X
X


موقع اقرا » إسلام » حكم ومواعظ دينية » خطبة عن الكلمة الطيبة

خطبة عن الكلمة الطيبة

خطبة عن الكلمة الطيبة


مقدمة الخطبة 

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الحمدُ لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى، الحمدُ لله حمداً يوافي نعمه، ويُكافئ مزيده، إنَّ الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونستهديه، ونعوذ بالله من شُرور أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا.

من يهده الله فلا مُضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، الحمدُ لله الذي أمرنا بالكلام الطيب الصالح، ونهانا عن الكلام الخبيث الطالح، ونشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمداً عبده ورسوله، اللّهمّ صلِّ عليه وعلى آله وصحبه وسلم.[١]

الوصية بتقوى الله

عباد الله، أوصيكم ونفسي المُقصِّرة بتقوى الله -تعالى- ولُزوم طاعته، وأُحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أمره، واعلموا أنَّ تقواه يكون باتباع أوامره واجتناب نواهيه.

وهي وصية ربِّكم لكم في كتابه، قال- تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَـكِنَّ عَذَابَ اللَّـهِ شَدِيدٌ).[٢][٣]

الخطبة الأولى 

عباد الله، اعلموا أنَّ الكلمة الطيبة غذاءٌ لروح الإنسان، وشفاءٌ لما في نفسه من أمراض، والكلمة الطيبة قد يُغير الله -تعالى- بها حياة إنسانٍ أو أُمّة؛ ولأجل ذلك ربطها الله -تعالى- مع الأمور الأساسيّة في هذا الدين.

فقد ربطت الكلمة الطيبة بالعقيدة والعبادة والسُلوك، فقد جاء الأمر بها مُقترناً بتوحيد الله -تعالى-، وإقامة الصلاة، وبرِّ الوالدين، وهذه الأُمور من أعظم ما دعت إليه الشريعة الإسلاميّة.[٤]

قال -تعالى-: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ).[٥]

فهذه الآية فيها دلالة واضحة على قول الكلام الطيب الحسن للناس جميعاً، فكم يُضيعِّ الإنسان في حياته العائلية أو الاجتماعيّة من فُرصٍ سعيدةٍ بسبب كلامه غير الطيب الحسن، حيثُ إنَّ الكلمة الطيبة تُؤلِّف بين القُلوب.[٤]

والكلمة الطيبة هي الأساس القوي الذي تُبنى عليه علاقات المودة والرحمة والحُب والتربية، فهي تُهيئ الجو لبناء هذه العلاقات، وهي سبب في إشاعة الجو الذي يسوده الفرح والسعادة.

فالكلمة الطيبة عند المرأة وعند الأولاد في بعض الأحيان قد تكون أغلى من الحُلي الثمين، أو الثياب الفاخرة، لأنَّ الكلام الطيب اللطيف غذاءٌ للروح، كما أن الطعام حياةٌ للبدن والجسم.

وحريٌ بالإنسان أن لا يُهمل هذا الجانب في حياته، وخاصةً بين أُسرته وأبنائه، فهي لا تُكلف الكثير، وعلى الإنسان أن يهتم بالكلام الطيب حتى وإن مضى على زواجه الكثير من السنوات.

فقدوتنا النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- كان يُمازح ويؤانس زوجاته، ويُعمِّر أنفُسهنّ بالكلام الطيب، ويتجاوز عن أخطائهنّ.[٤]

أخي في الله، الابتعاد عن الكلام الطيب قد يبني جُسوراً بين الناس، وقد يحمل الزوجة على قسوة القلب؛ بسبب تجاهلها، فالكلام الطيب مع من نعيش يُنسيه تعب الحياة، وهو لا يُكلف الكثير.

فيكفي أن تشكر زوجتك أو والدتك مثلاً على ما تصنعه من الطعام، أو الثناء عليها وعلى محاسنها وجمالها، أو الاعتراف والامتنان لها على ما تُقدِّمه من تربيةٍ وخدمةٍ للزوج ولأبنائه، حتى وإن كان ما تقوم به من واجباتها.

ويقوم المسلم بذلك من باب الكلمة الطيبة، واتباعاً لرسوله -عليه الصلاةُ والسلام-، لقوله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا).[٦][٤]

على الجانب الآخر، فإنَّ الزوجة أيضاً مكلَّفةٌ بإسماع زوجها الكلام الطيب من الثناء عليه وشُكره على ما يُقدّمه لها ولأبنائها، بالإضافة إلى مُراعاة آداب الكلام والاستماع بينهما أثناء الحوار والنقاش الذي يدور بينهما، فيستمع أحدهما للآخر من غير انشغالٍ بشيءٍ؛ كالمُكالمات الهاتفيّة، أو الكتابة، أو النوم، وغير ذلك من الانشغالات التي قد تعترض الإنسان.[٤]

وقد بيّن النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- أنَّ الكلمة الطيبة من الصدقات التي يُثاب الإنسان على قولها.

فقد جاء في الحديث الصحيح قوله: (كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ).[٧]

وتشمل الكلمة الطيبة كُلُّ ما فيه تقرُّبٌ إلى الله -تعالى- من الأقوال؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، أو ذكر الله -تعالى- بأي صيغةٍ من صيغ الذكر؛ كالتسبيح أو التكبير أو التحميد، وكذلك ردِّ السلام، وتعليم العلم النافع.[٨]

معشر المسلمين، عدّ الله -تعالى- الكلمة الطيبة بمثابة الشجرة التي تصلُ فُروعها إلى السماء، فقد قال -تعالى- في وصفها: (أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماءِ* تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللَّـهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ)،[٩]

حيثُ إنَّ الكلمة الطيبة مكانتها عظيمة في النفوس، وطريقة لتقبل الآخرين للخير والحقّ، وقد أمر الله -تعالى- نبيه -عليه الصلاةُ والسلام- وهو أعظم الخلق أن يكون ليناً في تعامله وكلامه.

وأن يكون بعيدًا كل البعد عن عن الغلظة في دعوته؛ لأنَّ الغلظة سببٌ في بُعد الآخرين عنه وعن دعوته، فقال -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).[١٠][١١]

أيّها الإخوة، الكلمة لها تأثيرها في نُفوس الناس، وهي أقرب طريقٍ إلى نيل قُلوبهم، فهي تحول الإنسان من حالٍ إلى حال؛ من البغضاء إلى المحبَّة، ومن الكُفر إلى الإيمان، وقد بيّن الله -تعالى- أنَّ على الداعية أن يقوم في منهجه في الدعوة على اللين والكلام الطيب الحسن.

قال الله -تعالى-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).[١٢]

ولِما من الكلام الطيب من سحرٍ وتأثير، وتآلف بين قُلوب البشر في أي زمانٍ أو مكان، فقد أرشدنا الله -تعالى- لقولها، وحثّنا على نشرها بين الناس.[١١]

وبارك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولكافّة المُسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين وإمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، ومُرشدُنا إلى كُلّ خير، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً، أمّا بعد:

عباد الله، اعلموا أنَّ أعظم الكلام الطيب هي شهادة أن لا إله إلا الله، وذلك كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-، فهي أصل جميع الأعمال الصالحة، وثمرتها، سواءً أكانت في الظاهر أم الباطن، حيثُ إنّ الإيمان هو المُحرِّك للعمل الصالح، والكلام الحسن الطيب، وهو سببٌ لرفع المؤمن وعمله إلى السماء.

وقد أخبر الله -تعالى- في كتابه العزيز أنَّه يرفع الكلام الطيب إليه بقوله: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).[١٣]

وحثَّنا الله -تعالى- على الإكثار منها وقولها، سواءً على الصعيد العائليّ، أو الاجتماعيّ، أو الدعويّ؛ لما لها من تأثير في قُلوب الآخرين ونُفوسهم، وإدخال السعادة عليهم، فيجعلهم أكثر تقبُلاً لقائلها وما يدعو إليه.[١٤]

الدعاء

ارفعوا أكفّكم موقنين بالإجابة:[١٥]

  • اللهم آتنا في الدُنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار يا كريم.
  • اللهم ألهمنا الكلام الطيب، واجعل ما نقوله خيراً لنا ولإخواننا المُسلمين، واجعلنا مفاتيح للخير ومغاليق للشر يا أكرم الأكرمين.
  • اللهمَّ إنِّا نسألُك الجنَّةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النارِ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ.
  • اللهم يا مُقلب القُلوب ثبت قُلوبنا على دينك، اللهم يا مُصرف القُلوب ثبت قُلوبنا على طاعتك.
  • اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، وانصر كتابك ودينك وسُنّة نبيك وعبادك المؤمنين.
  • اللهم إنّا نسألك العفو والعافية واليقين في الأولى والآخرة، اللهم إنّا نسألك الهُدى والتُقى والعفاف والغنى، والفوز بالجنة والنجاة من النار يا عزيزُ يا غفار.
  • اللهم أنت ولينا في الدُنيا والآخرة توفنا مُسلمين، وألحقنا بالصالحين، ونسألك الرضا بالقضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذَّة النظر إلى وجهك الكريم، ونعوذ بك من أن نَضل أو نُضل، واغفر لنا ذُنوبنا وإسرافنا في أمرنا يا أرحم الراحمين.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المراجع

  1. عبد الرزاق البدر (2000)، دراسات في الباقيات الصالحات (الطبعة 33)، المدينة المنورة:الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، صفحة 86. بتصرّف.
  2. سورة الحج، آية:1-2
  3. محمد الخطيب (1964)، أوضح التفاسير (الطبعة 6)، صفحة 73، جزء 1. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج محمد المقدم (2007)، عودة الحجاب (الطبعة 10)، صفحة 416-423، جزء 2. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:83
  6. سورة الأحزاب، آية:21
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:2989، صحيح.
  8. محمد العثيمين (1988)، الضياء اللامع من الخطب الجوامع (الطبعة 1)، صفحة 102، جزء 1. بتصرّف.
  9. سورة إبراهيم، آية:24-25
  10. سورة آل عمران، آية:159
  11. ^ أ ب عطية بن عبدالله الباحوث (26-3-2019)، “الكلمة الطيبة صدقة (خطبة)”، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/1/2022. بتصرّف.
  12. سورة النحل، آية:125
  13. سورة فاطر، آية:10
  14. محمد ابن القيم الجوزية (1986)، الأمثال في القرآن (الطبعة 1)، مصر:مكتبة الصحابة، صفحة 35-36. بتصرّف.
  15. أحمد الساعاتي، الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (الطبعة 2)، صفحة 287-293، جزء 14. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب