علامات الزوج المنافق
علامات الزوج المنافق
يُقصد هنا بالزوج المنافق النفاق الأصغر، إذ يُظهِر خلاف ما يُبطن في العلاقة مع زوجته، خلافاً لِما أباحه الشّرع من إباحة الكذب على الزوجة بحدودها الضيقة وضوابطها المحددة، وهذا النوع من النفاق جاءت به السنة.[١]
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ)،[٢] وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ)،[٣] وبيان هذه الصفات فيما يأتي:
إذا حدث كذب
الكذب هو عدم مطابقة الخبر للواقع، وقد يكون في حق النفس وحق الغير،[٤] وهو من أقبح الصفات التي يجب على المسلم الابتعاد عنها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ كَذّابًا).[٥]
والكذب في عمومه مذموم ومنهي عنه؛ لما يسبّبه من مضرةٍ وتضليل وتغييرٍ للحقائق، ويزرع ذلك الشك في قلب الزوجة تجاه زوجها؛ فتنعدم الثقة بينهما وتزداد الخلافات، خلافاً للكذب الذي يُباح في حالات ضيقة وبضوابط معينة؛ كالكذب لإصلاح ذات البين، والكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بين الزوجين، فلا يعد هذا النوع من الكذب نفاقاً بين الزوجين.[٦]
وذلك لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا. قالَ ابنُ شِهابٍ: ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها).[٧]
إذا وعد أخلف
الوفاء بالوعود والعهود من الأمور المطلوبة شرعاً بين المسلمين، لقوله -تعالى-: (وَأَوفوا بِالعَهدِ إِنَّ العَهدَ كانَ مَسئولًا)،[٨] فمن أخلف وعده ونكث فيه دخل في جملة المنافقين، وكذلك حال الزوج مع زوجته، فعلى الزوج أن يفي بوعوده تجاه زوجته من باب الأولى، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَقُّ ما أوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أنْ تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُمْ به الفُرُوجَ).[٩]
إذا اؤتمن خان
الأمانة عكس الخيانة، وهو مصطلح واسع يشمل أموراً كثيرة، ويعد حفظ الأسرار بين الزوجين من الأمانة، وأشد الخيانة تكون بإفشاء أسرار الزوجية القائمة أساساً على الستر والخصوصية، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).[١٠]
والزوج الأمين يرعى زوجته ويكرمها ويحافظ عليها ويرحمها، ويشعرها بالأمان ولا يخونها، والغيرة المذمومة في الأزواج هي تلك التي تدعوهم إلى ترقّب عثرات زوجاتهم، أو التجسس عليهن وتخوينهن، فقد جاء في الحديث: (نَهَى رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ ).[١١][١٢]
وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)،[١٣] فالحديث صريح في وجوب المحافظة على الأمانة، وحفظ الأسرار بين الزوجين.
إذا خاص م فجر
قال النووي في شرح مسلم:“وإن خاص م فجر”؛ أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب، وقال أهل اللغة: وأصل الفجور الميل عن الحق، وعلى هذا فالفجور في الخصام هو المبالغة فيه والميل عن الحق،[١٤] ومنه إن وقع خلاف بين الزوجين؛ فإن خاص م الزوج زوجته مثلاً أو احتكما إلى أحد من الأقارب أو إلى القضاء، سواء في خصومة مالية أو حقوقية بينهما، فإنه قد يفجر؛ أي يبالغ في الخصومة ويدعي ما ليس له، أو ينكر ما كان عليه.
أثر الزوج المنافق في الحياة الزوجية
قد يتّصف الزوج بالنفاق؛ كمن يظهر أنه صادق أو وفي أو أمين، ويبطن الكذب والغدر والخيانة ونحو ذلك، فهذا هو النفاق الأصغر الذي يكون صاحبه فاسقاً، ولصفة النفاق أثرٌ خطيرٌ في الحياة الزوجية وغيرها، فقد يتعكّر صفو الحياة الأسرية بسبب ذلك؛ مما يؤدي إلى صعوبة التعامل معه من قِبل الزوجة، وقد تتدمّر الحياة الزوجية بينهما لسوء هذا الخلق.
والأصل في الزواج أن يكون مبنياً على الوضوح والصراحة والمكاشفة بين الزوجين؛ واحترام كل طرف للآخر وخصوصيته، ليكون زواجاً تترتب عليه آثاره الحقيقية التي شرعه الإسلام لأجلها؛ كالمودة والسكن وحسن العشرة بين الزوجين؛ لإقامة أسرة متماسكة ومترابطة فيها من الأخلاق ما يحبه الله -تعالى- ورسوله -عليه الصلاة والسلام-.
ماهية النفاق
النفاق هو إخفاء أمر في النفس وإظهار عكسه للناس، والنفاق من أخطر الصفات التي نفّر الله -عز وجل- منها، وذمّ فاعلها، ورتّب عليها أشد العقوبة، قال -تعالى-: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)،[١٥] وهو على نوعين:[١]
- النفاق الأكبر
وهو النفاق الاعتقادي؛ أي في أصل الدين، وهو مخرج من الإسلام، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار إذا لم يتُبْ.
- النفاق الأصغر
وهو النفاق العملي؛ أي النفاق في فروع الدين، وهو دون الكفر، لكنه اختلاف بين السريرة والعلانية.
المراجع
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 173.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6059، حديث صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:34، حديث صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، موسوعة الأخلاق الإسلامية الدرر السنية، صفحة 122. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:2607، حديث صحيح.
- ↑ حسام الدين عفانة، فتاوى يسألونك، صفحة 414.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم كلثوم بنت عقبة، الصفحة أو الرقم:2605، حديث صحيح.
- ↑ سورة الإسراء، آية:34
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عقبة بن عامر، الصفحة أو الرقم:5151، حديث صحيح.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:8
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:715، حديث صحيح.
- ↑ حسين بن محمد المهدي، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق ولاحكم والأمثال، صفحة 526.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:1437، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الاسلامية، صفحة 859.
- ↑ سورة النساء، آية:138