X
X



أجمل ما كتب أمل دنقل

أجمل ما كتب أمل دنقل


قصيدة: خمس أغنيات إلى حبيبتي

على جناح طائرٍ
مسافر
مسافر
تأتيك خمس أغنيات حبٍّ
تأتيك كالمشاعر الضريرةِ
من غربة المصبِّ
إليك: يا حبيبتي الأميرة
الأغنية الأولى
ما زلت أنت أنت
تأتلقين يا وسام الليل في ابتهال صمتٍ
لكن أنا، أنا هنا:
بلا (أنا)
سألت أمس طفلة عن اسم شارعٍ
فأجفلت ولم تردْ
بلا هدى أسيرُ في شوارع تمتدّ
وينتهي الطريق إذا بآخر يطل
تقاطعُ
تقاطعُ
مدينتي طريقها بلا مصير
فأين أنت يا حبيبتي
لكي نسير
معًا
فلا نعود
لا نصل
تشاجرت امرأتان عند باب بيتنا
قولهما علي الجدران صفرة انفعال
لكن لفظًا واحدًا حيّرني مدلولهُ
قالته إحداهن للأخرى
قالته فارتعشت كابتسامة الأسرى
تري حبيبتي تخونني
أنا الذي أرشُّ الدموع نجم شوقنا
ولتغفري حبيبتي
فأنت تعرفين أنّ زمرة النساء حولنا
قد انهدلت في مزلق اللهيب المزمنةِ
وأنت يا حبيبتي بشر
في قرننا العشرين تعشقين أمسياته الملوّنةِ
قد دار حبيبتي بخاطري هذا الكدر
لكني بلا بصر
أبصرت في حقيبتي تذكارك العريق
يضمُّنا هناك في بحيرة القمر
عيناك فيهما يصل ألف ربّ
وجبهة ماسيّة تفنى في بشرتها سماحة المحبّ
أحسست أنّي فوق فوق أن أشكّ
وأنت فوق كل شكّ
وإنّي أثِمت حينما قرأت اسم ذلك الطريق
لذا كتبت لكِ
لتغفري
ماذا لديك يا هوى
أكثر مما سقيتني؟
قمت بها بلا ارتحال
حبيبتي: قد جاءني هذا الهوى
بكلمة من فمك لذا تركته يقيم
وظلّ يا حبيبتي يشبّ
حتى يفِع
حتى غدا في عنفوان ربّ
ولم يعد في غرفتي مكان
ما عادت الجدران تتّسع
حطمت يا حبيبتي الجدران
حملته، يحملني
إلى مدائن هناك خلف الزمن
أسكرته، أسكرني
من خمرة أكوابها قليلة التوازن
لم أفلت
من قبضة تطير بي إلى مدى الحقيقة
بأنّني أصبت، أشتاق يا حبيبتي[١]

قصيدة: البكاء بين يدي زرقاء اليمامة

أيتها العرّافة المقدَّسةْ
جئتُ إليكِ مثخنًا بالطعنات والدماءْ
أزحف في معاطف القتلى، وفوق الجثث المكدّسة
منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ.
أسأل يا زرقاءْ
عن فمكِ الياقوتِ، عن نبوءة العذراءْ
عن ساعدي المقطوع وهو ما يزال ممسكًا بالرّاية المنكَّسة
عن صور الأطفال في الخوذات ملقاةً على الصحراءْ
عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء
فيثقب الرصاصُ رأسَه في لحظة الملامسة!
عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء!
أسألُ يا زرقاء
عن وقفتي العزلاء بين السّيف والجدارْ!
عن صرخة المرأة بين السَّبي والفرارْ؟
كيف حملتُ العار؟
ثم مشيتُ دون أن أقتل نفسي دون أن أنهار
ودون أن يسقط لحمي من غبار التربة المدنسة
لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان
تلعق من دمي حساءَها ولا أردُّها
تكلمي لشدَّ ما أنا مُهان
لا اللَّيل يُخفي عورتي كلا ولا الجدران
ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها
ولا احتمائي في سحائب الدّخان
تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين عذبةُ المشاكسة
كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي ونحن في الخنادْق
فنفتح الأزرار في ستراتنا ونسند البنادقْ
وحين مات عَطَشًا في الصحَراء المشمسة
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة
وارتخت العينان
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان؟
والضحكةَ الطروب: ضحكتهُ
والوجهُ والغمازتانْ
أيّتها النبيّة المقدسة
لا تسكتي فقد سَكَتُّ سَنَةً فَسَنَةً
لكي أنال فضلة الأمانْ
قيل ليَ “اخرسْ”
فخرستُ وعميت وائتممتُ بالخصيان
ظللتُ في عبيد عبسِ أحرس القطعان
أجتزُّ صوفَها
أردُّ نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعاميَ: الكسرةُ والماءُ وبعض الثمرات اليابسة
وها أنا في ساعة الطعانْ
ساعةَ أن تخاذل الكماةُ والرماةُ والفرسانْ
دُعيت للميدان!
أنا الذي ما ذقتُ لحمَ الضأن
أنا الذي لا حولَ لي أو شأن
أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان
أُدعى إلى الموت ولم أدعَ إلى المجالسة
تكلمي أيتها النبية المقدسة
تكلمي تكلمي
فها أنا على التراب سائلٌ دمي
وهو ظمِئُ يطلب المزيدا
أسائل الصمتَ الذي يخنقني:
ما للجمال مشيُها وئيدا
أجندلًا يحملن أم حديدا
فمن تُرى يصدُقْني؟
أسائل الركَّع والسجودا
أسائل القيودا:
ما للجمال مشيُها وئيدا
ما للجمال مشيُها وئيد؟
أيتها العَّرافة المقدسة
ماذا تفيد الكلمات البائسة؟
قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ
فاتهموا عينيكِ، يا زرقاء، بالبوار
قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمكِ الثرثار!
وحين فُوجئوا بحدِّ السيف: قايضوا بنا
والتمسوا النجاةَ والفرار
ونحن جرحى القلبِ
جرحى الروحِ والفم
لم يبق إلا الموتُ
والحطامُ
والدمارْ
وصبيةٌ مشرّدون يعبرون آخرَ الأنهارْ
ونسوةٌ يسقن في سلاسل الأسرِ
وفي ثياب العارْ
مطأطئات الرأس لا يملكن إلا الصرخات الناعسة
ها أنت يا زرقاءْ
وحيدةٌ عمياءْ
وما تزال أغنياتُ الحبِّ والأضواءْ
والعرباتُ الفارهاتُ والأزياءْ
فأين أخفي وجهيَ المُشَوَّها
كي لا أعكِّر الصفاء الأبله المموَّها
في أعين الرجال والنساءْ؟
وأنت يا زرقاء
وحيدة عمياء
وحيدة عمياء[٢]

قصيدة العينان الخضراوان

العينان الخضراوان
مروّحتان
في أروقة الصيف الحرّان
أغنيتان مسافرتان
أبحرتا من نايات الرعيان
بعبير حنان
سنتان و أنا أبني زورق حبّ
يمتد عليه من الشوق شراعان
كي أبحر في العينين الصافيتين
إلى جزر المرجان
ما أحلى أن يضطرب الموج فينسدل الجفنان
وأنا أبحث عن مجداف
عن إيمان
والعينان الخضراوان
مروّحتان

قصيدة: الوقوف على قدم واحدة

كادت تقول لي من أنت؟
العقرب الأسود كان يلدغ الشمس
وعيناه الشّهيتان تلمعان
أأنت؟
لكنّي رددت باب وجهي واستكنت
عرفت أنّها
تنسى حزام خصرها
في العربات الفارهة
أسقط فى أنياب اللحظات الدنسةِ
أتشاغل بالرشفة من كوب الصمت المكسور
بمطاردة فراش الوهم المخمورِ
أتلاشى فى الخيط الواهن:
ما بين شروع الخنجر والرقبةِ
ما بين القدم العاربة وبين الصحراء الملتهبةِ
ما بين الطلقة والعصفور والعصفور
يهتزّ قرطها الطويل
يراقص ارتعاش ظلّه
على تلفّتات العنق الجميل
وعندما تلفظ بذر الفاكهة
وتطفىء التبغة فى المنفضة العتيقة الطراز
تقول عيناها: استرح!
والشفتان شوكتان
تبقين أنت: شبحًا يفصل بين الأخوين
وعندما يفور كأس الجعة المملوء
فى يد الكبير:
يقتلك المقتول مرتين
أتأذنين لي بمعطفى
أخفى به
عورة هذا القمر الغارق فى البحيرة
عورة هذا المتسوّل الأمير
وهو يحاور الظلال من شجيرة إلى شجيرة
يطالع الكفّ لعصفور مكسّر الساقين
يلقط حبّة العينين
لأنه صدّق ذات ليلة مضت
عطاء فمك الصغير
عطاء حلمك القصير[٣]

قصيدة: خطاب غير تاريخي

ها أنتَ تَسْترخي أخيرًا
فوداعًا
يا صَلاحَ الدين
يا أيُها الطَبلُ البِدائيُّ الذي تراقصَ الموتى
على إيقاعِه المجنونِ
يا قاربَ الفَلِّينِ
للعربِ الغرقى الذين شَتَّتتْهُمْ سُفنُ القراصِنة
وأدركتهم لعنةُ الفراعِنة
وسنةً بعدَ سنة
صارت لهم “حِطينْ”
تميمةَ الطِّفِل, وأكسيرَ الغدِ العِنّينْ
جبل التوباد حياك الحيا
وسقى الله ثرانا الأجنبي
مرَّتْ خيولُ التُركْ
مَرت خُيولُ الشِّركْ
مرت خُيول الملكِ النَّسر
مرتْ خيول التترِ الباقينْ
ونحن جيلًا بعد جيل في ميادينِ المراهنة
نموتُ تحتَ الأحصِنة
وأنتَ في المِذياعِ, في جرائدِ التَّهوينْ
تستوقفُ الفارين
تخطبُ فيهم صائِحًا: “حِطّينْ”
وترتدي العِقالَ تارةً,
وترتدي مَلابس الفدائييّنْ
وتشربُ الشَّايَ مع الجنود
في المُعسكراتِ الخشِنة
وترفعُ الرايةَ
حتى تستردَ المدنَ المرتهنة
وتطلقُ النارَ على جوادِكَ المِسكينْ
حتى سقطتَ أيها الزَّعيم
واغتالتْك أيدي الكَهَنة!
(وطني لو شُغِلتُ بالخلدِ عَنه)
(نازعتني لمجلسِ الأمنِ نَفسي!)
نم يا صلاحَ الدين
نم تَتَدلى فوقَ قَبرِك الورودُ
كالمظلِّيين
ونحنُ ساهرونَ في نافذةِ الحَنينْ
نُقشّر التُفاحَ بالسِّكينْ
ونسألُ الله “القُروضَ الحسَنة”
فاتحةً:
آمينْ.[٤]

قصيدة: لا تصالح

لا تُصالحْ!
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك
حسُّكما فجأةً بالرجولةِ
هذا الحياء الذي يكبت الشوق حين تعانقُهُ
الصمتُ مبتسمين لتأنيب أمكما وكأنكما
ما تزالان طفلين
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أنَّ سيفانِ سيفَكَ
صوتانِ صوتَكَ
أنك إن متَّ:
للبيت ربٌّ
وللطفل أبْ
هل يصير دمي بين عينيك ماءً؟
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء
تلبس فوق دمائي ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب
إنها الحربُ
قد تثقل القلبَ
لكن خلفك عار العرب
لا تصالحْ
ولا تتوخَّ الهرب
لا تصالح على الدم حتى بدم
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ
أكلُّ الرؤوس سواءٌ
أقلب الغريب كقلب أخيك
أعيناه عينا أخيك
وهل تتساوى يدٌ سيفها كان لك
بيدٍ سيفها أثْكَلك
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم
جئناك كن يا أمير الحكم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
واغرس السيفَ في جبهة الصحراءِ
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسًا
وأخًا
وأبًا
ومَلِك!
لا تصالح
ولو حرمتك الرقاد
صرخاتُ الندامة
وتذكَّر
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاص مهم الابتسامة)
أن بنتَ أخيك “اليمامة”
زهرةٌ تتسربل في سنوات الصبا
بثياب الحداد
كنتُ، إن عدتُ:
تعدو على دَرَجِ القصر،
تمسك ساقيَّ عند نزولي
فأرفعها وهي ضاحكةٌ
فوق ظهر الجواد
ها هي الآن صامتةٌ
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها،
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها ذات يوم أخٌ!
من أبٍ يتبسَّم في عرسها
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه،
لينالوا الهدايا
ويلهوا بلحيته -وهو مستسلمٌ-
ويشدُّوا العمامة
لا تصالح!
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا فجأةً،
وهي تجلس فوق الرماد
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ؟
وكيف تصير المليكَ
على أوجهِ البهجة المستعارة
كيف تنظر في يد من صافحوك
فلا تبصر الدم
في كل كف؟
إن سهمًا أتاني من الخلف
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم الآن صار وسامًا وشارة
لا تصالح،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف
لا تصالح
ولو قال من مال عند الصدامْ
ما بنا طاقة لامتشاق الحسام
عندما يملأ الحق قلبك
تندلع النار إن تتنفَّسْ
ولسانُ الخيانة يخرس
لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟
كيف تنظر في عيني امرأة
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الغرام؟
كيف ترجو غدًا لوليد ينام
كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام
وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟
لا تصالح
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام
وارْوِ قلبك بالدم..
واروِ التراب المقدَّس
واروِ أسلافَكَ الراقدين
إلى أن تردَّ عليك العظام!
لا تصالح
ولو ناشدتك القبيلة
باسم حزن “الجليلة”
أن تسوق الدهاءَ
وتُبدي لمن قصدوك القبول
سيقولون:
ها أنت تطلب ثأرًا يطول
فخذ الآن ما تستطيع:
قليلاً من الحقّ
في هذه السنوات القليلةِ
إنه ليس ثأرك وحدك،
لكنه ثأر جيلٍ فجيل
وغدًا
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً
يوقد النار شاملةً
يطلب الثأرَ
يستولد الحقَّ
من أَضْلُع المستحيل
لا تصالح
ولو قيل إنّ التصالح حيلة
إنه الثأرُ
تبهتُ شعلته في الضلوع
إذا ما توالت عليها الفصول
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس)
فوق الجباهِ الذليلة!
لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ
كنت أغفر لو أنني متُّ
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ
لم أكن غازيًا
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم
لم أمد يدًا لثمار الكروم
أرض بستانِهم لم أطأ
لم يصح قاتلي بي: “انتبه”!
كان يمشي معي
ثم صافحني
ثم سار قليلًا
ولكنه في الغصون اختبأ
فجأةً:
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين
واهتزَّ قلبي كفقاعة وانفثأ
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم
لم يكن في يدي حربةٌ
أو سلاح قديم،
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ.[٥]

قصيدة: ضد من؟

في غُرَفِ العمليات,
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ
لونُ المعاطفِ أبيض
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ, أرديةُ الراهبات
الملاءاتُ
لونُ الأسرّةِ, أربطةُ الشاشِ والقُطْن
قرصُ المنوِّمِ, أُنبوبةُ المَصْلِ
كوبُ اللَّبن
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ
بشاراتِ لونِ الحِدادْ؟
هل لأنَّ السوادْ
هو لونُ النجاة من الموتِ,
لونُ التميمةِ ضدّ الزمنْ
ضِدُّ منْ؟
ومتى القلبُ في الخَفَقَانِ اطْمأَنْ؟
بين لونين: أستقبِلُ الأَصدِقاء
الذينَ يرون سريريَ قبرًا
وحياتيَ دهرًا
وأرى في العيونِ العَميقةِ
لونَ الحقيقةِ
لونَ تُرابِ الوطنْ![٦]

قصيدة: إلى صديقة دمشقية

إذا سباكِ قائدُ التتار
وصرتِ محظيّة
فشدّ شعرًا منك سعار
وافتضّ عذرية
واغرورقت عيونك الزرق السماوية
بدمعة كالصيف، ماسيّة
وغبت في الأسوار
فمن ترى فتح عين الليل بابتسامة النهار؟
ما زلتِ رغم الصمت والحصار
أذكر عينيك المضيئتين من خلف الخمار وبسمة الثغر الطفولية
أذكر أمسياتنا القصار
ورحلة السفح الصباحية
حين التقينا نضرب الأشجار
ونقذف الأحجار
في مساء فسقية[٧]

قصيدة: الطيور

الطيورُ مُشردةٌ في السَّموات
ليسَ لها أن تحطَّ على الأرضِ
ليسَ لها غيرَ أن تتقاذفَها فلواتُ الرّياح!
ربما تتنزلُ
كي تَستريحَ دقائقَ
فوق النخيلِ النجيلِ التماثيلِ
أعمِدةِ الكهرباء
حوافِ الشبابيكِ والمشربيَّاتِ
والأَسْطحِ الخرَسانية
(اهدأ, ليلتقطَ القلبُ تنهيدةً, والفمُ العذبُ تغريدةً
والقطِ الرزق)
سُرعانَ ما تتفزّعُ
من نقلةِ الرِّجْل
من نبلةِ الطّفلِ
من ميلةِ الظلُّ عبرَ الحوائط
من حَصوات الصَّياح!
الطيورُ معلّقةٌ في السموات
ما بين أنسجةِ العَنكبوتِ الفَضائيِّ: للريح
مرشوقةٌ في امتدادِ السِّهام المُضيئةِ
للشمس
رفرفْ..
فليسَ أمامَك
والبشرُ المستبيحونَ والمستباحونَ: صاحون
ليس أمامك غيرُ الفرارْ
الفرارُ الذي يتجدّد كُلَّ صباح[٨]

قصيدة: من أوراق أبو نواس

الورقة الأولى
ملك أم كتابة؟
صاح بي صاحبي, وهو يلقى بدرهمه في الهواءِ
ثمّ يلقفه
خارجين من الدرس كنّا و حبر الطفولة فوق الرداء
والعصافير تمرق عبر البيوت
وتهبط فوق النخيل البعيد
ملك أم كتابة؟
صاح بي فانتبهت، ورفّت ذبابة
حول عينين لامعتين
فقلت: “الكتابة”
فتح اليدّ مبتسمًا؛ كان وجه المليك السعيد
باسمًا في مهابة.[٩]

للقراءة عن حياة الشّاعر، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: نبذة عن أمل دنقل.

المراجع[+]

  1. “خمس أغنيات إلى حبيبتي”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  2. “البكاء بين يدي زرقاء اليمامة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  3. “الوقوف على قدم واحدة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  4. “خطاب غير تاريخي”، أنفاس، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  5. “لا تصالح”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  6. “ضد من؟”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  7. “أمل دنقل”، أبجد، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  8. “الطيور”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.
  9. “من أوراق أبو نواس”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-23.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب