X
X



المتنبي والحب

المتنبي والحب


من هو المتنبي

هو أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي الكندي، شاعر من شعراء العرب الأفذاذ، وهو أفضل شعراء العربية على الاطلاق، وُلد أبو الطيب في الكوفة سنة 915م، وعاش في بلاد الشام وأمضى حياته متنقلًا بين البلاد يتعلَّم البلاغة واللغة، فزادت فصاحته، وكشف خفايا الشعر وسبر أغواره فأصبح فارسًا وشاعرًا وأديبًا من أشهر أدباء العرب وفصحائهم، لازم أبو الطيب سيف الدولة وامتدحه مديحًا منقطع النظير، وبعد وشي الوشاة وعذل العاذلين ترَكَ أبو الطيب سيف الدولة وسافر إلى مصر، ومنها إلى فارس وعندما عاد من فارس إلى العراق قُتل في الطريق سنة 965م.

حياة المتنبي

هو أحمد بن الحسين بن عبد الصمد، يكنَّى بأبي الطيب المتنبي، وهو واحد من أبرز شعراء العصر العباسي وأشهر شعراء العرب على الإطلاق، يرجع نسبه إلى قبيلة من قبائل اليمن، وقد جاء في سيرة حياته أنَّه كان يمرُّ دائمًا على قبائل العرب دون أن يكشفُ عن أصله ونسبِه، وعندما سُئل عن سبب كتمانه لنسبه كان يقول: “إني أنزل دائمًا على قبائل العرب، وأحب ألا يعرفوني خيفة أن يكون لهم في قومي تِرَة”.

وُلد أبو الطيب في الكوفة، في ديار كندة، لذلك يُلقَّب أحيانًا بالكندي، ولا يرجع نسبه إلى قبيلة كندة إنَّما إلى محلة كندة، عمل أبوه في سقاية الماء في مدينة الكوفة، وكان هذا من الأشياء التي عيَّره خصومه بها، فكان يقول عن نفسه:

لا بقومي شَرُفتُ بل شَرُفُوا بي      وبنفسي فَخَرْتُ لا بجدودي

لم يرد في الكتب التي جمعت سيرة أبي الطيب حديثًا عن طفولتِه الأولى، ولكن ما جاء أنَّ أمه توفّيت وهو صغير، فربته جدته وعندما أصبح يافعًا، تنقَّل المتنبي إلى البادية وعاش فيها سنتين، ورجع بعدها إلى الكوفة وصاحب العلماء فيها فنهل من علمهم وأخذ عنهم البلاغة والشعر، ثمَّ ارتحل مع والده إلى بلاد الشام، وقد ادَّعى هناك النبوَّة فسجنه والي حمص، فبعث له المتنبي رسالة فيها أبيات من الشعر أعلن فيها أبو الطيب توبته وذكر فيها أمَّه ليستعطف الوالي، يقول:

بِيَدي أيها الأميرُ الأريبُ       لا لشيءٍ إلا لأنـِّي غريـبُ

أو لأمٍّ لهـا إذا ذكرتْنـي        دمعُ قلبٍ بدمعِ عينٍ سـكوبُ

إنْ أكنْ قبلَ أن رأيتك أخطَأْ        تُ فإني عـلى يـديكَ أتـوبُ

وبعد أن دار المتنبي وارتحل، استقرَّ به الأمر في حلب عند سيف الدولة الحمداني، فمدحه وأبدع في مديحه، فأُعجب به سيف الدولة أشد الإعجاب وقرَّبه منه وجعل له مكانة كبيرة، وكان من أجمل ما قال أبو الطيب في مديح سيف الدولة:

على قَدْرِ أهلِ العَزْمِ تأتي العزائِمُ       وتأتي على قَدْرِ الكِرامِ المكـارمُ

وتَعْظُمُ في عَينِ الصغيرِ صغارُها         وتَصْغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

هَلِ الحَدَثُ الحَمراءُ تَعرفُ لونَها         وتَعْلَـمُ أيُّ الساقِيَيـْنِ الغَمَائـِمُ

بَنَاها فأعْلى وَالقَنـَا يَقْرَعُ القَنَـا           ومَوْجُ المنايا حَوْلَهـا مُتَلاطِـمُ

ثمَّ وَشى به الحُسَّاد وأوقعوا بينه وبين سيف الدولة بعد أن صاحبه سنين طويلة، فغادر إلى مصر ومدح كافور الأخشيدي، رغبة بالأعطيات والمال، وكان مما قال:

كفى بكَ داءً أن ترى الموتَ شَافِيَا         وَحَسـْبُ المَنـَايَا أن يـكُنَّ أمانِيَا

تَمَنّيْتَهَـا لمـا تَمنيتَ أن تَرى           صديـقًا فأعْيَـا أوْ عَدُوًّا مداجِيـَا

ولم يلبث المتنبي في مصر طويلًا فسافر إلى فارس، ومنها إلى العراق، وبينما هو في الطريق إلى العراق، اعترضته ومن معه رجلٌ يدعى فاتك الأسدي، أغار هذا الرجل ومن معه من الرجال على المتنبي وقتلوه غرب بغداد سنة 965م. [١]

المتنبي والحب

ككثير من الشعراء العرب أو الشعراء في العالم، ولتوسيع الحلقة يمكن القول: ككلِّ الناس في العالم، كان للمتنبي مع الحب قصص كثيرة، فالحب فطرة لا بدَّ أن تمرَّ على كلِّ إنسان في البشرية وإنَّ أخفى فهذا من طبعه ولكنَّه لا يعني أنَّه معصوم عن الحب، كان للمتنبي علاقة كبيرة بالعشق والحب، عكستها قصائده وأظهرتها غزلياته الشهيرة، ولكنَّ ما جاء عنه هو أنَّه لكن شديد التقرُّب من النساء، ولم يكن معسول اللسان معهنَّ، ولكنَّه كان صيَّادًا للجمال، يبرز جمال المرأة العربية بقصائده بأدق تشبيه وأبلغ تصوير، مع أنَّه لم يكن عابثًا مع النساء أبدًا، شغله الفخر والمديح والهجاء ووصف الحروب عن النساء كثيرا، ولكنَّ شعره لم يخلُ من بهاء تصويره للمرأة، وكان من أجمل ما قال: [٢]

بَدَتْ قَمَرًا ومالَتْ خُوطَ بانٍ        وفاحَتْ عَنْبَرًا ورَنَت غَزالا

وجارَتْ في الحُكومَةِ ثمّ أبْدَتْ        لَنا من حُسنِ قامَتِها اعتِدالا

كأنّ الحُزْنَ مَشْغُوفٌ بقَلبي           فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا

وممّا يلفت الانتباه في قصائده التي أبدع في وصف مفاتن المرأة، وليس المقصود هنا الوصف الماجن الذي يمعن في التفاصيل المثيرة في المرأة، إنَّما هو وصف العذريّين في غالب الظن، حيث يقول: [٣]

لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي        وللحُبّ ما لم يَبقَ منّي وما بَقي

وَما كنتُ ممّنْ يَدْخُلُ العِشْقُ قلبَه        وَلكِنّ مَن يُبصِرْ جفونَكِ يَعشَقِ

وَبينَ الرّضَى وَالسُّخطِ وَالقُرْبِ وَالنَّوَى       مَجَالٌ لِدَمْعِ المُقْلَةِ المُتَرَقرِقِ

وهذه هي حال المتنبي مع الحب، هكذا جاءت وهكذا عكستها قصائده، وجدير القول إنَّ المتنبي استعاض عن الإمعان في حب المرأة بحب ذاته، التي أكثر من مديحها في فخرياته الشهيرة فقد رفع من شأن نفسه بطريقة نرجسية.

أشعار المتنبي في الحب

لا شكَّ في أن شاعرًا مثل أبي الطيب المتنبي إذا كتب في الحب أن ينخفض مستوى الإبداع في شعره، فإبداعه العظيم في قصائده كلِّها لا يزداد إبداعًا عن شعره في الحب وإنْ كان قد أولى غزله مكانة أقل بين الأغراض الشعرية التي كتب فيها، وفيما يأتي ذكر بعض قصائده في الحب، إظهارًا لقدرته العظيمة في كلِّ مواضيع الشعر التي تناولها:

  • يقول المتنبي في إحدى قصائده: [٤]

الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا        وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا

لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى        مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ الضَنا

بِنّا فَلَو حَلَّيتَنا لَم تَدرِ ما               أَلوانُنا مِمّا اِمتُقِعنَ تَلَوُّنا

وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَد          أَشفَقتُ تَحتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنا

  • ويقول المتنبي أيضًا: [٥]

سَفَرَتْ وبَرْقَعَها الفِراقُ بصُفْرَةٍ        سَتَرَتْ مَحاجرَها ولم تَكُ بُرْقُعَا

فكأنّها والدّمْعُ يَقْطُرُ فَوْقَها          ذَهَبٌ بسِمْطَيْ لُؤلُؤٍ قد رُصّعَا

نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها          في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَالٍ أرْبَعَا

واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها          فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا

  • وجاء عن المتنبي أيضًا قوله: [٦]

هامَ الفُؤادُ بِأَعرابِيَّةٍ سَكَنَت        بَيتًا مِنَ القَلبِ لَم تَمدُد لَهُ طُنُبا

مَظلومَةُ القَدِّ في تَشبيهِهِ غُصُنًا        مَظلومَةُ الريقِ في تَشبيهِهِ ضَرَبا

بَيضاءُ تُطمِعُ فيما تَحتَ حُلَّتِها            وَعَزَّ ذَلِكَ مَطلوبًا إِذا طُلِبا

كَأَنَّها الشَمسُ يُعيِي كَفَّ قابِضِهِ          شُعاعُها وَيَراهُ الطَرفُ مُقتَرِبا

  • ويقول المتنبي أيضًا: [٧]

عَوَاذِلُ ذاتِ الخَالِ فيّ حَوَاسِدُ       وَإنّ ضَجيعَ الخَوْدِ منّي لمَاجِدُ

يَرُدّ يَدًا عَنْ ثَوْبِهَا وَهْوَ قَادِرٌ          وَيَعصي الهَوَى في طَيفِها وَهوَ راقِدُ

متى يَشتفي من لاعجِ الشّوْقِ في الحشا       مُحِبٌّ لها في قُرْبِه مُتَبَاعِدُ

إذا كنتَ تخشَى العارَ في كلّ خَلْوَةٍ            فَلِمْ تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ

  • ويقول المتنبي في قصيدة أخرى: [٨]

وَلَم أَرَ كَالأَلحاظِ يَومَ رَحيلِهِم        بَعَثنَ بِكُلِّ القَتلِ مِن كُلِّ مُشفِقِ

أَدَرنَ عُيونًا حائِراتٍ كَأَنَّها          مُرَكَّبَةٌ أَحداقُها فَوقَ زِئبَقٍ

عَشِيَّةَ يَعدونا عَنِ النَظَرِ البُكا       وَعَن لَذَّةِ التَوديعِ خَوفُ التَفَرُّقِ

المراجع[+]

  1. أبو الطيب المتنبي, ، “www.marefa.org”، اطُّلِع عليه بتاريخ 09-02-2019، بتصرّف
  2. بقائي شاء ليس هم ارتحالا, ، “www.adab.com”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  3. لعَيْنَيْكِ ما يَلقَى الفُؤادُ وَمَا لَقي, ، “www.adab.com”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  4. الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا, ، “www.aldiwan.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  5. أركائب الأحباب إن الأدمعا, ، “www.adab.com”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  6. دمع جرى فقضى في الربع ما وجبا, ، “www.aldiwan.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  7. عَوَاذِلُ ذاتِ الخَالِ فيّ حَوَاسِدُ, ، “www.adab.com”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف
  8. لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي, ، “www.aldiwan.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 10-02-2019، بتصرّف






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب