حكم التشاؤم من الموت
حكم التشاؤم من الموت
كراهية الموت
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَهُ)،[١] وعندما سألته السيدة عائشة -رضي الله عنها- إن كان هذا يعني كراهية لإنسان للموت؛ لأن كل الناس تكره الموت، ولا بد للإنسان كي يلقى الله أن يموت، فهل الإنسان الذي يكره الموت يكرهه الله؟.[٢]
هنا أجابها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ برَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فأحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وإنَّ الكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ).[٣]
أي أن الإنسان إن كان في ساعة الاحتضار والغرغرة وبلوغ الروح إلى الحلقوم، تأتيه الملائكة فيقولون: انظر إلى مكانك في النار فينظر إليها قبل خروج الروح، ثم يقولون له أبدلك الله مكانًا في الجنة، فيفرح بلقاء الله -عز وجل-.[٢]
أما العبد الفاجر فيرى مقعده في الجنة لو كان قد عمل الخير، ثم يرى مقعده في النار فيكره الموت وهذه الكراهة هي كراهة لقاء الله -عز وجل-،[٢] ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر على السيدة عائشة -رضي الله عنها- كراهيتها للموت، وفسر لها الحديث بأن كراهية لقاء الله هنا بعد أن يعلم الكافر منزلته في النار فيكره الانتقال إلى الحياة الآخرة ولقاء الله؛ فيكره الله لقاءه.
حسن الظن بالله
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: (سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-، قَبْلَ مَوْتِهِ بثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-)،[٤] ومعنى الحديث أن على المسلم أن يكون دائمًا حسن الظن بالله.[٥]
حتى إذا جاءته الوفاة توفي وهو يحسن الظن بالله، وحسن الظن هنا هو ذاك الذي يدفع للعمل وينفع عند الموت، والمسلم إن أقبل على الله وهو خائف من ذنوبه يرجو رحمة الله أمنّه الله مما يخاف وأعطاه ما تمنى.[٥]
والعبد المسلم دائم الرجاء والدعاء بأن يتوب الله عليه ويغفر له، وقد يكون من العصاة وأهل الكبائر لكنه إن تاب واستغفر غفر الله له -إن علم صدقه-، بل ويأتيه بمقدار تلك السيئات حسنات ومغفرة، والمعنى المستفاد من كل هذا أن العبد لا ييأس ولا يقنط ولا يتشاءم فرحمة الله واسعة، والله -تعالى- هو من يلهم الإنسان أن يتوب ويستغفر، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده فلا يقنط مؤمن من رحمة الله.[٥]
لا تقنطوا من رحمة الله ولا تتشاءموا
الإنسان بطبعه يخاف من الموت؛ إذ هو انتقال من مرحلة وحياة إلى حياة أخرى، ولكن إن دنا الأجل واقترب علم المسلم يقينًا بأنه مقبل على أرحم الراحمين.[٦]
من قد أتاه الخير كله منه، ويعلم بأن القنوط من رحمة الله -تعالى- لا يكون من مؤمن يؤمن بالله -تعالى-، فالله -تعالى- يقول: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)،[٧] فالقنوط من رحمة الله، واستبعاد رحمة الله من كبائر الذنوب، فليحسن المسلم الظن بالله في كل أحواله.[٦]
