X
X


موقع اقرا » إسلام » إعجاز القرآن الكريم » الإعجاز البياني في القرآن الكريم

الإعجاز البياني في القرآن الكريم

الإعجاز البياني في القرآن الكريم


مفهوم الإعجاز البياني في القرآن الكريم

ما العلم الذي يبيّن ويبرز مدى بلاغة وفصاحة القرآن الكريم؟

تعدّ مسألة الإعجاز القرآني من أبرز المسائل القرآنية التي بحثها العلماء قديمًا وحديثًا على اختلاف أزمانهم، وليس الهدف من قضية الإعجاز في القرآن الكريم ردّ شبهات الحاقدين ودحض جهالات الجاهلين، وإنما بيان روائع هذا الكتاب الخالد، فكانت كتب الإعجاز تحمل في كل عصرٍ وزمن الجديد للناس.[١]

الإعجاز البياني هو: إثبات عجز الجن والإنس على قدرتهم بأن يأتوا بمثل القرآن في بيانه، وهو كان أسبق ظهورًا من الإعجاز العلمي كشفًا ودراسة[٢]، أمّا مفهوم الإعجاز القرآني فهو: العلم الذي يهتم بإبراز إعجاز البلاغة القرآنية من جهة الوظيفة والخاص يّة والمظهر[٣]، كما دارت كلمة البيان على ألسنة الأدباء والنقاد، تحمل معنى الإفصاح بالحجة، والمبالغة في وضوح الدلالة، والقدرة على إقناع العقول واستمالة النفوس.[٤]

مظاهر الإعجاز البياني في القرآن الكريم

بماذا يتميّز أسلوب القرآن الكريم عن الأساليب الأدبية الأُخرى؟

لا شكّ أنّ الحديث عن الإعجاز البياني للقرآن هو حديثٌ عن بلاغة القرآن، والحديث عن بلاغة القرآن يقتضي تفصيل أمرين اثنين: الأوّل وظيفة البلاغة القرآنية، والآخر خاص يّتها، فالمتأمّل في كتب الإعجاز خاص ّة التراثية منها يجد الإجماع من أهل الشّأن على أنّ الوجه المقدّم من أوجه إعجاز القرآن هو الوجه البيانيّ[٥]، ومن مظاهر الإعجاز البياني للقرآن الكريم:[٥]

الخصائص العامة للأسلوب القرآني

إن الخصائص تلعب دورًا فعالًا لفهم العمق الكلامي في النص القرآني ومن هذه الخصائص:

الأسلوب الجمالي

إنّ أسلوب القرآن يتميز بأسلوب يبهر عقول البشر من حيث البلاغة والفصاحة، ورغم أنّه يتكوّن من نفس أحرف كلام البشر، إلا أنه يمتاز بأسلوبه الذي لا يستطيع أن يضاهيه أي مخلوق على وجه البسيطة، ويبقى نفس الأسلوب رغم مرور العديد من القرون ورغم بساطة ألفاظه من جهة، وتنوعها من جهة، إلّا أنّها جاءت ذات عمق دلالي يصلح لكل زمان ومكان، وهذا الأسلوب يجري على نسق بديع خارج عن المعروف والمألوف من نظام جميع كلام العرب.[٦]

الأسلوب التعبيري

حيث يقوم في طريقته التعبيرية على أساس مباين للمألوف من طرائقهم، بيان ذلك أنّ جميع الفنون التعبيرية عند العرب لا تعدو أن تكون نظمًا أو نثرًا، وللنظم أعاريض وأوزان محددة معروفة، فإنّ الناظر في القرآن يجد فيه القصص والمواعظ، والاحتجاج والحكم والوعيد والتبشير والتخويف ومع ذلك فهو غاية في الفصاحة، ومهما طفت بنظرك في جوانب كتاب الله تعالى ومختلف سوره وجدته مطبوعًا على هذا النسق العجيب، فمن أجل ذلك تحيّر العرب في أمره، إذ عرضوه على موازين الشعر فوجدوه غير خاضع لأحكامه، وقارنوه بفنون النثر فوجدوه غير لاحق بالمعهود من طرائفه.[٦]

التعبيرالقرآني

كما أنّ التعبير القرآني يظل جاريًا على نسق واحد من السمو في جمال اللفظ وبديعه وزخرفه، وعمق المعنى ودقة الصياغة وروعة التعبير وحسن البيان والتبين، رغم تنقله بين موضوعات مختلفة من التشريع والقصص والمواعظ والحجاج والوعود والوعيد وتلك حقيقة شاقّة، بل ظلت مستحيلة على الزمن لدى فحول علماء العربية والبيان، بل يمكن القول إنّ التعبير القرآني هو المعلّم الرئيس لكل عالم دمث وشاعر مفلق بعد الإسلام.[٦]

المعاني القرآنية

معاني القرآن مصاغة بسهولة وانسيابية رصينة، بحيث يصلح أن يخاطب بها الناس كلّهم على اختلاف مداركهم وثقافتهم وعلى تباعد أزمنتهم، والقوة تكمن في الجوهر المعنوي للفظ القرآني والتنوع المحكم في ألفاظه، فالظاهر يفهم دون وجل والباطن يُفسر دون شذوذ عن المعنى؛ وذلك لأنّ القرآن نزل على أهل اللغة الاقحاح على اختلاف لهجاتهم، ومع تطوّر علومهم واكتشافاتهم تبحّروا في فقه هذا الكتاب ولغته ووجدوا فيه العجب العجاب.[٦]

أسلوب التكرار والتصوير

في القرآن الكريم ظاهرة التكرار التي تكون في تكرار بعض الألفاظ والجمل أو في تكرار بعض المعاني كالأقاصيص والأخبار، والأوّل يأتي على وجه التوكيد، ثمّ ينطوي بعد ذلك على نكت بلاغية كالتهويل، والإنذار والتجسيم والتصوير، والثاني هو تكرار لبعض القصص والأخبار، يأتي لتحقيق غرضين هما: إنهاء حقائق الوعد والوعيد إلى النفوس بالطريقة التي تألفها، وإخراج المعنى الواحد في قوالب مختلفة من الألفاظ والعبارات، وبأساليب مختلفة تفصيلًا وإجمالًا، ومن هنا كان من المحال أن نعثر في القرآن كلّه على معنى يتكرر في أسلوب واحد من اللفظ ويدور ضمن قطب واحد من التعبير.[٦]

التنوع في الأساليب

لا بدّ أن يلبس في كلّ مرّة ثوبًا جديدًا من الأسلوب والطرح والتعبير عن المعنى الواحد بصياغات مختلفة وأساليب متنوعة، وطريقة التصوير والعرض والتفنن في البيان من جهة والبديع من جهة أخرى، وعلى نحو ذلك قصّة موسى عليه السلام؛ إذ إنّها أشدّ القصص في القرآن الكريم تكرارًا، وردت هذه القصّة في نحو ثلاثين موضعًا، ولكنها في كلّ مرّة تلبس أسلوبًا جديدًا وتخرج إخراجًا جديدًا يناسب السياق الذي وردت فيه.[٦]

المفردات القرآنية

تمتاز الكلمات التي تتألف منها الجمل القرآنيّة بثلاث ميزات رئيسة هي: جمال وقعها في السمع، وهي ميزة حروف وفق مخارجها ودرجات قوتها وضعفها، واتساقها الكامل مع المعنى من خلال توافق المعنى مع القوة والأثر واتّساقها الكامل مع المعنى، فالفاء مثلًا أخف الحروف لفظًا لذلك يجب في معرض احترام الوالدين ألا نقول لهم أفًّا، واتّساع دلالتها لما لا تتسع له عادة دلالات الكلمات الأخرى من المعاني والمدلولات، ويوجد في تعابير بعض الأدباء مثل الجاحظ والمتنبي كلمات تتّصف ببعض هذه الميزات الثلاثة.[٧]

الجملة القرآنية وصياغتها

إنّ دراسة الجملة القرآنيّة تتّصل اتصالًا مباشرًا بدراسة المفردة القرآنيّة؛ لأنّ هذه أساس الجملة ومنها تركيبها، وإذ كان علماء البلاغة يجعلون البلاغة درجات فإنهم يقرّون دون جدل أنّ صياغة العبارة القرآنيّة في الطرف الأعلى من البلاغة الذي هو الإعجاز ذاته، وللإعجاز فيها وجوه كثيرة، منها ما يكون من التلاؤم والاتّساق الكاملين بين كلماتها وبين ملاحق حركاتها وسكناتها، فالجملة في القرآن تكون دائمًا مؤلفة من كلمات وحروف، كما أنّ الجمل القرآنيّة تدلّ بأقصر عبارة على أوسع معنى لا يكاد الإنسان يستطيع التعبير عنه إلّا بأسطر وجمل كثيرة.[٧]

ضرب الأمثال في القرآن الكريم

إن الأسلوب البلاغي في القرآن الكريم اتخذ من الأمثال أسلوبًا لضربها، وهي ركن رئيس للتعبير عن المضامين والمعاني، ومن جملة هذه الأساليب: إظهار المعاني العقلية المتخيلة في الذهن في صورة محسوسة مجسمة تتشكل في العقل ويتخيلها الإنسان بتصوير حيّ متحركة[٨] مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}.[٩]

من هذه الأساليب تجسيم الصور والحالات النفسانية منها والمعنوية في تصوير حسيّ مُتخيل، وإكسابها الحركة لما من شأنه الثبات والسكون وإلباس الروح والحياة على الجمادات والظواهر الطبيعيّة، مثل قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}[١٠]، فالاشتعال هنا تعبير يُحرّض الخيال والذهن، ويصور ويجسد للقارئ أنّ للشيب عدم ثبات بل ديمومة متحرّكة في الرأس كديمومة النار وحركتها عند الاشتعال، ممّا يُكسب النص جمالًا بيانيًّا.[٨]

أنواع الإعجاز البياني في القرآن الكريم

ما الأغراض التي يخرج عنها البيان القرآني؟

إنّ أنواع البيان المذكورة في القرآن كثير جدًا، وأفرد لها الإمام “الشنقيطي” فصلًا واسعًا في مقدمة كتابه “أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن” يُذكر منها:[١١]

  • بيان الإجمال الواقع بسبب الاشتراك: سواء كان الاشتراك في اسم أم فعل أم حرف، ومنه قوله تعالى: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[١٢]، ومن أمثلة الاشتراك في الاسم: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[١٣]، فإنّ العتيق يطلق بالاشتراك على القديم وعلى المعتق من الجبابرة.[١١]
  • بيان الإجمال الواقع من باب الإبهام: وهوبسبب إبهام يفصّل فيه ثم يورد الأمثلة ومنها: فقد تكون جمعًا أو مفردًا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف، فمثال الإبهام في اسم جنس مجموع[١١] قوله تعالى: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}.[١٤][١١]
  • بيان الإجمال والواقع من باب الاحتمال: ويكون بسبب احتمال في مفسر الضمير وهو كثير، ومنه ما جاء في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ}[١٥]، فإنّ الضمير يحتمل أن يكون عائدًا إلى الإنسان وأن يكون عائدًا إلى الله تعالى.[١١]
  • موضع السؤال والإجابة: ويكون من خلال ذكر الشيء في موضع ثم وقوع سؤال عنه وجواب في موضع آخر، ومن ذلك في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[١٦]، فإنّه في الآية الكريمة لم يبين هنا المراد والغاية بالعالمين.[١١]
  • بيان الظاهر المتبادر: وهو بيان يقصد في العقل وما يظهر عليه في ظاهر اللغة، والمعنى المتبادرهو بيان أن يكون الظاهر المتبادر من الآية بحسب الوضع اللغوي غير مراد بدليل قرآني آخر على المراد غيره.[١١]
  • بيان التخاطر في بيان قول العلماء وما يدحضه: أن يقول العلماء في أي آية قرآنية كريمة قولًا تفسيريًا ويكون في نفس الآية قرينة ودليل يثبت ويدحض ما نظروا ومحّصوا على بطلان ذلك القولبي ودلالته العائدة من خلال القرينة.[١١]

تطور دراسة الإعجاز البياني في القرآن الكريم

ما هي المراحل التي مرّت بها دراسات الإعجاز البياني للقرآن ؟

لم تكن البداية في دراسة القرآن بلاغته وبيانه بل كانت الأولوية لفهم أحكامه وفروضه ونواهيه، ومن المراحل التي مر بها:

مرحلة الدفاع

انتقلت دراسة إعجاز القرآن الكريم في هذه المرحلة من نظرات مجملة إلى دراسة مفصّلة، وذلك في مطلع القرن الرابع الميلادي، كما تحوّل النظر إلى الإعجاز من كونه وسيلة إلى غاية سامية، هي إثبات النبوة والمصدر الربّاني للقرآن، لتكون الدراسة غاية بحد ذاتها، وفي هذه المرحلة نشأ علم “البلاغة القرآنية”، أو علم “أساليب البيان في القرآن”، أو علم “النظم القرآني الرائع”، وكانت وقفة العلماء أمام البيان القرآني المعجزة متأنيّة بطيئة، وكانت تحليلات المتفوقين منهم بديعة، وكانت دراساتهم عديدة بعضها قيّمة وشائقة.[١٧]

مرحلة التأليف

مِن أوائل مَن يمثّل هذه المرحلة الإمام الرّماني في رسالته “النكت في إعجاز القرآن” التي تحدث فيها عن أقسام البلاغة القرآنية، وهي: الإيجاز، والتشبيه،والاستعارة، والتلاؤم، والفواصل، والتجانس، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، والبيان، وكان يشرح كل قسم من هذه الأقسام العشرة، ويورد عليها النماذج الرائعة من آيات القرآن، كما يمثّل هذه المرحلة أيضًا: الخطّابي في رسالته “بيان إعجاز القرآن” في بعض جوانبها، وكتاب الباقلاني “إعجاز القرآن”، وخير من يمثل هذه المرحلة كتاب عبد القاهر الجرجاني “دلائل الإعجاز”، وجداله المطوّل فيه لإثبات النظم القرآني، الذي يصحّ اعتباره دراسة للبلاغة القرآنية، لذلك جعله متكاملًا مع كتابه الثاني: أسرار البلاغة.[١٧]

مرحلة التبلور

في هذه الدراسات البيانيّة للبلاغة القرآنيّة انتقل “إعجاز القرآن” من كونه فكرة موجزة، وحجة بالغة لإثبات النبوّة ومصدر القرآن، إلى كونه علمًا مستقلًا اسمه “علم البيان القرآني” أو “النظم القرآني” أو “التعبير القرآني” أو “البلاغة القرآنيّة”، وانتقال الإعجاز في هذه المرحلة من كونه وسيلة ليكون علمًا مستقلًا يعدّ انتقالًا مقبولًا، لأنّه لم يخرج عن معنى الإعجاز الاصطلاحي، ولا عن الثلاثية المتلازمة “المعاجزة والعجز والإعجاز”.[١٧]

أمثلة الإعجاز البياني في القرآن الكريم

هل الإعجاز البياني في القرآن الكريم مقتصر على آيات محدّدة؟

القرآن الكريم غنيّ بالبيان في جميع سوره وآياته والأمثلة على ذلك كثيرة منها:

الخوف

قال تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[١٨]، والخوف معنى من المعاني التي وردت في القرآن الكريم، وهذه الآية قالها تعالى قي حديثه عن موسى عليه السلام، ثم عبّر عن الخوف في صورةتشبيهية في قوله تعالى: {رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}[١٩]، فنقل التشبيه مشاعر الخوف في أحداقهم الزائغة المضطربة من شدة الخوف، وجسّدها في حركة عين من يكون في سكرات الموت، وهي صورة عجيبة مدهشة، ثم يرتدي الخوف ثوب الكناية فتبرزه في صورة حسيّة بالغة التأثير.[٢٠]

يقول تعالى مصورًا حالة المسلمين وقد أحاطت بهم جيوش الكفر ليلة الأحزاب: {إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}[٢١]، وهنا مشهد لقوم استبدّ بهم الخوف فجمدوا في مكانهم، وهربت الأبصار من أحداقها وتوقفت أنفاسهم، وهو تعبير مصوّر لحالة الخوف والكربة والضيق يرسمها في ملامح الوجوه وحركات القلوب، وتتناوب أساليب البيان على اللفظة الواحدة، فتكتسي في تعابيرها المختلفة حللًا متباينة من المعاني.[٢٠]

اليد

في موضع آخر وردت كلمة “اليد” فوضعت لمعنى الجارحة المعروفة، واستعملها القرآن دالّة على معناها الموضوعة له كما في قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ}[٢٢]، وتأتي اليد كناية عن البطش والقتل[٢٠] كما في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ}.[٢٣][٢٠]

الكتاب والقرآن

قال تعالى في سورة البقرة: {ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}[٢٤]، وفي سورة الإسراء: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[٢٥]، فأشار إلى الكتاب في آية البقرة بقوله “ذلك” الذي هو للبعيد ليدلّ على علوّه وبعده عن الريب، وأنّه بعيد المنال عن أن يؤتى بمثله، وأشار إلى القرآن في آية الإسراء بقوله “هذا” الذي هو للقريب، فلمّا كان الأمر في ذكر هداية الناس ومعرفتهم به وبأحكامه، انبغى أن يكون قريبًا منهم.[٢٦]

إلقاء وقذف

من أمثلة الإعجاز البياني أيضًا قوله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[٢٧]، وقال: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب}[٢٨]، فقد وردت كلّ من الكلمتين في سياق الجهاد ومحاربة الأعداء، مستندتين إلى الله تعالى المنعم على عباده بهذا الرعب إكرامًا للمؤمنين، وبأسًا على أعدائهم، وكلمة “قذف” تُعطي من الدلالة وتُلقي من الظلال ما لا يوجد في كلمة “إلقاء”، فكلمة “القذف” إنّما تستعمل لما فيه الشدة والقوة والضخامة.[٢٩]

كلمة “الإلقاء” وردت في سورة الأنفال التي تحدثت عن غزوة بدر، التي كانت بين المسلمين وبين كفار قريش، وكان المشركون لا يجدون ما يتحصنون به، وكلمة “قذف” جاءت في سورة الحشر وقد كانت لهم حصون منيعة، فكانت كل كلمة إذًا في مكانها المناسب.[٢٩]

حاد وشاق

إنّ كلمتي “حادّ وشاق” في القرآن الكريم جاءت كل واحدة منهما في موضع معين، فالأولى استعملت في سياق الحديث عن المنافقين، والثانية استعملت في سياق الكافرين، كما يشهد لذلك ما جاء في سورة التوبة في سياق المنافقين: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[٣٠]، وفي سورة المجادلة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[٣١]، كما وردت المشاقّة حديثًا عن الكافرين في قوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[٣٢]، ووردت حديثًا عن اليهود في قوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.[٣٣][٢٩]

التقرير الحاسم الجازم

قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}[٣٤]، في هذه الآيات الكريمة يقرر الله تعالى تقريرًا حاسمًا جازمًا حقيقة هذا القول الذي جاء به الرسول الكريم، هذا القول الذي تلقاه المشركون بالريب والسخرية والتكذيب.[٣٥]

يؤكد -سبحانه وتعالى- على أنّه حق ثابت؛ لأنه صادر عن الحق وينفي على سبيل القطع والجزم أن يكون شعر شاعر، أو كهانة كاهن، أو افتراء مُفتر، فالقرآن الكريم لا يحتاج إلى قسم لتوكيده على ما نراه ونبصره، وأيضًا على أي شيء لا نراه في هذا العالم.[٣٥]

المراجع[+]

  1. فضل حسن عباس، لمسات ولطائف من الإعجاز البياني للقرآن الكريم، صفحة 6. بتصرّف.
  2. عمار ساسي، الإعجاز البياني في القرآن الكريم، صفحة 84. بتصرّف.
  3. العيد حذيق، جهود أهل السنّة والجماعة في الإعجاز اللّغوي والبيانيّ للقرآن الكريم، صفحة 45. بتصرّف.
  4. محمد أمين الخضري، من بيان القرآن، صفحة 6. بتصرّف.
  5. ^ أ ب عمار ساسي، الإعجاز البياني في القرآن الكريم، صفحة 22. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خادي نسيمة، الإعجاز البياني في القرآن الكريم، صفحة 6. بتصرّف.
  7. ^ أ ب سامي حريز، نظرات من الإعجاز البياني في القرآن الكريم، صفحة 65. بتصرّف.
  8. ^ أ ب عبد العزيز بن عبد الله بن باز، البحوث الإسلامية، صفحة 23. بتصرّف.
  9. سورة الأعراف، آية:40
  10. سورة مريم، آية:4
  11. ^ أ ب ت ث ج ح خ د عمار ساسي، الإعجاز البياني في القرآن الكريم، صفحة 184. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:228
  13. سورة الحج، آية:29
  14. سورة البقرة، آية:37
  15. سورة العاديات، آية:7
  16. سورة الفاتحة، آية:2
  17. ^ أ ب ت نادية وزجاني، الإعجاز البياني والبلاغي، صفحة 81. بتصرّف.
  18. سورة القصص، آية:18
  19. سورة الأحزاب ، آية:19
  20. ^ أ ب ت ث محمد الأمين الخضري، من بيان القرآن الكريم، صفحة 7. بتصرّف.
  21. سورة الأحزاب، آية:19
  22. سورة طه، آية:22
  23. سورة المائدة، آية:11
  24. سورة البقرة، آية:2
  25. سورة النساء، آية:9
  26. فاضل السامرائي، أسئلة بيانية في القرآن الكريم، صفحة 8. بتصرّف.
  27. سورة الأنفال، آية:12
  28. سورة الحشر، آية:2
  29. ^ أ ب ت فضل حسن عباس، لمسات ولطائف من الإعجاز البياني للقرآن الكريم، صفحة 113.
  30. سورة التوبة، آية:63
  31. سورة المجادلة، آية:20
  32. سورة الأنفال، آية:13
  33. سورة الحشر، آية:4
  34. سورة الحاقة، آية:38-43
  35. ^ أ ب علي بن نايف الشحود، الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم، صفحة 28. بتصرّف.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب