X
X



تعريف القناعة

تعريف القناعة


تعريف القناعة في اللغة

ماذا تعني القناعة لغةً؟

ورد معنى القناعة في معجم المعاني بأنَّه اسم ومصدر من الفعل قَنِعَ أي: يرضى بما أُعطي، وعلى هذا يكون معنى القناعة الرِّضى والقبول[١]، وقد ورد تعريف القناعة بأنَّها الرِّضى بالنَّصيب والمقسوم، ولكن القناعة في اللغة من الألفاظ التي تحمل في معناها الأضداد، فمن الممكن أن تكون القناعة بمعنى الاقتناع والتَّسليم، وعندها يُقال هذا رجلٌ قانع أي: رضي بما أعطاه الله، ومن الممكن أن تأتي بمعنة مسآلة النَّاس ما في أيديهم، وهو الذي لا يرضى ما أعطاه الله وقسم له، وقد ورد هذا المعنى في سورة الحج بقوله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ القَانِعَ وَالمُعْتَرّ}.[٢][٣]

قد عرَّف الجاحظ القناعة بأن يكتفي الإنسان في أمور حياته بالأشياء اليسيرة ولا يتطلَّع إلى الزِّيادة ولا يميل قلبه إليها، وألّا يتَّبع هوى النَّفس ورغبتها بجمع الأموال والتَّطلع إلى المراتب العالية.[٤]

تعريف القناعة في الاصطلاح

ما هو مفهوم القناعة اصطلاحًا؟

لقد ورد عدد من التَّعاريف لمصطلح القناعة، فقد عرَّف المناوي القناعة بأن يقتصر الإنسان في أموره على ما يكفيه من تأمين حاجاته وضرورياته، وهناك من قال إنّ القناعة هي أن يكتفي الإنسان بالبُلغة وهي الحدُّ الذي آتاه الله إياه وعدم تمني النَّفس سواه، في حين هناك من قال إنَّ القناعة أن يتَّوقف الإنسان في أمور حياته حدَّ كفايته فقط وعدم طلب الفائض أو ما يزيد عن حاجته.[٤]

تعريف القناعة في الإسلام

كيف ينظر الإسلام إلى القناعة؟

لقد بنى الإسلام نظرته الخاص َّة لموضوع القناعة، فهو لم يبنِ مصطلح القناعة على ما يملك الإنسان من مال بين يديه، أو ما يملكه من أمور الحياة الزَّائلة، بل بنى مصطلح القناعة على الأمور والخواطر القلبية، وعرَّفها بأنَّها: هي ما وجدها المؤمن في قلبه من رضا عن اللَّه فيما آتاه وعندها سيعيش في طمأنينة وراحة بال.[٥]

قد أكدَّ الإسلام على أنَّ القناعة لا تتعارض مع العمل والكسب الحلال، فعلى المؤمن أن يسعى من أجل تأمين حاجاته، ولكن بشرط ألَّا يفرِّط بالفرائض الإسلاميَّة في سبيل الحصول على بعض المنافع الدُّنيويَّة، فهنا نظر الإسلام إلى القناعة ألَّا يسعى الإنسان في سبيل التَّكالب على أمور الحياة حتَّى ولو كان العمل غير محرم، وإنَّما يقتصر على ما آتاه الله من رزق ولو كان قليلًا.[٥]

قد وردت القناعة في العديد من الآيات والأحاديث القرآنية، قال تعالى في سورة النَّحل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[٦]، ولقد فسَّر الصَّحابي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الحياة الطَّيبة هي القناعة، وهذا ما ذهب إليه محمد بن كعب والحسن البصري، وقال تعالى في سورة الانفطار: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}[٧]، وقد فسَّر المفسرون أن النَّعيم الوارد في هذه الآيات هو القناعة والرِّضى بالإضافة للتَّوكل على الله، وممن ذهب إلى هذا القول النيسابوري والرَّازي.[٨]

أمَّا القناعة من منظور السُّنة النَّبوية وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد ورد عنها الكثير، فقد قال عبد الله بن عمرو إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ”[٩]، وقد فسَّرالمناوي بأنَّ الرزق الكفاف هو عدم التَّطلع نحو الزِّيادة وطلبها، أمَّا المباركفوري فقد ذهب إلى الكفاف بالعيش هو أن يؤمن المسلم من خلاله حاجيَّاته.[٨]

لقراءة المزيد، انظر هنا: القناعة في الإسلام.

مظاهر القناعة

ما هي المواطن التي تظهر فيها القناعة؟

وللقناعة العديد من الفوائد التي تعود على الشَّخص إذا تخلَّق بهذا الخلق كما أنَّه تظهر عليه آثار ومظاهر القناعة ومن هذه المظاهرماسيرد فيما يأتي.

امتلاء قلب المسلم ثقة بالله

فعندما يكون الإنسان على قناعة بما آتاه الله سبحانه وتعالى وقسمه له من أرزاق فسيمتلئ قلبه رضى وإيمانًا بالله -سبحانه وتعالى- بأنَّه سيعطيه رزقه بشكل كاملٍ ولن يستطيع أحدٌ أن يأخذ رزقه الذي قسمه الله له، فقد قال الفضيل بن عياض إنّ الزهد هو القناعة والرِّضا عن الله سبحانه وتعالى وعن قسمته، كما أنَّ الحسن -رضي الله عنه- قد حذَّر أن يكون الإنسان خائفًا على رزقه الذي لم يأتِ بعد ومتطلِّعًا للرزق الغيبيِّ بخوف.[١٠]

الشعور بالاطمئنان والحياة الطيبة

لقد قال ابن عباس أنَّ الحياة الطَّيبة التي يرزقها الله لعباده هي القناعة أي الرِّضى عن النِّعم التي وهبه الله إياها، وهذا ما ورد في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[٦]،وقد ابن الجوزي في هذا الموضع بأنَّ المسلم القنوع سيرزقه الله طيب العيش، على عكس من لم تظهر عليه القناعة فستطول حياته في الطَّيش والضَّياع والبحث عن المفقود.[١٠]

اعتياد الشكر

إنَّ الإنسان الذي قنع فيما آتاه الله ورزقه سيكون حال لسانه دوام اللهج بشكر الله تعالى وحمده على تلك النِّعم التي وهبه إياها، أمَّا من لم يرض ويقتنع بما أعطاه الله فسيكون دوام حاله التَّسخط والتَّذمر وتعداد ما ينقصه ويتمناه، وفي هذه الحالة سيصبح كمن يشكو الله ورحمته للخلق الذين لا يملكون له رحمةً ولا نفعًا، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: “كُنْ ورِعًا تكنْ أعبدَ الناسِ وكُنْ قَنعًا تكن أشكرَ النَّاسِ”.[١١][١٠]

الطهارة من أمراض القلوب والشعور بغنى الروح

فالإنسان الذي لا يقنع بحياته سيكون دائم التَّذمر والذي قد يجره هذا الأمر إلى الغيبة والنَّميمة نتيجة الحسد الذي سيغزو قلبه، وذلك لأنَّ يتطلع إلى ما في أيدي النَّاس، وهذه الأمراض تأكل الحسنات، فإنَّ من يقتنع بما أعطاه الله سبحانه وتعالى ولا يتطلع إلى نعم وعطاء غيره سيشعر بأنَّه أغنى النَّاس كافَّةً، ولقد ورد لفظ الغنى في قوله تعالى بسورة الضُّحى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}[١٢]، فذهب العلماء إلى أنَّ الغنى هنا هو غنى الرُّوح.[١٠]

أهمية القناعة

هل القناعة تحمي الإنسان من الاستدانة؟

إنَّ للقناعة أهميَّة كبيرةٌ في حياة الإنسان على جميع الأصعدة ومن أهميَّة القناعة ما يأتي:[١٣]

  • الابتعاد عن الحسد: فعلى المستوى الأسري إن الإنسان الذي يقنع بحياته وبما قسمه الله له من رزق، سيحول هذا الأمر بينه وبين النَّظر إلى معيشة الآخرين الذين يفقونه بالمستوى المادي أو حسدهم عليه.
  • عدم الاستدانة: فإنَّ الاقتناع بالرِّزق المقسوم سيحول بين المرء وبين استدانة المال، فمن المعروف أنَّ الإنسان الذي لا يقنع بحياته، سيحاول استدانة المال لإرضاء رغباته أو رغبات زوجته.
  • الشَّعور بالرَّاحة: عندما يقتنع الإنسان بحياته سيشعر براحة في داخله كما أنَّ هذا الأمر سيحول بينه وبين الشَّعوربهمَّ الدَّين وكيفيَّة سداده.

أقوال العلماء والسلف في القناعة

إن من أشهر ما عرف به أئمة التابعين والسلف -عليهم رحمة الله ورضوانه-، الزهد في الدنيا والإعراض عن ملذاتها، فلذلك كانوا يدركون معنى القناعة، فاشتهرت بعض الأقوال التي قالوها بما يخص القناعة، وتاليًا تذكر أقوال العلماء والسلف الصالح -رضي الله عنهم- فيما يخص القناعة:[١٤]

  • قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “القناعة مال لا نفاد له”.
  • قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما لابنه: “يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قطُّ إلا أغناك الله عنه”.
  • قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: الفقه الأكبر القناعة، وكفُّ اللسان”.
  • قال بكر بن عبد الله المزني: يكفيك من الدنيا ما قنعت به، ولو كفَّ تمرٍ، وشربة ماءٍ، وظلَّ خباءٍ، وكلما انفتح عليك من الدنيا شيءٌ ازدادت نفسك به تعبًا.
  • قال أبو حاتم: “مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولو لم يكن في القناعة خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة على حالة من الأحوال”.
  • قال أبو محرز الطفاوي: شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب عليَّ وأنا شاب، فقالت لي: يا بني استعن بعزِّ القناعة عن ذلِّ المطالب، فكثيرًا والله ما رأيت القليل عاد سليمًا.
  • قال أبو حاتم: “القناعة تكون بالقلب، فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غِناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنًا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد”.
  • عن أبي سليمان أنه قال: “سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعِزِّ القناعة، والرضا بفقره”.

المراجع[+]

  1. “تعريف و معنى قناعة في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي”، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 08/03/2021م. بتصرّف.
  2. سورة الحج، آية:36
  3. ياسر الحمداني، موسوعة الرقائق والأدب، صفحة 2848. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 442. بتصرّف.
  5. ^ أ ب محمد نصر الدين محمد عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 436. بتصرّف.
  6. ^ أ ب سورة النحل، آية:97
  7. سورة النفطار، آية:13
  8. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية، صفحة 480. بتصرّف.
  9. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1054، صحيح.
  10. ^ أ ب ت ث إبراهيم الحقيل، القناعة مفهومها فوائدها الطريق إليها، صفحة 8-10. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:601، صحيح رجاله كلهم ثقات.
  12. سورة الضحى، آية:8
  13. محمد صالح المنجد، دروس محمد صالح المنجد، صفحة 9. بتصرّف.
  14. “أقوال السلف والعلماء في القناعة”، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 18-12-2019م. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب