تعريف الإجماع

تعريف الإجماع


تعريف الإجماع

يُعرّف الإجماع لغةً واصطلاحاً كما يأتي:

  • الإجماع في اللّغة: الإجماع لفظٌ مشتقٌّ من أجمع، وهو فعلٌ له معنيان في اللّغة العربية: الأول بمعنى عَزَمَ، فيقال أجمع أمره، أي نوى فعله وعزم عليه، وقد ورد لفظ الإجماع في القرآن الكريم بهذا المعنى، قال الله -تعالى-: (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ)،[١][٢] والمعنى الثّاني: يأتي بمعنى اتّفق، فإن أجمع النّاس على أمرٍ ما؛ أي أنّهم اتّفقوا عليه، فلا يكون الاتّفاق من شخصٍ واحدٍ، بل لا بدّ أن يكون من اثنين أو أكثر، والإجماع يشترك فيه معنى العَزْم والاتّفاق؛ لأنّ من اتّفق على أمرٍ، يكون قد عزَمَ على فعله.[٣]
  • الإجماع في الاصطلاح: هو اجتماع العلماء والمجتهدين من أُمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلم- على أمرٍ من الأمور واتّفاقهم عليه، بعد وفاة النّبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، في عصرٍ من العصور، وعليه فإنّ الإجماع لا يكون إلّا من أهل الحلّ والعقد ممّن يجتهدون في أحكام الشّريعة، ولا يصحُّ أن يكون من عامّة النّاس، كما يكون المجتهدين من أمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فلا يصحّ إجماع غير المسلمين في أمور الشريعة، وكذلك لا ينعقد الإجماع في حياة النّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنّه لا حاجةَ له حينها.[٢][٣]
فيكون الإجماع صحيحاً بعد وفاةِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، كما أنّ الإجماع لا يقع على الأمور المنصوصِ عليها بالقرآن الكريم والسنّة النّبويّة، أمّا ما قُصد به في التّعريف “على أمرٍ من الأمور”؛ أي أنّ الإجماع يقع بالأمور العقليّة، والشّرعية، والعُرفيّة، واللّغوية، والإجماع ينعقد أيضاً في جميع العصور غير عصر الرّسول -عليه الصلاة و السّلام- إن وُجد المجتهدون، ولا يقتصر عليه عصر الصّحابة أو التّابعين.[٢][٣]

أدلة حجية الإجماع

يُعدّ الإجماع المصدر الثّالث من مصادر التّشريع، فهو بعد القرآن الكريم والسّنة النّبوية، وهو حُجّة قطعيّة على المسلمين، ويجب العمل به،[٤] وممّا يدلّ على حجيّته:
  • قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)،[٥] حيث توعّد الله -تعالى- في الآية الكريمة لمن يتّبع غير سبيل المؤمنين، ممّا يدلّ على أنّ اتّباع المؤمنين واجب، ومخالفتهم مُحرّمة، وسبيل المؤمنين في الآية يُقصد به ما اجتمع عليه المؤمنون والتزموا به.[٤][٦]
  • ورود الكثير من الأحاديث الشّريفة برواياتٍ مختلفة كلّها تدلّ على أنّ أُمّة المسلمين معصومةٌ من الوقوع في الخطأ، وأنّها لا تجتمع على ضلالة، ومن ذلك قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تجتمِعُ أمَّتي على ضلالةٍ)،[٧] وقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (مَن فارَق الجماعةَ شِبْرًا فقد خلَع رِبْقةَ الإسلامِ مِن عُنُقِهِ)،[٨] مما يدلّ على وجوب العمل بالإجماع.[٩][٦]
  • قول الصّحابي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (إذا سُئل أحدُكم عن شيءٍ فلينظُرْ في كتابِ اللهِ فإن لم يجِدْه في كتابِ اللهِ فلينظُرْ في سنَّةِ رسولِ اللهِ، فإن لم يجِدْه في كتابِ اللهِ ولا في سنَّةِ رسولِ اللهِ فلينظُرْ فيما اجتمع عليه المسلمون)،[١٠] وهذا دليلٌ صريح على حجّيّة الإجماع، ويستدلّ بهذا الحديث أغلب الأصوليّين في علم أصول الفقه.[١١]
  • تعاضد الآراء الكثيرة وتوحّدها، واجتماعها من أهلِ العلم والخبرة، يستحيل أن تكون قد اجتمعت على خطأ، ويكون الأمر فيها قطعيّ؛ لأنّها صدرت عن مجموعةٍ وليس عن شخصٍ واحدٍ.[١٢]

شروط صحة الإجماع

يُشترط للإجماع كي ينعقد عدّة شروط، وهي فيما يأتي:[٤]

  • أن يكون الإجماع من المجتهدين، فلا يصحّ إجماع عامّة النّاس على حُكمٍ شرعي.
  • أن يكون الإجماع من أمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، فلا يصحّ إجماع غير المسلمين على أحكام تخصّ المسلمين، كما يَشترط بعض الفقهاء في المُجتهد العدالة إضافةً إلى الإسلام، وأن لا يكون مُبتدعاً.
  • أن يكون الإجماع بعد وفاة الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في عصره يعدّ هو المُشرِّع بعد كتاب الله -تعالى-.
  • أن يتّفق جميع المجتهدين على رأيٍ واحدٍ، فلو خالف بعض المجتهدين لا يصحّ الإجماع ولا ينعقد، حتّى لو خالف مُجتهدٌ واحد، وجمهور الفقهاء والمجتهدين المعتبر إجماعهم هم الموجودون في وقت وقوع الحادثة والمسألة، ولا عبرة بمجتهدي المستقبل حينئذٍ.
  • أن يكون جميع المجتهدين من أهل الفنّ والاختصاص، فلو كان الإجماع في اللّغة وجب اتّفاق اللّغويين، ولو كان في النّحو وجب اتّفاق النّحويين، وكذلك الإجماع في أحكام الفقه لا يكون إلّا من أهل الفقه، وفي مسائل الأصول العبرة بإجماع الأصوليين، فلا يؤخذ برأي النّحوي مثلاً إذا خالف رأي الفقهاء في مسألة فقهية؛ لأنّه ليس في مجال اختصاصه.[١٣]
  • أن يكون الإجماع صادراً عن مستندٍ شرعيّ؛ كنصٍّ صريحٍ من الكتابِ، أو السنّة النّبوية، أو إجماع قبله، أو القياس؛ كي لا تكون الأحكام صادرة عن هوى، ولأنّ الفتوى دون دليل تكون خاطئة، وأُمّة المسلمين معصومةٌ من الوقوع في الخطأ.[١٣]

أنواع الإجماع

الإجماع له نوعان هما:

  • الإجماع الصّريح: وهو اتّفاق جميع المجتهدين على حُكمِ مسألةٍ معيّنة، وأن يُبدي كلّ مجتهدٍ رأيه بصراحة، وتكون آراؤهم كلّها متّفقة على قول واحد، والإجماع الصّريح حجّة ويُعمل به، ومن أمثلة ذلك: ما اتّفق عليه جميع الصّحابة في عهد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- من أنّ الزّاني إن كان جاهلاً بحكم الزّنا فإنّه لا يُقام عليه الحدّ.[١٤][١٥]
  • الإجماع السّكوتي: هو أن يُعطي بعض المجتهدين رأيهم في مسألة، ويسكت عنها الباقي بعد أن يبلغهم حُكمها، فلا يظهر من سكوتهم موافتهم أو إنكارهم،[١٤] أمّا حجيّته فقد تعدّدت آراء الفقهاء فيها، حيث يرى الحنفيّة والحنابلة أنّ هذا الإجماع حُجّة ويُعمل به؛ لأنّ سكوت هؤلاء المجتهدين دلالة على رضاهم، قياساً على المرأة التي تسكت عند الزّواج، فيعدّ إذناً منها على موافقتها.[١٥]
بينما يرى المالكيّة والشّافعيّة عد الاحتجاج بالإجماع السّكوتي؛ وذلك لأنّ المجتهد قد يسكت عن إبداء رأيه إمّا بسبب انشغاله وعدم التفاته للمسألة، أو قد يكون خائفاً من ظلم سلطانٍ جائر، أو أنّه لم يترجّح عنده شيء في المسألة، وبذلك يكون المجتهد لم يقرّ بهذه المسألة، أمّا الرأي الثّالث: لبعض الشّافعيّة وبعض الحنفيّة فذهبوا فيه إلى إنّه لا يعدّ إجماعاً، لكنّه حُجّة ظنّية، والعمل به ليس واجباً، ويجوز الاختلاف فيه، وهو الرأي الوسط بين القولين.[١٥]

مسائل مجمع عليها

أجمع علماء الأمّة الإسلامية على الكثير من الأمور العقليّة، والعقديّة، والأصوليّة، والفقهية، والأمثلة عليها كثيرة جدّاً لا حصر لها، ومنها ما يأتي:[١٦][١٧]

  • الإجماع في المسائل العقديّة: وكل من يخالف هذا الإجماع يخرج عن الملّة، ومنها: الإجماع على وحدانيّة الله -تعالى- وأنّه لا شريك له، وأنّه خالق هذا الكون، وأنّ عرش الرّحمن مخلوق، والعالم كلّه مخلوق، والإجماع على أنّ النّبوّة حقّ، وأنّ الأنبياء جميعهم مبعوثون من الله -تعالى-، وأنّ محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، أرسله الله للخلق إلى يوم الدّين، والإجماع على أنّ دين الإسلام حقّ، وهو خاتم الدّيانات السّماوية.
كما أجمعوا على أنّ الجنّة والنّار حقّ، وأنّ الجنّة جزاء للمؤمنين، وأنّها خالدةٌ لا نهاية لها، والنّار جزاء الكافرين، وهم خالدون فيها، وأنّ القرآن الكريم كلام الله -تعالى- الخالد، المُنزّل على نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وكلّ ما جاء في القرآن الكريم حقّ، وأنّ الملائكة حقّ، وأنّهم كلّهم مؤمنون، وأنّ جبريل وميكال من أعظم الملائكة وأقربهم إلى الله -تعالى-، ومن الأمور المُجمع عليها وجود الجنّ، وأنّ إبليس كافر مُخلّدٌ في نار جهنّم.
  • الإجماع في علم أصول الفقه: ومن أمثلة المسائل الأصولية المُجمع عليها: إجماع الأصوليين على أنّ القياس حُجّة، وأنّ خبر الواحد حجّة ومعمولٌ به.[١٨]
  • الإجماع في المسائل الفقهية: هناك مسائل فقهية قطعيّة الثّبوت، أي التي ورد بها نصّ صريح وثابت، فالكثير منها أجمع عليه علماء الأمّة، كإجماعهم على وجوب الصّلاة، ووجوب الزّكاة، والإجماع على وجوب صوم شهرِ رمضان المبارك، ووجوب الحجّ، كما أجمعوا على حُرمة القتل، والزّنا، والرّبا، وحرمة شرب الخمر، والسّرقة، وعقوق الوالدين.[١٨]

المراجع

  1. سورة يونس، آية: 71.
  2. ^ أ ب ت شهاب الدين القرافي (1995م)، نفائس الأصول في شرح المحصول (الطبعة الأولى)، مكتبة نزار مصطفى الباز، صفحة 2543-2544، جزء 6. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت بدر الدين الزركشي (1994م)، البحر المحيط في أصول الفقه (الطبعة الأولى)، دار الكتبي، صفحة 379، جزء 6. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت محمد هيتو، الوجيز في أصول الفقه (الطبعة الثالثة)، صفحة 241-243. بتصرّف.
  5. سورة النساء، آية: 115.
  6. ^ أ ب أبو المظفر السمعاني (1999م)، قواطع الأدلة في الأصول (الطبعة الأولى)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 466-468، جزء 1. بتصرّف.
  7. رواه ابن الملقن، في شرح البخاري لابن الملقن، الصفحة أو الرقم: 3/350، ضعيف.
  8. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 4758، سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح].
  9. أبو إسحاق الشيرازي (2003م)، اللمع في أصول الفقه (الطبعة الثانية)، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 87-88. بتصرّف.
  10. رواه ابن حجر العسقلاني، في موافقة الخبر الخبر، عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، الصفحة أو الرقم: 1/119، موقوف صحيح.
  11. سعيد فودة (2014م)، حاشية على المحلي على شرح الورقات (الطبعة الأولى)، الأردن، النّور المبين للنشر والتوزيع، صفحة 130-131. بتصرّف.
  12. تقي الدين السبكي (1995م)، الإبهاج في شرح المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 364، جزء 2. بتصرّف.
  13. ^ أ ب محمد زهير، أصول الفقه، مصر، المكتبة الأزهرية، صفحة 170-172، جزء 3. بتصرّف.
  14. ^ أ ب علي جمعة (2001م)، كتاب المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية (الطبعة الثانية)، القاهرة، دار السلام، صفحة 310. بتصرّف.
  15. ^ أ ب ت محمد عبد الغفار، تيسير أصول الفقه للمبتدئين، صفحة 7، جزء 9. بتصرّف.
  16. أبو الحسن الأشعري (2005م)، كتاب مقالات الإسلاميين ت زرزور (الطبعة الأولى)، المكتبة العصرية، صفحة 135، جزء 1. بتصرّف.
  17. ابن حزم الظاهري، مراتب الإجماع، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 167-174. بتصرّف.
  18. ^ أ ب محمد الزحيلي (2006م)، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، سوريا، دار الخير، صفحة 322، جزء 2. بتصرّف.






اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب