان ما كنت منه قبل في وجل

فسوف تنهش مني القلب احزان

أفي استطاعة من اهوى مصارعة

للموج ام هو من جراه عيان

ام ضمه البحر في احضان لجته

ام ليس للبحر مثل الام احضان

وبعد ذلك ناداه يسائله

فلم يجبه سوى الامواج انسان

فقال بل قد ثوى في لجه غرقا

واللج قبر له والموج اكفان

يا بحر خذني الى من انت آخذه

فانني لألى لقياه ظمآن

فان هلكت فمالي عنه منصرف

وان بقيت فمالي عنه سلوان

ثم ارتمى باندفاع لامرد له

في البحر يقحم فيه وهو اسوان

ان الحبيب لذي اودى الخضم به

هو القريض ومن يهواه جبران

والبحر ليس سوى الشرق الذي اضطربت

اموره والرياح الهوج اضغان

قد مات جبران مجهودا بمهجره

ولا تموت على جبران اشجان

  • أموجَ البحر أسعفني فإني

أرى نار الصبابة في ضلوعي

ولا تبخل عليّ كما تناهت

إلى الغايات باخلة دموعي

قضيت الليل أصرخ من غرامي

ولم يظفر غرامي بالسميع

ظباء البحر والعرى اجتلاهم

بدوا مثل الأهلة في الطلوع

نظرت إليهمو والقلب خال

فأمسى وهو مسكون الربوع

نهانى من نهانى عن غرامي

ولم أك قط يوما بالمطيع

يا بحر ما هذه الأجسام سابحة

كأنها النور في أحشاء ديجور

وما رعابيب تختال الحياة بها

ما بين عين يصدن القلب أو حور

جآذر ثبج الأمواج ملعبهم

وهن أشبه لطفا بالعصافير

غنيت للرمل والحسن المطيف به

داوود يعجب من هذه المزامير

نزلت أسبح علّ الماء ينفعني

والبحر يضرب أمواجا بأمواج

والوجه صبح تنير الليل طلعته

مثل المصابيح وهاجا لوهاج

  • يا نسيم البحر ريانَ بطيب

ما الذي تحمل من عطر الحبيب

صافحتني من نواحيك يدٌ

تمسح الدمعة عن جفن الغريب

وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا

وهديرٌ مثل موصول النحيب

  • وَقَد كانَ هَذا البَحرُ لَيسَ يَجوزُهُ

سِوى خائِفٍ مِن ذَنبِهِ أَو مُخاطِرِ

فَصارَ عَلى مُرتادِ جودِكَ هَيِّناً

كَأَنَّ عَلَيهِ مُحكَماتِ القَناطِرِ

  • ما زِلتُ أَطفو في بِحارِ الهَوى

يَرفَعُني المَوجُ وَأَنحَطُّ

فَتارَةً يَرفَعُني مَوجُها

وَتارَةً أَهوي وَأَنغَطُ

حَتّى إِذا صَيَّرَني في الهَوى

إِلى مَكانٍ ما لَهُ شَطُّ

نادَيتُ يا مَن لَم أَبُح بِاِسمِهِ

وَلَم أَخُنهُ في الهَوى قَطُّ

تَقيكَ نَفسي السوءَ مِن حاكِمِ

ما كانَ هَذا بَينَنا الشَرطُ

  • لَو رَكبتُ البِحارَ صارَت فِجاجا

لا تَرى في مُتونِها أَمواجا

فَلَو أَنّي وَضَعتُ يا قوتَةً حَمرا

ءَ في راحَتي لَصارَت زُجاجا

وَلو أَنّي وَرَدتُ عَذباً فُراتاً

عادَ لا شَكَّ فيهِ مِلحاً أَجاجا

فَإِلى اللَهِ أَشتَكي وَإِلى الفَض

لِ فَقَد أَصبَحتُ بِزاتي دَجاجا

  • رويدكَ إنَّ الموجَ في البحرِ صاخبُ

وبالله لا بالناس تُقضى المطالبُ

أرى لكَ في شأني أموراً غريبةً

أقاومُ شكي عندها وأُغالِب

أرى لك في وقت اللقاء بشاشةٌ

بها تبطلُ الدعوى وتصفو المشاربُ

ويسعدني منك ابتسامُ مودَّةٍ

وقولٌ جميلٌ لم تشبهُ الشوائبُ

وتنصحني نُصح المحبِّ ، وإنما

بنُصح سليم القلب تُمحى المثالبُ

ولكنني أشقى بأمركَ ، كلما

دعاني إلى نشر المبادئ واجبُ

كأنك لم تلمس صفاءَ مشاعري

ولم تنقشع عن ناظريكَ الغياهبُ

لماذا أشكُّ في سلامة مقصدي ؟

فيا ضيعة الدنيا إذا شكَّ صاحبُ

وربِكَ ما أرسلْتُ شعري لِرِيبةٍ

ولا صَرَفتني عن همومي الرغائِبُ

أصدُّ جيوش الوهم عني وفي يدي

حسامٌ من الإيمان بالله ضاربُ

وما أنا ممن يُنْسَجُ الظنُّ حَولَهُ

على غير بابي تستقرُّ العناكبُ

وما أنا ممن يسرِقُ المالُ لُبَهُ

ولا أنا ممن تستَبِيهِ المناصبُ

أُسيِّرُ في درب الصلاح مواكبي

إذا طوحتْ بالسائرين المواكِبُ

وأحملُ في كفي يراعاً أسلُّهُ

على كل فِكر ساقطٍ وأحاربُ

ولولا اقتدائي بالرسول ونهجهِ

لسارتْ بشعري في الهجاء المراكبُ

أخا الحق لا تفتحْ لِظنك مسلكاً

إليَّ فإني في رضى الله دائبُ

وإني مُشيدٌ بالصوابِ إذا بدا

وإني لِمن لايُحسنُ الفعلَ عاتبُ

وأغسلُ أخطائي بشلال توبتي

أتوب إلى ربي ، وما خاب تائبُ

أخا الحق ما بيني وبينك فُرْقَةٌ

كلانا مُحبٌ للصلاح وراغبُ

كلانا إلى دين المهيمن ننتمي

إذا ذهبتْ بالواهمين المذاهبُ

عتابي على قدر الوفاء أبثُّهُ

وعندي لأصحاب الوفاءِ مراتبُ

ولولا صفاء الودِ في النفس لم تجدْ

صديقاً إذا جار الصديقُ يعاتِبُ

فَطَمْئِنْ على حالي فؤادكَ ، إنني

أُعادي على نهج الهدى وأصاحِبُ

ولله وجداني ولله نبضُهُ

ومن أجلِهِ أرضى وفيهِ أُغاضِبُ

أخا الحقِ عفواً إن شعري مُبَلِّغٌ

رسالةَ قلبي ، والقوافي رَكائبُ

أسيِّرها في كلِّ أرضٍ فترتوي

بها أنفسٌ عَطْشَى ، وتُجلى مواهِبُ

بعثْتُ إليكَ الشعرَ يُشرِقُ لفظُهُ

وضوحاً ، فما في قاع شعري رواسِبُ

أخا الحق .. يَفْنَى كلُّ شيءٍ وإنما

نُقَاسُ بما تُفضي إليه العواقِبُ

يدومُ لنا إخلاصُنا ويقينُنا

وما دونَهُ في هذه الأرض ذاهِبُ

  • وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ

عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي

فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ

وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ

  • وسلاماً أيها البحر المريض

أيها البحر الذي أبحر من

صور إلى إسبانيا

فوق السفن

أيها البحر الذي يسقط منا

كالمدن

ألف شبّاك على تابوتك

الكحلي مفتوحٌ

ولا أبصر فيها شاعراً

تسنده الفكرة

أو ترفعه المرأة

يا بحر البدايات إلى أين

تعود؟

أيها البحر المحاصر

بين إسبانيا وصور

ها هي الأرض تدور

فلماذا لا تعود الآن من حيث أتيت؟

  • قد سألت البحر يوماً هل أنا يا بحر منكا؟

هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟

أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟

ضحكت أمواجه مني وقالت

لست أدري!

أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا

وهل الشّاطىء يدري أنّه جاثٍ لديكا

وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا

ما الذي الأمواج قالت حين ثارت؟

لستُ أدري!

أنت يا بحر أسير آه ما أعظم أسرك

أنت مثلي أيّها الجبار لا تملك أمرك

أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك

فمتى أنجو من الأسر وتنجو؟

لستُ أدري!

  • هو البحْر غصْ فيه إذا كان ساكناً

على الدّرّ واحذرْه إذا كان مزْبداً

فإنّي رأيت البحر يعثر بالفتى

وهذا الذي يأتي الفتى متعمّداً

  • يا بحر من بستانك الصدفي

امنحني محارة

مرجانة شيئا من الأعماق

لوناً غير لؤلؤتي في المحارة

يا بحر أغرقني وأغرقني

أكن للشوق شارة

هبني ولو لمحاً من الرؤيا

خذ كل ما أعطتني الدنيا

اجعله قبرا لي واسدل

فوقه حبي ستارة

أمس ارتجيتك أن ترد إلى

تمرّدي اخضراره

أن تغسل الأسماء

تمنحها الحقيقة والنضارة

يا بحر جئنا مرة أخرى

فلا تكن الضنينا..

  • الماء يعلو ثم يعلو

والموج مختال فخورْ

والبحر أخرج رأسه حتّى يرى ما قد جرى

لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بطلتْ، أسنّتها البعادْ

لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.

  • يا صوت البحر الحاضر

يا صوت البحر الهادر

يا الـمـصّـاعـد من وديان الأعماق

إلى تيجان الآفاق

ويا صوت البحر الهادر

خـلّ القمصان تطير مع الريح

القبضات المضمومة والرايات تطير مع الريح.

  • حجّب ذا البحر بحارٌ دونه

يذمّها النّاس ويحْمدونه

يا ماء هلْ حسدْتنا معينه

أم اشْتهيت أنْ ترى قرينه

أم انْتجعْت للغنى يمينه

أمْ زرْته مكثّراً قطينه

أمْ جئْته مخنْدقاً حصونه

إنّ الجياد والقنا يكْفينه.

  • قف من اللّيل مصفياً والعباب

وتأمل في الزبدات الغضاب

صاعدات تلوك في شدقها الصّخر

وترمي به صدور الشّعاب

هابطات تئنّ في قبضة الرّ

يح وترغي على الصّخور الصّلاب

ذلك البحر هل تشاهد فيه

غير ليل من وحشة واكتئاب؟

ظلمات من فوقها ظلمات

تترامى بالمائج الصّخاب

لا ترى تحتهّن غير وجود

من عباب وعالم من ضباب

أيّها البحر كيف تنجو من اللّيـ

ـل؟ وأين المنجى بتلك الرّحاب

هو بحرّ أطمّ لجّا، وأطغى

منك موجاً في جيئة وذهاب

أو ما تبصر الكواكب غرقى

في دياجه كاسفات خوابي؟

وترى الأرض في نواحيه حيرى

تسأل السّحب عن وميض شهاب

ويك يا بحر ما أنينك في اللّيـ

ـل أنين المرّوع الهيّاب

امض حتّى ترى المدائن غرقى

و ترى الكون زخرة من عباب

امضِ عبر السّماء واطغَ على الأفـ

ـلاك واغمر في الجوّ مسرى العقاب.

  • ما يضير البحر أمْسى زاخراً

أنْ رمى فيه غلامٌ بحجرْ.

قصائد في البحر

من جميل القصائد التي قيلت في البحر، اخترنا لكم ما يأتي:

سجا البحر

قال الجواهري:سجا البحرُ وانداحَتْ ضفاف نديّةٌ

ولوّح رضراض الحصى والجنادلِ

وفُكَّتْ عُرىً من موجةٍ لصقِ موجةٍ

تَماسَكُ فيما بينها كالسلاسل

وسُدَّتْ كُوىً ظلّت تسدُّ خصاصها

عيونُ ظباءٍ، أو عيونُ مَطافل)

ولفّ الدُجى في مُستَجدِّ غُلالةٍ

سوى ما تردّى قبلَها من غلائلِ

سوى ما تردَى من مفاتِنِ سَحرة

وما جرَّ تِيهاً من ذُيول الأصائلِ

وما حملَ ” الاصباحُ ” شوقاً إلى الضُحى

من الوَرَقِ النَديان أشهى الرسائلِ

وخَيّمَ صَمتٌ فاستكنَّتْ حَمائمٌ

وقَرَّ على الأغصانِ شَدوُ البلابلِ

تَثاءبَ ” أملودٌ ” ولُمتْ كَمائمٌ

ودبَّ فتورٌ في عُروقِ الخمائلِ

وخُولِطَ لونٌ في شَتيتٍ مَخَالفٍ

لما يتراءى أوْ شبيهٍ مُشاكِلِ

كأنَّ الدُنى مَلَّتْ تَدلِّي شخوصها

بوضح السّنى فاستُبدِلتْ بالمخايِلِ

رؤى تستبيحُ الجِنُّ في صَبواتها

بها ما بنى إنسيها مِنْ هَياكِلِ

سَجا البحرُ حتى لا تُعيدُ ضِفافُه

صدى رَعَشاتٍ مُتعَباتٍ قَلائِلِ

وحتى ليبدو في غرابةِ حالِهِ

وغربتِه عن نفسِه جِدَّ ذاهلِ

وطال عليه في عبوس دُجُنَّةٍ

ترقُّبُ “ضحاك” من الشرق قابل

ولم تبقَ إلاّ وثبةٌ من مُصابرٍ

ضعيف القُوَى كالمُقْعَدِ المتحامِل

فيا لكَ طَلْقاً رهنَ أسيانَ موحشٍ

ونابهَ ذكرٍ في خفارةِ خامِلِ

خلا الربعُ مأنوسَ الرّحابِ وأقفرتْ

ملاعبُهُ من ” زغردات ” الهلاهل

وماتتْ به الأصداءُ، وارتدَّ لاهثا

هُتافُ الصبايا كالخيولِ الصواهلِ

وجفّت رِمالٌ ” للمسابحِ ” بللت

شفاهاً عَطاشَى من ” عِذاب ” المناهلِ

وأعولَ مهجور ” المساحب ” وانطوت

منازلُ ” غيدٍ ” عامراتِ المنازلِ

سجا البحرُ رفّافَ السنى وتَراقصتْ

لئاليءُ تستهوي عيونَ الصياقَلِ

وغُصَّ بأشباحٍ إليه صواعدٍ

على أُخرياتٍ من سماءٍ نوازلِ

إذا هزهَزتُه الريحُ واسرَّحتْ به

خيوطٌ من الأضواء مثلُ الجدائلِ

وأَلحمه وَمضٌ من ” البرقِ ” ناعسٌ

وسدّاه شفٌّ من غيومٍ نواحل

حسبتَ ” عريشاً ” منْ عناقيدِ كرمةٍ

تَدلّى ” وحرشاً ” من حقولِ السنابلِ

وخلتَ النجومَ الزُهرَ صَيْداً لصائد

يُنشّرُ من أشباكِهِ والحبائلِ

تَنفْس عميقاً أيُّها ” الشيخ ” لم يَهِنْ

بجريٍ على فرطِ المدى المتطاولِ

ولم يُنسِه التيّاهُ مِنْ جبروته

عناقَ الشواطي، واحتضانَ الجداولِ

ولا زادَهُ إلاّ سَماحاً وعزةً

تخطي شعوبٍ فوقَهُ وقبائلِ

فيا روعةَ الدُنيا يسامرُ رَكبَها

ويحملُ أسرارَ العصورِ الأوائلِ

لك الخيرُ هل جيلٌ تقضّى ولم تكنْ

شهيداً على أعراسِهِ والغوائلِ

وهل شع إلا عنك نورُ عَباقر

ووحيُ أساطيرٍ، وبدعُ فَطاحِلِ

وهل سُعِّرتْ نارٌ لحربٍ ولم تثِرْ

عُبابكَ يَغلي حِقدُها كالمراجلِ

غزتكَ أساطيلُ الطُغاةِ، وطوَّحتْ

بحابل حُوتٍ فيك أقواسُ نابِلِ

ومرّرتَ منها جحفلاً بعد جحفلٍ

وردّك مُلتاثاً غبارُ الجحافلِ

وجازتك غضباناً كأنَ فضولها

جراحٌ بِحُرِّ اللوحِ بادي المقَاتِلِ

ويا ” خالداً ” تَهزا أساريرُ وجهِهِ

بمغزى خلودٍ عادمِ الوجهِ زائلِ

وبالخلقِ منحوساً مُعنّىً يروعه

بما يَبتني من عاجل خوفُ آجلِ

عَبدتك ” صُوفيّاً ” يَدينُ ضميرهُ

بما ذَرّ فيه من قرون الدخائلِ

ويُسرج منه بالندامةِ ” مَعبداً “

تشكّى طويلا منْ دُخَان المشاعِلِ

وعاطيتُكَ النّجوَى معاطاةَ راهبٍ

مُصيخٍ إلى همسٍ من الغيب نازلِ

ولوّنتُ أحلامي بما لُوِّنتْ به

مَغانيك من كونٍ بسحركِ حافلِ

وغنّاكَ قيثاري فلم تُلَف نغمتي

نشازا، ولا لحني عليك بواغِلِ

وتشهدُ أُمّاتُ القوافي تشاغَلتْ

بها أكؤسُ السُّمّارِ إنَّكَ شاغلي

فيا “صاحبي” لا تُخل عينيّ شُدَّتا

لطيفكَ من وجهٍ لشخصك ماثِلِ

ولا تُنسِني نَفْساً هَوتْكَ فتيَّةً

وناغاك بُقيا جِذْعِها المُتآكِلِ

هوىً لمْ يمِلْ يوماً، وكم ضجَّ خافقي

بأهوَائه من مستقيمٍ ومائلِ

مفازةُ إعصارٍ تظلُّ رمالُها

تَقاتَلُ فيما بينها دونَ طائلِ

ويا مُخجلي فيما تشطُّ مزاعمي

جنوحا، وفيما تدعي من شمائل

تُنفِّضُ ما يُضفي الغرور، وتَرتدي

أمامك زيَّ القابعِ المتضائلِ

ويُفزِعُها ما بين أطماحِ ماردٍ

مُقيمٍ، وأطماعِ ابن يومين راحلِ

ترى جامحاً لا ضحكة للقوابل

ولا دمعةً تمري عيونَ الثواكلِ

ولا مُصعراتٍ للسماءِ مُتونَهُ

ويحطمُ مسمارٌ عظامَ الكواهلِ

ترى مُشرقاً لا الجوُّ رحبا بغالقٍ

عليه ولا ضوءُ الشموس بآفلِ

مهيباً كريماً باسطاً من ذراعه

تُعَبّدُ ما اسطاعتْ دروبَ السوابل

ويحنو على الشُمِّ الجوارى كما اختفتْ

نَطاسيَّةٌ بالمثقلاتِ الحواملِ

سجا البحرُ إلا من شراعٍ مُهوِّمٍ

يحومُ على صمتِ الدجى كالمخاتلِ

وخفقِ مصابيحٍ كأن خوالجي

تغلغَلنَ فيها من مُليحٍ وناصلِ

تغامزن بي يعجبن من وجد ساهر

ويمنحن خلو البال طرف المُغازل

على الشاطئ الأقصى كأن رفيفَها

على الشاطئ الأدنى بَريدُ المراحلِ

مَعالمُ كونٍ غامضاتُ سرائرٍ

فهن لمن يرتادُها كالمجَاهِلِ

وما أصغرَ الدُنيا على جهلِ ساحلٍ

لفرط التجافي والتنافي بساحل

سجا البحرُ، وانشقَ الثَرى عن هواجسٍ

تَرعرعُ في مستوبئ الظلِّ قاحلِ

وبتُّ أُساقي نَبعَها غيرَ آبهٍ

بحقٍ أنمّي زرعَها أمْ بباطلِ

اقولُ أُغنّيها فَتنبو مسامعي

وأُحصي مسَاويها فتكبو أناملي

وأمضي أُعانيها فترتدُّ يقظتي

جحيما، ونومي مثلَ حزِّ المناجلِ

وتزدادُ قُبحاً إذْ أُعالج قُبحَها

بمكذوب ظَنٍّ للمعاذير فائِلِ

ولست بدارٍ هل أسمى أشرّها

بأُمِّ المآسي، أمْ بأمِّ المهازلِ ؟

شاعر البحر إلى البحر يعود

قال زكي مبارك:

شاعر البحر إلى البحر يعود

بالهوى المشبوب والروح المريد

إن هذا اللحن من هذا النشيد

هو للبحر وجودٌ وخلود

وطن الروم وبحر العرب

قد ملكناه بسيف الأدب

إن يقل يوماً هنا كان أبي

قلت مجد الشعر فوق النسب

أين أيامي برمل اسكندريه

والهوى يمرَح والروح فتيّه

أين أيامي ونار الوطنيه

تجعل القلب إلى الوادي هديه

لم أعد أذكر والدنيا صروف

غير أوهامٍ سوار وطيوف

شاب رأسي أترى الشيب يخيف

فارس الحب وقهّار الحتوف

إن في قلبي بقايا من شباب

إن في عقلي بقايا من صواب

ما على الأيام إن جارت عتاب

إنها المعصور من ماء السراب

إن هذا البحر روحٌ من نعيم

إن هذا البحر لفحٌ من جحيم

في ثناياه خفيفٌ من نسيم

وأعاصيرُ من الكرب المقيم

كان لي فيه على عهد شبابي

صبواتٌ في ذهابي وإيابي

لم أكن أعرف والحظ كتابي

أنه خطّ على متن العباب

أنا بالشعر وبالنثر أجود

ما الذي يا بحر في الحب تجود

أمل الحب قريبٌ وبعيد

وسراب في هبوط وصعود

جئت وحدي لا أنيسٌ لا رفيق

ما لمحزونٍ إلى الصفو طريق

فسحة الأيام ضيق بعد ضيق

وندى البحر حريق في حريق

أنا يا بحر بأهوائي غريق

أشرب الأهواء ريقا بعد ريق

بالهوى قل لي متى يوما أفيق

من غرام هو كأسٌ من رحيق

جنيّة البحر ماذا أنت صانعةٌ

يا دميةً صنعتُها من وحي أحلامي

لا تنكري كيف كنا والهوى شرفٌ

أصوغه من غواياتي وآثامي

قصائدٌ هي أمواجٌ مؤججةُ

وأبحر من صبابات واشجان

جنية البحر لو أصغت لنا برزت

وأسلمت خدها للشاعر الجاني

شيطانةٌ لو بدت يوما لكان لها

من وحي روحي وقلبي ألف شيطان

تبيت تلعب تحت الموج لاهيةً

بما هنالك من در ومرجان

البحر بحر والنخيل نخيل

قال ابن سودون:

البحر بحر والنخيل نخيل

والفيل فيل والزراف طويل

والأرض أرض والسماء خلافها

والطير فيما بين بين يجول

وإذا تعاصفت الرياح بروضة

فالأرض تثبت والغصون تميل

والماء يمشي فوق رمل قاعد

ويُرى له مهما مشى سيلول

مَن ظنّ أن الماء يُشبع جوعه

هذا لعمري ذاهل بهلول

لكنّ مَن قد عام فيه بثوبه

تلقاه بُلّ وثوبه مبلول







X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب