X
X


موقع اقرا » الآداب » مفاهيم ومصطلحات أدبية » أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس

أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس


مناسبة مرثية الرندي للأندلس 

لماذا رثى أبو البقاء الأندلس؟

مرثية الرندي هي لقائلها صالح بن يزيد الرندي، وقد ولد في رندة في القرن السّابع الهجري، والمعروف أنَّ تلك الفترة كانت هي فترة ضعف الوجود الإسلامي في الأندلس، وكان الرّثاء قد عرف طريقه إلى الأندلس سواء كان رثاء أشخاص أم رثاء مدن زائلة، وكانت مناسبة قصيدة رثاء الأندلس هي بكاء المدن التي سلّمها ملوك الطوائف والتسهيلات التي قدّمها أولئك الملوك للصليبيين؛ من أجل المحافظة على ملكهم الوهمي الذي لم يبق منه سوى الغناء والجواري التي سلبها منهم الصليبيون آخر المطاف.[١]

كان بنو الأحمر قد أسّسوا دولتهم في غرناطة فالتجأت معظم الأسر الأندلسيّة إليها يعد سقوط الممالك الأندلسية واحدة تلو الأخرى، وجادت قرائح الشعراء بما جادت به من رثاء المدن التي تم تسليمها إلى الصليبيين من قبل، ومحاولة من الشاعر أن يستصرخ ملوك إفريقيا وبنو مرين حتى يلحقوا بمعاقل الأندلس التي يقضي عليها بنو الأحمر واحدًا تلو الآخر بتسليمها للصليبيين.[١]

السياق التاريخي لمرثية الرندي للأندلس

مَن حكم غرناطة في أواخر عهدها؟

لقد انتهى عصر الأندلس ذات القوة الإسلاميَّة التي تُقهقر العدو في القرن السابع الهجري، ولم يعد للملوك من طاقة لحماية عروشهم التي أقاموها على الغواني، فكان الحل هو تقديم التنازلات بشكل متوال حماية لملكهم الوهمي، وكان القاطع بأمر الصليبيين في تلك الفترة هو ألفونش الذي استطاع بمكره أن ينتزع بلاد الأندلس من أهلها، ولمّا كانت غرناطة آخر معاقل الأندلس خاف بنو الأحمر -حاكموها- على سلطانهم، فصار ألفونش يسلبهم السور تلو الآخر والضيعة تلو الثانية حتى تنازلوا عن مئة وخمس مسورٍ من المسورات في شرق الأندلس.[٢]

أثار ذلك من حفيظة الشعراء وأطلق ألسنتهم في رثاء الأندلس، وكان من بينهم أبو البقاء الرندي الذي جعل من قصيدته علمًا في الرثاء الأندلسي، والمقصود من قصيدته هو استصراخ أهل العدو لإنقاذ الأندلس من السقوط في يد ألفونش كاملة.[٢]

مضمون قصيدة الرندي في رثاء الأندلس 

ما المحاور التي أتى عليها الرندي في قصيدته؟

يبدأ أبو البقاء الرندي قصيدته في حكمة وعظية يشد بها انتباه المتلقي تتفق مع سياق القصيدة بأكملها بأن كلّ شيء إذا ما تمَّ فإنّه سيأخذ طريقه إلى الزوال، وبذلك يكون المضمون الأول الذي يتم تأكيده في ذهن المتلقي هو الزوال الذي لا بدّ أن يأتي على ملك الجميع، ثمّ يأتي بعد ذلك الشّاعر على تأكيد فكرة الزوال وذلك من خلال تساؤلات يطرحها ليس المقصود من ورائها الإجابة وإنما التذكير بمآل جميع الملوك الذين قضت الحياة أن يتركوا تيجانهم وينتعلوا القبور.[٣]

ثمّ يأتي بعد ذلك على الحديث الذي يريد أن يأتي عليه وهو ذكر سقوط أقطار الأندلس الواحدة تلو الأخرى، ويندب الإسلام الذي لم يعد جسدًا واحدًا ويبكي المآذن والمنابر التي اندثرت وصارت الصلبان مكانها والنواقيس، ثم يأتي الشاعر في أبياته على المعاني فينسجها معًا مستخرجًا منها أروع استغاثة لمن هم وراء البحر يعيشون في أمنٍ وسلام وكأنّ الأندلس لا تعنيهم ولا يهمهم أمرها، ثم يلتفت أخيرًا إلى الذل الذي يعيشه الأندلسيون كبيرهم وصغيرهم بعد العزّ الذي كانوا به، ما ذلك إلا لأنَّهم استغنوا عن الإسلام وكأنّ التاريخ يُعيد نفسه.[٣]

العاطفة في مرثية الرندي للأندلس

كيف تجلّت مشاعر الرندي في قصيدته؟

إنَّ الرّندي قد استصرخ جميع المواجع علّها تتفق معه في جراحتها فترثي الأندلس التي ما عاد رثاؤها سوى سلو للجراحات التي اشتركت الأمة آن ذاك فيها، العاطفة السائدة في القصيدة هي عاطفة الحزن الذي يعتصر قلب الشاعر على الأندلس التي تسقط أمام عينيه دونما قدرة على إنقاذها، تُخالطه عاطفة القهر والذل الذي يعتصر قلبه عندما يرى ذل الأددلسيين بعد أن كانوا أعزّاء في قومهم، إنّ الرثاء في أصله هو توجّع على الذكريات الجميلة التي مضت، إنّ الكلمات التي اختارها الرندي في قصيدته كانت كافية لتصف حالة الألم التي يعيشها الشاعر وكيف تحوّل كل ما كان إلى سرابٍ لا يُسمن ولا يُغني من جوع.[٤]

أبيات قصيدة الرندي في رثاء الأندلس 

فيما يأتي أبيات القصيدة التي قالها أبو البقاء راثيًا الأندلس.

قصيدة: لكلّ شيء إذا ما تمّ نقصان:[٥]

لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ

فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ

هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ

مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ

وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ

وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ

يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتمًا كُلَّ سابِغَةٍ

إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ

وَيَنتَضي كُلَّ سَيفٍ للفَناء وَلَو

كانَ ابنَ ذي يَزَن وَالغِمد غمدانُ

أَينَ المُلوكُ ذَوي التيجانِ مِن يَمَنٍ

وَأَينَ مِنهُم أَكالِيلٌ وَتيجَانُ

وَأَينَ ما شادَهُ شَدّادُ في إِرَمٍ

وَأينَ ما ساسَه في الفُرسِ ساسانُ

وَأَينَ ما حازَهُ قارونُ من ذَهَبٍ

وَأَينَ عادٌ وَشدّادٌ وَقَحطانُ

أَتى عَلى الكُلِّ أَمرٌ لا مَرَدّ لَهُ

حَتّى قَضوا فَكَأنّ القَوم ما كانُوا

وَصارَ ما كانَ مِن مُلكٍ وَمِن مَلكٍ

كَما حَكى عَن خَيالِ الطَيفِ وَسنانُ

دارَ الزَمانُ عَلى دارا وَقاتِلِهِ

وَأَمَّ كِسرى فَما آواهُ إِيوانُ

كَأَنَّما الصَعبُ لَم يَسهُل لَهُ سببٌ

يَومًا وَلا مَلَكَ الدُنيا سُلَيمانُ

فَجائِعُ الدُهرِ أَنواعٌ مُنَوَّعَةٌ

وَلِلزَمانِ مَسرّاتٌ وَأَحزانُ

وَلِلحَوادِثِ سلوانٌ يُهوّنُها

وَما لِما حَلَّ بِالإِسلامِ سلوانُ

دهى الجَزيرَة أَمرٌ لا عَزاءَ لَهُ

هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَاِنهَدَّ ثَهلانُ

أَصابَها العينُ في الإِسلامِ فاِرتزَأت

حَتّى خَلَت مِنهُ أَقطارٌ وَبُلدانُ

فاِسأل بَلَنسِيةً ما شَأنُ مرسِيَةٍ

وَأَينَ شاطِبة أَم أَينَ جيّانُ

وَأَين قُرطُبة دارُ العُلُومِ فَكَم

مِن عالِمٍ قَد سَما فِيها لَهُ شانُ

وَأَينَ حمص وَما تَحويِهِ مِن نُزَهٍ

وَنَهرُها العَذبُ فَيّاضٌ وَمَلآنُ

قَوَاعد كُنَّ أَركانَ البِلادِ فَما

عَسى البَقاءُ إِذا لَم تَبقَ أَركانُ

تَبكِي الحَنيفِيَّةُ البَيضَاءُ مِن أَسَفٍ

كَما بَكى لِفِراقِ الإِلفِ هَيمَانُ

عَلى دِيارٍ منَ الإِسلامِ خالِيَةٍ

قَد أَقفَرَت وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ

حَيثُ المَساجِدُ قَد صارَت كَنائِس ما

فيهِنَّ إِلّا نَواقِيسٌ وصلبانُ

حَتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ

حَتّى المَنابِرُ تَبكي وَهيَ عيدَانُ

يا غافِلًا وَلَهُ في الدهرِ مَوعِظَةٌ

إِن كُنتَ في سنَةٍ فالدهرُ يَقظانُ

وَماشِيًا مَرِحًا يُلهِيهِ مَوطِنُهُ

أَبَعدَ حِمص تَغُرُّ المَرءَ أَوطانُ

تِلكَ المُصِيبَةُ أَنسَت ما تَقَدَّمَها

وَما لَها مِن طِوَالِ المَهرِ نِسيانُ

يا أَيُّها المَلكُ البَيضاءُ رايَتُهُ

أَدرِك بِسَيفِكَ أَهلَ الكُفرِ لا كانوا

يا راكِبينَ عِتاق الخَيلِ ضامِرَةً

كَأَنَّها في مَجالِ السَبقِ عقبانُ

وَحامِلينَ سُيُوفَ الهِندِ مُرهَفَةً

كَأَنَّها في ظَلامِ النَقعِ نيرَانُ

وَراتِعينَ وَراءَ البَحرِ في دعةٍ

لَهُم بِأَوطانِهِم عِزٌّ وَسلطانُ

أَعِندكُم نَبَأ مِن أَهلِ أَندَلُسٍ

فَقَد سَرى بِحَدِيثِ القَومِ رُكبَانُ

كَم يَستَغيثُ بِنا المُستَضعَفُونَ وَهُم

قَتلى وَأَسرى فَما يَهتَزَّ إِنسانُ

ماذا التَقاطعُ في الإِسلامِ بَينَكُمُ

وَأَنتُم يا عِبَادَ اللَهِ إِخوَانُ

أَلا نُفوسٌ أَبيّاتٌ لَها هِمَمٌ

أَما عَلى الخَيرِ أَنصارٌ وَأَعوانُ

يا مَن لِذلَّةِ قَوم بَعدَ عِزّتهِم

أَحالَ حالَهُم كفرٌ وَطُغيانُ

بِالأَمسِ كانُوا مُلُوكًا فِي مَنازِلهِم

وَاليَومَ هُم في بِلادِ الكُفرِ عُبدانُ

فَلَو تَراهُم حَيارى لا دَلِيلَ لَهُم

عَلَيهِم من ثيابِ الذُلِّ أَلوانُ

وَلَو رَأَيت بُكاهُم عِندَ بَيعهمُ

لَهالَكَ الأَمرُ وَاِستَهوَتكَ أَحزانُ

يا رُبَّ أمٍّ وَطِفلٍ حيلَ بينهُما

كَما تُفَرَّقُ أَرواحٌ وَأَبدانُ

وَطفلَة مِثلَ حُسنِ الشَمسِ إِذ برزت

كَأَنَّما هيَ ياقُوتٌ وَمُرجانُ

يَقُودُها العِلجُ لِلمَكروهِ مُكرَهَةً

وَالعَينُ باكِيَةٌ وَالقَلبُ حَيرانُ

لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ

إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ

المراجع[+]

  1. ^ أ ب زياد لفتة، أبو البقاء الرندي حياته وشعره، صفحة 331. بتصرّف.
  2. ^ أ ب جغام ليلى، رثاء المدن بين سقوط الأندلس وأحداث الثلاثاء الأسود، صفحة 4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب دربة حجازي، تحليل الخطاب الشّعريّ قصيدة أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس، صفحة 15. بتصرّف.
  4. دربة حجازي، تحليل الخطاب الشعريّ قصيدة أبي البقاء الرُّندي في رثاء الأندلس، صفحة 15. بتصرّف.
  5. “لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 24/3/2021.






X
X
X

اللهم اجعلنا ممن ينشرون العلم ويعملون به واجعله حجه لنا لا علينا

تصميم وبرمجة شركة الفنون لحلول الويب