X
X


موقع اقرا » إسلام » حكم ومواعظ دينية » خطبة عن الأمن الغذائي

خطبة عن الأمن الغذائي

خطبة عن الأمن الغذائي


مقدمة الخطبة

إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ)،[١]وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله ربّه -سبحانه- بمنهج الحياة المتكامل، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن أصبحَ مِنكُم آمِنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسَدِهِ، عندَهُ قُوتُ يَومِه، فَكأنَّمَا حِيزَتْ له الدُّنْيا).[٢]

الوصية بتقوى الله تعالى

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)،[٣] فإنّ التقوى خيرُ لباسٍ وزادٍ، وأفضلُ وسيلةٍ إلى رضا ربّ العباد، فاتقوا الله حقّ التقوى، فإنّه -جلّ وعلا- أهلٌ أن يُتّقى وأهلٌ أن يَغْفر.

الخطبة الأولى

أيها الأحبة، لنتأمّل اهتمام الإسلام بطهارة القلب، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (… ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ)،[٤] ولننظر إلى عناية الإسلام بصحة الأجساد، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ)؛[٥]فإنّنا حين نتأمل ونتدبّر ذلك يكاد المؤمن يصرخ من أعماق قلبه فرحًا وطربًا بعظمة هذا الدين، وشموليّته لجميع جوانب الحياة؛ فيزداد إيمانًا وحبا لدينه وقربا من ربه الذي أرشده للعناية بكيانه روحا وجسدا، فالمسلم لا يهمل طاهرة الروح، فهي أساس هذا الإنسان وعماده، وكذلك لا يجوز له أن يهمل صحّة بدنه التي تحفظ كيان الإنسان وقوته.

لذلك فإنّ من مقاصد الشريعة حفظ مصالح الناس في الدين والدنيا معا، وذلك بحفظ الضروريات الخمس، وهي: “الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال”، التي هي أسس العمران في كلّ ملَّةٍ، والتي لولاها لم تجرِ مصالح الدنيا على استقامةٍ، ولفاتت النجاة في الآخرة.[٦]

عباد الله، إن الإنسان حينما يعيش في مجتمعٍ ترتفع فيه الأسعار، ويسود فيه الغلاء الفاحش، سيعيش فقراً وجوعاً، وربما أدى ذلك إلى الفوضى وشيوع الفساد في المجتمع، ممّا يؤثّر سلبًا على المجتمع برمّته حينما يشحّ فيه الغذاء وينعدم فيه الأمن، ونجد مصداق ذلك في كتاب الله حينما امتنّ الله -عزّ وجلّ- على قريش بنعمتي الأمن والغذاء، قال تعالى: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ، إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).[٧]

وقد قال الشنقيطي في تفسيره: “في الجمع بين إطعامهم من جوعٍ وأمنهم من خوفٍ، نعمةٌ عظمى؛ لأنّ الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلّا بتحصيل النعمتين هاتين معًا؛ إذ لا عيش مع الجوع، ولا أمن مع الخوف، وتكمل النعمة باجتماعهما”.[٨]

إخوة الإسلام، هذا الذي أشار إليه القرآن الكريم، بات مطلبًا أساسيًّا للدول في عالمنا اليوم، وأصبح يعرف بمفهوم الأمن الغذائي الذي يعني: “قدرة مجتمعٍ ما على توفير الاحتياجات الأساسيّة من الغذاء للمواطنين، وضمان حدٍّ أدنى من تلك الاحتياجات بانتظام”.[٩]

وقد باتت هذه القضية من أهم القضايا التي تؤرق حياة الأفراد والأسر والمجتمعات، وهي تحقيق الحدّ الأدنى من المستوى المعيشيّ للناس، وممّا يؤسف له أنّ كثيرًا من الناس يظنّون أنّ المشكلة تعود إلى قلَّة الموارد المتاحة، أو عدم توفّر فرص عملٍ أو لكثرة عدد السكان.

ويغفلون عن السبب الأهم ألا وهو البعد عن الله وكثرة الذنوب والمعاصي التي هي السبب الرئيس للمشاكل البشريّة، يقول -سبحانه وتعالى-: (وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ وَلـكِن كَذَّبوا فَأَخَذناهُم بِما كانوا يَكسِبونَ).[١٠]

إخوة الإسلام، ممّا لا شك فيه أنّ هنالك أسبابًا أخرى لها دورٌ أيضًا في تفاقم مشكلة الأمن الغذاء، ومن أبرزها:

  • الغش.
  • الاحتكار.
  • جشع بعض التجار.
  • غياب الرقابة المؤسّسية.
  • العجز والكسل (البطالة).

عباد الله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: (رحم اللهُ عبدًا سمحًا إذا باعَ، سَمحًا إذا اشتَرى، سَمحًا إذا قضَى)،[١١] وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، وأشهد ألّا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه أمّهات المؤمنين.

عباد الله، لقد حفلت الشريعة الإسلامية بالتوجيهات الكثيرة التي تحث الإنسان على رعاية بدنه وطعامه وشربه، مما يحقّق الأمن الغذائي في المجتمع، فقد أمرنا عليه الصلاة والسلام بتغطية الآنية.

قال -عليه الصلاة والسلام-: (غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليسَ عليه غِطاءٌ، أوْ سِقاءٍ ليسَ عليه وِكاءٌ، إلَّا نَزَلَ فيه مِن ذلكَ الوَباءِ)،[١٢] وكان -صلى الله عليه وسلم-: (يتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثًا إذا شرِب، ويقولُ: هو أمرَأُ وأروَى).[١٣]

الدعاء

  • اللهم صلِّ وسلم على حبيبك ونبيك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واشملنا معهم بعفوك ومنّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
  • اللهم احفظ لنا بلادنا وأوطاننا من كلّ سوءٍ.
  • اللهم أنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع.
  • ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
  • ربنا آتنا في الدنيا حسنة وآتنا في الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.

المراجع

  1. سورة فصلت، آية:10
  2. رواه محمد بن عيسى الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن محصن، الصفحة أو الرقم:2346، حديث حسن.
  3. سورة آل عمران، آية:102
  4. رواه محمد بن إسماعيل البخاري، في صحيح البخاري، عن النعمان بن بشير ، الصفحة أو الرقم:52.
  5. رواه مسلم بن الحجاج ، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2664.
  6. الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات، صفحة 5.
  7. سورة قريش، آية:1-4
  8. محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، صفحة 9-112.
  9. علي الصوري (7/12/2019)، “أصول الأمن الغذائي في القرآن والسنة”، موقع إعجاز القرآن والسنة، اطّلع عليه بتاريخ 25/1/2022.
  10. سورة الأعراف، آية:96
  11. رواه محمد ناصر الدين الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1742، صحيح.
  12. رواه مسلم بن الحجاج، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:2014، أوكو السقاء- الشد والربط.
  13. رواه محمد ناصر الدين الألباني، في مختصر الشمائل المحمدية، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:180، صحيح.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب